ابحاث فكرية وسياسية

البحث الأول: 

نظرة في قضية المعرفة

حاتم الشامي
تعتبر قضية المعرفة، الحاصلة قديما والمطلوبة حديثا، في بنية الثقافة العربية من القضايا الإشكالية التي كثر الحديث حولها والنقاش والتفكير فيها في وقتنا الحالي. ويلاحظ بعد مراجعة لعدد من الأدبيات التي تتصل بهذا الأمر هيمنة "ثنائية ضدية" لدى التعامل مع هذه القضية الأمر الذي يوضح جوهر الإشكالية فيها.
 إذ تبرز الإشكالية من خلال طرح فكرتين أساسيتين هما: فكرة "الموروث" أو "التقليدية"، في إزاء ومقابل فكرة "الحداثة" أو "العصرنة"، رغم محاولات البعض مد الجسور والعلائق بينهما. ولذلك كان السؤال الأهم الذي يقفز إلى الذهن فورا هو في تحديد موقف واضح أو ضبابي من "التقليدية" والتراث في الجانب المعرفي في سياق العبور إلى عصر جديد بعد تغيير الفكر السائد في المجتمع وإحلال المعرفة التي يرسي الأرضية للنهوض.

إن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة مفاده: هل المعرفة المنتجة والمؤثرة هي التي تستند إلى التراث والموروث الديني، أم هي المعرفة التي تقطع علاقتها بالماضي نظرا لاختلاف الظروف والأوضاع وعدم ملائمة الماضي للواقع الحالي، وتستند في وجودها إلى العقل الذي يفكر ضمن المعطيات والاعتبارات والمصالح العامة؟ والجواب على هذا السؤال هو الذي يرسم ويوضح معالم التحول المعرفي في الثقافة العربية من عدمه. لذلك كان البحث في هذه القضية يحتاج إلى حسم حتى لا يبقى المجتمع في فراغ ودون هوية واضحة تبرز كينونته وصفاته، وكي يتجاوز أزمته المعرفية ويستعيد توازنه بعد فقدانه لهويته وشخصيته.
إن انفصال المعرفة عن الإسلام - كموروث ديني - يعني التنظير للعلمانية، ونحن بحاجة إلى تجديد الفكر الإسلامي، ونقصد بالتجديد إعادة الشيء إلى أصله بهدف تجاوز الأزمة المعرفية نحو التقدم والتطور وتحقيق النهضة كما كانت قائمة في الماضي
  •  
لكن معرفة الأسباب التي أدت إلى اختفاء الهوية الثقافية الإسلامية، وتوقف المجتمعات العربية عن إنتاج المعرفة والثقافة، وإصابة العقل العربي بالعطب والجمود أمر مهم في هذا السياق ويصعب تجاوزه. فهيمنة الاستعمار المعرفية على ثقافة العالم العربي والإسلامي، وأوضاعه، ومفردات حياته اليومية، مدخل حاسم في النقاش. لقد أدت تلك الهيمنة إلى أن يبقى تفكير العقل العربي ضمن مصلحة الاستعمار، وغابت المنهجية العلمية والعملية في التفكير حتى لا تؤدي إلى تحقيق تغيير تعامل العقل العربي مع البيئة وظروفها ومكوناتها الإنسانية والمجتمعية خارج دائرة الاستهلاك الفكري والسلعي. وفي ظل غياب النظام السياسي الراشد تداخلت المعرفة الفقهية في معالجة ما ينتج من مشكلات تتعلق بالمكون السلوكي للإنسان ونظرته للحياة وما بعدها، مع الإنتاج المعرفي سواء التجريبي أو المادي. 

كان الإسلام أحد أهم العوامل الذي ساهم في إحداث التغيير الثقافي والمعرفي لدى العرب. فكان الجانب التشريعي لتنظيم العلاقات الإنسانية واضحا، وهذا لا يحتاج إلى تغيير وتبديل لأنها أنظمة مستوحاة من الوحي أولا مع إمكانية الاختلاف ضمن دائرة النص في المعالجات، وثانيا لأنها أنظمة ثبت مناسبتها للإنسان ولا مدخل فيها لعامل الزمن. وفي المقابل، فإن هذا التراث لا يمنع من مواكبة التطور المادي من حيث الوسائل المادية والتكنولوجية بل يشجعها ويدعمها، ولعل الأسماء الكبيرة كابن الهيثم والرازي دليل على أنها ليست بعيدة.

إن انفصال المعرفة عن الإسلام - كموروث ديني - يعني التنظير للعلمانية، ونحن بحاجة إلى تجديد الفكر الإسلامي، ونقصد بالتجديد إعادة الشيء إلى أصله بهدف تجاوز الأزمة المعرفية نحو التقدم والتطور وتحقيق النهضة كما كانت قائمة في الماضي.

No comments:

Post a Comment