Wednesday, June 29, 2022

جريدة الراية: العمل السياسي بين مبدئية الإسلام وتنازلات المبدأ الرأسمالي

 

جريدة الراية: العمل السياسي بين مبدئية الإسلام وتنازلات المبدأ الرأسمالي

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

نشأت فكرة التسوية (التنازلات) بعد صراع دموي طويل في أوروبا، انتهى بتسوية تاريخية منعت الحسم بين حكم الدين وحكم الإلحاد، حيث تمت الاستعاضة عنهما بالعقيدة العلمانية، ومن العلمانية نشأت فكرة أن يشرع الشعب لنفسه، فدخل الرأسماليون إلى الحكم وسيطروا عليه تمام السيطرة.

وبهذا نشأ المبدأ الرأسمالي والنظام الرأسمالي (الحل الوسط) والعقيدة العلمانية، وصارت فكرة التسوية نمطاً أساسياً في التعاطي مع عقد الحياة، سيما في حل النزاعات. وأصبحت التنازلات من المسلمات عند أهل النظام الرأسمالي وعملائهم، بل يرونها ضرورة من ضروريات العمل السياسي، ففي 18 نيسان/أبريل 2021 صرح القيادي بحركة النهضة التونسية عبد اللطيف المكي للشرق الأوسط، استعداد حزبه لتقديم تنازلات لحل الخلافات المتواصلة بين رأسي السلطة التنفيذية والأفرقاء السياسيين في البلاد، في إطار ما يتفق عليه المجتمع السياسي وأركان الدولة التونسية، وقال المكي إن الاتفاق بين مختلف الأطراف السياسية لن يكون إلا عبر تنظيم الحوار الوطني. كذلك عندما وصل الإخوان المسلمون في مصر إلى سدة الحكم بعد قيام ثورة 25 كانون الثاني/يناير، وفي أول خطاب لمحمد مرسي كما أوردت بوابة أخبار اليوم، أكد فيه للعالم كله أن مصر ملتزمة بجميع الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية كامب ديفيد، فبعد أن كان شعارهم (خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود) اعترفوا بهذا الكيان المسخ ليعيشوا معه في سلام دائم شامل كما جاء في اتفاقية كامب ديفيد!

إن أمر التسوية والتنازلات يظهر جليا عندنا في السودان، فحمدوك بعد الانقلاب عليه عاد رئيسا للوزراء تحت ظل حكم عسكري، وها هم قوى الحرية والتغيير الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بخيانة العسكر، وولوغهم في دماءِ الشهداء، وانقلابهم على حكم ديمقراطي، فقالوا في العسكر ما لم يقله مالكٌ في الخمر، وأنهم لن يضعوا أياديهم في أيدي العسكر، فلا حوار ولا تفاوض ولا شراكة، مع القتلة، كان هذا شعارهم وقد صرح وجدي صالح، المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، في مقابلة مع قناة الجزيرة في 10/01/2022 وهو من المشاركين اليوم في المفاوضات مع العسكر، بجانب ياسر عرمان، والواثق البرير طه عثمان من الشق المدني، قال بالحرف الواحد: "لن نفاوض بجانب الانقلابيين لإقامة شراكة جديدة فهذا غير ممكن"، ولم يقتصر ذلك على الشق المدني فحسب، بل حتى عسكر السودان، ومنهم محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس العسكري، فقد أورد موقع عربي بوست في 25/09/2021 تصريحا له يقول فيه: "لن نجلس معهم أي المكون المدني بمجلس السيادة، في اجتماع مرة أخرى".

هذا هو حال السياسيين الذين يتبنون النظام الرأسمالي الذي لا وجود فيه للمبدئية والثبات، بل يتشكلون حسب الواقع فيعيشون حالة فوضوية دائمة، أما في الإسلام فالمبدئية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وقد ضرب رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة في ذلك الثبات، فقد وعدته قريش بكثير من المغريات لكنه رفض أية مساومة وأية تسوية، فقد جاء إليه عتبة بتفويض من قريش وعرض عليه: "إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه". وحوصر في شعاب مكة فلم يفت ذلك في عضده ولا قيد أنملة، وكذلك أسيادنا الصحابة الكرام أمثال بلال وعمار وأمه سمية والكثير غيرهم رضي الله عنهم أجمعين، تعرضوا لأذى عظيم من قريش ولكن لم يتنازلوا ولم يقبلوا بأية مساومة مهما كان الثمن فهؤلاء قد تربوا على المبدئية وعدم التنازل.

وقد أورد المؤرخون أن أول اتصال بين هرتزل رئيس الجمعية الصهيونية، والخليفة عبد الحميد الثاني رحمه الله، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إسطنبول، في 19 أيار/مايو 1901، وعرض هرتزل على عبد الحميد توطين اليهود في فلسطين، وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة له، وسيقرضون الخزينة العثمانية مبلغ مليوني ليرة أخرى، وقد كانت الدولة العثمانية وقتذاك مثقلة بالديون وكانت خزانتها شبه خاوية، ورغم ذلك كان رد عبد الحميد الثاني قاطعاً لا هوادة فيه ولا تنازل، فقد أشار المؤرخون إلى أنه رد قائلا: "انصحوا هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا".

واليوم ها هم شباب حزب التحرير يلقنون الحكام وزبانيتهم دروسا بالغة في الثبات على الحق، رغم ما يلاقونه من تعذيب أفضى إلى الموت أحياناً، وبعضهم يسجنون بالسنين الطوال، ولا يفت ذلك في عضدهم، بل لا يزيدهم هذا البلاء إلا ثباتا ورسوخا وإقداما... هذه هي مواقف العزة التي يصنعها الإسلام لأنه يملك عقيدة عقلية تجعل من يعتنقها ثابتا راسخا رسوخ الجبال الراسيات.

فلا شك أن العمل السياسي على الأساس الرأسمالي هو الذي يشل حركة الأمة الإسلامية ويقعدها عن النهوض، ويبقيها تدور في حلقة مفرغة، ترهن قرارها وإرادتها وثرواتها ومستقبلها لعدوها الكافر الغربي الرأسمالي المستعمر. أما العمل السياسي على أساس مبدأ الإسلام العظيم فهو ضمانة التغيير والتحرير والنهضة، بل وإشعاع الخير للإنسانية جمعاء، فهلم أيها المسلمون لخيري الدنيا والآخرة.

بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

#بالخلافة_نقتلع_نفوذ_الكافر

جريدة الراية: دعوة السيسي للحوار مبادرة أم مناورة؟

 

جريدة الراية: دعوة السيسي للحوار مبادرة أم مناورة؟

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

من الواضح تماماً أن الدرس السياسي الأول الذي تعلمه السيسي من أحداث ثورة يناير وما قبلها وما صحبها هو أن مساحة الفضاء السياسي المس بعد مضي شهر واحد فقط على اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية أواخر شباط/فبراير الماضي، حل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ في 01 نيسان/أبريل الماضي ضيفاً على صنعاء - بعد رفضها قبوله على مدى ثمانية أشهر منذ تعيينه - وبيده مشروع هدنة لإيقاف الحرب بين طرفي القتال في اليمن لمدة شهرين قابلة للتمديد، اتفق على دخولها حيز التنفيذ في 02 نيسان/أبريل الماضي،موح به تتناسب طردياً مع حجم التهديد الذي يتعرض له النظام السياسي، ومن هنا فإن السيسي لا يقبل بأي شكل من أشكال التسوية السياسية أو السلطوية المقيدة أو التوازنات التي تسمح بها كافة الأنظمة الديمقراطية. فعلى مدى الأعوام الماضية، تعاقبت الأحاديث عن اقتراب الانفراجة وتخفيف القبضة الأمنية دونما أي خطوات جادة في هذا الاتجاه، سواء في لحظات التأزم الشديد كما حدث في أيلول/سبتمبر 2019، أو في لحظات الانتشاء والهدوء الشديد، بل كان السيسي دائما ما يكشر عن أنيابه بغلاظة بالغة حين يُطرح ذلك بجدية.

ففي ظل أكبر حملة اعتقالات لمئات المعارضين المصريين على مدار الأعوام الماضية دعا السيسي إلى إطلاق "حوار سياسي" مع كافة القوى بدون استثناء ولا تمييز، ورفع مخرجات هذا الحوار له شخصيا وذلك خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي. وقد تم إسناد إدارة الحوار السياسي المرتقب، إلى جهة تابعة للرئاسة، وهي الأكاديمية الوطنية للتدريب، وهي مؤسسة شبابية تنتمي وتدار بمعرفة أجهزة بعينها.

يمكننا الجزم أن ما طرحه السيسي ليس مبادرة للحوار، بل هي مناورة اضطرته إليها ظروف اقتصادية شديدة التأزم، وكل ما يحلم به هو أن تمر عليه هذه الأيام العصيبة، ليس فقط ليراجع سياساته القديمة، بل وربما لتصفية حلفائه أنفسهم الذين مارسوا أي نوع من الضغط عليه، أو خصومه من المعارضين الذين ربما رفضوا أن يتصرفوا كما تصرف حمدين صباحي وخالد داود، اللذان أحضرهما السيسي للبدء بما أطلق عليه حوارا سياسيا وطنيا.

والسؤال الآن هل السيسي جاد في إقامة حوار سياسي ومصالحة في ظل استمرار الملاحقة الأمنية للأصوات المعارضة، واستمرار حالات الوفاة لسياسيين ومعارضين في السجون نتيجة التعذيب والإهمال الطبي، وفي ظل خطاب التحريض الإعلامي تجاه معارضي الخارج، وشيطنة التيار الإسلامي بل ومحاربة الإسلام ذاته؟

من هنا ندرك تماما عدم جدية هذا الحوار السياسي، والذي يبدو لنا "أن النظام اضطر للبحث عن استقرار داخلي، بعد زيادة الأزمات الخارجية والداخلية. فقد اضطر البنك المركزي المصري إلى رفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه في مؤشر على أزمة مالية كبيرة تعاني منها الدولة في مصر على خلفية سحب أموال وصلت إلى 15 مليار دولار من سوق الدين المحلي. وبهذا القرار بتخفيض قيمة الجنيه فقد ارتفعت وبشكل تلقائي أسعار كافة أنواع السلع المستوردة من الخارج، وهي كثيرة للغاية، بحيث شكل النظام غيمة سوداء كبيرة صارت تحوم فوق الاقتصاد المصري ولكنها لا تحمل قطراً بل سموماً ترهق حياة المصريين. وهكذا فقد اشتعلت أسعار معظم السلع في السوق المصرية، وشحت العملة الصعبة الضرورية لاستيراد القمح والزيوت وباقي السلع الغذائية ومدخلاتها ناهيك عن السلع الصناعية، وازداد ذلك بعد أن حولت الدولة عبر عقود من السياسات الزراعية الفاشلة، حولت الحقول الزراعية الخصبة في حوض النيل من زراعة القمح وباقي عناصر الأمن الغذائي إلى زراعة القطن بتوجيهات أمريكية لضمان التحكم بالدولة وبالشعب المصري. ومن المؤكد أن الدولة وخشيةً على نظام السيسي قد أخذت ومن وراء الكواليس وتحت وقع كافة هذه الغيوم السوداء والتي تجمعت وبشكل غير متوقع في آن واحد لتشكل خطراً شديداً على النظام المصري الذي يدرك حجم الكارثة التي هو مقبل عليها" (من جواب سؤال أصدره أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة).

في هذا الإطار تأتي دعوة السيسي للحوار علها تخفف من النقمة الشعبية القادمة والتي تدركها تماما الأجهزة السيادية، والتي أوصت السيسي بالعمل على تخفيف حدتها من خلال دعوة بائسة للحوار ينشغل بها الرأي العام ردحا من الزمن، وسط أنباء عن الإفراج عن أكثر من ثلاثة آلاف معتقل.

وفي الوقت الذي يدعو النظام لما أسماه حوارا وطنيا، يقوم بإصدار تعليمات للصحف والقنوات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بحظر ظهور أو تناول أية أخبار أو بيانات لحركات المعارضة تتعلق بموضوع الحوار. فكيف يعول على مثل هكذا حوار طرفاه في الجهة نفسها، ومن يديره ويشرف عليه هو النظام بنفسه، ورأسه يقول بملء شدقيه لا تسمعوا لأحد غيري، فهو كبير الحكماء وعظيم الفلاسفة؟!

 لقد أتت تلك المبادرة من السيسي بعد شهرين فحسب من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي خلقت ضغوطاً هائلة على الاقتصاد المصري يمكن تلخيصها في أربع نقاط رئيسية كالتالي:

1- تراجع إيرادات السياحة في ضوء احتلال روسيا وأوكرانيا مراكز متقدمة من ناحية أعداد السائحين القادمين منهما إلى مصر.

2- ارتفاع فاتورة الواردات النفطية بعد تضاعف أسعار النفط والغاز عالمياً.

3- ارتفاع فاتورة القمح الذي تعد مصر أكبر مستورد عالمي له، واضطرار مصر إلى البحث عن مصادر أخرى للقمح غير روسيا وأوكرانيا اللتين قد تتعثر الواردات منهما لأسباب مالية أو لوجيستية، وهو ما قد يضاعف الزيادة في سعر القمح على مصر لاضطرارها لمصادر أخرى تبيع قمحاً ذا جودة أعلى ويتكلف نقل القمح منها تكاليف أعلى.

4- انسحاب المستثمرين من سوق أدوات الدين المصري، أي أذون وسندات الخزانة التي يصدرها البنك المركزي، سواء مقومة بالجنيه المصري أو بالدولار مع التخوف من اضطراب أسعار الصرف التي قد تؤثر على قيمة تلك الديون. وقد ساعد على هذا الانسحاب توفر سوق منافس للسوق المصري مع قرار الفيدرالي الأمريكي برفع معدل الربا بربع نقطة، مع توقع رفعه مجدداً في الشهور التالية.

نشأت عن ذلك أزمة تمويلية حادة لدى الحكومة، فإيراداتها قلت (تراجع استثمارات المحفظة، أي الاستثمار في الأوراق المالية بما في ذلك أدوات الدين السيادي، والسياحة)، في مقابل ارتفاع مصروفاتها (أسعار واردات النفط والقمح)، وهو ما حاول النظام حله عبر أمرين: خفض سعر الجنيه نظراً لعجز الحكومة عن توفير كميات من العملة الصعبة في السوق بحيث تحافظ على سعر الدولار مقابل الجنيه المثبت سابقاً عند نحو 15.7، ورفع سعر الربا للاستمرار في جذب الاستثمار غير المباشر (استثمار المحفظة) وتقليل الأثر التضخمي لانخفاض سعر الجنيه.

هنا يجد السيسي نفسه واقعاً في تناقض صعب، فهو بحاجة فعلية إلى الحصول على قروض ربوية من مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الذي يشترط عدم استعمال تلك القروض في تثبيت سعر الصرف أو توفير سلع مدعومة، وهي قروض تمتاز بانخفاض تكلفتها مقارنة بالديون الأخرى من مؤسسات استثمارية تضع نسباً ربوية عالية على قروضها، لكنه في الوقت نفسه يخشى هو وأجهزته الأمنية، من الاقتراب من الكتلة الحرجة التي ينفجر عندها الغضب الشعبي المتراكم جراء ارتفاع الأعباء الاقتصادية عليه.

فضلاً عن ذلك، فإن مستوى الثقة في القيادة السياسية داخل قاعدتها التنفيذية، أي المؤسستين العسكرية والأمنية، ينخفض، حيث إن الإجراءات الاقتصادية الصعبة لم تكن مرحلة ينبغي المرور بها كما وعد السيسي، وإنما دوامة مستمرة من الضغوط.

ولهذا فإن الفرصة مواتية تماما لتحرك المخلصين من أبناء الكنانة للتخلص من السيسي ونظامه ورفع الظلم عن المظلومين، ولكن ليس من خلال الانبطاح له والحوار معه، ولكن من خلال طلب النصرة من المخلصين في الجيش لإسقاطه وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تعيد للأمة وحدتها ومجدها ومكانها بين الأمم.

بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز

جريدة الراية: بعد مُضِي شهرين على الهدنة في اليمن من المستفيد منها؟

 

جريدة الراية: بعد مُضِي شهرين على الهدنة في اليمن من المستفيد منها؟

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

بعد مضي شهر واحد فقط على اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية أواخر شباط/فبراير الماضي، حل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ في 01 نيسان/أبريل الماضي ضيفاً على صنعاء - بعد رفضها قبوله على مدى ثمانية أشهر منذ تعيينه - وبيده مشروع هدنة لإيقاف الحرب بين طرفي القتال في اليمن لمدة شهرين قابلة للتمديد، اتفق على دخولها حيز التنفيذ في 02 نيسان/أبريل الماضي، وتم الترحيب بها في مجلس الأمن. لقد تبدى للمتابع بأن طرفي الصراع الدوليين في اليمن - أمريكا وبريطانيا - قد اتفقا على تهدئة المواجهة بينهما في اليمن، لتوجيه جهودهما معاً لمواجهة روسيا، بإطالة الحرب عليها في المستنقع الأوكراني. وما إن شارفت الهدنة على الانتهاء حتى تم الإسراع في تمديدها لشهرين قادمين.

لا بأس بأن من فرض الهدنة على طرفي الصراع المحليين هما المستفيدون الحقيقيون منها، لكن من خلال متابعة الأعمال السياسية من الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية خلال الشهرين الماضيين 02/04 - 02/06/2022م نجد أن هناك طُفَيْلِيَّيْن آخَرَيْن نالا من الهدنة ما استطاعا؛ أحدهما الحوثيون الطرف المحلي في الصراع، والآخر الإقليمي مملكة آل سعود.

لقد أبدى الحوثيون منذ انطلاق الحرب عليهم رغبتهم الحثيثة في إيقافها، والاعتراف بهم كسلطة الأمر الواقع المتغلبة على الأرض، وكان لا بد من مضي وقت ليبلغوا هدفهم هذا، ولعل ما ألقته الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على اليمن كانت فرصة مناسبة لهم، بعد مضي ثماني سنوات على اندلاع الحرب عليهم. لقد خدمت الهدنة في هذا التوقيت الحوثيين، واستفادوا منها، بالظهور بموقف القوي ذي البأس الشديد من فرض الهدنة على الطرف الآخر - خصوصاً للأتباع - بعد تقديمهم المبادرات المتتالية لإيقاف الحرب في اليمن، كان آخرها مبادرة مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، في الذكرى الثامنة لدخول التحالف الحرب على الحوثيين في 26 آذار/مارس 2022م، وإلا تعرض نظاما الحكم في الرياض وأبو ظبي للمزيد من الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة. كما استفاد الحوثيون من شهري الهدنة بالسماح للسفن المحتجزة في عرض البحر بالدخول إلى موانئ الحديدة، والشروع في بحث أمر تصدير النفط من رأس عيسى القادم من حقول النفط في مأرب، وإنهاء أزمة المشتقات النفطية والغاز داخل مناطق سيطرة الحوثيين، وفتح مطار صنعاء بالتدريج أمام الرحلات الخارجية. ويبقى صرف رواتب موظفي الجهاز الحكومي وفتح الطرقات من المعضلات في بنود الهدنة.

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ظهر واضحاً رغبة أمريكا بتوجيه الأمر لنظام الحكم في الرياض أن يزيد من الإنتاج النفطي، لتغطية حاجة أوروبا من النفط - بعد حجب نفط روسيا عنها نتيجة العقوبات الاقتصادية عليها - ليكون النفط السلعة الاستراتيجية القادمة نحو أوروبا تمر من تحت يد أمريكا. وقد كان اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية فرصة جاءت إلى باب الرياض كي تنتهي الحرب التي شنتها على الحوثيين، وقد حققت في النهاية الحفاظ على الحوثيين وتثبيتهم في الحكم، وليس القضاء عليهم كهدف زُعم أن الحرب قامت لتحقيقه. وأن تطلب من أمريكا كما وجهت إليها الأمر بزيادة الإنتاج النفطي، أن توجه الأمر للحوثيين بإيقاف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة القادمة من وراء حدود سايكس بيكو الجنوبية باتجاه الأراضي التي فصلتها تلك الحدود عن بقية أراضي شبه جزيرة العرب بالاتفاقية نفسها، من أجل تأمين حقول النفط، وتأمين مرور الإمدادات النفطية في البحر الأحمر إلى وجهتها بسلام. فتكون مملكة آل سعود قد استجابت في المضي قدماً في المخططات الأمريكية وقامت بالدور الملقى عليها بامتياز، سواء فيما يدور في اليمن، من مزاحمة نفوذ بريطانيا السياسي، بالنفود السياسي الأمريكي، أو بتأمين الإمدادات النفطية.

إن الهدنة التي فرضتها أمريكا وبريطانيا على طرفي الصراع في اليمن قد استفادت منها مملكة آل سعود بإقناع الرأي العام هناك بالقبول بجلوس الحوثيين على كرسي الحكم في صنعاء، بعد أن أرعبهم وصول صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيرة، لضرب أهداف في عدد من مدن المملكة، ولم ترعبهم أعمال الملك سلمان وولي عهده ابنه محمد اللذين كشفت أعمالهما الطاعنة في الإسلام بلبوس الإسلام، منذ جلوس سلمان على كرسي الحكم، عن الوجه الحقيقي البشع لنظام الحكم في الرياض.

كما نال عبد ربه وحكومته الرضا المحلي والدولي بتواريه ونائبه علي محسن الأحمر عن المشهد السياسي، والاعتراف بالمجلس الرئاسي الثماني الذي أعلن عن تشكيله بالرياض في 06/04/2022م، وانزياح عدد من القادة العسكريين بالاغتيالات.

قد نستطيع القول بأن أمريكا وعملاءها هم الرابحون الأوائل من شهري الهدنة في اليمن.

لقد سالت دماء أهل اليمن أنهاراً، وبلغت أعداد القتلى والجرحى مئات الآلاف وأهلكت الأخضر واليابس، ومعها بددت أموال المسلمين بين أهداف تم تدميرها، وسلاح استخدم لتدميرها، لأن من يتصارعون لبسط نفوذهم السياسي الاستعماري الغربي على اليمن لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة.

وستظل اليمن بلاد الإيمان والحكمة ومعها بقية بلاد المسلمين القريبة منها والبعيدة عنها ملعباً تسرح وتمرح فيه الدول الاستعمارية الغربية، تشعل فيها الحروب متى تشاء، وتعقد الهدن متى أرادت، حتى قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، واللهَ نسألُ أن يكون ذلك قريبا.

بقلم: المهندس شفيق خميس ولاية اليمن

جريدة الراية: لعبة الغرب السياسية الخبيثة في ثوراتِ المسلمين

 

جريدة الراية: لعبة الغرب السياسية الخبيثة في ثوراتِ المسلمين

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

تلعب أمريكا قائدةُ الغرب الاستعماري اللعبةَ الخبيثةَ نفسَها في كل الأقطار التي تُمسك بها في بلاد المسلمين منذ عقود، وذلك كلما ارتفعت درجةُ حرارة الشارع واقترب ما في القِدْر من ذروة الغليان سخطاً على عملائها الذين خدموها أزمنةً طويلةً، أو ما زالوا في الخدمة يرعون نفوذها ومصالحَها بكل تفان وإذعان وإتقان، وأذاقوا شعوبَ هذه الأقطار كل أصناف الذلة والهوان والتعاسة وضنك المعيشة، بالقهر والقمع والتنكيل والبطش. ولا عجب، فهذا هو دور العملاء من أمثال عبد الناصر وحافظ الأسد وبشار وعمر البشير وفهد والسادات ومبارك وغيرهم. نقول هذا عن أمريكا من باب أنها الأقوى الآن نفوذاً، وإلا فإن دول أوروبا الاستعمارية هي الأخرى وعلى رأسها بريطانيا لا تقل خبثاً ومكراً، ولربما كان كيد الأوروبيين وجرمُ شياطين الإنجليز لصرف وحرف المسلمين عن دينهم أعظمَ في بعض البلاد كاليمن والجزائر وبلاد الحرمين وتونس والمغرب ودويلات الخليج وماليزيا والعراق وغيرها.

إلا أن ما بات يُزعج الغرب وينغص على أمريكا حقيقةً هذه الأيام هو أن لعبة العملاء أصبحت اليومَ مكشوفة مفضوحة. أما أنها تحكمُ بواسطة العسكر والأجهزة الأمنية والاستخبارات من وراء ستار، كما ظلت تفعل لعشرات السنين عبر حكام مصر والسودان وباكستان وسوريا ولبنان وإيران وغيرها، فإن هذا لم يعد مما يخفى على النخب في أوساط الشعوب، خصوصاً وأن هذه الشعوب بدأت تستيقظ الآن إن لم نقل إنها خطتْ خطواتٍ مهمةً على طريق النهضة. وعلامةُ ذلك تمردُها على حكامها الأجراء عند الغرب، أيّاً كانت تعبيراتها عن مطالبها، وأيّاً كانت التيارات والتوجهات الفكرية والسياسية فيها. المهم أنَّ الأمر بات مكشوفاً غير مستور، بحيث بات يقفز في كل مرة قادةُ الجيوش العملاء بصورة جلية إلى الواجهة كلما اشتد الخناق على الأنظمة العميلة حتى في "الجمهوريات الديمقراطية"! ذلك أن الأنظمةَ الحاكمةَ في جميع هذه الأقطار فاقدة للسند الشعبي وللشرعية بحكم التبعية والعمالةِ فضلاً عن البعد عن الإسلام، إذ هي مرتبطة بهذا الطرفِ أو ذاك من أعداء الأمةِ الإسلامية في الغرب.

بالتأكيد لم يعد هذا هو ما يخفى من اللعبة الاستعمارية. إن ما قد يُغطِّي على خبث أمريكا وإجرامها ومكرها لدى كثير من المسلمين اليوم إنما هو نجاحها ونجاح الغرب عموماً في جعل شريحة واسعة من أبناء الأمة نفسِها ممن يحملون ثقافةَ الغرب ونظرتَه ومقاييسه في الحياة خصوصاً العسكر، تقف في وجه الأمة كلما تحركت لتنعتق من هيمنته وقبضته، وكذا نجاحه في تمكينهم مادياً وسياسياً وأمنياً.

ذلك أن الأمة بفطرتها وبحكم الإسلام الكامن فيها، كلما دبت فيها اليقظةُ وتحركت في اتجاه التغيير من حالها كان الإسلام طبيعياً مطلبَها، وكانت العودة إلى الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في حياتها مبتغاها، وإن لم تُفصح به نتيجة التضليل أو التعتيم أو سذاجة بعض أبنائها مغازلةً للغرب نفسه صاحبِ القوة، حتى وإن خرجت مطالبةً في الشعارات بالحرية والكرامة والديمقراطية. إلا أنها باتت في كل مرة تُؤتَى من داخلها في اللحظة التي يتحرك فيها الغربُ بواسطة أدواته وأتباعه فيها لمنع أي تحوِّل قد يُخرج البلد من التبعية، وهو دائماً ما يخلط الأوراقَ ويغيِّر في الظاهر من طبيعة الصراع ويغيِّر على الأرض منحى المواجهة، ويوجد بطبيعة التخطيط والحسابات السياسية الغربية حالةَ الاستقطاب الحاد المطلوبة غربياً في الشارع بين "العلمانيين" و"الإسلاميين"، مع أنهم جميعاً مسلمون وأبناء أمة واحدة!

وهو ما ينذر في كل مرة بمصير مجهول للبلد الثائر، يلوح به الغربُ الماكر دائماً على لسان أبواقه وعملائه عبر التهديد بخطر الاقتتالِ الداخلي أو الفتنة الطائفية أو خطرِ التقسيم والخراب أو تمزيق الوطن وضربِ الوحدة الوطنية أو حالةِ الحرب الأهلية أو غير ذلك من المآلات، خصوصاً إذا ما تحول الصراع بفعل سفارات وجواسيسِ الغرب، إلى عنف مادي دموي، كما هو مشاهد ملموس في كل البلاد العربية التي شهدت ثوراتٍ على أنظمة الغرب العميلة، وهو ما يوجد حتماً لدى عموم الشعب حالةً من الاستنكار والانكسار واليأس من التغيير الذي يبيت حينئذ ثمنُه باهظاً في نظرهم، ويصير لسان حالهم ينطق بالرغبة في التراجع والكف عن المطالب، وهذا هو بالضبط ما يريده الغرب الممسك باللعبة، للإبقاء على نفوذه وتمديد وجوده. وهذا هو ما سمعناه في كل البلدان الثائرة وما زلنا نسمع صداه اليومَ في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا والجزائر والسودان ولبنان وغيرها خصوصاً على ألسنة المضبوعين بثقافة الغرب والمرتبطين به مصلحياً بل وجودياً.

وخلاصة هذا المكر أن الناس في بلاد المسلمين - مسلمين وغير مسلمين - هُمْ في الهمِّ سواء، بعد ذهاب الدولة الإسلامية التي كانت لقرونٍ حاضنةَ الجميع. وكلما ساءت أحوالهم، فتحركوا طبيعياً وانتفضوا على الأوضاع التعيسة المزرية، استيقظوا ليجدوا خيوطَ اللعبة في يد الغرب المستعمِر بالكامل، خصوصاً وأن الغرب وهو يدرك مطلب الأمة الحقيقي، وهو مبدؤها أي الإسلام في حياتها، شرع منذ عقود في مغازلة من سماهم "المعتدلين" من أبناء الحركة الإسلامية لاستخدامهم في مآربه البغيضة، كما حدث في مصر مؤخراً، الذين ارتضوا التدرجَ المميت منهجاً، كما ارتضوا هم و"الليبراليون" الديمقراطيةَ الزائفة للعمل السياسي نهجاً وإطاراً، وأصبحت عندهم الدولة المدنية بَدَل الدولة الإسلامية مطلباً. فصاروا طبيعياً يستجْدون الغربَ ويستعطفون ما يسمى "المجتمع الدولي"، بل ويتطلعون إلى دعم الغرب لإيصالهم، وباتوا يحسبون لأمريكا ألفَ ألف حساب، لدرجة أنهم أصبحوا يُخفون الشعارات الإسلامية عن الساحات، ويُسقطون المعاني الشرعية من الألفاظ والعبارات، ويؤوِّلون النصوص لتوافق الغايات، معتمدين على رفع الأعلام الوطنية، وعلى الشرعية الشعبية وعلى وزن الأغلبية، بل ينشدون التغيير لأمتهم في رضا الغرب ضمن مصالحه هو في بلادهم.

لذا بات حزب التحرير - حاملُ لواء إعادة الخلافة من جديد - أخطرَ كيان سياسي في العالم خاصةً على أمريكا ممثلةِ الغرب الحاقد التي تحترف الإجرام وتحارب الإسلام، وكذا على الغرب الأوروبي وروسيا والصين، وبات هذا الحزب السياسي هو عدوَّها الأول، كما صرح بذلك غير واحد من ساستها ومفكريها. ولما كان الغرب الاستعماري يدرك جيداً أهمية الفكر المبدئي واليقظة الفكرية عموماً في تغيير أحوال الناس، وفي رسم مصائر الشعوب والأمم، عَمَدَ منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي، إلى نشر ثقافته السامة المميتة القائمة على مبدأ فصل الدين عن الحياة وعن الحكم والسياسة حتى استطاع أن يوجد من بين المسلمين من يحملها، وصار يعشق نمط الحياة الغربية، ولا يفكر في السياسة ولا في طريقة إدارة الشأن العام ورعاية أمور الناس إلا من الزاوية العلمانية التي تأبى أن يكون للدين أي دور في شؤون الدولة والمجتمع، ونسوا أن سرَّ قوة المسلمين إنما هو حصراً في إسلامهم.

إن الذين اعتمدوا في التغيير على رأي الأغلبية عبر الصناديق بدل نُصرة أهل القوة من أبناء جيوش الأمة، وعلى ما أسموه الشرعية الشعبية كما حدث مؤخراً في مصر وغيرها أملاً في الوصول تدريجياً إلى مراكز القرار، يبدو أنهم لم يتعلموا أقل ما يجب من السيرة النبوية العطِرة، وهو أن رسول الله ﷺ أمضى أكثر من عقد وهو يعالج عقول وقلوب الثلة المؤمنة معه، حتى غرس فيهم مفهومَ المفاصلة بين الحق والباطل والصبرَ على الطاعة مع الأخذ بالأسباب، والصبرَ على الأذى، والثباتَ على طريق الحق ومنهجِ الدعوة الرشيد ومنه طلب نُصرة أهل القوة والمنعة لإقامة كيان المسلمين، وعقيدةَ التوكل على الله التي قهَرَتْ وما زالت تقهر كل الطغاة والمجرمين. فيظهر من هذا جلياً أن هذا الذي تمكَّن من نفوس المؤمنين مع رسول الله ﷺ في مكة إلى جانب الفطنة السياسية واليقظة المبدئية التي أوجدهما القرآنُ في عقول الصحابة رضوان الله عليهم هو بالضبط ما أهَّلهم لنزول نصر الله عليهم والتمكين لهم في أرضه بعدما أذن الله لرسوله بالهجرة، وبقيام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة.

بقلم: الأستاذ صالح عبد الرحيم الجزائر

جريدة الراية: تحريف الحق

 

جريدة الراية: تحريف الحق

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

الحق هو ما كان من عند الله عز وجل وما سواه فهو باطل وضلال. والله عز وجل أنزل الحق وأرسل الرسل برسالات وشرائع الحق ليسير الناس عليها. ولما كانت الكثرة من الناس تسير في هذه الحياة الدنيا وفق مصالحها وأهوائها كانت تقوم بتحريف الحق وإظهار الباطل أنه هو الحق الذي جاء من عند الله. وقد أخبرنا الله عز وجل أن اليهود والنصارى بعد موت رسلهم عمدوا إلى تحريف ما أُنزل على رسلهم، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾، وقال عز وجل: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، فالأحبار والرهبان كانوا يحرفون الحق ليأخذوا مقابل هذا عرض الدنيا، فهم يجيزون مخالفة وتحريف دينهم إن كان في ذلك مصلحة أو أمر دنيوي، فبذلك يظهر أن الديانات التي أُرسل بها الأنبياء السابقون محرفة وليست هي التي جاء بها هؤلاء الأنبياء، وما هو موجود اليوم فباطل وضلال وزيغ.

لما أنزل الله سبحانه وتعالى رسالة الإسلام جعلها ناسخة لكل الشرائع والسنن السابقة فكانت وحدها الحق ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ﴾، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. ولما تكفل الله عز وجل بحفظ الإسلام وحفظ قرآنه الكريم وكان أمر تحريف القرآن ونصوصه مستحيلا وكفرا وخروجا من ملة الإسلام عمد ضعاف ومرضى النفوس وطلاب الدنيا ومتعبي الشهوات إلى تحريف أحكام الإسلام والتلاعب بمعانيه.

عندما انتهى عصر النبوة بدأت سياسة ومؤامرة تحريف الحق تظهر فرفض قوم دفع الزكاة تحريفا لقول الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ إذ قالوا إن هذا الخطاب خاصا بالرسول وبعد موته لا زكاة علينا. وقد كانت بين فينة وأخرى وحقبة وثانية تظهر جريمة ومؤامرة تحريف الحق، لكن وجود دولة الإسلام وقوتها كان الرادع والمزيل لكل أشكال التحريف والقاضية على شراذم المحرّفين، فكان التلاعب بالدين وتحريف مراميه وأحكامه والتعدي على أسسه هو زندقة ومن يقوم ويثبت عليه ذلك كانت دولة الإسلام تقوم بقتله لأنه زنديق مجرم.

وبعد أن هدمت دولة الإسلام وأزيل الدين من موضع الحكم أصبحت مسألة تحريف أحكام الحق ظاهرة من أتباع الضلال والشهوات وحكام السوء ممن سموا بعلماء وهم علماء سلاطين وبمن تسموا بمفكرين وهم في حقيقتهم منحرفون لا مفكرين. فزنادقة هذا العصر لم يبقوا حكما فيه مصلحة لأسيادهم وأولياء نعمهم إلا وتلاعبوا فيه وبدلوا مراد الله عز وجل من الحكم ومعناه، حتى الأمور العقدية تطاولت عليها هذه الشراذم! كل ذلك ليشتروا بفعلتهم أموراً دنيوية زائلة. فحرّفوا قول الحق الذي طلب فيه من الناس أن يدخلوا في الإسلام كله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ فقالوا هذا معناه جواز إقامة سلام وتطبيع وتنازل مع دولة يهود، وقالوا ظلما وبغيا إن الجنة ليست للمسلمين وحدهم، وقالوا إن الشهادة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، وقالوا الإنسانية مقدمة على الدين، وحرمّوا العمل للتغيير وأوجبوا طاعة حكام اليوم وهم أعداء للإسلام. وقالوا، وقالوا ما تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً!

إن تحريف الحق والتلاعب بشرع الله ودينه جريمة من أفظع الجرائم وزندقة تكاد تفوق زندقة العصور القديمة، ولن يقطع دابرها إلا دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله، والتي ستعامل أولئك المحرفين والمتلاعبين معاملة الزنادقة والمفسدين فتقطع دابرهم وتجعلهم عبرة لمن يعتبر ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.

بقلم: الأستاذ عطية الجبارين - الأرض المباركة (فلسطين)

جريدة الراية: أسلوب الخطاب السياسي بين الهداة والطغاة

 

جريدة الراية: أسلوب الخطاب السياسي بين الهداة والطغاة

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

مهما بلغت قوة الحاكم وجبروته فإنه يحتاج إلى خداع الشعب الذي يتسلط عليه فيقدم نفسه صاحب فكرة أو قضية ويحاول أن يبدع في أساليب الخطاب السياسي الذي يحاول به إقناع الناس، أو خداعهم بفكرته، بالإضافة إلى سياسة القمع والتخويف لإسكات كل من لا ينخدع بخطابه.

أما الحكام الهداة الراشدون، الذين يتبعون نهج رب العالمين، وهدى سيد المرسلين، فإن خطابهم السياسي يتسم بالصدق ويهدف إلى ترسيخ مبدأ الإسلام ونظامه في عقول أبناء الأمة ويثير في نفوسهم تقوى الله عز وجل وهي التي تدفعهم للالتزام طواعية بأحكام الإسلام وطاعة من يحكم بها ويدفعهم للتضحية في سبيل إعلاء كلمة (لا إله إلا الله) والدفاع عنها، ومن ضعفت تقواه يردعه السلطان القائم على العدل وليس الخوف والبطش.

لقد ضرب لنا القرآن مثلاً للخطاب السياسي المخادع عندما تحدث عن أكبر طاغية في التاريخ ألا وهو فرعون عندما لبس ثوب الناصح لشعبه المشفق عليهم ليجمعهم حوله حتى لا يتبعوا موسى عليه السلام: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾، وهو الذي استعبد قومه وكان يقتّل أولادهم ويستحيي نساءهم، ورغم بطشه وتنكيله بهم يخبرنا الله عز وجل عنه بقوله: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾.

وكان واقع فرنسا قبل الثورة التاريخية يعبر عن خطاب استبدادي طبقي، وحين اندلعت الثورة سنة 1789م بخطابها السياسي الجديد لتزرع مفاهيم جديدة استطاعت أن توجِد حركةً جديدة في المجتمع، فقد نادت بفكرة فصل الدين عن الحياة ورفعت شعار حكم الشعب نفسه بنفسه وطالبت بحقوق الإنسان والحريات، فكان لهذه الأفكار والخطاب السياسي الذي قدمت به دور كبير وأساسي في تغيير واقع فرنسا وأوروبا تغييراً كلياً، من سيطرة الكنيسة والملوك إلى المبدأ الرأسمالي والأنظمة الحاكمة بالديمقراطية.

وكذلك الواقع العربي الجاهلي قبل الإسلام، كان نتاج خطاب سياسي جاهلي لا يؤمن برسالة في الحياة ولا يرى ضرورة لوحدة وجماعة وأمة ولا لدولة ورعاية ولا يأبه بالعدل.

وما كان ذاك التحول الجذري للمجتمع العربي الجاهلي ليتحقق لولا ظهور خطاب سياسي جديد، قائم على أساس العقيدة وقواعدها التشريعية والتفصيلات الدستورية والقانونية التي تنبثق عنها، والتي جاء بها سيدنا محمد ﷺ، فغير به ليس جزيرة العرب فحسب بل وجه العالم كذلك.

ولو أعدنا قراءة خطبة أبي بكر الصديق عندما تولى الخلافة لأدركنا النموذج المتميز لخطاب الهداة الراشدين الذي يتسم بالتقوى والصدق مع الرعية والحرص على سيادة الشرع وعدالة تطبيقه: "أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم. القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له".

هذا هو الخطاب السياسي المستمد من وحي رب العالمين، هذا الخطاب السياسي الذي لا ينفصل عن سياسة الحاكم بل هو تعبير صادق عن هذه السياسة التزم بها الخلفاء من بعد أبي بكر أروع التزام، وقد شهد التاريخ على ذلك.

ليأتي بعد ذلك خطاب سياسي ينادي به المنضبعون بالغرب وثقافته، خطاب يعزل الدين عن الحياة والدولة ولا يعترف بحصر حق التشريع بإله الناس وخالقهم، خطاب يحرر المجتمع من أي قيود ويطلق العنان لعقول البشر أن تضع قوانين الدولة، ولما كان هذا الخطاب السياسي متناقضاً مع هوية الأمة وعقيدتها ودولتها راح الظلاميون والمضبوعون بالعلمانية يُلبسون الخطاب لبوساً إسلامياً ويروجون أنه من الإسلام، والله ورسوله والمؤمنون منهم ومن خطابهم براء.

هذا الخطاب الذي يروج له الإعلام والتربية والتعليم والأوقاف ورابطات علماء السلاطين والمضبوعون والمنهزمون من الهيئات والفصائل والأحزاب، هذا الخطاب المخادع، هو الذي يحاول سلخ الأمة من جوهرها ويفصلها عن عقيدتها ويبعدها عن تشريع ربها، ويجعلها بلا كيان ولا كرامة ولا قيمة ولا معنى، ويجعل السيادة لشرع البشر لا لشرع الله، والسلطان لأعدائنا لا لأمتنا.

ومن أمثلة الخطاب السياسي المبدل المخادع في العصر الحديث خطابات جمال عبد الناصر الذي رفع القومية العربية شعارا وزينها بالاشتراكية وزعم محاربة الرأسمالية وهو لأمريكا خادم وعميل، فأضاع البلاد وظلم العباد وخدم أعداء الأمة.

وكذلك خطاب حكام آل سعود الذي تزين بلباس الإسلام خداعاً وزوراً، ولكنهم كانوا في خدمة أعداء الأمة ومخططاتهم، وقد ظهرت حقيقتهم جليةً في زمن ابن سلمان بكل صفاقة.

وهذا أردوغان الذي رفع شعارات الإسلام ليستغل مشاعر المسلمين من أهل تركيا ليضمن نجاحه في الحكم واستمراره، وقد عاين أهل ثورة الشام وعانوا الكثير من خطابه السياسي المخادع وخطوطه الحمراء التي ما لبثت أن سقطت واحداً بعد الآخر.

وكي تتضح الصورة فلا بد من مقارنات ومفارقات عامة بين أسلوب الخطاب السياسي المنزّل وأسلوب الخطاب السياسي المبدّل.

الخطاب المنزل: يقضي أن تكون السيادة لله وشرعه وحده، بينما الخطاب المبدل يرفع شعار الإسلام باعتباره مصدراً رئيسياً للتشريع، لكن ليس مصدراً وحيداً، وذلك خداعاً ومكراً. فمن حق مجلس البرلمان التصويت على أي حكم من أحكام الله لأخذه أو تركه وبالتالي فالمشرّع هو البرلمان وليس الله.

الخطاب المنزل: خطاب مبدئي وحمَلته مبدئيون صادقون، يؤثر بالواقع ولا يتأثر به مطلقاً فيدور مع أمر الله حيثما دار، بينما الخطاب المبدل واقعيٌ وحملته منهزمون نفسياً أمام المجتمع وضغوطات الواقع فيدورون مع المصلحة حيث دارت ولو خالفوا أمر الله وشرعه.

أسلوب الخطاب المنزّل يرى الحق حقاً والباطل باطلاً ولا يراوغ ولا يداهن ولا يتنازل، أما الخطاب المبدّل فيأخذ بأنصاف الحلول ولا يعطي اعتباراً لحق أو لباطل فهو مستعد للانسلاخ من أي قناعة فداءً لمكاسبه وإرضاء لأسياده.

الخطاب المنزل يقدم خطة عمل واضحة وطريقة تطبيق من جنس الفكرة، وسيرة المصطفى خير دليل وشاهد على سيره في خطا ثابتة وبوحي من الله حتى أقام دولة الإسلام وعلى نهجه سار الخلفاء الراشدون من بعده، بينما الخطاب المبدل: يتخبط في فكرته وطريقته؛ فهناك حزب يصرح بالديمقراطية ويعتبرها من الإسلام، وهناك فصيل يريد حكماً إسلامياً لكنه يضع يده بيد شياطين الإنس والجن، وذاك قائل: سنربي جيلاً كصلاح الدين وما علم أن صلاح الدين لم يكن لولا سلفه نور الدين زنكي. وهناك من يزعم أنه يريد المقاومة وتحرير القدس ولكنه يضل الطريق فيرتكب أفظع المجازر في بلاد الشام.

الخطاب المنزل: هو رسالة وقضية وحسن رعاية كما قال سيدنا ربعي بن عامر: "ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"، بينما الخطاب المبدل: هو تميّع وضياع عن هدف الحياة ووظيفة الخلق وليس له علاقة بالرعاية أبداً، بل دولته دولة جباية واستغلال.

وللأسف فإن أبرز من يروج للخطاب المبدل أكثرهم ممن يسمون بالمشايخ، بعمالة أو بحماقة أو بجهل بحقيقة الإسلام، وكما قال عبد الله بن المبارك: "وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها؟".

إن الخطاب السياسي الذي يحقق التغيير وينهض الأمة هو الخطاب الذي يرسخ مفاهيم الإسلام وسيادة الشرع وسلطان الأمة. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم﴾.

وإننا في حزب التحرير نخاطب الأمة بالخطاب السياسي الذي نسير به على نهج ربنا ونتأسى به بهدي رسولنا ﷺ جاعلين قدوتنا صحابته الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ونحن ندعو أمتنا للعمل معنا لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تقضي على كيان يهود وتحرر الأقصى وتخلص الأمة من العملاء المتسلطين على رقابها الذي يخدعونها بخطابهم السياسي المسموم.

بقلم: الأستاذ أحمد حاج محمد

جريدة الراية: دولتا الهند ونيجيريا نتاج استعماري إقصائي للإسلام والمسلمين

 

جريدة الراية: دولتا الهند ونيجيريا نتاج استعماري إقصائي للإسلام والمسلمين

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

إنّ مما خلفته بريطانيا في استعمارها لبعض بلاد المسلمين أوضاعا سياسية شاذة خبيثة، أنتجت فيها حالة من التهميش ما زالت تعاني منها بلدان إسلامية كبيرة إلى وقتنا هذا، فحولت بريطانيا بموجبها الأكثرية الإسلامية الطبيعية في بلدان إسلامية عريقة إلى دول غير مركزية، وإلى مجاميع بشرية مشتتة تفتقر إلى القدرة على التحكم في بلدانها.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما فعلته بريطانيا في الهند ونيجيريا اللتين كانتا تمتازان بتركز ديموغرافي إسلامي طبيعي كبير فيهما؛ ففي الهند قامت بريطانيا بفصل الكثير من المسلمين عن الهندوس، وأقامت لهم دولاً هامشية في الأطراف، مُفتقدةً للثقل الديموغرافي، ومحرومةً من السيطرة الجيوسياسية على الأرض، فقسمت البلاد ومزقتها، وركزت الهندوس في قلب البلاد، ومنحتهم دولة مركزية متنفذة ضمت إليها مساحات واسعة من شبه القارة الهندية، ومن ضمنها مساحات كبيرة تقطنها مجموعة إسلامية كبيرة لم تلحقها بريطانيا بامتدادها الديموغرافي الطبيعي في باكستان، وما نشهده اليوم من تسلط الهندوس على المسلمين وقتلهم وهدم بيوتهم واضطهادهم، ما هو إلا نتيجة طبيعية لهذا النتاج الاستعماري البريطاني.

وأما في نيجيريا فقامت بريطانيا بالعكس، فبدلا من تقسيم المناطق بحسب سكانها الطبيعيين، قامت بضم إثنية وثنية ونصرانية من الجنوب إلى الأكثرية المسلمة في الشمال، فدمجتهما في دولة واحدة نتج عنها إضعاف الأكثرية لميزتها الطبيعية، ففقدت التركيز الإسلامي في البلاد، وخسرت ثقلها، وتلاشت سيطرتها الديموغرافية على صنع القرار الاستراتيجي، وأصبح النصارى التابعون للغرب في نيجيريا هم حكام البلاد الحقيقيين.

لقد احتلت بريطانيا الهند لمائة عام، وهي لم تسرق ثرواتها وتستنزف مواردها وحسب، بل قامت بإثارة الفتن والعداوات بين أصحاب المذاهب الوثنية والمسلمين، وألّبت الهندوس بشكل خاص على المسلمين، بعد أن كانوا يعيشون في ظل الحكم الإسلامي وتحت سلطان الدولة الإسلامية لمئات السنين، وعندما حان موعد الاستقلال افتعلت بريطانيا حرباً أهلية في العام 1946 بين الطرفين، طرف بقيادة حزب المؤتمر الهندي برئاسة نهرو، وطرف آخر بقيادة محمد علي جناح الذي انشق عن حزب المؤتمر وشكل حزب العصبة الإسلامية الذي طالب بقوة وحماسة غير طبيعية بفصل المسلمين عن الهند بعد أن كان من المدافعين الشرسين عن وحدة البلاد، لكنها توجيهات أسياده البريطانيين، فكانت النتيجة منح الاستقلال لدولتي الهند وباكستان في العام 1947، وقامت بريطانيا برسم الحدود الصناعية بين الدولتين الجديدتين خلال خمسة أسابيع، ووافق عليها مجلس العموم البريطاني، ورعى المندوب السامي البريطاني اللورد ماوتن مفاوضات التقسيم والاستقلال، وكان هذا التقسيم محابياً للهندوس بالطبع، فمنحهم هذا التقسيم معظم الأراضي في شبه القارة الهندية، بالإضافة إلى معظم كشمير، كما وجعل ملايين المسلمين تحت حكم الهندوس، الذي بلغ عددهم اليوم أكثر من 200 مليون يخضعون لبطش الهندوس وحقدهم، وجعل دولة باكستان مقسمة إلى شطرين؛ شرقي وغربي يفصل بينهما 2000 كيلومتر من الأراضي الهندية، وسهل ذلك الوضع على الهند في العام 1971 فصل باكستان الشرقية تحت اسم بنغلادش عن باكستان الغربية فزاد هذا الفصل المسلمين ضعفاً على ضعف، وتفرقّوا شذر مذر.

هذا هو الإرث البريطاني الاستعماري في الهند وهو ما يعاني منه المسلمون اليوم، ويعانون من نتاجه الإقصائي الظالم بسبب هذا التقسيم الجائر الذي فعلته بريطانيا في بلاد الهند الإسلامية.

وأما النموذج الاستعماري الآخر فهو ما فعلته بريطانيا في نيجيريا، وهو كان من حيث الشكل يعتبر عكس النموذج الأول، إذ هو نموذج اندماجي وليس تقسيمياً، فالأراضي المسماة نيجيريا اليوم حكمتها بريطانيا لأكثر من قرن ونصف، وهي مؤلفة من منطقتين مختلفتين في الدين والعرق والثقافة واللغة والتضاريس، بل وفي كل شيء تقريباً، فلا علاقة لإحداهما بالأخرى، ففي الشمال مسلمون ملتزمون بالشريعة الإسلامية، وفي الجنوب وثنيون ومتنصرون، ومع ذلك قامت بريطانيا بتوحيدهما في دولة واحدة، جعلت مركز القرار فيها لأهل الجنوب الذين قامت بتنصير غالبيتهم، كما وجعلت العاصمة سايغون في الجنوب لا لشيء إلا لتقضي لى التركيز الديموغرافي الإسلامي في الشمال.

فمنذ العام 1914 قامت بريطانيا بتوحيد الهياكل الإدارية والسياسية في المنطقتين تمهيداً لإخراج دولة نيجيريا الاتحادية الحالية الهزيلة التي يسيطر عليها النصارى والعلمانيون المسلمون التابعون لبريطانيا، فيما همشت المناطق الشمالية لقبيلتي الهاوسا والفولاني اللتين ما زالتا تتمسكان بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المحاكم رغماً عن بريطانيا ورغماً عن عملائها.

وحتى اسم نيجيريا فقد اخترعته زوجة حاكم بريطانيا في البلاد آنذاك لورا شو، فهو ليس أصلياً، ولو مُنحت المناطق الإسلامية الشمالية الاستقلال لوحدها بدون الارتباط بالجنوب لربما شُكّلت دولة إسلامية قوية بالاشتراك مع امتدادها الإسلامي الطبيعي في مالي وتشاد والنيجر والتي كانت يوما دولة إسلامية عظمى.

لكن الخبث الإنجليزي فصل المسلمين في شمال نيجيريا عن إخوانهم في جوار الدول المغاربية، وربطهم بالوثنيين والنصارى في الجنوب الذين لا علاقة لهم بهم.

ونيجيريا اليوم هي كيان عملاق في أفريقيا بعدد سكان يزيد عن المائتي مليون، أكثر من نصفهم من المسلمين، لكن تأثيرها في الوضع الدولي يكاد يكون صفراً!

هذه هي الموروثات الاستعمارية الإقصائية لبريطانيا، وهذا هو نتاج سياستها الاستعمارية المدمرة على الإسلام والمسلمين في هذه الأيام.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: متفرقات الراية – العدد 397

 

جريدة الراية: متفرقات الراية العدد 397

 

  30 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2022مـ

ما زال القانون الدولي والشرعية الدولية هما شرعية الدول الاستعمارية الكبرى وتثبيت مصالحها في بلاد المسلمين، المؤيدة والمحافظة على كيان يهود ومده بالتمكين الأمني والعسكري وتبني مصالحه السياسية، ولا يمكن من خلاله تحرير فلسطين، وإنما يكون ذلك بتحريك جيوش الأمة لتستأصل كيان يهود المسخ من جذوره.

===

في رحاب دستور دولة الخلافة الأمة الإسلامية قوَّامة على عمل الحكام

بقلم: الأستاذ محمد صالح

محاسبة الحكام هي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جعلها الله واجبة على المسلمين، فهي فرض كفاية، وأيضا هي حق من حقوقهم؛ فرض كفاية إذ لا يجوز أن تخلو الأمة من جماعة بالإضافة للأفراد ممن يقوم بهذا الواجب، فإن أقامه البعض سقط الإثم عن الآخرين، وحتى لا يقال للآخرين: كُفيتم في محاسبة الحكام فلا داعي أن تحاسبوهم وكُفُّوا ألسنتكم عنهم، كانت المحاسبة حقاً من حقوق المسلمين، ولكل مسلم أن يحاسب الحاكم إن خالف الشرع؛ يأمره وينهاه، وينصحه ويناقشه، ويأخذ على يده. عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» صحيح مسلم.

ووجوب المحاسبة لا يتعارض مع وجوب الطاعة، فالشرع أوجب طاعة أولي الأمر وجعلها من طاعة الله ورسوله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، وقال النبي ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا مَا أَقَامَ لَكُمْ كِتَابَ اللَّهِ» أخرجه الترمذي بسند صحيح؛ فالمسلم يطيع الحاكم ما دام يحكم بما أنزل الله وما دامت أوامره موافقة للشرع مستنبطة باجتهاد صحيح معتبر، ولو خالفت رأي بعض المسلمين من الرعية أو أغلبهم، فرأي الإمام يرفع الخلاف وأمره نافذ ظاهراً وباطناً. أما إن أمر الحاكم بمعصية صراح فلا طاعة له لأن الطاعة بالمعروف، قال النبي ﷺ: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» رواه مسلم، وفي رواية: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» مسند أحمد بإسناد صحيح.

فالطاعة بنيت على أن الحاكم مكلف بتطبيق الإسلام، والمحاسبة مبنية على مراقبة الحاكم ومحاسبته إن خالف أحكام الإسلام، فإن ظلم أو أساء أو قصَّر وجب على الأمة أن تحاسبه، مع طاعته بالمعروف.

وللرعية من غير المسلمين حقّ الشكوى من ظلم الحاكم أو إساءة تطبيق أحكام الإسلام عليهم، إذ تعتبر مَظْلِمَة من المظالم، فتكون الشكوى حقّاً للذِّمِّي كما هي حقٌّ للمسلم؛ لأَنَّ الرسول ﷺ يقول: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ» أخرجه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح. وَكَلِمَةُ "أَحَدٌ" في الحديث تشمل المسلم والذِّمِّي. وهذا ما جاء واضحا في المادة 20، في باب "نظام الحكم" من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعده حزب التحرير: "محاسبة الحكام من قبل المسلمين حق من حقوقهم وفرض كفاية عليهم. ولغير المسلمين من أفراد الرعية الحق في إظهار الشكوى من ظلم الحاكم لهم، أو إساءة تطبيق أحكام الإسلام عليهم".

فالمحاسبة فيها خير الأمة ونجاتها لأنها تمنع ظلم الحكام أو تقصيرهم في رعاية شؤونها. لذلك كان الذي يُقتل بسبب قيامه بمحاسبة الحاكم الظالم مع حمزة سيد الشهداء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جَائِرٍ فأمرَهُ ونَهاهُ، فَقَتَلهُ» أخرجه الحاكم بإسناد صحيح.

===

حزب التحرير حارس أمين للإسلام لا يخشى في الله لومة لائم

إن حزب التحرير حارس أمين للإسلام لا يخشى في الله لومة لائم، يقول للمحسن أحسنت، ويقول للمسيء أسأت، ولا يبغي من وراء ذلك مصلحة حزبية ولا لُعَاعَةً دنيوية، بل يرى كل الدنيا كما قال ﷺ في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا». فالدنيا عند الحزب هي تلك الفسحة من الوقت التي يستظل خلالها تحت تلك الشجرة، فيحرص أن يقضيها في العمل الصالح الصادق الدءوب لتطبيق أحكام الشرع بإقامة الخلافة بحقها بإذن الله القوي العزيز.

وإن حزب التحرير الذي أمضى فوق ستين سنة يعمل لإقامة الخلافة بالطريقة التي سار عليها رسول الله ﷺ، وقضى في سبيل ذلك السنين الطوال في سجون الظالمين والملاحقة والاضطهاد، والتعذيب من الطواغيت، فاستشهد من شباب الحزب من استشهد وأوذي من أوذي... وهو ما زال ثابتاً على الحق في مسيرته رغم اشتداد الأذى... فحزبٌ هذا حاله أتراه يعترض على أي جماعة تقيم الخلافة بحقها، سواء أكان مقيمها الحزب أم كان غيره...؟! إنه لا يعترض بل يسجد شكراً لله... لكنه في الوقت نفسه يقف بالمرصاد لكل من يطلق اسم الخلافة على غير وجه حق، تشويهاً لها وتوهيناً من شأنها، فالحزب سيبقى بإذن الله صخرة صلبة صلدة أمام كل مكر وكيد لتشويه الخلافة أو تهوين شأنها، وستقام الخلافة بإذن الله بأيدي رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، رجال يكونون أحق بها وأهلها، فيبزغ فجر الخلافة من جديد ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

===

نظام أسد مجرم غدار والتقرب منه خيانة تنزل سخط الملك الجبار

قال مصدر في حركة حماس إن الحركة في طريقها لاستئناف علاقتها مع سوريا بعد 10 أعوام على القطيعة وسنوات من العمل الهادئ. وأضاف المصدر للشرق الأوسط أن "عودة العلاقات كانت جزءاً من نقاشات حدثت لسنوات مع إيران وحزب الله اللبناني"، مشيراً إلى أن "الحركة أصرت على أنها كانت حيادية ولم تتدخل، وأعطت مؤشرات إيجابية لكل الوسطاء، وحصلت كذلك على مؤشرات إيجابية من سوريا".

من جانبه عقب المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين على هذا الخبر بتعليق صحفي نشره على مواقعه، حيث قال ما مفاده: إن الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية هي صنيعة الغرب الكافر المستعمر، وهي إذ تقترب من نظام الأسد العميل المجرم فإنها تقوم بوظيفتها التي أنشأها الاستعمار من أجلها؛ وهي تقسيم الأمة ومنع وحدتها وتنفيذ أوامر المستعمرين، فلا عجب في أن تدعم تلك الأنظمة نظام الأسد وتقف معه فهي من جنسه وهو من جنسها، فالنظام السوري قتل وعذب واغتصب وهجّر، والنظام التركي احتوى الثائرين وضللهم واشترى ضعاف النفوس منهم وجعلهم مرتزِقة لتكريس حدود سايكس بيكو، والنظام القطري اشترى وأفسد النفوس بالمال السياسي القذر، والنظام الأردني حاصر وتخابر، والنظام الإيراني قتل واغتصب وشارك بشار في المجازر، وتلك جوقة كاملة من الأدوات الرخيصة في أيدي الاستعمار الغربي، فلا غرابة من عودة العلاقات بينهم وبين أخيهم نظام الأسد في التآمر على الأمة الإسلامية.

لذلك فإن الاقتراب من نظام الأسد المجرم العميل هو جريمة نكراء وارتماء في خندق العملاء وابتعاد عن الأمة واستجلاب لغضب الله في الدنيا والآخرة، ولن يجلب لمقترفه لا عزا ولا نصرا بل ذلا وخسارة وغضبا من الله ورسوله وأمته التي لم تنس ولن تنسى ما فعله نظام الأسد من فظائع ومجازر ولا يزال.

إن الرجال مواقف، فطوبي لمن انحاز لخندق أمته، والذل والهوان والخسران وغضب الله لمن انحاز لمعسكر الطغيان وأدواته الرخيصة ووقع في خندق المرتزقة العملاء في الخطوط الأولى لمواجهة أمته.

===

أردوغان يبرهن عمليا أن أمن يهود في أعلى سلم أولوياته

نشر موقع (وكالة سما الإخبارية، الأحد، 20 ذو القعدة 1443هـ، 19/6/2022م) خبرا جاء فيه "بتصرف": "اعتبر رئيس كيان يهود، يتسحاق هرتسوغ، خلال محادثة هاتفية مع نظيره التركي أردوغان، اليوم الأحد، أن ما تصفه دولة يهود بتهديد إيراني لاستهداف سائحين يهود في تركيا، وخاصة في إسطنبول، ما زال قائما، حسبما ذكرت وسائل إعلام عبرية.

وأضاف هرتسوغ أنه "يجب مواصلة المجهود المشترك للجانبين (الإسرائيلي) والتركي من أجل إحباط الإرهاب". وشكر هرتسوغ أردوغان على "جهود إحباط عمليات إرهابية في الأراضي التركية"."

الراية: من الواضح أن أردوغان لم يعد يخجل أو يتردد في إظهار حقيقته القبيحة كعراب أمريكا في الشرق الأوسط وحليف يهود ألد أعداء الأمة، غير آبه بالأمة الإسلامية وأهل تركيا المسلمين الأحرار، وكأنه يرسم نهايته المأساوية وسقوطه المدوي بنفسه بكل ثقة وإصرار.

فها هو بعد مبادرته للتطبيع مع كيان يهود رغم كل جرائمه بحق أهل فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، بل والأتراك أيضا، ها هو يبرهن عمليا أن أمن كيان يهود أولوية لديه، فيشن حملات ويسخر جهود أجهزته الأمنية لحماية علوجه وسفاحيه.

فمن الطبيعي إذاً أن يشكره هرتسوغ بل ولعله يقلده وساما تقديرا لدوره في حفظ أمن وأرواح يهود الغاصبين.

حقا، إن قضية فلسطين لطالما فضحت وعرّت الوجوه، حتى وإن أمضت عشرات السنوات في الكذب والتمثيل والتصنع، إلا أنها تفضحهم وتكشف حقيقتهم ولو بعد حين، فكما فضحت فلسطين قادة إيران ومن يسمون بمحور الممانعة الذين ثبت تخاذلهم وكذبهم تجاه فلسطين فلم يقدموا جيشا ولا فيلقا ولا حربا وإنما أموالا مسمومة كأثمان لمواقف سياسية، ها هي تفضح اليوم أردوغان رجل الخطابات والشعارات الفارغة التي ملأت الآفاق، فيظهر كم هو مجرم خائن، إذ أصبح بين عشية وضحاها من أوائل وأشد المطبعين والمتعاونين مع كيان يهود، جهارا نهارا.

إلا أنه قريبا بإذن الله ستسترد الأمة سلطانها وتضعه بين يدي خليفة المسلمين، ليكنس كل حكام العمالة والخيانة غير مأسوف عليهم، بعد أن تعرَّوْا وظهروا على حقيقتهم المخزية.

===

كيف ما يزال أهل الشام صامتين على جرائم قادة المنظومة الفصائلية؟!

أكد عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي: أن ثورة الشام تعاني من مصيبة متجددة ما دامت أسبابها قائمة، ألا وهي مصيبة الاقتتال المحرم وسفك الدم الحرام الذي يسخط الله ويثلج صدور النظام وأعداء الإسلام. واعتبر عبد الحي: أن المال السياسي المسموم قال كلمته وفعل فعلته، فتسلط على الثورة وتوسد أمرَ الناس في المحرر قادة مرتبطون، سواء من تاجر منهم بشعار الإسلام وانقلب على ما تاجر به، أو من يرفعون شعار الوطنية، قادةٌ لا يرجون لله وقاراً ولا يقيمون لدماء الشهداء وتضحيات أهل الشام وزناً، قادة لا تسيرهم أحكام شرع ولا أخلاق ثورة. وشدد عبد الحي في مقالة نشرتها صفحة المكتب الإعلامي لحزب التحرير/ ولاية سوريا على: أن الأرتال المدججة والاستعراضات المخزية الأثيمة تختفي عند حملات النظام وشركاء إجرامه وقضمهم للمدن والبلدات التي بُذلت لتحريرها الدماء والأشلاء، ولا تظهر إلا وقت الاقتتال البغيض المحرم، مع رسالة خفية مفادها أن هذه الأرتال والاستعراضات موجهة في حقيقتها ضد كل من يخالف رؤية النظام التركي ورسمه للمشهد بتوجيه أمريكي. وتساءل عبد الحي: إلى متى يسكت الناس عن إجرام قادة المنظومة الفصائلية الذين يتقاتلون لسيطرةٍ ونفوذ وتقديم عرابين الولاء للداعم وإثبات أنهم الأفضل للخدمة عند أسيادهم؟ ولماذا يترك أهل عناصر الفصائل أولادهم حطباً لهذه الاقتتالات بدل أن يسحبوهم ويضعوهم في مكان يرضي الله ورسوله؟! وخلص عبد الحي إلى أنه: لا خلاص لأهل الشام من هذا الحال المؤلم إلا بقطع الحبال مع النظام التركي وأضرابه من المتآمرين، ووصل الحبال بالله سبحانه، وسعي الأمة لاستعادة سلطانها وقرارها المغتصب، وتوسيد الأمر لأهله من أهل التقوى والصلاح ممن يملكون تصوراً واضحاً للحل، الغيورين على تضحيات الثورة وأهلها، الساعين بجد مع الصادقين لإسقاط نظام الإجرام وتخليص الناس من شروره وتحكيم الإسلام.

===

كيان يهود يتمادى في تغوله على المسلمين وحكام المسلمين خانعون متواطؤون

نشر موقع (الجزيرة نت، الاثنين، 21 ذو القعدة 1443هـ، 20/6/2022م) خبرا قال فيه، "بتصرف": "كشفت "وول ستريت جورنال" اليوم الاثنين أن كيان يهود كثف عملياته ضد المنشآت النووية والصاروخية وبرامج الطائرات المسيرة الإيرانية، في حين أعلن أنه بصدد بناء تحالف للدفاع الجوي بقيادة أمريكية.

فقد قالت الصحيفة الأمريكية إن كيان يهود صعد حملة هجماته عبر استخدام طائرات مسيرة صغيرة لضرب المنشآت النووية الإيرانية.

وتابعت أن استراتيجية رئيس وزراء يهود نفتالي بينيت تهدف لنقل المعركة ضد طهران إلى داخل الأراضي الإيرانية.

في هذه الأثناء، أعلن وزير حرب يهود بيني غانتس اليوم أنهم بصدد بناء تحالف للدفاع الجوي في الشرق الأوسط بقيادة أمريكية للتصدي لما سماها تهديدات إيران ودول أخرى في المنطقة".

الراية: يظهر هذا التقرير أن ضربات كيان يهود العسكرية لإيران وأذرعها في المنطقة تأخذ منحى تصاعدياً لافتاً من حيث عدد هذه الضربات ونوعية أهدفها وحجمها ومكانها، في حين إن جيش أي دولة من دول المنطقة قادر على إزالة هذا الكيان المسخ من الوجود بما في ذلك جيش إيران، ولكن هذا القرار بحاجة إلى قيادة مخلصة تحرك جيوش المسلمين مكبرة مهللة لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى وليس قيادة خائنة لا تجيد إلا الجعجعة الكاذبة، والتفريط بقضايا ومقدسات المسلمين، وكذلك جيش الأردن ومصر وتركيا كل واحد منها قادر بمفرده على تحقيق ذلك، ولكنها لن تتحرك في ظل أنظمة عميلة تابعة للغرب، وهذا يوجب على أمة الإسلام وجيوشها التمرد على هذه الحالة من العمالة والخيانة والتحرك لنصرة أهل فلسطين والأرض المباركة وتحرير مسرى رسول الله ﷺ.

===

دور هيئة الأمم المتحدة الإجرامي في إفساد المرأة المسلمة

تسعى المنظمات التابعة للأمم المتحدة المتخصصة في مجال المرأة بشكل كبير لإفساد المرأة المسلمة وإخراجها من عفتها وطهارتها والتزامها بأحكام دينها، وهذه المنظمات تستخدم أساليب خبيثة وشعارات براقة من مثل المساواة بين الجنسين ومظلومية المرأة ومكافحة العنف ضد المرأة، لكي تتمرد المرأة على ولي أمرها سواء أكان أباها أو أخاها أو زوجها. كما تشجع هذه المنظمات الاختلاط بين الجنسين وإثارة الغرائز الجنسية والتحرش الجنسي والكلام الساقط ونشر الفاحشة والرذيلة والزنا والسحاق وغيرها.

إن المخرج للمسلمين هو طرد تلك المنظمات الفاجرة بعد أن تبينت لهم حقيقتها وأنها عدو لهم، وأن يعملوا مع إخوانهم شباب حزب التحرير لهدم الأنظمة الملكية والجمهورية التي تحكم بغير ما أنزل الله وتسهل أعمال هذه المنظمات لتشيع الفساد في أوساط المسلمين، وأن يعملوا معه لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فهي التي تحكم بما أنزل الله، وتنشر الخير في الأرض، وتحل كل المشاكل بأحكام الشرع وتعيد نهضة الأمة من جديد وتنتزع زمام المبادرة من أمريكا، فتملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فتعود الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس كما كانت من قبل، وما ذلك على الله بعزيز.

===

المصدر: جريدة الراية

Wednesday, June 22, 2022

جريدة الراية: كيان يهود يتحسس شرعيته بينما الأمة تتجهز لاقتلاعه

 

جريدة الراية: كيان يهود يتحسس شرعيته بينما الأمة تتجهز لاقتلاعه

 

  23 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 22 حزيران/يونيو 2022مـ

في لحظة غفلة من الأمة تمكن الكافر المستعمر من هدم كيانها السياسي، وحصنها الذي تلوذ إليه، وركنها الشديد الذي تمتنع به من أعدائها، تمكن الغرب من هدم دولة الخلافة، وعاث في بلاد المسلمين فساداً وإفساداً، وأعمل خنجره المسموم في جسدها فقطعها بضعاً وخمسين مزقة، وللمحافظة على هذه الحالة من الفرقة والشرذمة، وتكريس الضعف والتناحر فيما بين تلك الكيانات المرتبطة في وجودها وسياستها به، زرع كيان يهود في قلب البلاد الإسلامية، فلم يكن اختيار فلسطين لتكون بؤرة الصراع اعتباطاً لما له من أبعاد عقائدية وتاريخية وسياسية.

رغبة يهود في تحقيق معتقداتهم الموهومة والزائفة كانت الدافع الأكبر لتلتقي المصالح الخبيثة، كي ينجح الغرب في استغلالهم واستخدامهم كأداة لضرب الأمة الإسلامية، ولأن الدول الاستعمارية الغربية تدرك تماماً استحالة قدرة يهود على البقاء، وخوض المواجهة بينما تحيط بهم شعوب الأمة الإسلامية كالبحر من كل جانب، فقد أسس لهم كيانهم في الأرض المباركة فلسطين، ومدهم بكل أسباب الحياة، ودعمهم بأقوى الأسلحة، وأعلى التقنيات المدنية والعسكرية، وأمن لهم حماية كاملة بواسطة الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، مع التركيز على المحيط القريب فيما عرف بدول الطوق، التي تحيط بفلسطين كالسوار بالمعصم، وهي سوريا ولبنان ومصر والأردن، فضمن ارتباط تلك الأنظمة به مباشرة، تنفذ سياسته وتضبط حركة شعوبها بما لا يهدد وجود كيان يهود.

وحيث يبذل الغرب كل ما في وسعه من جهود لتأمين استقرار كيان يهود في المنطقة، فإن اتفاقيات التطبيع المعروفة باتفاقيات أبراهام، التي وقعت مع بعض الدول العربية كخطوة أولى لتشمل كافة الدول في المنطقة، تأتي تلك الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية في سياق تأمين كيان يهود، وفي نهاية فترة حكم ترامب في كانون الثاني/يناير 2021 كانت وزارة الدفاع الأمريكية قد أعلنت عن إجراء تغيير في "خطة القيادة الموحدة" يقضي بنقل كيان يهود من منطقة عمليات القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية، وهي خطوة تفتح الباب أمام كيان يهود لممارسة نشاطات عسكرية في المنطقة لا بوصفه عدواً ولكن بوصفه حليفاً وصديقاً، فيما يتم تمرير هذه الخيانات والمؤامرات بذريعة محاربة الإرهاب والتهديدات الإيرانية.

وكتطبيق عملي لهذه الخطوة، أُعلن مؤخراً عن نشر كيان يهود منظومة رادارية في مناطق بالشرق الأوسط بما فيها الإمارات والبحرين، وقد تزامن هذا الإعلان مع تقديم مشروع قانون للكونغرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يدعو وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" إلى العمل على توحيد الدفاعات الجوية بين دول المنطقة العربية وكيان يهود، فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال: "أن مشروع القانون هو أحدث محاولة من جانب الولايات المتحدة لتعزيز التعاون الدفاعي بين (إسرائيل) والشرق الأوسط بعد تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية، بعد أن كانت هذه الحكومات معادية لـ(إسرائيل)". وفي إطار تلك الخطة الخبيثة الذي يحوكها الغرب الكافر ضد أمتنا الإسلامية، جاءت زيارة رئيس وزراء الكيان نفتالي بينيت، لتكرس حقيقة وقوف تلك الأنظمة في خندق كيان يهـود وفي صف أعداء الأمة الإسلامية التي يكيدون ضدها ليل نهار خوفاً على عروشهم وتثبيتا لكيان يهـود.

وبالنظر إلى واقع كيان يهود فقد أثبتت التجربة بما لا يدع مجالاً للشك أنه كيان ضعيف وهش لا يملك القوة والقدرة على حماية نفسه، إلا بما توفره له الأنظمة العميلة من حماية، بينما هو داخلياً كيان مفكك ومتناقض، وإذا أخذنا بالحسبان جغرافيا فلسطين فهي تمتد طولياً إلى 430كم وعرضياً تتراوح ما بين 50 شمالاً إلى 120كم كأقصى حد جنوباً، وحدودها مع الأردن تصل إلى 335كم، وهي الحدود الأطول والأكثر هدوءاً بفضل وجود النظام العميل في الأردن، أي أن الكيان لا يملك العمق الاستراتيجي الذي يمكنه من خوض معركة فاصلة وحاسمة في فلسطين، وهو ما يفسر سعيه لنقل معاركه إلى الخارج دائماً، ويفسر أيضاً سعيه لبناء سياج أمني لحمايته استباقياً، عبر بناء منظومة الدفاع المشترك، ونشر الرادارات في بعض البلاد العربية.

ورغم مرور كل هذا الوقت على تأسيس كيان يهود منذ 74 سنة، إلا أنه لا زال يفتقد إلى الشعور بالاستقرار والأمان، وهو في خوف من فنائه ملازم له ومتأصل في التفكير الجمعي والنخبوي فيه، فالعلاقة كانت دائماً مع الأنظمة الفاقدة للشرعية في بلادها أصلاً، ولم تكن لشعوب الأمة أن تقبل بوجود الكيان على أي أرض من بلادنا فكيف بوجوده في الأرض المباركة فلسطين؟!

ويؤكد هذا الأمر كثرة الحديث ومناقشة مستقبل ومصير الكيان، بل تحديد نهايته وهزيمته وقرب زواله، وقد كتب في ذلك الكثيرون وكان من أبرزهم رئيس وزراء يهود الأسبق إيهود باراك في مقالة كتبها في صحيفة يديعوت أحرونوت جاء فيها: "إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها".

تصاعد التحركات لتأمين الحماية لذلك الكيان يعكس الشعور بتنامي مشاعر البغض والكراهية ضده، وتصاعد تحركات الأمة نحو إزالته والقضاء عليه، كما يؤكد فشل كل تلك المخططات التي حيكت من أجل تدجين الأمة وخلق بيئة حاضنة للكيان باعتباره جزءا طبيعيا من مكونات المنطقة.

إن الأمة الإسلامية تتوق إلى يوم المواجهة، وتتحضر للموقف الفاصل، ومتأهبة ومستعدة للبذل والتضحية من أجل إنجاز التحرير، وتطهير المسجد الأقصى من رجس يهود، وهذا أمر لا نشك فيه، ولكن على الأمة أن تزيد من جرعة الوعي لديها، فتوجه بوصلتها إلى جيوشها، تلك القوة المختطفة من الأنظمة العميلة الحاكمة في بلادنا، والتي توفر الحماية لكيان يهود، فصار لزاماً أن تبدأ خطة التحرير باستعادة الأمة لسلطانها المسلوب، وإجبار حكامها على التحرك وتحريك الجيوش نحو فلسطين، فإن أبوا فخلعهم واجب، وإقامة خليفة ينقاد للإسلام ويقودنا به واجب، حينئذٍ يفتح الطريق نحو فلسطين، وحينها يكون النصر قاب قوسين أو أدنى، ولسان حالنا يقول لكم: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

بقلم: الأستاذ خالد سعيد

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)

جريدة الراية: الحوار في السودان نظرة سياسية ورؤية مبدئية

 

جريدة الراية: الحوار في السودان نظرة سياسية ورؤية مبدئية

 

  23 من ذي القعدة 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 22 حزيران/يونيو 2022مـ

التقت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية مولي في، إثر وصولها إلى السودان برئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، الذي خرج علينا في كلمة بثها تلفزيون السودان، معلناً عن بدء حوار بين الأطراف السودانية بهدف تشكيل حكومة مدنية برئيس وزراء مدني، لإنهاء مهام الوزراء المكلفين الآن، يوهم بها الشعب السوداني بأنه سيوافق عليها سياسياً وأنها ستكون مقبولة لدى الرأي العام المحلي والعالمي لإدارة الفترة الانتقالية لحين موعد الانتخابات المزمع عقدها في حزيران/يونيو 2023م.

ويوم الأربعاء 8/6/2022م، بفندق السلام روتانا، بدأت الجلسة الأولى لمؤتمر الحوار السوداني السوداني الذي ترعاه الآلية الثلاثية المكونة من (يونيتامس، والاتحاد الأفريقي، والإيقاد)، وحضر المؤتمر قادة اللجنة العسكرية ممثلة للمكون العسكري، وقوى الحرية والتغيير - مجموعة التوافق الوطني، وبعض الأحزاب، بينما غاب عن الحوار عملاء أوروبا من قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، ولجان المقاومة، وتجمع المهنيين، وبعض الأحزاب التابعة لأوروبا.

إن أمريكا تحرص على عقد هذا الحوار لإيجاد مخرج لقادة الانقلاب الذين لم يحظوا بأي تأييد من الرأي العام، ففي بيان للسفارة الأمريكية نقلته صحيفة السوداني في 09/06/2022م، جاء فيه: "إن الجلسة العامة التقنية المنعقدة هي للحوار الميسر من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد في السودان، خطوة مهمة إلى الأمام". إلا أن أمريكا لم تحصل على مبتغاها، فأعلنت عن مواصلة جلسات الحوار، كما أعلن عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر للصحيفة نفسها أن: "الجلسة الإجرائية للحوار السوداني السوداني التي انعقدت اليوم تناولت القواعد الإجرائية والترتيبات التقنية للمحادثات على أن تتواصل جلسات الحوار يوم الأحد المقبل". والذي جعل أمريكا لا تحصل على مبتغاها من هذا الحوار هو تلك التصريحات التي قدمت عملاء أوروبا وصورتهم بأنهم أصحاب المصلحة، والقوى الفاعلة، فقد قال مبعوث الاتحاد الأفريقي ود لبات: "لا نتصور حلا سياسياً إلا بمشاركة الغائبين عن الاجتماع من الفاعلين السياسيين"، أما فولكر فقال: "إن المشاركين أجمعوا خلال الجلسة على أن القوى المتغيبة عن الحوار هم أصحاب المصلحة، وأن مشاركتهم تعد ضرورة لمواصلة الحوار، والوصول لرؤية موحدة".

وبدلاً من أن تتم مواصلة جلسات الحوار كما هو مقرر، أعلن مسؤول الإعلام ببعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية (فادي)، بحسب قناتي العربية والحدث: "أن الآلية الثلاثية قررت تأجيل الاجتماع التحضيري المزمع عقده الأحد مع القوى السياسية لأجل غير مسمى". وكعادة أمريكا في تغييرها للأساليب تم الإعلان عن مبادرة أمريكية- سعودية، فقد دعت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي مولي في، قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي للقاء المكون العسكري بمنزل السفير السعودي بضاحية كافوري، على شاكلة أسلوب الجزرة والعصا، فتم اللقاء المباشر بينهما، فطالبت (قحت) أن يكون الحوار القادم لإنهاء الانقلاب، وأن رئيس الوزراء لا يأخذ تعليماته من العسكر، فقد قال ياسر عرمان عضو المكتب التنفيذي لـ(قحت) إن اللقاء الذي جمعهم بالعسكر بدعوة أمريكية، فرصة مهمة للجيش للخروج من ورطة الانقلاب بحكمة وشرف"، وأعلنت أن العملية السياسية يجب أن تمر عبر مراحل، أولها إنهاء الانقلاب، ومن ثم تأسيس وضع دستوري جديد يقوم على مدنية الدولة والنأي بالجيش عن السياسة. وهذه المطالب التي عرضتها (قحت) هي التي عجلت بانقلاب البرهان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لأنها خطوط حمراء بالنسبة لأمريكا، إذ إنها تعني جعل الساحة السياسية خالية من عملاء أمريكا، وإفساح المجال لعملاء أوروبا للسيطرة على مقاليد الحكم في السودان.

إن هذا الحوار الذي تقوده أمريكا يمثل قمة الصراع الدولي على السودان، ويظهر ذلك في تشبث كل من قادة الجيش، وقوى الحرية والتغيير بالسلطة، والارتماء في أحضان الكافر المستعمر، والعمل بتوجيهاته، فقد صرح البرهان في اجتماع عقده في القيادة العامة للجيش، في تنوير للضباط من رتبة عميد فما فوق وضباط الدعم السريع: "أن الحوار الشامل الذي تسهله الآلية الثلاثية يمثل المخرج الوحيد للعبور بالبلاد في الفترة الانتقالية" (صحيفة السوداني 16/06/2022).

غير أن المخرج الوحيد لمشاكل البلاد لا يكون، كما يدعي البرهان، بالحوار الذي وراءه الكافر المستعمر. إن أهل السودان لا يعنيهم هذا الحوار، ولا يعولون عليه كثيراً، وعندما حاولت حكومة حمدوك السابقة فرض العلمانية، وإدخالها في مناهج التعليم الابتدائي، ثار الناس وأجبروه على تجميد المنهج، وذلك لأن أهل السودان مسلمون، ولا يقبلون أن يتطاول على عقيدتهم أحد، وكذلك عندما حاولت الحكومة فرض المثلية، وتطبيق اتفاقية سيداو، ونشر أفكار الحريات، والتطاول على أحكام الميراث، علق بعضهم "أن هؤلاء كفار عديل"، وهكذا إلى أن أسقطها الجيش فذهبت حكومة حمدوك غير مأسوف عليها.

أما العسكر فرغم محاولاتهم المتكررة لكسب ولاء الشعب، عبر الإدارات الأهلية، والتقرب إليهم بتقديم بعض الخدمات، إلا أن أهل السودان مجمعون على رفضهم، ويسخرون عند كل دعوة للجمع بين المكون العسكري والمدني لاشتراكهما في صناعة هذه المشاكل التي تعج بها البلاد.

إن دعوات الحوار هذه هي من الأساليب الخبيثة التي تلهي الناس عن الحل الصحيح، فضلاً عن أن الذي يقودها ليست الأمة ولا علماؤها، ولا المخلصون من أبنائها، وإنما المستعمر نفسه، والعملاء الذين لا هم لهم غير إرضاء الكافر المستعمر والعمل بتوجيهاته للبقاء في كراسي الحكم وتوزيع المناصب فيما بينهم، فيجب التوقف عن دعوات هذا الحوار، وعدم المشاركة فيه لأنه كالمنبتّ، فلا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، فكم من مؤتمرات وحوارات عقدت في بلاد المسلمين وكانت نتيجتها صفراً كبيراً؟!

أما الناحية العملية لإنهاء الأزمة في السودان، فتتمثل في أن يقوم المخلصون في الجيش بركل كل المجرمين المتآمرين على البلاد جانباً، وإعطاء النصرة لحزب التحرير ليقيم الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لترجع الأمة إلى مقولة "أبسط يدك أبايعك" فتتم مبايعة خليفة أميراً للمسلمين يطبق الإسلام كاملاً، وبذلك ترفع الأمة عن نفسها إثم الميتة الجاهلية، وتعود الحياة حياة إسلامية، والسياسة سياسة شرعية، والوسط السياسي هم رجال كأمثال أبي عبيدة عامر بن الجراح، وعمر بن الخطاب، وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين.

بقلم: الدكتور أحمد عبد الفضيل ولاية السودان