Thursday, November 27, 2014

التعليم... صناعة أجيال وصياغة أفكار

التعليم... صناعة أجيال وصياغة أفكار

إن السياسة التعليمية في السودان قائمة على التغريب والتجهيل، فالتدهور المستمر في مستوى جودة التعليم بكافة مستوياته واضح للعيان بلا بيان، والحقيقة أن هناك أزمة تعليمية كبيرة وهي أزمة ناتجة من سياسة تعليمية فاشلة، سياسة قائمة على إملاءات الغرب التي تعتمد على تغريب أبناء الأمة عن حضارتهم العظيمة، وجعلهم بلا هُوية حضارية تعبر عن عقيدتهم ومنظومتهم الفكرية والتشريعية العظيمة...
إليكم بعض الأمثلة التي تدلل على فساد المنظومة التعليمية وما آلت إليه من تردٍّ خطير:
1/ لا منهجية يؤسس عليها التعليم!، فما هي الغاية من العملية التعليمية التربوية بأسرها، الجواب: (إخراج جيل مسخ يعيش غربة عن أمته وحضارته بل وتراثها الحضاري والتشريعي كله)، فالسياسة الاستعمارية في التعليم تعتمد على المناهج التي تقطع الصلة بين المسلمين والعقيدة الإسلامية، وذلك من خلال تعزيز مفاهيم العلمانية والديمقراطية وغيرها من المفاهيم التي تفرض سيادة الحضارة العدوة لنا (الحضارة الغربية)... وقد وضع الإنجليز هذه السياسات قبل خروج جيوشهم من السودان في 1956م. فـ(كتشنر) ذلك القائد المتوحش الحاقد على الإسلام والمسلمين، الذي قام - في سبتمبر 1898م بعد تبشيعه بجيش المهدية في معركة (كرري) ودخوله لأم درمان العاصمة - بمبادرة وحشية عندما أمر بإخراج جثة الإمام محمد أحمد المهدي وتمزيقها وأخذ جمجمة المهدي وإرسالها إلى بريطانيا انتقاما من المهدي لما فعله بـ(غوردون) وحاميته. فمنعت الصلاة والآذان لعامين متتاليين في أم درمان عاصمة الدولة المهدية... هذا المجرم هو ذاته الذي أسس للنظام التعليمي في السودان عبر تشييده لكلية (غوردون باشا)، جامعة الخرطوم حالياً، والتي تخرجت منها العقول المؤسسة لمناهج التعليم في كل بقاع السودان!، حتى صار المسلم في بلادنا أمره عجباً، يُصلي في الصف الأول بالمسجد فيخرج ليضع قانوناً يبعد أمر الله من بين البشر تحت قبة البرلمان!... أما اليوم فإنّ أمريكا وأوروبا العجوز ومؤسساتهم الاستعمارية هي التي تشرف عن كثب على منهاج التعليم في بلادنا فتطلب تغيير المناهج وحذف آيات الجهاد، وإلغاء المواد التي تفاصل بين المسلم والكافر...، والهدف النهائي هو إنتاج الشخصيات التي تحمل أيدلوجيات غربية رأسمالية غريبة عن أمتها... ناهيك عن تعمد إدراج الأخطاء فيما يتعلق بالإسلام، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما أوردته صحيفة التيار بتاريخ 2014/11/8م: "كشفت باحثة تحمل درجة الدكتوراة في جامعة الجزيرة عن 21 خطأ طباعة في الآيات القرآنية المدرجة في المنهج الدراسي للعلوم الإسلامية بالمرحلة الثانوية. وقالت د. فتحية عبد الله الأستاذ المساعد بكلية علوم الاتصال بجامعة الجزيرة في حوار معها نشرته صحيفة الجزيرة اليوم...، قالت إنها أجرت بحثا في المنهج كشفت من خلاله هذه الأخطاء وأضافت أنها أبلغت الجهات المختصة بذلك وكتبت خطابات ورسائل متعددة بما فيها خطاب إلى مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي بالاتحادية، لكنها لم تجد رداً ولم يتم تعديل الأخطاء!... وما زال العمل جارياً بهذه الطبعة. وأوضحت فتحية أن الأخطاء المطبعية توجد داخل الآيات القرآنية الدالة على بعض الأحكام في الطبعة الثانية المنقحة من كتاب القرآن وعلومه للصف الأول الثانوي 2009، وقالت هذه الأخطاء لا توجد بالطبعة القديمة من نفس المنهج!". ويحكم ماذا تفعلون؟!.
2/ مستوى أداء المعلمين متردٍّ جداً، والأسباب تتوزع ما بين اقتصادية واستراتيجية وغيرها، ومن أهم الأسباب أن لا منظومة تدريبية مُحكمة ولا غير مُحكمة!، والطامة الكبرى أن وزارة التربية والتعليم في السودان تتفق معي على هذا التقييم!، نقلت صحيفة أخبار اليوم في 2014/9/21م الآتي: "التربية تقر بتأثير ضعف تدريب المعلمين على تحصيل الطلاب، مسؤول التدريب يشدد على حتمية إعداد دليل تدريبي للمعلمين... أقرت وزارة التربية والتعليم العام بضعف تدريب المعلمين أثناء الخدمة مما انعكس سلباً على التحصيل الأكاديمي للتلاميذ خاصة في اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات".
3/ يقول أحد أبرز النواب البرلمانيين السودانيين في ما نقلته عنه صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 2009/11/7م: "نائب برلماني: التعليم متدن والمناهج قائمة على التحفيظ ولا تنمي قدرات التلاميذ"، والحقيقة أن طرق التدريس فاشلة مفشلة للأجيال!، فالطرق المتبعة تركز على الحفظ المجرد في التعليم دون الفهم، أي أنها لا تركز على بناء المفاهيم من خلال ربط الأفكار بالوقائع بطريقة واضحة، وهذا الأمر هو الذي أدى إلى الخروج عن طريقة التفكير العقلية التي اتبعتها الحضارة الإسلامية فأنشأت جيلاً مبدعاً عالماً، وذلك في كافة ضروب المعرفة، سواءً العلوم التجريبية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء؛ أو العلوم الشرعية الإسلامية، فمثلاً يُدرس الإسلام بطريقة نظرية دون ربطه بالواقع المعاش للمسلم، ولا يحصل الربط إلا في الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والأخلاق، مع ذكر لبعض أحكام الميراث والنكاح والطلاق والغسل والجنابة، وأهملت الأحكام الأخرى التي تتعلق بالمعاملات وشؤون الحكم والسياسة، والشؤون الاقتصادية والمعاملات الخارجية.
4/ لا بنية تحتية مؤهلة لتصنع مناخاً تعليمياً وتربوياً صالحاً، فإنفاق الدولة على التعليم يبلغ أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي في الموازنة! [الصحافة - 2012/02/19م]، وهذا يدلل على عدم اكتراث النظام بصناعة أجيال متعلمة ناهضة: ﴿سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾.
5/ إن منظومة التعليم في السودان تحتاج لإعادة بناءٍ بأكملها، بناءٍ ينتظم كافة أركان منظومة التعليم بدءاً بالأُسس التعليمية مروراً بالمناهج وانتهاءً بالمعلمين والمتعلمين وبيئة التعليم!... والغريب العجيب بحقٍ أن وزارة التربية والتعليم في السودان تدرك هذا الأمر حق الإدراك، ولكنها لا تتخذ أية خطوات في سبيل الحل!، نقلت صحيفة التغيير في 2014/2/11م ما نصه: "وزراة التعليم: تعليم جيد النوعية هو حلم طالماً راود أولياء الأمور عندنا في السودان، فالكثير من الأبناء يتخرجون وكأنهم لم يدخلوا مدارس يوماً، أمر محزن أن تكون المنظومة التعليمية بكاملها في حاجة إلى إعادة صياغة أو أبجدية جديدة"!!.
نظام التعليم في دولة الخـلافة الراشدة
إن نظام التعليم في دولة الخـلافة الراشدة يقوم على الأحكام الشرعية المنبثقة عن العقيدة الإسلامية، سواء في أسس التعليم المنهجية، أو المواد التي يجب أن تدرس سواءً للذكور أو الإناث وفق خصوصية أمر بها الإسـلام العظيم. وبذلك نعمق الشخصية الإسلامية في الأجيال الناشئة، لتُنشأ وفق منظومة الإسـلام العظيم؛ فيكونوا بحق خير خلف لخير سلف...
إن دولة الخـلافة الراشدة هي التي رفعت شأن العلم والعلماء، فكانت مؤسسات تعليمنا هي زهرة الدنيا؛ علماً وتعليماً وثقافة وأدباً وفكراً... حتى إن أوروبا كانت ترسل صفوة صفوة أبنائها للدراسة في دولة الخـلافة!، فقد أرسل ملك إنجلترا (جورج الثاني) رسالة إلى خليفة المسلمين (هشام الثالث) في الأندلس، هذا نصها: "من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين، في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام، وبعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان، ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز، تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن. ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص. من خادمكم المطيع جورج ملك إنجلترا." [انتهى].
فكان جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث كالآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد: إلى ملك إنجلترا وايكوسيا واسكندنافيا الأَجل... اطلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا والسلام. خليفة رسول الله في ديار الأندلس هشام الثالث." [انتهى]. [المصدر: كتاب "العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى"، للمؤرخ الإنجليزي السير جون دوانبورت].
إن دولة الخـلافة الراشدة قادرة وبجدارة على النهوض بالتعليم من المستنقع الخطير الذي آل إليه، لا لترجعه لسابق مستواه قبل ثورة الإنقاذ في 1989م!، بل لتوصله إلى المكانة العلية التي ينشدها الإسلام العظيم، وذلك عبر جملة أمور منها:
1. التنفيذ الفوري لما ورد في الدستور الذي أعده حزب التحرير المادة (170): "يجب أن يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس".
2. يُركز على العلوم التجريبية في مختلف مراحل التعليم بهدف تطوير الإنتاج والتطور التكنولوجي الحديث (كعلوم الفضاء والعلوم النووية والإشعاعية والبرمجيات المتطورة)، بحيث تصبح الخـلافة الراشدة قوةً رائدة لكل العالم في مجالات الابتكار الصناعي والصحي والهندسي، والمتطلبات العلمية التكنولوجية الأخرى للوجود الإنساني.
3. يخصص وقت كاف لتعلم اللغة العربية والعلوم الإسلامية حتى يتم بناء الأطفال على الفكر التشريعي الإسلامي... ليطبقوه منذ أول يوم بشكل عملي، ويتم تشجيع وحث الطلاب ليصبحوا أكفاء في فهم الأحكام الشرعية والقضائية من أجل فهم كيفية تطبيق الإسلام في معترك الحياة.
4. يكون التعليم بالمجـان وليس بالجيب الملآن؛ لجميع الطلاب مسلمين وغير مسلمين.
5. تشيد الدولة المكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين الذين يرغبون في مواصلة الأبحاث في شتى المعارف من فقه وأصول فقه وحديث وتفسير، ومن فكر وطب وهندسة وكيمياء، ومن اختراعات واكتشافات وغير ذلك، حتى يوجد في الأمة حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين.
6. تربط كل المؤسسات التعليمية بشبكات إلكترونية (صوتية ومرئية)، لسهولة التبادل المعرفي والتكنولوجي بين الطلاب في مختلف ولايات الدولة من المشرق للمغرب، فذلك حافز للمنافسة العلمية التكنولوجية بين الطلاب.
7. يوضع برنامج تطويري وتدريبي لقدرات المعلمين في كافة مراحل التعليم، للنهوض بمستوياتهم التعليمية يوماً بعد يوم.
8. يصرف على التعليم بقدر حاجته، من أبواب الملكيات العامة وملكية الدولة حسب اجتهاد الخليفة وتبنيه في حينه.
9. إن لم يكن في بيت المال ما يكفي للإنفاق على المؤسسات التعليمة، فيقوم الخليفة بفرض ضرائب على الأغنياء من فضول أموالهم، لمعالجة الحالة الطارئة، فالتعليم خطر أحمر عند دولة الخـلافة الراشدة على منهاج النبوة.
10. لا ينظر للمؤسسات التعليمية على اعتبار أنها مؤسسات ربحية تدر مالاً على الدولة، بل إن الدولة تنفق عليها دون عائد، فهي مؤسسات تعليمية مهمتها صناعة الأجيال وصياغة الأفكار.
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس محمد هاشم
05 من صـفر 1436
الموافق 2014/11/27م

No comments:

Post a Comment