Wednesday, October 27, 2021

جريدة الراية: جواب سؤال: ما وراء العطل الذي أصاب الفيسبوك؟

 جريدة الراية: جواب سؤال: ما وراء العطل الذي أصاب الفيسبوك؟

 

20 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

السؤال: عقدت أمريكا يوم 14/10/2021 مؤتمراً دوليا يتعلق بمحاربة الجريمة في المجال السيبراني بمشاركة 30 دولة ولم توجه دعوة لروسيا ولا للصين. وكان العمل في الفيسبوك قد توقف مساء يوم الاثنين 4/10/2021 حيث لم يتمكن مئات الملايين من الناس في العالم فجأة من استخدام فيسبوك وما يتبعها من واتس أب وإنستغرام واستمر الانقطاع نحو 6 ساعات. وفي اليوم التالي عقد مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع لموظفة سابقة في الفيسبوك... فما وراء هذا الأمر؟ هل هو خطأ فني أم مفتعل؟ وإن كان فما حقيقته؟ ثم هل هناك علاقة بين ذلك وبين ما هو معروف من أن جماعة التكنولوجيا قد دعمت بايدن في الانتخابات ضد ترامب؟

الجواب: في حادث لم يحصل مثله منذ 13 عاماً انقطعت خدمات فيسبوك وتوابعها واتس أب وماسنجر لمدة 6 ساعات يوم الاثنين 4/10/2021 مسببةً اضطراباً كبيراً لشركة فيسبوك أولاً ولقطاع التكنولوجيا ثانياً. وباستعراض ما جرى يتبين ما يلي:

أولاً: هذا الانقطاع يعد الأسوأ منذ 2008 حيث انقطعت خدمات فيسبوك وواتس أب وإنستغرام وماسنجر عن 3.5 مليار مستخدم حول العالم، وصاحب ذلك تراجع قياسي لسهم الشركة بلغ 15% بما يشبه الانهيار وتراجعت أسهم معظم شركات التكنولوجيا بشكل كبير فبلغ تراجع تويتر 5.7% وباقي الشركات بدرجات متفاوتة. وطغت خسائر أباطرة التكنولوجيا على الأخبار العالمية، فحسب جريدة المصري اليوم 5/10/2021 فقد خسر زوكربيرغ المساهم الأكبر في فيسبوك حوالي 6 مليار دولار (وفي بعض التقادير 7) يليه جيف بيزوس مالك شركة أمازون بخسارة بلغت 4.8 مليار دولار، ثم لاري بايغ وسيرجي براين - شركة غوغل بخسارة تزيد عن ملياري دولار لكل منهما، ثم ستيف بالمر - شركة مايكروسوفت بخسارة بلغت 1.6 مليار دولار، وكذلك كبار أغنياء التكنولوجيا... ومن بين أكبر عشرة أثرياء هم الأكثر خسارةً كان هناك ثري صيني واحد هو ما هواتينغ - شركة تينسنت بخسارة قاربت المليار دولار، وأما التسعة الآخرون فقد كانوا من الأمريكيين. وبهذا يتضح بأن انقطاع خدمات شركة فيسبوك وملحقاتها واتس أب وماسنجر وإنستغرام قد كانت بمثابة ضربة قاسية لقطاع التكنولوجيا الأمريكي برمته، ولم تتأثر الصين بذلك، بل كانت الدولة الوحيدة الناجية من هذه الضربة لأنها تحظر تطبيقات فيسبوك وملحقاتها، ونقلت صدى البلد، 5/10/2021 عن شبكة "آر تي" الروسية قولها: "إن العالم تأثر بينما غردت الصين منفردة عن بقية العالم، وذلك لأنها تملك حزمتها من تطبيقات التواصل الاجتماعي الخاصة بها". وما يزيد من خطورة وحساسية ما حصل أن قطاع التكنولوجيا الأمريكي من أكبر قطاعات الاقتصاد في أمريكا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه كان الممول الأكبر للحملة الانتخابية للرئيس الديمقراطي بايدن ومن أعداء الرئيس السابق الجمهوري ترامب الذي كان مدعوماً من قطاع الطاقة خاصة شركات النفط في أمريكا ما قد يوحي بالأبعاد السياسية لهذا الخلل الكبير الذي أصاب شركة فيسبوك بشكل كبير ومباشر وشركات تكنولوجيا أخرى بشكل أقل.

ثانيا: وبالتدقيق فيما حصل نجد أن شركة فيسبوك تعرضت لعملية اختراق (تخريب) كبيرة، وفي الوقت نفسه تعرضت شركات تكنولوجية أخرى عملاقة وأمريكية لعمليات تخريب لم يكن النجاح فيها بحجم ما حصل في فيسبوك وتوابعها، وهذه العملية إما أن تكون هجوماً سيبرانياً من بعض الجهات التي تملك مخالب إلكترونية كروسيا أو الصين... أو عملية داخلية من الشركة نفسها كرسالة موجهة لأعداء الشركة بأن الشركة تستطيع إيذاءهم بقطع الخدمات ولو بضع ساعات... أو هو خطأ تقني عادي من موظف في الشركة... أو من باب الانتقام يقوم به ترامب وجماعته لوقوف هذه الشركات وراء سقوطه في الانتخابات ومن ثم فوز بايدن... وفيما لا يزال الأمر يكتنفه شيء من الغموض إلا أن هناك بعض الأخبار التي تشير إلى السبب، أو ترجحه على النحو التالي:

1- أما عن روسيا والصين فهناك من قال إنهما وراء الهجوم الخارجي، فقد عقدت الولايات المتحدة قمة عبر الإنترنت لـ30 دولة لبحث موضوع فرعي من الهجمات السيبرانية هو "برامج الفدية" (آر تي، 13/10/2021) ولم تدع إليها روسيا، وهذه البرامج تكبد الشركات الأمريكية خسائر تقارب نصف مليار دولار سنوياً عندما يقوم قراصنة بسرقة بيانات من تلك الشركات وطلب الفدية مقابل إعادة تلك البيانات على أن يكون الدفع عبر العملات الرقمية المشفرة، ومعظم هذه الهجمات تأتي من روسيا، وتذرعت أمريكا في عدم دعوتها لروسيا بأنها تناقش مسألة الأمن الإلكتروني مع روسيا بشكل منفرد، وعلى الرغم من أن أمريكا قد اتهمت روسيا فعلاً بالمسؤولية عن العديد من الهجمات الإلكترونية خلال السنوات بل الشهور الفائتة إلا أن افتراض أن روسيا أو الصين هي من يقف خلف الهجوم على فيسبوك يعتبر أمراً مرجوحاً ومستبعداً من وجوه عدة:

أ- فالشركة نفسها تستبعد هذا الاحتمال، (وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن فيسبوك يستبعد الهجوم الإلكتروني وراء وقف خدماته مع واتساب وإنستغرام. العربية، 4/10/2021)

ب- ومن ناحية أخرى فإن روسيا التي اتهمت بهجمات إلكترونية ضد مؤسسات أمريكية أواخر حقبة ترامب لا شك صارت تخشى وبقوة من أي أعمال قرصنة أو هجمات من طرفها ضد أمريكا، وذلك أن هذا الموضوع قيد البحث بين الطرفين قبل القمة بين الرئيسين بايدن وبوتين في 16/6/2021 وبعدها وأن أمريكا تطالب روسيا بالتحرك ضد من يقوم بهجمات إلكترونية من روسيا ضد مصالح أمريكية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة، إنه طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال هاتفي، التحرك لوقف الهجمات الإلكترونية التي تنطلق من بلاده ضد شركات ومصالح أمريكية، وعادة ما يطلب المتسللون فدى مقابل الإفراج عن بيانات جرى الإستيلاء عليهقال الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة، إنه طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال هاتفي، التحرك لوقف الهجمات الإلكترونية التي تنطلق من بلاده ضد شركات ومصالح أمريكية، وعادة ما يطلب المتسللون فدى مقابل الإفراج عن بيانات جرى الإستيلاء عليهومن ناحية أخرى فقد كان الرئيس الأمريكي بايدن شديداً للغاية في الرد على الهجمات الإلكترونية، (حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن هجوما إلكترونيا كبيراً على الولايات المتحدة يمكن أن يؤدي إلى "حرب حقيقية" مع قوة كبرى. وكالة سبوتنيك الروسية، 28/7/2021).

ج- أما الصين فإن جهودها للقرصنة أقل من روسيا، (قالت شركة "مايكروسوفت" إن روسيا كان لها نصيب الأسد من عمليات القرصنة التي ترعاها الدولة والتي اكتشفتها الشركة خلال العام الماضي بنسبة بلغت 58%... قالت مايكروسوفت في تقرير "الدفاع الرقمي السنوي" الثاني الذي تصدره والذي يغطي الفترة من يوليو 2020 وحتى يونيو 2021، إن الصين على الجانب الآخر كانت مسؤولة فقط عن أقل من واحد من كل عشر محاولات اختراق تدعمها دولة ورصدتها مايكروسوفت... العربية 4/10/2021).

وهكذا فإن افتراض أن روسيا أو الصين هي من يقف خلف الهجوم على فيسبوك لا يزال ضعيف الاستدلال.

2- أما أن الشركة قد وقع فيها خطأ تقني، فقد ورد هذا الاحتمال من مصادر:

أ- (حسب وكالة رويترز فإن عددا من موظفى فيسبوك "رفضوا نشر أسمائهم" أخبروا رويترز أن الخطأ ناتج من داخل الشركة وأن الانقطاع سببه خطأ داخلي في كيفية توجيه حركة الإنترنت إلى أنظمتها. وأرجعت فيسبوك في بيان لها أن الخطأ الذي أدى لانقطاع الإنترنت هو ما يعرف بـ"faulty configuration change" أو تغيير ملفات التكوين والذي أثر على تغيير توجيه فيسبوك من شبكة الإنترنت وسحبها من NVRAM والذي أدى بدوره إلى تغيير ذاكرة الكتابة ونسخ قيد التشغيل فعندما تم توجيهها مرة أخرى لم يعد أي شيء كما كان. صدى البلد، 5/10/2021).

ب- (قدّمت شركة "فيسبوك" اعتذارها بسبب العطل الذي طرأ على كامل تطبيقاتها عبر شبكة الإنترنت، وكشفت شركة فيسبوك، فجر اليوم الثلاثاء، عن الأسباب التي أدّت إلى انقطاع خدمات منصاتها "فيسبوك، إنستغرام، وواتس آب". وقالت الشركة في بيان إنّها تعتقد أنّ السبب الرئيسي لانقطاع خدمة الاتصال هو" تعديل خاطئ في إعدادات أجهزة الراوتر الرئيسية تسببت بحدوث مشاكل أدت إلى انقطاع خدمة الاتصال"... الميادين، 5/10/2021).

ولكن هذا كذلك احتمال ضعيف ومرجوح، فلا يمكن افتراض أن يكون كل ذلك مجرد خطأ تقني وذلك للأسباب التالية:

أ- فالأخطاء التقنية يقوم بها شخص واحد في العادة ولا يقوم بها أشخاص عدة في التوقيت نفسه، وإنه من المستبعد أن شخصاً واحداً مهما كان منصبه التقني في الشركة قادر على تعطيل شركة بحجم فيسبوك وكل فروعها ماسنجر وواتس أب وإنستغرام التي لها إدارات منفصلة، فهذه الشركة يعمل بها 20 ألف موظف في مهمات الأمن والسلامة فقط عبر الإنترنت، ناهيك عن باقي الموظفين، فقطع هذه الشركة العملاقة وفروعها الضخمة عن الإنترنت يستحيل أن يكون بيد موظف واحد!

ب- ثم إن هذا الخطأ كان كبيراً ومركباً ومعقداً، ففضلاً عن أنه حجبها بالكامل عن الإنترنت وكبدها خسائر تصل إلى 50 مليار دولار من قيمتها السوقية فإنه (جعل من مسألة عرض النطاق الخاص بها "www.facebook.com" المسمى domain للبيع ممكناً بالمزاد العلني على الانترنت لبعض الوقت... الجزيرة نت، 6/10/2021)، وكذلك فإنه وفق اليوم السابع 5/10/2021 فقد أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن الموظفين لم يكونوا قادرين على فتح أبواب المبنى والوصول إلى الخوادم لإصلاح الخطأ، كما نقلت المصري اليوم 5/10/2021 عن نيويورك تايمز "أن شركة فيسبوك أرسلت فريقا من الموظفين إلى مركز بيانات الشركة في كاليفورنيا لإعادة تفعيل الخوادم يدويا".

3- وأما أن الشركة قد قامت بهذا الخطأ متعمدة كرسالة موجهة لمن يحاول إيذاءها، فقد وردت أقوال حول ذلك ومنها:

أ- قيل إن العطل تمثل في أن فيسبوك قد قام بسحب ما يسمى "بروتوكول بوابة الحدود" أو Border Gateway Protocol route التي يشار إليها اختصارا بـ"BGP". وبروتوكول بي جي بي "BGP" يعد بمثابة الطريق أو الخريطة الذي تسلكه البيانات للوصول إلى الموقع، وبدونها لا يستطيع المستخدم الوصول. وكتوضيح بمثال مبسط فإن فكرة بروتوكول بي جي بي "BGP" تماثل فكرة برنامج الجي بي إس الذي نستخدمه في هواتفنا الذكية لنعرف الطريق الأفضل للمكان الذي نتجه إليه بسياراتنا أو سيراً على الأقدام. وباختصار سقط موقع Facebook وتوابعه كواتساب وماسنجر وإنستغرام من تلك الخرائط والطرق التي توصل بعضها ببعض، وذلك بفعل سحب فيسبوك ما يسمى (بروتوكول بوابة الحدود).

ب- وقيل أيضاً إن شركة فيسبوك نفسها هي من تقف وراء تعطيل عمل المنصة ومنتجاتها، ويمكن أن شركة فيسبوك أرادت من هذا الانقطاع المقصود أن يقوم مهندسو الشركة خلال فترة التوقف بعمل مسح شامل وإلغاء لكافة المسائل الحساسة التي تحدثت عنها تسريبات الموظفة السابقة (فرانسيس هوغن) بالشركة، وذلك خوفاً مما قد ينتج عن الجلسة التي سيعقدها الكونغرس الأمريكي للاستماع إلى شهادة الموظفة السابقة بشان أضرار الشبكة النفسية...

وبتدبر هذه العوامل بأن فيسبوك نفسها وراء هذا التعطيل بشكل متعمد، أقول بتدبره يتبين أن هذه العوامل ضعيفة الحجة:

أ- إن ما حدث سبّب للشركة خسائر مالية كبيرة والشركات الرأسمالية تركز على المكسب المالي والسمعة التجارية في عملها، فقيمها مادية بحتة، ولهذا فإنه من المستبعد أن تقوم داخلياً بتخريب ذاتي يسبب لها خسارة هائلة، وسمعة سيئة إلا إذا كان المكسب المالي من وراء ذلك أكبر ويعوض تلك السمعة... وليس هناك ما يدل على ذلك وفق ما جرى من أحداث، وكل هذا يجعل احتمال التخريب الداخلي متعمداً من الشركة أو من موظفيها أمراً مرجوحاً...

ب- أما أن يكون الانقطاع متعمدا من فيسبوك لإلغاء (كافة المسائل الحساسة التي تحدثت عنها تسريبات الموظفة السابقة فرانسيس هوغن في الشركة) فإن مسألة الاستماع لشهادة موظفة فيسبوك السابقة في مجلس الشيوخ كان مقرراً قبل الانقطاع، وحدوثه كان في اليوم التالي للانقطاع أي في 5/10/2021 والانقطاع كان في 4/10/2021، لكن هذا لا يمنع أن تكون الشركة قد توقعت تسريبات من الموظفة، خاصة وأن كلمتها في الكونجرس كان موعدها معلنا مسبقاً، فأن تقرر الشركة ذلك الانقطاع قبل يوم من كلمتها احتياطاً فهو أمر ممكن حيث إنها قبل يوم واحد من انقطاع خدمة فيسبوك ظهرت على شاشة تلفزيون سي بي إس الأمريكي في برنامج 60 دقيقة الشهير لتوجه سهام غضبها للفيسبوك ورئيسها وبعد يوم من الانقطاع كانت المقابلة مع مجلس الشيوخ بهجوم أشد، لكن هذا لا يجعل الشركة تتعمد الخطأ لتخسر من ورائه هذه المبالغ الهائلة!

4- وأما أن وراء ما حصل هو ترامب ومجموعته من باب الانتقام لوقوف الشركة مع بايدن ضده في الانتخابات، فقد قيل ذلك:

أ- خلال إدارة ترامب، تعرضت بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى للهجوم من قبل ترامب لترويجها لأخبار كاذبة، وقد رحب الكثيرون بفوز الديمقراطيين في عام 2020. وكانت شركات تكنولوجيا وادي السيليكون الممول الأكبر للحملة الانتخابية للرئيس الديمقراطي بايدن ضد الرئيس السابق الجمهوري ترامب الذي كان مدعوماً من قطاع الطاقة خاصة شركات النفط في أمريكا ما قد يوحي بالأبعاد السياسية لهذا الخلل الكبير الذي أصاب شركة فيسبوك...

ب- كانت هناك مشكلة كبيرة بين الحكومة وشركات التكنولوجيا عندما شن ترامب حرباً تجارية مع الصين. تضررت شركة آبل من الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة على بعض منتجاتها الإلكترونية الاستهلاكية، والتي يتم توريدها وتجميعها واستيرادها من الصين. أُجبر رئيس شركة آبل، تيم كوك، على التواصل مع البيت الأبيض، وحتى المشاركة في العديد من فرق العمل التابعة للإدارة، كطريقة لمراقبة الضرر الذي يمكن أن تلحقه سياسات ترامب التجارية بشركة آبل.

ج- أما ما جاء من أقوال الموظفة السابقة هوغن فهي تؤيد الحزب الجمهوري، ولفهم واقعها نذكر الملاحظات التالية:

* بعد أن تركت عملها في شركة فيسبوك أخذت تركز غضبها وانتقادها لمؤسس الشركة زوكيربيرغ، أي أنها ارتقت مرتقىً صعباً، وهذا يشير إلى أن جهة ما تقف خلفها... ثم إنها قامت بإرسال تلك الوثائق المسربة إلى صحيفة وول ستريت جورنال، (قبل مغادرتها الشركة - فيسبوك - في أيار/مايو، أخذت فرانسيس هوغن معها مستندات داخلية للشركة وأرسلتها خصوصا إلى صحيفة وول ستريت جورنال. وفي مقال نُشر منتصف أيلول/سبتمبر، كشفت الصحيفة اليومية استناداً إلى هذه المعلومات، أن الشركة كانت تجري بحوثا حول شبكة إنستغرام التابعة لها منذ ثلاث سنوات لتحديد تأثيراتها على المراهقين. دوتشيه فيليه الألمانية، 4/10/2021) وهذه الصحيفة محافظة ومؤيدة للحزب الجمهوري كما جاء في الجزيرة 28/10/2007 (وول ستريت جورنال ليست صحيفة اقتصادية فحسب بل لها أيضا مواقف سياسية، فهي ذات توجه محافظ وشديدة التأييد لإسرائيل كما يبدو ذلك في صفحة الرأي منها. وهي تؤيد الحزب الجمهوري ولها علاقة بالمحافظين الجدد... الجزيرة، 28/10/2007م). وكما جاء أيضاً في ويكيبيديا - القسم الألماني: (إن مجلة وول ستريت جرونال هي ذات توجه محافظ وتميل إلى الجمهوريين).

 * وما يشير أيضاً إلى العلاقة المحتملة لهذه المسألة بالحزب الجمهوري أن هذه الموظفة كانت مديرة برنامج النزاهة المدنية في فيسبوك، وهو برنامج يهدف إلى كبح التضليل في المعلومات والتهديدات الأخرى لأمن الانتخابات، ومعلوم بأن مسألة الانتخابات الرئاسية 2020 كانت صاخبة للغاية وكان التوتر الشديد سيد الموقف بين الحزبين، والظاهر أن الحزب الجمهوري وجماعة ترامب كانوا على اتصال بهذه الموظفة وهي على رأس عملها لفضح معاداة فيسبوك للجمهوريين...

د- قالت هذه المسؤولة فرانسيس هوغن أمام الكونغرس يوم 5/10/2021 ("إن الشركة تندفع وراء المزيد من الأرباح في حين لا تبدي اهتماما بسلامة المستخدمين وأعلنت خلال جلسة الاستماع في الكونغرس: "إن فيسبوك تحجب المعلومات وتقوم بالتضليل أيضا حين يتم الاستفسار بشأنها... وإن مارك زوكربيرغ (صاحب الفيسبوك) يمكنه التحكم بشكل فردي وهو مسؤول عن تصميم الخوارزميات... وإن 70% من موظفي فيسبوك يشعرون بعدم نزاهة الشركة. وإنه لا يمكن لفيسبوك إصلاح الخلل تجاه التعامل مع الأطفال من دون تدخل من الكونغرس... موقع إرم 6/10/2021).

5- وخلاصة ذلك كله ترجح أن ترامب ومجموعته كانوا هم وراء ذلك الاختراق (التخريب) في شركة فيسبوك وتوابعها... وكذلك وراء التركيز على مفاسد فيسبوك وخاصة محتويات برامجها التي تضر بالأطفال والمراهقين والفتيات ما أوقع فيسبوك وخاصة رئيسها زوكربيرغ في حرج شديد... وقد أوجد هذا شبه رأي عام ضد فيسبوك ورئيسها المؤيد للحزب الديمقراطي ما دام الأمر متعلقاً بضرر الأطفال والمراهقين والفتيات وقد يوجد حرجاً كذلك لبايدن إن سكت عن اتخاذ إجراءات ضد الشركة ورئيسها ولكن من غير المتوقع أن تكون إجراءات في العمق بل دون ذلك كأسلوب (ترضية) للرأي العام.

6- وفي الختام فهؤلاء بأسهم بينهم شديد... والقيم عند الرأسماليين الظالمين المفسدين قائمة على المنفعة الشخصية حتى لو ألحقت ضرراً بالآخرين، وإن كانوا إخوانهم أو أهل ملتهم إن كانت لهم ملة! ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، إنهم ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، إنها لمأساة أن يتحكم هؤلاء في العالم فيفسدوه ولا يصلحوه، ففاقد الشيء لا يعطيه...

إن صلاح العالم يكون بقوم يحبهم الله ويحبونه، تظلهم راية الخلافة الراشدة... قيمُهم رضوان الله ورسوله، يحبون الخير لإخوانهم كما يحبونه لأنفسهم ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

السابع عشر من ربيع الأول 1443هـ

24/10/2021م

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: حكامنا أجسام غريبة في جسد الأمة

 جريدة الراية: حكامنا أجسام غريبة في جسد الأمة

 

20 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

جاء في موسوعة ويكيبيديا: (الجسم الغريب، ويقصد به أي جسم دخيل غير مرغوب فيه، أو هو أي شيء يأتي من خارج الجسم). وقد أجمع الناس العقلاء والعلماء على ضرورة طرد الأجسام الغريبة من الجسد، فإذا دخل العينَ شيءٌ من الغبار أو الشظايا فإن الأطباء يسارعون إلى إزالته، وإذا بلع طفلٌ قطعة نقدية أو ما شاكل ذلك فإنه ينقل فورا إلى قسم الطوارئ لإخراجه ومعالجة آثاره، وإذا انزلق دبوس حجاب في حلق امرأة، أو اخترقت رصاصةٌ جسم إنسان، فإن حالة الاستنفار القصوى تسيطر على المشهد حتى يتم إخراجها، وإزالة الآثار السلبية التي سببتها. حتى الاجتماعات ذات الدعوات المحددة فإنها تَعتبر غيرَ المدعوين متطفلين وأجساما غريبة، وهكذا دواليك. ولم يثبت أن جسما غريبا قد دخل إلى جسد سليم أو مريض وكانت فيه فائدة لذلك الجسم، اللهم إلا أن يكون دواءً مجربا أو تطعيما معتمدا بعد دراسات طبية مستفيضة.

يقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. قال قتادة: (هم المنافقون تولوا اليهود ما هم منكم ولا منهم يقول: ليس المنافقون من اليهود ولا من المسلمين بل هم مذبذبون بين ذلك، وكانوا يحملون أخبار المسلمين إليهم). قال السدي ومقاتل: (نزلت في عبد الله بن أبي وعبد الله بن نبتل المنافقيْن؛ كان أحدهما يجالس النبي ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا النبي في حجرة من حجراته إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل - وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية - فقال عليه الصلاة والسلام: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل ذلك. فقال له النبي : فعلت، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت هذه الآية).

وهذا يدل على أن جسد الأمة الإسلامية نقي طاهر، ونظيف متجانس، لا يقبل أي جسم غريب، وإذا حصلت ظروف قاهرة، ودخل أي جسم غريب إلى جسدها النقي الطاهر، والنظيف المتجانس، فإنها تهب إلى إخراجه وطرده وإتلافه. فالمنافقون جسم غريب في جسد الأمة الإسلامية، وخطرهم عليها كبير، ولذلك نبهنا الله إلى خطرهم في غير موضع من القرآن الكريم، وبشرهم بالعذاب الأليم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾. وحذرنا من مرافقتهم، قال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.

ومعلوم أن جسد الأمة معرض لدخول الأجسام الغريبة إليه من الأعداء المتربصين، وقد ثبت بالوجه الشرعي والدليل القطعي أن من أخطر الأجسام الغريبة التي دخلت في هذا الجسد خلال القرن الماضي هم الحكام الأشرار، وذلك بعد هدم الخلافة العثمانية في ظروف سياسية معتمة، وأحوال اقتصادية متردية، وأجواء دولية ضاغطة، نتج عنها تمزيق بلاد المسلمين إلى دويلات ضرار وطنية، ونصب الكفار المستعمرون على رأس كل مزقة منها حاكما غيرَ مبايع من أهل الحل والعقد فيها، ولا يحكمها بما أنزل الله، فكانوا هم وزمرهم كالأجسام الغريبة في جسد الأمة الإسلامية، تفتك بها وتؤلمها وتؤرقها.

وقد أوجب الإسلام بقاء العقيدة والشريعة والأمة والدولة نقية دون أي شوائب، وألزمنا أن لا تثبت فيها قدم لمنافق، وأن تكون الدولة قائمة على الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي بعلة شرعية، لا يدخل إليها شيء من الرأسمالية أو الاشتراكية أو الوطنية أو القومية، وأن يكون دستورها وقوانينها إسلامية بحتة لا تقبل أن يدخل إليها قانون ليس من جنسها، وأن يكون اقتصادها مبنيا على أحكام شرعية تنظم كسب المال والتصرف فيه دون الشوائب الربوية أو غير ذلك من مبتدعات الاقتصاد الرأسمالي وغيره، وأن تكون حياتها الاجتماعية طاهرة لا يعكر صفوها اختلاط ولا مجون ولا انحراف ولا تسيب، أعراضها مصانة، وأنسابها محفوظة، وجرائمها الأخلاقية لا تكاد تذكر، وهكذا يجب أن تكون في سياستها ورعايتها وطعامها وشرابها، وجميع مناحي حياتها، وفي قيمها ومساجدها ومقدساتها، ونخص بالذكر مسجدها الأقصى في بيت المقدس، والذي يتعرض للتهويد والتقسيم الزماني والمكاني، كما فُعل بالمسجد الإبراهيمي في الخليل. ففي سابقة قضائية، وللمرة الأولى منذ احتلال المسجد الأقصى المبارك أصدرت محكمة تابعة لكيان يهود قرارا يسمح لليهود بأداء صلوات صامتة فيه، ما يشكل عدوانا صارخا على المسجد الأقصى، وإعلانا واضحا لحرب تتجاوز المماحكات السياسية الفارغة، والوصاية الشكلية الهشة، إلى عدوان على الدين والمقدسات، وتفتح الطريق أمام الأجسام الغريبة من قطعان المستوطنين والمتطفلين المطبعين لمزيد من الاقتحامات والتدنيسات لهذا المكان الطاهر والمقدس.

فيا جيوش المسلمين: إن صرخات المسجد الأقصى تتعالى وتتصاعد، فإذا لامست أسماعكم وحركت نخوتكم فهبوا لنجدته، وشدوا الرحال إليه فاتحين ومحررين، وكونوا كعمر والمعتصم وصلاح الدين، حرروه من قيوده، ولا تكتفوا بالزيت يسرج في قناديله!

لقد أصاب أمتنا ما أصابها من العنت والجور والنقص في كل ما هو نافع، وطفحت على جلدها آثار الأجسام الغريبة التي شوهت جمالها، ونخرت عظامها، وهزت كيانها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها، وقد آن الأوان أن نحدد من هم منا ومن هم ليسوا منا، وأن نقرر من هو صاحب البيت ومن هو الغريب، وأن نسد الثغرات التي تسللت منها الشوائب والأجسام الغريبة إلى جسد أمتنا فأمرضته، وجعلته كالرميم. وأخطر هذه الأجسام الغريبة هم الحكام الأشرار الذين أوقفوا نمو أمتنا وجعلوها في ذيل الأمم، وفتحوا المجال لدخول كل جسم غريب إلى جسدها، فشوهتها حتى لا يكاد المرء يعرفها.

فلنبادر إلى العمل الجاد المفضي إلى إزالة هذه الأجسام الغريبة، حتى يتعافى جسد الأمة الإسلامية ويعود إلى سابق عهده أيام الخلافة الراشدة الأولى وما بعدها من عهود الخير والجهاد والفتوحات وطاعة الله ورسوله، والتي لا يكون فيها الحاكم جسما غريبا عن الأمة، كونه مبايعا على السمع والطاعة للحكم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله ، وذلك بالعمل مع العاملين الجادين لإقامة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة، الموعودة من الله عز وجل، والمبشَّر بها من رسوله ، ففيها عز الدنيا والآخرة.

بقلم: الشيخ عصام عميرة – بيت المقدس

جريدة الراية: سعارٌ أمريكي لتعويم النظام السوري تمهيدا للحل السياسي وتثبيتاً لمؤسسات الإجرام

 جريدة الراية: سعارٌ أمريكي لتعويم النظام السوري تمهيدا للحل السياسي وتثبيتاً لمؤسسات الإجرام

 

20 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

كثيرةٌ هي التساؤلات التي تدور هذه الأيام حول حقيقة الموقف الأمريكي مما يجري في سوريا، وخاصة بعد المواقف والتصريحات الأمريكية الأخيرة، الواضحة تارةً، بينما يعتريها شيء من الغموض والتناقض والتخبط تارة أخرى إزاء موقف أمريكا من نظام عميلها أسد واستمراره في سدة الحكم من عدمه.

فما هي دلالات هذه التصريحات وما مدى جديتها؟!

وهل تعكس فعلاً توجهاً أمريكياً جاداً للمجاهرة بتعويم نظام أسد المجرم؟!

وما علاقة ذلك بالحل السياسي الذي وضعت أمريكا أسسه في جنيف1 عام 2012م؟!

وهل تفكر أمريكا فعلاً بسحب قواتها من سوريا على غرار أفغانستان والعراق؟!

وهل يمكن أن تفعل ذلك قبل أن تسبقها روسيا وإيران؟!

هذا ما سنحاول استعراضه والإجابة عنه في السطور القادمة بإذن الله.

ولنعد قليلاً للوراء، لنرى أنه ومنذ انطلاق ثورة الشام عام 2011م، أدركت أمريكا أنها ثورة متميزة عن باقي انتفاضات المنطقة، بوضوح أهدافها وصدق هتافاتها.

ومع اشتداد عودها واتساع رقعتها وسرعة ارتقاء وتبلور مطالب أهلها وتحديدهم لثوابت تضمن نجاحها، ازداد يقين أمريكا أن نظام عميلها أسد بات في خطر حقيقي محدق، وأنه لا بد لها من تحرك جاد وسريع للحيلولة دون سقوطه.

وكعادتها في التعامل مع عملائها، ردحٌ وتراشقٌ أمام وسائل الإعلام وتوافقٌ وتنسيقٌ خلفها، سعت أمريكا من وراء ستار لدعم عميلها ومدّه بأسباب الحياة عبر عملائها وأدواتها في المنطقة لكبح جماح الثورة والالتفاف على مطالب أهلها. وراحت تمده بالمهل الدموية واحدة تلو الأخرى، وراحت تتلطّى خلف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تظهر نفاقاً استياءها من الفيتو الروسي والصيني ضد أي قرار يدين عميلها أسد، بينما تضحك في الخفاء ملء فيها.

وعمدت إلى توزيع أقذر الأدوار على أعدائنا لإجهاض ثورتنا، فأوكلت إلى إيران وحزبها في لبنان والمليشيات الطائفية مهمة إنقاذ النظام، والبطش بمسلمي الشام، ليخضعوا ويقلعوا عن ثورتهم.

ولما عجزوا عن ذلك كان الضوء الأخضر الأمريكي لروسيا بالتدخل عام 2015م، في اليوم التالي للقاء أوباما بوتين في نيويورك.

فيما كان دور المكر والالتفاف والاحتواء من نصيب النظام التركي، ومعه كل من قطر والسعودية والأردن وكل من زعم نفاقاً "صداقة الشعب السوري"، فكان الضخ الرهيب للمال السياسي القذر، لشراء الذمم، وتجميد الجبهات، وحرف المسار، والدفع نحو جريمة الاقتتال بين الفصائل لقتل روح الثورة وتنفير الناس منها ولاستنزاف قوة الثورة والانشغال بالاقتتال عن إسقاط النظام، بالتوازي مع تقسيم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتسليط حكومات وظيفية على رقاب الناس لترهقهم وتشغلهم بقوت يومهم عن هدفهم الذي خرجوا لأجله، مع هدن كارثية ومفاوضات أثيمة يخوضها من نصّبتهم أمريكا كواجهة سياسية ليتحدثوا باسم أهل الشام، والثورة وأهلها منهم براء.

إذاً، ومنذ سنوات الثورة الأولى أطلق أوباما تصريحات مسرحية أن نظام الإجرام قد فقد شرعيته وأنه يجب أن يخضع للمساءلة، فكان أن استخدم النظام كل الأسلحة المحرّمة، بل المفضلة دولياً لوأد الثورة، كالكيماوي وغيره، فما كان من أوباما إلا أن سعى لتنفيس مشاعر الغضب والاحتقان بأساليب شيطانية شتى، مع إعطاء الطاغية مهلاً دموية متكررة، وفرصة تلو الفرصة، للقضاء على الثورة.

وسار على نهجه خلفُه ترامب، الذي قصف مطار الشعيرات ببضعة صواريخ، كانت مثار سخرية الناس وتأكيداً لحقيقة أن من يقف خلف نظام الإجرام ويمده بأسباب الحياة هو أمريكا.

واليوم، ورغم إدراك أمريكا التام أن عميلها في الشام قد احترقت ورقته وسقطت هيبته ولم يعد يصلح لتلبية مصالحها، تجدها تطالعنا بمواقف وتصريحات تبين حقيقة موقفها من استمرار عميلها في الحكم، ولو مؤقتاً.

فمنذ أكثر من عام، طالعنا جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الأسبق إلى سوريا، بالقول إن "أمريكا لا تريد إخراج روسيا من سوريا ولا إسقاط النظام ولا تغيير بشار إنما فقط تعديل في سلوكه".

كما يوافق كلام جيفري ما قاله بلينكن، وزير الخارجي الأمريكي، قبل أيام: "لا نشجع التطبيع مع الأسد ولن نسمح بإعادة الإعمار حتى تتغير تصرفاته".

وفي مطلع الشهر الحالي أعلن الإنتربول الدولي عن رفع الحظر عن نظام الإجرام بعد إبعاده منذ عام 2012م.

فيما فتح النظام الأردني الحدود المغلقة منذ سنوات مع النظام المجرم عبر معبر جابر نصيب. خطوةٌ باركتها أمريكا ثم عادت وقالت إن موقفها من الموضوع "قيد الدراسة"، مع خطوات تطبيع اقتصادي وسياسي من خلال لقاءات مشتركة لمسؤولين أردنيين مع مسؤولين من نظام أسد، مع الحديث عن تسليم الغاز المصري والوقود الأردني إلى لبنان عبر سوريا.

أما إدارة بايدن فقد اتخذت قراراً بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على أسد ضمن قانون قيصر، مع حراك سياسي مصري عراقي لإعادة نظام أسد إلى الجامعة العربية، وإعادة الإمارات والبحرين لفتح سفارتيهما في دمشق

وقد عبر شكري، وزير الخارجية المصري، الناطق فعلياً بما تريده أمريكا عن أمله في أن "تُسفر الجولة المقبلة لأعمال اللجنة الدستورية عن تطورات إيجابية على مسار التسوية السياسية". تصريحٌ يؤكد خطورة لجنة صياغة الدستور كإحدى أدوات أمريكا القذرة للمضي قدماً في تطبيق خطوات الحل السياسي الأمريكي، والتي أنجزت حتى الآن ما يقارب 110 مواد بعيدا عن الضجيج والإعلام.

ويحضرنا هنا تصريح روبرت فورد آخر سفير أمريكي في سوريا: "سيبقى الأسد في السلطة، لا يوجد بديل عملي ولا يمكن تخيل طريقة تستطيع المعارضة السورية عبرها أن تكون قادرة على إجباره على التنحي"!

فأمريكا حتى الآن لم تجد البديل العميل المناسب المقبول شعبياً القادر أن يحل محل بشار.

مع التذكير أن موقف إدارة بايدن الحالي من نظام أسد ليس جديداً. فقد قالها جون كيري عام 2015م، أن طاغية الشام "سيترشح في الانتخابات، وعلى المعارضة أن تحاول ألا ينجح".

فيما صرح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بصفاقة أن "النظام السوري لم يوفر حتى الآن البيئة الآمنة لعودة اللاجئين والنازحين بصورة مستدامة وكريمة". بمعنى أنه وبعد كل جرائمه مرحبٌ به إن أظهر شيئا من التغير في سلوكه الإجرامي!

ومعلوم أن بسام الصباغ لا يزال ممثلاً رسمياً للنظام لدى الأمم المتحدة.

أما صحيفة واشنطن بوست فقد نشرت مقالاً للكاتب جوش روجين يؤكد فيه أن "بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يعاقب المطبعين مع النظام السوري بموجب قانون قيصر".

فيما أعطت واشنطن الضوء الأخضر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لتوسيع تجارة النفط مع نظام أسد، علما أن أحد أهداف عملية غصن الزيتون وبعدها نبع السلام هو دفع الأكراد للارتماء بحضن النظام أكثر فأكثر.

ومن خلال ما سبق، يظهر جلياً محاولات تعويم النظام وإعادة الشرعية له عبر البوابة الاقتصادية والأمنية وحتى السياسية.

وخلاصة القول: فإن أمريكا ليس لديها خيار آخر سوى العمل على تعويم نظام عميلها أسد، كأمر واقع تفرضه على الناس، أملاً منها في كسر إرادتهم، والمحافظة على مؤسسات الدولة، لتعمل لاحقاً على حصر المشكلة بشخص الرئيس، تمهيداً للمرحلة الانتقالية، ولإتمام تنفيذ الحل السياسي الذي يفرضه البطش العسكري. بحيث تبقى المؤسسات القمعية، الأمنية والعسكرية، جاثمةً على صدور الناس، مع دستورٍ علماني خالص يعلن الحرب على دين الله وعباده، مع محاولة تغيير شخص الرئيس إن رأت أمريكا عميلا مناسباً مع ظروف ناضجة لهذا العميل الجديد، وهذا بإذن الله لن يكون ما دام في مسلمي الشام عرق ينبض. فقد أقسموا على إسقاط النظام بدستوره وأركانه ورموزه ومؤسساته القمعية، وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه عبر دولة الخلافة، مهما اشتدت الظروف وبلغت التضحيات. إذ لا تزال كل مقومات الانتصار حاضرةً لدينا، ولا يزال نظام الإجرام يعاني من كل عوامل التصدع والانهيار.

وما علينا إلا الأخذ بأسباب النصر، والالتفاف خلف قيادة سياسية تحمل مشروع خلاص من صميم عقيدة الأمة، ترسم لنا طريق الخلاص وخارطة الطريق للوصول للعاصمة دمشق، بعد التوكل الكامل على الله سبحانه، الذي وعد عباده بالنصر والتمكين، فقال عز من قائل: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

بقلم: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا

جريدة الراية: مؤتمر دعم استقرار ليبيا دعم للتدخل الأجنبي

 جريدة الراية: مؤتمر دعم استقرار ليبيا دعم للتدخل الأجنبي

 

20 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

انعقد في طرابلس يوم 21/10/2021 مؤتمر دولي ليوم واحد باسم "دعم استقرار ليبيا" شاركت فيه 27 دولة و4 منظمات دولية وإقليمية. وتركزت النقاشات فيه على مسارين؛ أمني عسكري وآخر اقتصادي.

وهو أول مؤتمر دولي ينعقد في طرابلس منذ عام 2010؛ وذلك لبعث رسالة بأن هذه الدول تعترف بطرابلس مركزا للدولة الليبية، وقد أشار رئيس الوزراء الليبي الدبيبة إلى ذلك بأن "عقد المؤتمر في طرابلس دليل على استعادة عافيتها ورمزيتها كعاصمة لكل الليبيين". فتنقل إليها الأعمال السياسية ومؤسسات الدولة، ولتأكيد الاعتراف بالنظام السياسي القائم فيها في الحدود التي رسمها المستعمر منذ أن أقام فيها دولة ونصب عملاءه من الملك السنوسي إلى القذافي، وكاد الشعب أن يتحرر ويبحث عن هوية للدولة التي ستقام وكانت ستكون إسلامية حيث اندفع بمشاعره الإسلامية، فتدخل الغرب المستعمر بحلفه الناتو بذريعة نصرة الشعب الليبي فأشاع فيه الفوضى والاضطرابات ووظف عملاءه لذلك ومنع تحرر ليبيا من قبضته.

أكد البيان الختامي للمؤتمر على وحدة ليبيا وسيادتها، أي على بقائها نظاما سياسيا مستقلا عن باقي البلاد الإسلامية المفترض أن تكون وحدة واحدة في دولة إسلامية واحدة. وأكد إجراء الانتخابات في موعدها يوم 24 كانون أول/ديسمبر القادم وإيجاد البيئة المناسبة لعقدها وضرورة أهمية اتخاذ التدابير اللازمة والاستحقاقات لبناء الثقة، واتخاذ إجراءات عقابية صارمة بحق معرقلي العملية السياسية. أي أنهم يفرضون نظاما سياسيا بشكل صارم كما يريدون. ودعت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في مؤتمر صحفي بختام المؤتمر "كل الدول إلى إعادة سفاراتها إلى العاصمة طرابلس"، وأعلنت أن "الحكومة ملتزمة بتنفيذ كل القرارات الدولية وبينها نتائج مؤتمر برلين، وأنها تدعم جهود اللجنة العسكرية بشأن خطط وقف إطلاق النار والجهود المبذولة من اللجنة العسكرية 5+5".

لقد تمكنت أمريكا بواسطة مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني وليامز من عقد مؤتمر جنيف الذي تمخض عن انتخاب رئيس لمجلس الرئاسة ونائبيه وانتخاب رئيس للوزراء يوم 5/2/2021 ومن ثم تمكن الأخير من تشكيل حكومة في طرابلس وأخذ الثقة من البرلمان، وتم انتقال السلطة بسلاسة من رئيس الوزراء السابق فايز السراج إلى رئيس الوزراء الجديد عبد الحميد دبيبة في آذار الماضي يوم 16/3/2021، وحددت الدبلوماسية الأمريكية موعد إجراء الانتخابات يوم 24/12/2021، وهي التي شكلت اللجنة العسكرية 5+5. ولم تتمكن بريطانيا من فعل ذلك رغم عقدها العديد من مؤتمرات الحوار بين الأطراف الليبية في بوزنيقة بالمغرب. وبذلك كانت هذه الجولة لصالح أمريكا مقابل خسارة بريطانيا وأوروبا حيث كانتا تدعمان حكومة السراج، وتعملان على انتخاب رجال تابعين لها.

عندئذ اتجهت الدول الأوروبية لعقد مؤتمر برلين-2 بمبادرة من ألمانيا، فعقد في عاصمتها يوم 23/6/2021 وحضره وزراء خارجية أكثرية الدول المشاركة، وقد ركز المؤتمر على "ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة دون تأخير" وعلى "ضرورة بدء مجلس النواب بالإجراءات القانونية وإصدار القوانين المتعلقة بالانتخابات النيابية والرئاسية المنتظرة في 24 كانون الأول المقبل"، ودعا المؤتمر "مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى ضرورة الاتفاق على المناصب السيادية" وركز على الجانب الأمني حيث دعا إلى "ضرورة استكمال بنود وقف إطلاق النار، وإحراز تقدم بفتح الطريق الأمني الساحلي" ودعا "الأطراف المعنية إلى التخلي عن أية أعمال من شأنها تأجيج الصراع في ليبيا ومن بينها تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد مقاتلين ومرتزقة أجانب". وقد أكد المؤتمر ما تمخض عنه مؤتمر جنيف. إلا أن أوروبا أرادت أن تثبت دورها في الشأن الليبي خوفا من أن تقصى عنه. حتى إن رئيس وزراء بريطانيا جونسون دعا نظيره الليبي الدبيبة ليجتمع معه في لندن يوم 24/6/2021 مكررا القرارات الصادرة نفسها، وذلك لتأكيد حضور بريطانيا خاصة في المشهد الليبي. وقد شكت أوروبا من ضعف تأثيرها في الشأن الليبي فدعت إلى تشكيل قوة تدخل سريع مقابل القوى الموجودة هناك وخاصة التركية والروسية، إلا أنها لم توفق بسبب ضعف إرادة القتال لديها وخوفها من الهزيمة الساحقة إذا أرادت ذلك دون موافقة أمريكا ودعمها.

وأوروبا تبدي اهتماما شديدا بموضوعين أكثر من غيرهما، وهما: إخراج المقاتلين الأجانب فورا لكون أعمالهم العسكرية تصب في الخطة الأمريكية، والثاني إجراء الانتخابات في موعدها على أمل أن توصل عملاءها لسدة الحكم والفوز بأكثرية المقاعد لكون الوسط السياسي ما زال يتشكل أكثره من عملائها وخاصة عملاء الإنجليز، ولئلا تمنح أمريكا فرصة أكبر لتركز نفوذها وتحقق مزيدا من المكاسب السياسية.

ولهذا فإن الأمر في ليبيا ما زال معقدا وشائكا أي متشابكا بسبب الصراع الدولي فيها وخاصة بين أمريكا وأوروبا. فاتفاق الأطراف المحلية أو عدم اتفاقها مرهون بتبعيتها للدول الكبرى المتصارعة. وهذه القوى المحلية هي التي قبلت على نفسها الارتباط بالقوى الأجنبية لتحقيق مآربها الشخصية والفئوية. وقد صرح مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني عبر حسابه على تويتر يوم 24/6/2021: "إذا أردنا تحرير إرادتنا واسترجاع سيادتنا علينا الاحتكام للشعب ليقرر مصيره بنفسه، الواقع أننا لسنا أولوية لهم فأزمتنا ورقة يتلاعبون بها لتصفية حسابات أخرى بعيدة عنا"

إن الدول الاستعمارية دائما تعمل على تدويل قضايا المسلمين حتى تتمكن من التدخل وبسط النفوذ ومن ثم تحقيق مآربها الاستعمارية. ومؤتمر دعم استقرار ليبيا ما هو إلا تدخل أجنبي يجعل استقرار البلد رهنا بأيديها، فالدولة المستقلة حقا تكسب الدعم من شعبها حيث تستمد سلطانها من الأمة، وليس من الدول الأجنبية، وتجعل السيادة لمبدئها، وفي ليبيا يجب أن تكون السيادة للشرع الإسلامي. وهنا تظهر خطورة تدويل قضايا المسلمين، ولجوء الأطراف المحلية من حكام وأحزاب سياسية إلى الدول الكبرى لحل مشاكل بلادهم ونيل الدعم لاستقرارها منها وهي تشترط عليهم الشروط الاستعمارية الصارمة. فهي تمكن القوى الاستعمارية من البلاد وتفتح لها الطريق للاستحواذ على ثرواتها وجعلها سوقا لمنتوجاتها ونقطة انطلاق لأعمالها الاستعمارية في المنطقة. فاللجوء إلى الدول الكبرى والقبول بتدويل قضايا المسلمين جريمة نكراء، وهي محرمة شرعا. قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

جريدة الراية: كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر؟

 جريدة الراية: كيف عالج الإسلام مشكلة الفقر؟

 

20 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

تقول الأمم المتحدة في أحد تقاريرها: "يعيش على كوكب الأرض 6 مليار من البشر، يبلغ سكان الدول النامية 4.3 مليار نسمة يعيش منهم ما يقارب 3 مليار تحت خط الفقر وهو دولاران أمريكيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هناك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار".

وبالمقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن شركات الدولة العابرة للقارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية. وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة أو صالحة للشرب والاستعمال و25% يفتقدون للسكن اللائق و20% يفتقدون أبسط الخدمات الصحية الاعتيادية و20% من الأطفال لا يصلون إلى الصف الخامس الابتدائي و20% من الطلبة يعانون من سوء التغذية، في حين تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل مجموع الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين.

هذه هي نتائج النظام الاقتصادي الرأسمالي في العالم، فهل عرفتم من الذي أوجد الفقر؟ إن صناعة الفقر وسحق الفقراء يأتي من خلال تطبيق الاقتصاد الرأسمالي الذي يخدم فئة معينة من البشر هم أصحاب الثروات والمليارات لينتهي المطاف بهذه الثروات مكدسة في حساباتهم المصرفية. فتقارير الأمم المتحدة التي تطالعنا من حين لآخر تُظهر لنا مدى جشع هذا النظام وبشاعته.

يقول الكاتب الأمريكي روجر تيري في كتابه "جنون الاقتصاد": "يعرف الأمريكيون أن هناك خطأً ما في أمريكا ولكنهم لا يعرفون ما هو، ولا يعرفون لماذا ذلك الخطأ، والأهم من كل ذلك فهم لا يعرفون كيف يصلحون ذلك الخطأ، وكل ما بإمكانهم هو الإشارة إلى أعراض المرض فقط. وفي الحقيقة فإن بعض ما تسمى حلولاً يزيد الطين بلة، ذلك أن تلك الحلول تحاول أن تغير نتائج النظام دون تغيير النظام الذي أفرز تلك النتائج.. إن المشكلة لا تكمن في كيفية تطبيق نظامنا الاقتصادي فنظامنا الاقتصادي بعينه هو المشكلة. إن الخطأ هو في التركيبة الأساسية لنظامنا الاقتصادي، ولن تكون الحلول الجزئية وتضميد النتائج حلاً يذهب بالمشاكل، إذا أردنا الوصول إلى مُثُلنا فيجب اقتلاع المشاكل من جذورها لا بقصقصة بعض الأوراق، وعلينا أن نحاكم الأسس والافتراضات كلها التي تسيّر نظامنا وكشفها كما هي على حقيقتها".

إن أبرز نظرياتهم الفاسدة المدمرة التي بنوا عليها تملصهم عن الاهتمام بشؤون الناس، قولهم بوجود مشكلة الندرة النسبية للسلع والخدمات، وعدم كفايتها مقابل حاجات الإنسان المتجددة التي تزداد كلما ارتقى الإنسان إلى مرتبة أعلى من مراتب الحياة المدنية، وافترضوا استحالة كفاية الثروات والموارد الطبيعة التي خلقها الله تعالى في الكون لمجموع البشرية، وادعوا أن هذه هي المشكلة التي تواجه المجتمع في نظرهم، وبحسب هذه النظرة الخاطئة وضعوا على أساسها نظريات أكثر خطأً وفظاعةً، فقد توافقوا على قواعد لضبط كيفية حصول الناس على الثروات لإشباع حاجاتهم، لذلك جعلوا الثمن هو الآلية لتوزيع السلع والخدمات، وهو الذي يوجد التوازن بين الاستهلاك والإنتاج حسب زعمهم، وبذلك يكون من يملك ثمن السلعة هو الذي يتمكن من حيازتها، وبالتالي يستطيع إشباع حاجاته، وعليه، وبناء على هذه القاعدة، وهي جعل الثمن هو المنظم للتوزيع، يكون النظام الاقتصادي الرأسمالي قد قرر أنه لا يستحق الحياة إلا من كان قادراً على المساهمة في إنتاج السلع والخدمات، أما من كان عاجزاً عن ذلك لأنه خُلق ضعيفاً، أو لأن هناك ضعفاً طرأ عليه، فلا يستحق الحياة، ولا يستحق أن ينال من ثروة البلاد ما يسد حاجاته لأنه لا يملك ثمنها، وهذا حاصل بالفعل، فإن عدد الفقراء في أمريكا وحدها يفوق 38 مليون معدم.

أما الإسلام، عندما يعالج أي مشكلة، فإنه ينظر لها باعتبارها مشكلة إنسانية تحتاج لمعالجة، بغض النظر عن ملابساتها، فالإسلام قد حدد مشكلة الفقر بدقة متناهية، ووضع معالجات جذرية لحلها، وحدد أن المشكلة هي عدم توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية فرداً فرداً، أي هي فقر الأفراد وليس فقر البلاد، فالآيات والأحاديث التي جاءت بشأن الفقير والمسكين وابن السبيل، جاءت من الكثرة والتنويع بحيث تلفت النظر إلى أن هذه هي المشكلة وضرورة علاجها فقال تعالى: ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير﴾، وقال: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، وقال: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، وقال: ﴿إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، وقال: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾، وقال: ﴿أوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ﴾.

أما الأحاديث فقد قال رسول الله : «وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى»، فمجموع الأدلة التي وردت بالإنفاق، وأحكام الصدقات، وأحكام الزكاة، وتكرار الحث على إعالة الفقراء والمساكين وابن السبيل والسائلين، كلها تدل دلالة واضحة على أن المشكلة الاقتصادية هي فقر الأفراد أي هي عدم تمكن الأفراد من الحصول على ثروة البلاد ما يسد حاجاتهم الأساسية، لذلك نجد دولة الخلافة وعلى مرّ تاريخها وفي أحلك ظروفها لم يكن في شوارعها متسولين يسألون الناس، فقد كانت توفر الحاجات الأساسية لجميع رعاياها من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وتطبيب وأمن، هذا عندما كانت الأمة تحت ظل الخلافة التي هي فعلاً دولة رعاية وليست دولة جباية.

أما اليوم، في ظل النظام الرأسمالي الجاثم على صدر الأمة، نجد أن مهمة الدولة الأساسية هي ظلم الناس وقهرهم وتجويعهم ونزع الطمأنينة من قلوبهم، فالحكومة الانتقالية في السودان مثلاً، تقوم بملاحقة المعدّنين، الذين ينقبون عن الذهب لإعالة أسرهم، تطردهم من أماكنهم لتمكين شركات الاستثمار من نهب البلاد وتحيل كثيراً من الشباب لجيوش عاطلين عن العمل، وتقوم أيضاً بمصادرة ممتلكات الباعة المتجولين في الأسواق، ومطاردتهم من خلال حملات (الكشات) التي طالت حتى بائعات الشاي، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما ضيقت على الناس في معاشهم، فحولتها إلى جحيم لا يطاق، فزادت الضرائب والجبايات، ووسعت المظلة الضريبية، ورفعت الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، وقدمت موارد البلاد على طبق من ذهب للاستعمار، ليتنعم بخيراتنا بينما نعيش نحن في فقر مدقع. إن العالم اليوم يحتاج لدولة رعاية لا دولة جباية، دولة توجد حياة آمنة مطمئنة، حياة يسودها الهدوء والسكينة وراحة البال، وهذا لعمري لا يوجد إلا في نظام الإسلام الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

بقلم: الأستاذ مجاهد آدم – ولاية السودان

جريدة الراية: حرب أكتوبر 73 قلبٌ للموازين في خدمة كيان يهود!

 جريدة الراية: حرب أكتوبر 73 قلبٌ للموازين في خدمة كيان يهود!

 

20 من ربيع الاول 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 تشرين الأول/أكتوبر 2021مـ

قبل أيام مضت كانت مناسبة حرب 6 أكتوبر سنة 1973م، حيث سطر الجيشان المصري والسوري في بداية الحرب نصرا عظيما على جيش يهود؛ خلال ست ساعات من بداية الحرب. جاء في صحيفة الوفد 4 تشرين الأول/أكتوبر 2015 تحت عنوان "حرب أكتوبر 6 ساعات قضت على أسطورة الجيش الذي لا يقهر": "نجحت مصر وسوريا في تحقيق النصر، حيث تم اختراق خط بارليف خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة، وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة في القوة الجوية الإسرائيلية، ومنعت القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في مرتفعات الجولان وسيناء، وأجبرت إسرائيل على التخلي عن العديد من أهدافها مع سوريا ومصر، كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، والقنيطرة في سوريا).

نعم لقد استطاع الجيش المصري تحطيم أسطورة خط بارليف الدفاعي الذي وصفه حاييم بارليف مؤسسه: بأنه "أقوى من خط باجينو الفرنسي الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الأولى". واستطاع الجيش المصري المجاهد الباسل أن يحطم قوة يهود خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، وأن يعبر القناة إلى سيناء، وأن يجتاز كل الدفاعات والتحصينات التابعة للخط التي وضعها اليهود لمسافة 12 كيلومترا؛ وهي المسافة التابعة لتحصينات بارليف، وأن يجتاز بعد ذلك إلى سيناء لمسافة 20 كيلومتراً شرقا. وفي الجانب السوري استطاع الجيش السوري دحر جيش يهود إلى مشارف بحيرة طبريا وسهل الحولة. لقد استطاع الجيشان المصري والسوري أن ينزلا هزيمة قوية بجيش يهود، وقد كان مجموع قتلى يهود حوالي 3000 جندي بالإضافة إلى 15000 بين جريح ومفقود. لقد اتصل مراسل صحيفة دير شبيغل الألمانية؛ مع رئيسة وزراء كيان يهود بعد حرب 1967 مباشرة وقال لها: إننا نأسف أننا أصدرنا العدد الجديد للجريدة باللغة الألمانية، وكان يجب أن تصدر باللغة العبرية. وخلال حرب أكتوبر، وبعد تحطيم خط بارليف الأسطورة؛ زار هذا المراسل ساحة المعركة وخاطب القيادة المصرية فقال: إننا نأسف أن أصدرنا الجريدة باللغة الألمانية، وكان يجب أن نصدرها باللغة العربية، وعلى العالم أن يتعلم اللغة العربية.

إن هذه الحرب البطولية ونحن في ذكرى مرور 48 عاما على حصولها لتذكرنا بالحقائق التالية:

1- لقد أثبتت الحرب أن هزيمة الجيوش الأربعة سنة 67 على أرض فلسطين (الضفة الغربية، وقطاع غزة) وسيناء والجولان لم تكن سوى مسرحية هزلية؛ خطط لها الاستعمار بتواطؤ من حكام الدول العربية المشاركة في الحرب (مصر، سوريا، العراق، الأردن)، ومن الحكام غير المشاركين الآخرين في البلاد الإسلامية. وكانت المؤامرة تقضي بسيطرة يهود على هذه المناطق؛ مقدمة لفرض الأمر الواقع في اغتصاب فلسطين، وإيجاد السلام الكاذب مع باقي الأنظمة المحيطة بكيان يهود، والترويج الكاذب والدعاية المغرضة بأن جيش يهود لا يغلب، ولا بد من التعامل مع كيانه وإيجاد السلام الكاذب معه. فقد كشفت حرب أكتوبر كذبة أن جيش يهود لا يقهر؛ حيث هزمه جيشان فقط خلال ست ساعات؛ مع أن معداته كانت أكثر عددا وأرقى وأكثر تفوقا من معدات الجيشين المصري والسوري.

2- إن الحرب قد نبهت عقول المسلمين، بأن حكامهم ليسوا أكثر من أدوات، يحركها الاستعمار كيف يشاء في الحرب والسلم، ولا يوجد عندهم أي قرار مستقل؛ لأنهم عملاء للغرب، فعندما أراد الغرب منهم الهزيمة في حرب سنة 67 كانت الهزيمة، وعندما أراد منهم الانتصار كان الانتصار المحدود في أكتوبر. وبعدها قلبت أمريكا النصر إلى هزيمة، خلال ساعات معدودة بالالتفاف المدبر حول الجيش المصري من خلال فتحة الدفرسوار، وعبور جيش كيان يهود بقيادة شارون إلى الضفة الغربية من القناة، ومن ثم إنهاء الحرب بشروط أمريكا. ثم إدخال الدول المحيطة بكيان يهود فيما يسمى بالسلام الموهوم؛ بعد قبول اليهود بالسير وفق مخطط السلام الذي رسمته أمريكا للمنطقة.

3- إن مسلسل السلام الذي فرضه الغرب قد نشأ مع المشروع الصهيوني؛ في إيجاد كيان لليهود تعترف به دول المنطقة. وقد كانت مقدماته اتفاقية سايكس بيكو 1916 ثم وعد بلفور 1917. ثم الحروب الكاذبة الهزلية المسرحية في السنوات (1948 - 1956 - 1967 - 1973 - 1982). فكل هذه الحروب كانت عبارة عن مقدمات لما هو آت من مشاريع الغرب؛ في عقد اتفاقات سلام مع كيان يهود، وفرض الأمر الواقع. وفعلا هذا ما حدث بعد الحروب الهزلية في كامب ديفيد سنة 1978 ومدريد 1990 وأوسلو 1993 ووادي عربة 1994. وما زالت المسرحيات والمؤامرات مستمرة لجعل كيان يهود جزءاً من المنظومة السياسية للشرق الأوسط، وجزءاً من جامعة جديدة؛ تشمل كل دول المنطقة بما فيها كيان يهود؛ وقد يطلق على هذه الجامعة (الجامعة الشرق أوسطية)، وهناك مخطط أبعد من ذلك لإيجاد قوة مشتركة من دول هذه الجامعة قيادتها من الغرب واليهود للوقوف في وجه الإسلام، وأي تغيير يحصل في المنطقة ضد الغرب.

4- إن حقيقة السلام التي فرضها الغرب بعد الحروب المصطنعة لم تلق أي قبول في المحيط الإسلامي. وهذا ما اعترف به رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو في 22/11/2017 في الذكرى الأربعين لتوقيع معاهدة كامب ديفيد حيث قال في مؤتمر أمام الكنيست: "إن الزعماء العرب حولنا ليسوا العقبة أمام توسع علاقات (إسرائيل) من خلال السلام، وإنما الرأي العام العربي"، وقال: "إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام؛ لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي". وأضاف أنه بدون اختراق الرأي العام العربي؛ فإن السلام سيظل باردا، ومع ذلك قال إن "السلام البارد أفضل من الحرب الساخنة". وهذا الأمر ليدلل بشكل قاطع أن سلوك المسلمين تجاه يهود لا يتغير أبدا وهو مستقى من عقيدتهم وأحكام دينهم، فلا تغيره أنظمة ولا معاهدات يفرضها الحكام.

5- إن مسألة بقاء كيان يهود هي رهن ببقاء الحكام العملاء، وبمجرد زوالهم فإنه ينتهي. لذلك يحرص الغرب على بقاء هذه الأنظمة العميلة له؛ لتحافظ على مصالحه أولا، وعلى كيان يهود ثانيا.

6- إن مشروع الأمة الحضاري هو فقط من يقضي على كيان يهود، ويخلص الأمة من شروره وليس السلام الكاذب ولا الحكام العملاء. وهذا المشروع قد أوشكت الأمة على الوصول إليه؛ حيث قطعت شوطا كبيرا في طريقه، ولم يبق سوى هؤلاء العملاء من أدوات الاستعمار وأذنابهم.

7- إن فلسطين ومحيطها عبر التاريخ هي مقبرة الغزاة؛ ففي العهد الصليبي كانت مقبرة للغزاة، وفي العهد المغولي كذلك، وسوف تكون مقبرة ليهود عما قريب، وستكون أيضا سببا في عودة الأمة لتاريخها وحضارتها بإذن الله.

بقلم: الأستاذ حمد طبيب – بيت المقدس