Wednesday, December 29, 2021

بيان صحفي: سلطة ابن العلقمي تبرهن من جديد على معاداتها للإسلام وراية رسول الله ﷺ

 بيان صحفي: سلطة ابن العلقمي تبرهن من جديد على معاداتها للإسلام وراية رسول الله

بقرار فصل الأستاذ حسين أبو الحج

 

أقدم وزير تربية السلطة، في حكومة اشتية، مروان عورتاني على إيقاع عقوبة الفصل بحق الأستاذ حسين أبو الحج، وذلك على خلفية إجابته على سؤال أحد الطلبة عن الفرق بين راية رسول الله وأعلام سايكس-بيكو. وجاء في نص القرار (استنادا إلى البند 10 من المادة 68 من قانون الخدمة المدنية الفلسطيني، فقد تقرر إيقاع عقوبة الفصل من الخدمة بحقك اعتبارا من تاريخ 2021/12/22 وذلك لمخالفتك الأنظمة والقوانين والتعليمات المعمول بها في وزارة التربية والتعليم والمتمثلة في قيامك باستغلال وظيفتك كمعلم للتأثير في الاتجاهات الوطنية للطلبة من خلال بث أفكار تتنافى مع القانون والنظام)!

إن هذا القرار الجريمة هو شاهد صارخ على عداء سلطة التنسيق الأمني، أرباب الاحتلال والدول المانحة، للإسلام وراية رسول الله ، ويؤكد أن هذه الحكومة برئيسها ومجلس وزرائها ووزير تعليمها لا يكترثون بدين الله ولا بكتاب الله ولا سنة رسوله ، ما يدلل على مدى الغلّ الذي يملأ قلوبهم تجاه هذا الدين وتجاه راية الإسلام التي تغيظ الكافرين والمنافقين ومن والاهم ويقتات على موائدهم، فتباً لها من سلطة وتباً لهم من وزراء أعداء لدين الله يقدسون أعلام الاستعمار وقلوبهم معلقة بالفرنسيين والإنجليز واضعي أعلامهم وراسمي حدودهم، بينما يعادون راية رسولنا محمد ويعتبرون الدعوة والترويج لها خروجاً عن القانون والنظام!

إن أهل فلسطين هم مسلمون، يحبون محمداً ويحبون رايته، رغما عن أنف السلطة العميلة. إن السلطة بحكومتها ووزارة تربيتها ليست مخولة بالعبث بعقول أبنائنا إلا بحبل من الاحتلال والاستعمار، الذي يريد أن يُنشئ جيلاً بلا قيم، لا يعبأ بالقدس ولا المقدسات ولا يغار على دينه وعرضه ويرى في المستعمر والمحتل قدوة، لهذا الغرض يدفع لكم الاتحاد الأوروبي الأموال يا عورتاني ولذلك تغيظكم راية رسول الله والداعون لها!

وهنا نعيد السؤال لعورتاني، ما الفرق بين راية رسول الله وأعلام سايكس-بيكو؟ أم أنه لا يستطيع الإجابة؟! أم أنه سيُقال من منصبه إن نطق بالحق والحقيقة أم ماذا؟!

ثم ما هي الاتجاهات الوطنية التي تخشى حكومة اشتية ووزارة تربيتها عليها؟ هل هي نبذ المقاومة باسم العنف وتجريمها؟! أم هي حب يهود والحرص على إنهاء "عذاباتهم" باسم السلام؟! أم هي التنسيق مع المحتل الذي يقتل الشهداء ويصادر الأرض ويهدم البيوت صباح مساء؟! أم هي الانحلال الخلقي والبرامج الإفسادية التي تغزو بها المؤسسات النسوية والجمعيات الغربية مدارسنا؟! وضّحوا لنا اتجاهاتكم "الوطنية" التي تخشون عليها وتدافعون عنها!!

إن هذه الجريمة لن تمر مرور الكرام، فهي تعبير صارخ عن مدى عداء السلطة للإسلام ومفاهيم الإسلام وراية الإسلام، وستكون وصمة عار في جبين كل من شارك فيها، ونؤكد للسلطة وحكومتها أنكم جراد عابر، والإسلام بأهله وحملته راسخون في الأرض التي باركها الله، وبإذن الله لن يطول ذلك اليوم الذي سيحاسب فيه كل هؤلاء المجرمين.

﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾

المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة – فلسطين

التاريخ الهجري            24 من جمادى الأولى 1443هـ رقم الإصدار: ب /ص – 1443 / 06

التاريخ الميلادي            الثلاثاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2021 م

جريدة الراية: جواب سؤال: حقيقة الأزمة الأوكرانية أبعادها ودوافعها

 جريدة الراية: جواب سؤال: حقيقة الأزمة الأوكرانية أبعادها ودوافعها

 

السؤال: نشرت الجزيرة في 20/12/2021 على موقعها: [تبادل الجيش الأوكراني والانفصاليون الموالون لموسكو إطلاق النار مما أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين... وتأتي هذه التطورات بعد يوم واحد من إعلان سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أليكسي دانيلوف أن بلاده أعدت خطة عمل مفصلة تشارك فيها جميع الوكالات وقطاعات الجيش، لأول مرة في تاريخ البلاد، تحسبا لأي غزو من قبل روسيا، على حد تعبيره. وكانت أوكرانيا اتهمت روسيا بأنها حشدت ما يصل إلى 100 ألف جندي قرب حدودها تمهيدا لمهاجمتها بحلول نهاية كانون الثاني/يناير المقبل... بيد أن روسيا نفت أنها تخطط لغزو أوكرانيا... الجزيرة 20/12/2021] فما هي حقيقة هذه الأزمة وأبعادها ودوافعها؟ وما هو المتوقع من هذا التصعيد، وبخاصة الروسي الأمريكي؟

الجواب: لكي يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:

1- سيطرت روسيا القيصرية على أراضي أوكرانيا خلال القرن السادس عشر، ثم أخذ شعب أوكرانيا يشارك الروس استعمارهم لباقي المناطق ويعاونهم على استعمار الشعوب الأخرى، حتى إن الشعوب المستعمرة قلما ميزت بين الروس والأوكرانيين خاصة أن كليهما من العرق السلافي، ولما تفكك الاتحاد السوفييتي سنة 1991، ثم نالت أوكرانيا استقلالها سنة 1991 أصبحت الدولة الثانية في فضاء "الاتحاد السوفييتي" بموقع فريد شمالي البحر الأسود وبتعداد سكاني كبير وصل 40 مليون نسمة، وببنيةٍ صناعيةٍ لا تقل عن مثيلتها الروسية وبترسانة نووية تمثل ثلث التركة السوفييتية، وذلك قبل أن يتم تجريدها منها بموجب اتفاق أمريكا وروسيا مع أوكرانيا مقابل تعهد أمريكي روسي بحفظ وحدة أراضي أوكرانيا وصون استقلالها، وخاضت أوكرانيا مفاوضات طويلة وشاقة مع روسيا بخصوص أسطول البحر الأسود "السوفييتي" الذي ورثت روسيا معظمه وظل يتمركز في ميناء سيفاستوبل في جزيرة القرم ضمن أوكرانيا بموجب عقد إيجار.

2- كانت قوة روسيا تفشل في إعادة أوكرانيا إلى أحضانها في كل نزاع مع أوكرانيا، سواء أكان ذلك في مسألة تقاسم أسطول البحر الأسود بداية التسعينات، أم كان في مسألة أنابيب الغاز الطويلة العريضة التي كان الاتحاد السوفييتي قد بناها داخل أوكرانيا لنقل الغاز من أراضي روسيا إلى أوروبا، وما برز بعد هذه المسألة من حاجة روسيا إلى خطوط بديلة مثل خط "السيل التركي" عبر البحر الأسود أو "السيل الشمالي" عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، أو في المسائل التجارية حيث حاجة السوق الروسية الماسة للسكر والزيوت التي تنتجها أراضي أوكرانيا الخصبة، أو مسألة عضوية أوكرانيا في الهيئات المختلفة التي أنشأتها روسيا لدول المنظومة السوفييتية السابقة، أو بعد ذلك ببروز التوجهات الأوكرانية نحو الاتحاد الأوروبي والناتو، فكل هذه النزاعات الروسية مع أوكرانيا لم تمكن روسيا من إعادة الهيمنة على أوكرانيا عبر العقود الثلاثة الماضية رغم تفوق روسيا العسكري...

3- إن أوكرانيا هي حديقة روسيا الأمامية، وهي لروسيا ليست كآسيا الوسطى مثلاً حديقةً خلفيةً من حيث الموقع والترابط القومي والدين والتاريخ، فأوكرانيا هي الواجهة الأمامية لروسيا ولمكانتها الدولية، فهي تطل على البحر الأسود وتتحكم به فوق إطلالتها من فوق المناطق القفقازية الإسلامية التي ضمتها روسيا عبر التاريخ، ومن أراضي أوكرانيا الخصبة تجد روسيا أمنها الغذائي في سلعٍ أساسية يقيها تقلبات علاقاتها مع الغرب، ومنها تعبر إلى أوروبا الشرقية سواء بأنابيب الغاز أو بغيرها. وفوق كل هذا فإن أوكرانيا اليوم تمثل آخر المناطق العازلة لحل العقدة التاريخية لروسيا والمتمثلة في الخوف من أوروبا التي غزيت منها مرتين (نابليون وهتلر)، وإذا كان ضعف الدولة السوفييتية قد أجبرها على التخلي عن أوروبا الشرقية كمنطقة عازلة فإنها وأمام تقدم حلف الناتو إلى شرق أوروبا تريد على الأقل من جارتيها أوكرانيا وبيلاروسيا أن توفرا لها المنطقة التي تعزلها عن أخطار الناتو وتقدم آلته العسكرية نحو الشرق. إن روسيا اليوم تريد منع أوكرانيا من الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو دعمه لها (واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا "تحدياً خطيراً لأمن روسيا".. العين الإخبارية، 13/4/2021).

4- أدرك الغرب، وبخاصة أمريكا، حقيقة هذه العقدة الأوكرانية في السياسة الروسية، وأن أوكرانيا تمثل الخاصرة الأضعف لروسيا خاصة بعد أن اشتد عود الحركات القومية في أوكرانيا وتأصل عداؤها لروسيا، لذلك صارت أوكرانيا ومنذ عقدين بؤرة لاحتكاك أمريكا وأوروبا مع روسيا، وعلى أثر الثورة البرتقالية التي أطاحت برئيس أوكرانيا يانكوفيتش الموالي لروسيا سنة 2014 ردت موسكو في العام نفسه ببتر شبه جزيرة القرم الواقعة في الجنوب عن أوكرانيا وضمتها لروسيا التي تمتلك في الجزيرة قواعد عسكرية استراتيجية وضخمة، ولم تكتف بذلك بل دفعت بالانفصاليين الروس في أوكرانيا لإشعال المناطق الشرقية وإعلان استقلال محافظتين (دونيتسك ولوغانسك) ليطلق عليهما الروس اسم "روسيا الصغرى"، ويقدمون الدعم لها عسكرياً، وكل هذا دفع بأوكرانيا إلى أحضان الغرب، وأصبحت أوكرانيا بعد ذلك تطالب وتلح للانضمام لحلف الناتو على أمل أن يحميها من العدوانية الروسية، وأخذ الغرب يقربها إليه ويظهر بمظهر المدافع عنا، فصارت أوكرانيا تدعى إلى الاجتماعات الأوروبية واجتماعات "الناتو" خاصة عندما تشتد الأزمات مع روسيا دون أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي أو "الناتو"، وأخذت أمريكا تسلحها وتقدم لها المساعدات العسكرية بمليارات الدولارات وصارت تدرب جيشها...

5- لقد وقعت روسيا تحت عقوبات غربية قاسية (أوروبية وأمريكية) منذ ضمِّها جزيرةَ القرم، فحاولت تعويضها بزيادة علاقاتها الاقتصادية مع الصين، فمدت إلى الصين خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز، وفتحت للصين ممراً برياً (سكة حديد) لنقل البضائع الصينية إلى أوروبا مباشرةً، أي تعاونت معها في إطار مشروع الصين الكبير "طريق الحرير"، وفوق ذلك فإنها أخذت تتخلص من مخزونها من السندات الأمريكية والدولارات وحررت تجارتها بشكل كبير من الدولار. وعلى الرغم من أن روسيا ليست عملاقاً تجارياً كأوروبا أو الصين إلا أن أمريكا رأت أن روسيا تتحدى الهيمنة الاقتصادية الأمريكية وتحرض الدول الأخرى وبجرأة على فعل ذلك، ويبرز هذا في معظم العقود التجارية الروسية وخاصة مع الصين باعتماد العملات المحلية بديلاً عن الدولار، فكان هذا تهديداً لأمريكا أضيف إليه أخيراً ما اتهمت روسيا به من رفع أسعار الغاز ليكون معضلة اقتصادية جديدة لأوروبا.

6- إن روسيا تنظر إلى الأبعاد والمزايا الكبيرة لأوكرانيا من حيث التاريخ والهيمنة والاقتصاد والأمن، أي المنطقة العازلة عن الناتو، وهكذا فهي تعتبرها خطاً أحمر، (وحذر بوتين حلف الناتو من نشر قواته وأسلحته في أوكرانيا، قائلاً: "توسيع البنية التحتية العسكرية للناتو في أوكرانيا خط أحمر بالنسبة لروسيا وسيؤدي إلى رد قوي"، بيد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال إنه لا يحترم الخطوط الحمراء لأي طرف بشأن أوكرانيا. نون بوست، 4/12/2021)، لكل ذلك فإن روسيا وهي تدير الأزمة الأوكرانية الحالية ليست بوارد التخلي عن أوكرانيا وتركها لقمةً سائغةً لأمريكا والناتو، خاصة بعد أن جربت العقوبات الغربية وتحملتها، وفوق ذلك فإنها ترى أن شغل أمريكا الشاغل اليوم هو مواجهة الصين، بمعنى أن أمريكا لن تقدم على ضم أوكرانيا لعضوية الناتو بسبب ما يلزم ذلك من موارد أمريكية للدفاع عن أوكرانيا، إذ إن ذلك سيضعف الإعدادات الأمريكية في الشرق الأقصى لمواجهة الصين... كما أن روسيا لا تقيم وزناً لأوروبا الأقل قوة عسكرياً والمعتمدة على روسيا بقدر كبير في مسائل التزود بالطاقة، بمعنى أن روسيا تشعر بأن الظرف الدولي مواتٍ لها لتحقيق النجاح في أوكرانيا. لهذا فقد أبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن أن موسكو تحتاج إلى (ضمانات أمنية طويلة الأمد عند حدودها الغربية من شأنها وقف توسع حلف شمال الأطلسي - الناتو - نحو الشرق... مضيفاً "وهو ما يجب اعتباره مطلباً حتمياً")، كما نقلته عنه بوابة الوسط الليبية، في 2/12/2021.

7- هذه هي حقيقة المطالب من الجانب الروسي التي تقف وراء هذا التأزيم في أوكرانيا، فروسيا ترى أن الغرب يزيد في تسليح أوكرانيا، وأن الغرب يمكن أن يدفع أوكرانيا بعد تقوية جيشها لاستئصال الانفصاليين الروس شرقي أوكرانيا، ويمكن أن يدفعها بعد ذلك للحرب في جزيرة القرم، وهذا كله خطر على روسيا، قال رئيس هيئة الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، (إن تزويد أوكرانيا بالطائرات والمسيرات والمروحيات سيدفع كييف إلى القيام بخطوات خطيرة... لكن أي استفزازات من قبل كييف لحل الوضع في دونباس بالقوة سيتم قمعها. آر تي، 9/12/2021). وهكذا فإن الأزمة الحالية تكشف بأن روسيا تهدف أولاً إلى عدم التشكيك في بقاء القرم جزءا منها بل تريد ذلك أمراً واقعاً باعتراف دولي أمريكي أوروبي، والهدف الثاني أن يصبح شرق أوكرانيا خارج سلطة أوكرانيا وبحكم الجزء من روسيا، والهدف الثالث الأكثر تأثيراً هو منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو وأنها تحتاج ضمانات لذلك، وخاصة بعد المناورات العسكرية المشتركة بين الناتو وأوكرانيا في البحر الأسود حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حينها (إن المناورات الأخيرة التي أجراها حلف شمال الأطلسي "ناتو "(NATO) في البحر الأسود تجاوزت كل الحدود، ورأى أن الغرب لا يأخذ تحذيرات بلاده بالجدية الكافية. وفي كلمة ألقاها أمام مسؤولي السياسة الخارجية في موسكو، أشار الرئيس الروسي إلى أن تحليق قاذفات حلف الناتو الإستراتيجية على بعد 20 كيلومترا من حدود بلاده يتجاوز كل الحدود المسموحة. وقال "شركاؤنا الغربيون يصعدون الوضع عبر تزويد كييف بأسلحة حديثة فتاكة وإجراء مناورات عسكرية استفزازية". الجزيرة نت، 18/11/2021).

8- استجابت أمريكا لمطالب روسيا بعقد قمة بين الرئيسين الروسي بوتين والأمريكي بايدن، وقد عقدت القمة في 7/12/2021 وكانت الأزمة الأوكرانية موضوعها الرئيسي لكنه لم يكن الوحيد، وظهر خلال القمة بأن روسيا تطالب أمريكا بالاعتراف بالخطوط الحمراء التي ترسمها في أوكرانيا، وظهر أيضاً بأن أمريكا تحذر روسيا بالعقوبات الاقتصادية إن هي أقدمت على غزو أوكرانيا، وليس لدى أمريكا ما هو أبعد من ذلك، فالرئيس الأمريكي أكد في اليوم التالي للقمة بأن التدخل العسكري الأمريكي في حال الغزو الروسي لأوكرانيا غير وارد، وأمريكا هددت قبيل القمة وعلى لسان مسؤولين كثر بالعقوبات التي لم تر روسيا لها مثيلاً، وتحدثت عن منع تدفق الغاز الروسي في خط "السيل الشمالي" إلى ألمانيا، وأنها تتحدث مع الألمان بهذا الخصوص، وأن أقصى ما لديها هو قطع روسيا والبنك الرئيسي فيها عن نظام التحويلات المالية الخارجية مع أن الكثير من تجارة روسيا قد أصبحت بغير الدولار.

9- وبالتدقيق نجد أن روسيا تحشر نفسها في أزمة يمكن أن ترتد عليها، فأمريكا يمكنها دفع الرئيس الأوكراني لاستفزاز روسيا حتى لا يبقى لروسيا مجال أو خيار إلا غزو أوكرانيا فتتورط في الأوحال الأوكرانية وتتورط مع أوروبا، فأوكرانيا ليست دولةً عضواً في الناتو حتى يتوجب على أمريكا أن تهب للدفاع عنها، وإذا ما أخطأت روسيا وغزت أوكرانيا فإنها ستوفر لأمريكا كامل المبررات لإخضاع الدول الأوروبية وإعادتها تحت العباءة الأمريكية بحجة الوقوف صفاً أمام عدوانية روسيا، الأمر الذي يتنافى مع تعدد الأقطاب الدولية الذي تنادي به روسيا. كما أن هناك أفقاً لا تراه روسيا، فمن باب الضغط الأمريكي على روسيا في حال غزوها لأوكرانيا فإن أمريكا ستمتلك أداةً جديدة لتفكيك التحالف الناشئ بين روسيا والصين، إذ يمكنها الضغط على الصين وتهديدها بتجارتها مع أمريكا من أجل الابتعاد عن روسيا المعتدية على أوكرانيا: فإن خضعت الصين وابتعدت عن روسيا فإن أمريكا تكون قد كسبت هدفاً كبيراً، وإن خضعت روسيا لمختلف أنواع العقوبات وانسحبت من أوكرانيا بعد غزوها فإن مطالب أمريكا ستلاحقها شرقي أوكرانيا، بل وفي جزيرة القرم بما يحرم روسيا من أي مكاسب من غزوها لأوكرانيا، بل سيجر عليها الويلات، هذا فضلاً عن تأجيج أمريكا لدول شرق أوروبا وحملها على تقديم دعم عسكري فعال ومؤثر لضرب روسيا في أوكرانيا، ولعل تجربة إنهاك روسيا في أفغانستان ليست ببعيدة عن الذاكرة، لكل ذلك فإن روسيا تقوم بلعبة خطرة حول أوكرانيا قد تصبح فخاً كبيراً لها وترتد عليها، أي كالأحمق الذي لا يدرك مآلات أفعاله!

10- أما إلى أين تتجه الأمور، فالمسألة كما يلي:

أ- إن الدول الأوروبية تسعى لتبريد الموقف ومنع روسيا من غزو أوكرانيا، وهي تريد تلطيف العلاقات مع روسيا للحد من مخاطرها وضمان استمرار تدفق موارد الطاقة الروسية إلى أوروبا وبأسعار معقولة، ففرنسا وألمانيا وإيطاليا تدعو إلى انخراط روسيا في مفاوضات مع أوكرانيا لحل الأزمة، ومن ذلك (قال وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، إن بلاده ترغب في تحسين العلاقات مع روسيا. وشدد الوزير، على أن تحقيق ذلك يتطلب إحراز تقدم في حل النزاع في دونباس. آر تي، 23/11/2021)، ولكن بريطانيا قد تسعى لتسخين الموقف من باب المناكفة السياسية للاتحاد الأوروبي الذي خرجت منه! (قال رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال نيكولاس كارتر إن هناك مخاطر أكبر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، تنذر بنشوب حرب بين الغرب وروسيا. الجزيرة نت، 13/11/2021)، وقال كذلك ("علينا أن نكون حذرين" بشأن احتمال نشوب صراع في المنطقة. وأضاف الجنرال نيك كارتر لبي بي سي إنه يأمل فعلا ألا تكون هناك حرب مع روسيا، لكنه أضاف أن الناتو يجب أن يكون مستعدا لهذا الاحتمال. بي بي سي، 5/12/2021)، ومثل هذه التصريحات من بريطانيا هي للتشويش أكثر منها نذر حرب فعلية.

ب- لكن العامل الأكثر حسماً هو موقف أمريكا، فهي تتحكم في الكثير من خيوط الحكومة الأوكرانية، ولهذا أرسلت روسيا رسالة الطلب بضمانات أمنية، أرسلتها لأمريكا وليس لدولة غيرها على اعتبار أن دول الحلف تبع لخطواتها، حتى إن تأخُّر أمريكا بالرد بشأن الضمانات الأمنية وخاصة موضوع انضمام أوكرانيا للحلف، هذا التأخر يقلقها: (وفي موسكو قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي إن موسكو تحتاج إلى رد أمريكي سريع على مقترحاتها لأن الوضع صعب وقابل للتعقيد والتصعيد... الجزيرة 20/12/2021)، وهكذا:

- فإذا قررت أمريكا إعطاء روسيا ضمانات أمنية في أوكرانيا دون توافق معها حول الصين فإن كفة روسيا ستكون هي الراجحة في هذه الأزمة وأن إعطاء هذه الضمانات يكشف عن مزيد من ضعف الموقف الأمريكي لأن أمريكا تكون قد خضعت لمطالب روسيا وأصغت لمطالب أوروبا بالتبريد، وهذا مستبعد إلا أن يحدث تنازل روسي في فك روابطها مع الصين لمصلحة أمريكا..

- وأما إذا قررت أمريكا توريط روسيا ودفعها للحرب في أوكرانيا فإن روسيا تكون قد وقعت أو أُوقعت في حبال خطتها..

- وبتدبر هذه الأمور فإن الأرجح هو أن الحرب الساخنة بين روسيا وأوكرانيا من غير المتوقع حدوثها إلا إذا حدثت تطورات جديدة تنخدع بها روسيا فتبدأ الحرب وتتورط بها! وعدم توقع الحرب لا يمنع من حدوث مناوشات في شرق أوكرانيا على فترات...

وكذلك من غير المتوقع أن تحصل أمريكا على قطع روابط روسيا كلياً مع الصين... وفي المقابل لن تحصل روسيا على تحقيق أهدافها الثلاثة... بل يمكن على طريقة الرأسماليين في الحل الوسط أن يحصل تليين مواقف من أمريكا تجاه أهداف روسيا الثلاثة في مقابل تخفيف روابط روسيا مع الصين... ومن ثم تفك روسيا حشودها على الحدود مع أوكرانيا، وتكتفي من الغنيمة بالإياب!

الثامن عشر من جمادى الأولى 1443هـ

22/12/2021م

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: انسحاب أمريكا من العراق تحرير أم تمكين؟

 جريدة الراية: انسحاب أمريكا من العراق تحرير أم تمكين؟

 

25 من جمادى الأولى 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 كانون الأول/ديسمبر 2021مـ

غزت أمريكا وحلفاؤها أفغانستان والعراق عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر واحتلت أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 بحجة الحرب على الإرهاب، ولاقى هذا الاحتلال مقاومة من الشعب الأفغاني بقيادة طالبان ومن الشعب العراقي من فصائل عدة، وقد أوقعت هذه المقاومة خسائر فادحة في القوات الأمريكية.

لكن الصورة تغيرت بين واقع البلدين؛ ففي أفغانستان استمرت المقاومة لعشرين عاما لتصبح الحرب على أفغانستان أطول حرب خاضتها أمريكا، ولم تنجح بكسر إرادة الشعب الأفغاني المجاهد، ما اضطرها للانسحاب؛ فقد جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من أفغانستان، ومكرّرا دفاع بايدن عن الإجراءات المتخذة "إذا لم تكفِ 20 سنة ومئات المليارات من الدولارات من الدعم والمعدات والتدريب، فلماذا ستؤدي سنة أخرى، أو خمس، أو عشر، إلى إحداث فرق؟".

أما في العراق فالصورة مختلفة، فلم تكن للمقاومة قيادة موحدة وكانت مختلفة الاتجاهات؛ فصيل ضم عسكريين من الجيش العراقي بعد حله كجيش محمد، وآخر إسلامي كأنصار الإسلام، وثالث يجمع الاثنين كالنقشبندية، وجماعات أخرى ليس لها أي توجه سوى قتال المحتل بعد أن تمكنت من السلاح الذي تركته الدولة بعد سقوط العراق، ومع ذلك فقد أوجعت هذه المقاومة المحتل الأمريكي، حتى دخلت على خط المقاومة جماعة التوحيد والجهاد بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، وبحلول 2006 أعلن الزرقاوي تأسيس "مجلس شورى المجاهدين" بغرض توحيد كافة الفصائل السنية المسلحة في العراق وقد أعلن في حينها حصانة للمحتل بقوله "إن قتال الروافض أولى من قتال المحتل"، مستشهدا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، وبعد مقتله حلّ مكانه أبو عمر البغدادي، الذي أعلن بدوره تغيير اسم "مجلس شورى المجاهدين"، ليكون "دولة العراق الإسلامية"، ووجه دعوة لجميع الفصائل لمبايعة هذا الكيان وحارب الفصائل السنية المقاومة التي لم تبايع ولم توال التنظيم، فتحولت المقاومة إلى فتنة طائفية عمياء ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، وبات المحتل في مأمن ولم يتعرض لمقاومة بعدها، وأخذ يرسخ نظامه ويحقق أهدافه، ثم تشكلت بعد ذلك فصائل مسلحة؛ أكثر من ستين فصيلا! كلهم موالٍ لإيران بعد سيطرة تنظيم الدولة على الموصل والأنبار وصلاح الدين.

وبعد القضاء على تنظيم الدولة واستعادة المناطق التي كانت خاضعة له تفلّت قسم من هذه الفصائل وبات مصدر إزعاج لأمريكا خاصة بعد مقتل قاسم سليماني (القائد السابق لفيلق القدس الإيراني) ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، فعلت الأصوات بضرورة خروج القوات الأمريكية من العراق وذهبت إلى أبعد من ذلك بإعطاء مهلة لنهاية العام الجاري، وبخلافه ستدخل حرباً مفتوحة مع المحتل.

وعلى وقع الغضب إزاء انتهاك السيادة العراقية، صوّت البرلمان على طرد القوات الأمريكية من العراق، بيد أن تصويت البرلمان العراقي على الانسحاب لم يكن ملزما، فجاء اتفاق الانسحاب الأمريكي من العراق من الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لينهي فصلا من الوجود القتالي للجنود الأمريكيين في العراق، ومع ذلك ورغم الضجة التي صاحبت الإعلان عن الاتفاق، فإن الانسحاب الأمريكي من العراق ليس انسحابا كاملا على غرار انسحابها من أفغانستان.

وهذا يتضح من خلال البيان المشترك للجولة الرابعة من "الحوار الاستراتيجي" بين بغداد وواشنطن أن "العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية".

وأشار البيان إلى أن القواعد العسكرية التي استخدمتها القوات الأمريكية "هي قواعد عراقية تعمل وفقا للقوانين العراقية"، وأن الجنود الدوليين المتمركزين في هذه القواعد كانوا فقط للمساعدة في الحرب على تنظيم الدولة.

ومما تقدم يتبين أنه ليس هناك انسحاب أمريكي من العراق وأن تغيير دور القوات الأمريكية الموجودة في العراق من الدور القتالي إلى دور التدريب والاستشارة والتمكين، هو أكبر خديعة للشعب العراقي بنهاية الاحتلال الأمريكي، وأنه تمكين للمحتل وليس تحريرا للبلد.

وهنا لا بد من بيان أن استقلال البلدان يكون في التخلص من جميع أشكال الهيمنة الخارجية، ولا يمكن لبلد أن يعتبر نفسه محرَّراً إلا بالتخلص من جميع أشكال الاستعمار والذي هو فرض السيطرة السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، وإن أبسط صوره هي الاحتلال العسكري، والأخطر منه هو الاحتلال الفكري والسياسي والاقتصادي، وعندما يقول الباري عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، فإنه يعني حرمة أن يكون للكافر أي سبيل على المؤمن من سبل الهيمنة الفكرية والعسكرية والسياسية والاقتصادية...

وتحرير البلد من الاحتلال العسكري لا يتم عن طريق المفاوضات والتلاعب بالألفاظ، بل عن طريق المقاومة المسلحة والجهاد في سبيل الله، والعراق بلد محتل بجميع أنواع الاحتلال، بوجوده على أرضه وفي دستوره ونظامه السياسي والاقتصادي ولا قيمة لخروج الجندي الأمريكي مع بقاء كل ذلك، ومع ذلك لا ترضى أمريكا بخروج جنودها من العراق بل التأكيد على بقائهم من خلال الخداع والتلاعب بالألفاظ بتغيير مهماتهم، وتطبيل الإعلام لذلك على أنه نصر حققه العراق، نصر حققه خدم جاء بهم المحتل نفسه، فهل هناك مهزلة ومشهد مسرحي هزيل أقبح من ذلك؟!

أيها المسلمون في العراق: إنه لمن السذاجة والخيانة أن ينادى بخروج المحتل العسكري مع بقاء نفوذه السياسي والفكري والاقتصادي في البلد، فلا سيادة ولا عزة ولا حياة كريمة إلا بتحرير البلد من كل أنواع الاحتلال، وهذا لا يتم على يد العملاء الخونة والمفاوضات غير المتكافئة وتهديد عصابات مرتبطة، بل لا بد من دولة مبدئية وحكام مخلصين سندهم الأمة، دولة تأخذ أحكامها من كتاب ربها وسنة نبيها في جميع مفاصل حياتها، يقودها إمام راشد جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، ونظامها السياسي والفكري والاقتصادي منسجم مع هويتها الإسلامية، وعندها فقط يتحقق النصر وتُحرر البلاد من جميع أشكال الاستعمار.

بقلم: الأستاذ مازن الدباغ – ولاية العراق

جريدة الراية: مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة تلويثٌ للفكر الإسلامي

 جريدة الراية: مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة تلويثٌ للفكر الإسلامي

 

25 من جمادى الأولى 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 كانون الأول/ديسمبر 2021مـ

انعقد في العاصمة السعودية الرياض في الثامن من شهر كانون أول/ديسمبر الجاري مؤتمر فلسفي خبيث يُعتبر أول مؤتمر فلسفي من نوعه يقام في السعودية استمرّ لمدة ثلاثة أيام، وشارك فيه كبار الفلاسفة المُتزندقين، وقادة الفكر المُضلون، تجمّعوا من بلدان شتى، واستقبلتهم السعودية في الرياض، وقدِموا من مؤسّسات دولية وإقليمية وُصفت بأنّها (مرموقة)! وطرحوا في جلسات المؤتمر قضايا تشكيكية وإلحادية كثيرة تحت شعار (مُناقشة القضايا الفلسفية المُعاصرة).

ومن أبرز الشخصيات المُشاركة في المؤتمر من العرب عبد الله الهميلي عضو جمعية الفلسفة السعودية وعبد الله الغذامي وعبد الله المطيري وهبة الدغيدي وداليا تونسي المستشارة التربوية، ومن الأجانب الفيلسوفة الفرنسية المشهورة في فرنسا لوكا ماريا سكار أنتينو، والفيلسوف مفوتشيفاز أستاذ الفلسفة في جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا، والأمريكي نيكولاس دي وارنا الأستاذ المحاضر في جامعة بنسلفانيا، وأستاذ الفلسفة الأمريكي كريستوفر فيليبس، وأستاذ الفلسفة البلجيكي في جامعة بروكسل الحرة هيرنان غابرييل.

تحدث المُحاضرون من خلال أكثر من ثلاثين جلسة بمواضيع غالبيتها تُشكّك في العقيدة الإسلامية، وتجعل الفلسفة هي المقياس للأحكام بدلاً من الشريعة الإسلامية.

ولو تتبعنا عناوين الورشات وأوراق العمل التي قُدّمت في المؤتمر بشكل مجرد لوجدنا مدى حجم الخراب الفكري الذي تهدف إلى إحداثه، ومدى التلويث الفكري الذي تم ضخه فيها؛ فالورشة الأولى مثلاً جاءت بعنوان: "منح الفلسفة مساحة في مستقبلنا"، والورشة الثانية كانت بعنوان: "اللا متوقع وحدود العقل البشري"، وقدمت مؤسسة بصيرة ورش عمل خاصة بعنوان: "أفكار كبيرة ورشة فلسفية للناشئين"، وقُدّمت ورشة بعنوان: "لماذا وكيف نلهم الأطفال ليصبحوا فلاسفة؟"، وفي مجال التاريخ جاءت ورشة "ماض لا متوقع: إعادة التفكير في التاريخ"، وفيما سُمّي بمهرجان الأفكار تمّ طرح (مفهوم اللامُتوقع) شارك فيه هيرنان غابرييل بورقة عمل بعنوان: "اعتبارات تتعلق بالعلاقة بين اللامتوقع والخفي"، بينما قدم عبد الله الهميلي ورقة عمل عن "العلاقة بين اللامتوقع والتاريخ"، وتمّ في إحدى جلسات المؤتمر عرض "مفهوم الزمن في العلم والفلسفة والفكر الديني".

فـ(منح الفلسفة مساحة في مُستقبلنا) لا يُمكن أنْ يكون إلا على حساب الإسلام، لأن الفلسفة والإسلام لا يلتقيان، فالفلسفة أفكار كفر لا تقيم للدين أي وزن.

وأمّا عناوين سائر الورشات الأخرى فهي محاولات تشكيكية في قدرات العقل البشري الذي كرم الله سبحانه به الإنسان على سائر المخلوقات ضمن حدود الإسلام وضوابطه، وهذه الورشات هي أيضاً مُحاولات تشكيك في التاريخ الإسلامي نفسه، ومحاولات لحرف الأطفال عن نهج الإسلام القويم لجعلهم فلاسفة، أو لكي يتأثروا بالفلسفة بهدف إبعادهم عن فطرتهم، وتنحية الإسلام عن طفولتهم بطرح مثل هذه الأفكار الفلسفية السقيمة عليهم، وغرس أفكار الإلحاد في عقولهم منذ نعومة أظفارهم.

وأمّا مفهوم الزمن في العلم والفلسفة والفكر الديني ففيه تجديف واضح ضدّ الإسلام، فهو يقرن العلم بالفلسفة ويجعل الفكر الديني - والمقصود به هنا الإسلام - معزولاً عن العلم، بمعنى أنّ العلمَ مُصطفٌ إلى جانب الفلسفة، وأمّا الإسلام فمقرونٌ بالجهل.

وأمّا الكلام عن العلاقة بين اللامتوقع والخفي فهو طرح شيء من الهذيان الفكري لتشتيت أذهان شباب المسلمين، وإبعادهم عن الالتزام بطريقة التفكير الإسلامي الصحيحة.

إن مملكة آل سعود ومن خلال رعايتها لهذا المؤتمر تعلن الحرب على الإسلام صراحة، فتساعد على تمرير أفكار الإلحاد إلى الشباب في الحجاز تحت شعار الفلسفة، فهي لم تدّخر وسعاً في البحث عن أي وسيلة لمناصبة الإسلام العداء، فلم تترك باباً لمحاربته إلا وطرقَته، فبدأت بهيئة الترفيه التي حلت محل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم تدع منكراً إلا وأباحته، ولم تدع معروفاً إلا وطمسته، فأصبحت المدن السعودية مراكز ديسكو وقمار وفسق ومجون، وفي مجال مناهج التعليم ألغت السعودية كل شيء له علاقة بالجهاد والصراع مع الكفار، وذلك من خلال إجراء خمسة وخمسين تعديلاً على المناهج، فتحولت المناهج بعدها إلى مسخ تعليمية، وأما في السياسة الخارجية فقد وقفت السعودية إلى جانب الصين في قمعها للمسلمين الإيغور، بالإضافة إلى تبعيتها المطلقة لأمريكا.

وفي الوقت الذي تسجن فيه السلطات السعودية علماء المسلمين المخلصين، وتقمع الحركات الإسلامية حتى المسالمة منها، كحظر جماعة التبليغ والدعوة، في الوقت نفسه تسمح لسفلة الأقوام من كل كفار العالم بدخول الأراضي المقدسة، والقيام بفعاليات منكرة فيها، وكأنّ المسلمين هناك لم ينقصهم سوى هذه التلويثات المجتمعية والفكرية لتستقيم أحوالهم!

لن تتخلص بلاد نجد والحجاز من هذه الهجمات الفكرية التلويثية إلا بالتخلص من حكم آل سعود المسؤول عن تفشي كل هذه المنكرات، وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاض عرشهم وعروش حكام المسلمين.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: الاتفاقيات التي يهندسها الكافر المستعمر للسودان تورث الشقاق وتصنع الأزمات

 جريدة الراية: الاتفاقيات التي يهندسها الكافر المستعمر للسودان تورث الشقاق وتصنع الأزمات

 

25 من جمادى الأولى 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 كانون الأول/ديسمبر 2021مـ

قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالسودان فولكر بيرتس، في تقرير إلى مجلس الأمن الدولي إن "الأزمة في السودان لم تنته بعد". وتابع: "الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجنرال البرهان ورئيس الوزراء في 21 نوفمبر الماضي ليس مثاليا ولا ممتازا، لكنه ساعد في تفادي مزيد من سفك دماء". (سودان تريبيون 2021/12/10م).

يعلم الداني والقاصي أن الاتفاقيات التي يضع شروطها الكافر المستعمر؛ الذي ينهب الثروات، ويضيِّق على أهل البلاد، لا يمكن أن تكون مثالية ولا ممتازة، فلن توقف الأزمات، ولا سفك الدماء، ولن تحل المشكلات.

إن اتفاق 2021/11/21م، بين قائد الجيش البرهان، ورئيس الوزراء حمدوك، هو جزء من عشرات الاتفاقيات الخبيثة التي يتحكم بها الكافر في بلادنا.

إذ إن ما يدور في السودان هو صراع على السلطة بين عملاء بريطانيا (الاستعمار القديم)، وعملاء أمريكا صاحبة النفوذ على بعض جنرالات الجيش، وكلا الطرفين يستخدم السلطة أداة لتنفيذ أجندة الغرب وخدمة مصالح أسياده، فليس هناك فرق بين الحكومة المدنية، أو العسكرية فكلتاهما تنفذان أجندة المستعمر البريطاني أو الأمريكي.

والشواهد على ذلك كثيرة؛ فقد نددت بريطانيا بانقلاب البرهان، ووصفته بأنه خيانة، فقد قال السفير البريطاني جايلز ليفر في مقطع فيديو مصور أمام السفارة البريطانية، ممهور بشعارها، يوم الجمعة 2021/10/29م: "إن حكومة المملكة تدين بشدة هذا الانقلاب"، وقال: "أولاً: يجب الإفراج عن المعتقلين كلهم.. وثانياً: يجب العودة إلى بنود الوثيقة الدستورية 2019م" وقال: "من المهم جداً أن تحترم القوات الأمنية حق التظاهر السلمي، وستتحمل القوات الأمنية وقياداتها المسؤولية عن أي عنف ضد الشعب". سبحان الله! يعطي التعليمات والأوامر الواجبة كأنه الحاكم الفعلي للبلاد. كما صرحت فيكي فورد وزيرة شؤون أفريقيا البريطانية على تويتر أن "الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان اليوم خيانة.." (رويترز 2021/10/25م). كما كتب السفير البريطاني لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سايمن مانلي، تغريدة على تويتر أن "تصرفات الجيش السوداني تعد خيانة للثورة..". (فرانس 24، 2021/11/3م).

وكتب المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويذر، على تويتر "إن الاعتقالات العسكرية للقادة المدنيين ستكون خيانة للثورة والعملية الانتقالية والشعب السوداني". (بي بي سي 2021/10/25م).

أما الذي يؤكد أن أمريكا هي التي كانت وراء الانقلاب، فقد التقى المبعوث الأمريكي جيفري فليتمان، في 2021/10/24م بالبرهان مرتين وبحمدوك ثلاث مرات في اليوم نفسه، وكان أول رد فعل تصريح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس: "إن الولايات المتحدة تعتبر ما حدث في السودان هو سيطرة عسكرية، وإن كلمة "انقلاب" تحتاج إلى تقييم قانوني" (قناة الحرة 2021/10/26م)، وأيضاً تصريح فيلتمان: "نؤكد على ضرورة استعادة الجماهير للشراكة بقيادة حمدوك أو بدونه" (العربية نت 2021/11/02م).

ولما نجح الانقلاب الأمريكي، عادت إلى الخرطوم مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية مولي في الفترة من 14-2021/11/16م. وحسب بيان للسفارة الأمريكية في الخرطوم، فإن غرض الزيارة هو "لدعم التوصل إلى حل الأزمة في البلاد وعودة حمدوك إلى منصبه".

وباتفاق 2021/11/21م، عاد حمدوك، ليعمل تحت إشراف مجلس السيادة والعسكر بحسب الاتفاق السياسي، ويسكت عن المطالبة برئاسة مجلس السيادة وهيكلة الأجهزة الأمنية، ما يؤكد أن أمريكا قد نجحت في الضغط لتنفيذ مخططها بأن تكون لها السيطرة والتحكم في أوضاع البلاد عبر عملائها.

إن هذا الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، الموقع في 14 نقطة، أكد من البداية أن المرجعية هي الوثيقة الدستورية، وليس شرع الله سبحانه وتعالى، فقد أبعد الاتفاق الإسلام عن الدستور والقوانين، في بلد أكثر من 90% فيه مسلمون، ومن أخطر النقاط أن جُعلت لشرق السودان وضعية خاصة، كما كان الجنوب، ثم دارفور، فهي نقطة مشؤومة تهدد وحدة البلاد، كما نص الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط (كفايات غير حزبية)، وهي واحدة من أشهر خطوات التضليل تتخذها الحكومات الوظيفية لخداع الناس، لتهدئة الأوضاع المتأزمة إلى حين، كما أشار إلى أن تكون إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يوضع لاحقاً، ما يؤكد أن الحكام لا يملكون مشروعاً سياسياً؛ فالحكم عبارة عن إملاءات، بالإضافة إلى تنفيذ اتفاق جوبا الذي يعتبر واحدا من أكبر الكوارث التي حلت بالبلاد، فهو مشروع لتمزيق السودان وتدميره.

إن هذه الاتفاقيات التي يهندسها الكافر لعملائه، تورث الشقاق وتصنع الأزمات ولا تتصدى لها، والدليل على ذلك أن هذه الاتفاقيات المشؤومة دوماً تكون وبالاً على أهل السودان.

ففي 2002/7/20م، وقعت حكومة السودان، مع الحركة الشعبية، اتفاق مشاكوس، برعاية الدول الاستعمارية خاصة أمريكا وبريطانيا، وفي 2005/1/9م، كانت اتفاقية نيفاشا المشؤومة، التي أدت إلى تمزيق البلاد وانفصال الجنوب، فهل عالجت مشكلة الحكم أو الاقتصاد في السودان؟!

ثم اتفاق أبوجا الذي سمي باتفاقية سلام دارفور في 2006/5/5م، مع حركة أركو مني مناوي. بإشراف الدول الاستعمارية نفسها، واتفاق الدوحة، في 2011/7/14م، مع حركة التحرير والعدالة، واتفاق الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير في 2019/8/17م، ثم اتفاقية جوبا للسلام، في 2020/10/3م، مع عدد من الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فهل أوجدت سلاماً أو استقراراً، أم أنها فاقمت الأزمات وعمَّقت الصراع؟!

إن المخرج من هذه الصراعات والأزمات يكون بأن يستعيد أهل السودان سلطانهم عبر المخلصين الأنقياء من أهل القوة والمنعة في الجيش وغيره، فإن السلطة المتصارع عليها ليست ملكاً للمتصارعين؛ بل السلطان للمسلمين، يعطونه لمن ينصبونه خليفة عبر بيعة شرعية؛ ليطبق أحكام الإسلام على الناس.

إن حقيقة الدولة أنها كيان تنفيذي لمفاهيم وقناعات آمن بها الناس، فقد أوجب الإسلام أن تقوم الدولة على العقيدة الإسلامية، والحكم الشرعي، أساساً ومقياساً، لا على اتفاقيات تحقق محاصصات أو ترضيات! قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، وأمر برد الأمر المتنازع فيه إلى شرع الله سبحانه القائل: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾، وجاء في وثيقة المدينة «...وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوِ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ».

 بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)

مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: كنانة العداء للإسلام تطلق سهام سيداو على أبناء الأمة

 جريدة الراية: كنانة العداء للإسلام تطلق سهام سيداو على أبناء الأمة

 

25 من جمادى الأولى 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 كانون الأول/ديسمبر 2021مـ

لقد حاول الاستعمار أن يُجْهِزَ على الإسلام قبل مئة عام بالقضاء على دولته، وتغيير أنظمة الحياة واستبدال أنظمة وضعية بها في كل شؤون الحياة سوى ما يُعرف بالأحوال الشخصية وهي أحكام الزواج والطلاق وما يتعلق بها، إلا أنه وقبل سنوات بدأت أبواق الغرب بالترويج للزواج المدني، والمساواة بين الجنسين، وغيرها من أفكار ومفاهيم تهدم المجتمع وتناقض أحكام الإسلام.

وكانت حملة الغرب تستهدف الشباب لتروج بينهم السفور والفجور، وتجعل قبول الزنا والشذوذ وجهة نظر، وتؤسس لأرضية بين أبناء المسلمين لتقبل قوانين سيداو، والرضا بها، فكانت المسلسلات التي تعطي تبريرا للزاني، وتظهر أحكام الإسلام بوصفها قيوداً وعقبات تقف أمام تقدم الإنسان، وتطعن في أحكام الشريعة وتصورها مناقضة للفطرة السليمة.

واشتدت الحملة في الآونة الأخيرة لتستهدف كل بلاد المسلمين، حتى تلك المناطق الخارجة عن سيطرة النظام المجرم في سوريا، فبعد عشر سنوات من الثورة على هذا النظام المجرم، سعى الغرب ومنذ اليوم الأول لحرف مسار الثورة والقضاء عليها عبر أساليب عدّة، أظهرها كان القتل والتشريد وشراء الذمم وتحبيط الهمم، ودس السموم وصناعة الهموم، فكانت أدوات الغرب وماكينته الإعلامية لا تهدأ في الترويج للعملاء، والتعتيم على أهل الثورة الشرفاء.

فلقد خرجت الثورة بعفويتها من المساجد وصرخت "الله أكبر" واتخذت قائداً نبراساً لها، فقالت: "قائدنا للأبد سيدنا محمد" لتعبر بذلك عن مكنونات الصدور، ولتكشف عن سرائر الأمور، فأهل الشام مسلمون، قد ضاقوا ذرعاً بالنظام الوضعي الذي أذاقهم الويلات، فخرجوا عازمين على كنس هذه النفايات، وتطهير البلاد من أنظمة الجور والظلمات، وتطبيق نظام الإسلام الذي فرضه رب الأرض والسماوات.

ولهذا كانت الحرب على الثورة مستعرة، وما هدأت نارها ولا انطفأ وهجها، فإن توقف القصف تارةً، فإن التآمر لم يتوقف، فأمريكا التي خطّت حلّها السياسي، توزع أدوار تنفيذه بين أدواتها، فأداة تقتل وأخرى تروّج للخضوع، وثالثة تسعى لدس السموم الفكرية، ورابعة تضيق المعيشة، وخامسة تكتب بأيديها الآثمة دستوراً جديدا، كل ذلك بهدف الإجهاز على الثورة وإصابتها بمقتل فتعيد الناس لنير العبودية في ظل النظام الرأسمالي.

وكان من آخر سهامها التي استهدفت بها أهل ثورة الشام هو سهم سيداو عبر أداة المنظمات التي تتوغل في مناطق الثورة وتفتتح مكاتبها وتقيم دوراتها ومؤتمراتها التي تروّج للانحلال الأخلاقي، وتشجع على الانعتاق من سلطة الدين المتوفرة في المجتمع الذي ما زال متمسكاً ببعض الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالنظام الاجتماعي.

المنظمات هذه ترفع شعار التوعية على العنف القائم على النوع الجنسي أو ما يعرف gbv، وتمكين المرأة، وثقافة الجندر، هذه الشعارات التي لا يظهر فيها مخالفة للأحكام الشرعية إلا لمن يدرك معاني هذه المصطلحات، ما جعل هذه المنظمات تنتشر دون أي ردّة فعل غاضبة من الناس، رغم أن موظفيها غالب عملهم هو ميداني حيث يدخلون البيوت ليعقدوا الجلسات التي تدس هذه السموم الفكرية بين الأسر المسلمة، ما نتج عنه حالات تفكك محدودة داخل هذه الأسر.

إن الخطر الحقيقي لهذه الأفكار ولعمل هذه المنظمات هو أنها تعمل على إيجاد رأي عام لتقبل هذه الأفكار الغربية المناقضة لأفكار الإسلام، بينما اللجنة الدستورية تسعى لتعديل دستور نظام أسد ووضع مواد تشرع قوانين وفق اتفاقية سيداو تؤسس للانحلال الأخلاقي، وتجعل هذا الأمر وجهة نظر تُحترم، بينما هي في نظر الإسلام جرائم تستحق العقوبات، وذلك لما تورثه من فساد في المجتمع.

وأخيرا فإن السموم الفكرية الغربية لا تقل خطراً عن القذائف والصواريخ، وليست أقل إيلاماً من التشريد والتهجير، فإن هذه كلها أدوات عدونا في سعيه لفرض هيمنته على بلادنا وإعادة الناس ليحكمهم بأنظمته الوضعية، وإن مواجهة هذه الأفكار واجبٌ متحتم كما أن التمسك بأفكار الإسلام والسعي لتطبيق أحكام الإسلام كاملة فرض لا ينازع فيه مسلم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾.

بقلم: الأستاذ منير ناصر

جريدة الراية: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾

 جريدة الراية: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾

 

25 من جمادى الأولى 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 كانون الأول/ديسمبر 2021مـ

لا تزال الحرب على المسلمين الثائرين في الشام مستمرة، وعلى كافة الأصعدة؛ الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية والعسكرية، وبمختلف الوسائل والأساليب، لقتل روح الثورة في نفوس أهل الشام، من طرف الغرب الكافر بقيادة أمريكا، للعودة بالشام إلى حظيرة المنظومة الدولية.

أما الحرب الاقتصادية، فكانت من خلال التضييق الممنهج وسياسة التجويع من خلال فرض الضرائب والمكوس ورفع الأسعار والاحتكار، والسيطرة على مفاصل الاقتصاد والتجارة ممن توسد الأمر فيما يسمى محرراً، من منظومة فصائلية وقادة مرتبطين وحكومات وظيفية، والغاية من ذلك إفقار الناس وإلهاؤهم بلقمة العيش وعدم التفكير بكيفية الانعتاق من هذه المنظومة المرتبطة، والخروج عليها وفك الارتباط بالداعم الذي سلب قرار الثورة سياسياً، وهذا سيؤدي بشكل طبيعي إلى إسقاط النظام، ولذلك ونتيجة هذا التجويع المدروس استخباراتياً يعمل المتآمرون لدفع الناس نحو المنظمات التي يطلق عليها منظمات إنسانية أو إغاثية، وهي في الحقيقة منظمات استخباراتية من أجل معرفة واقع الناس وأسباب خروجهم على طاغية الشام، ومعرفة عقلية ونفسية الأمة وإلى أي مرحلة وصلت حالتها النفسية، وهل لا تزال روح الثورة متجذرة فيها، ولإثبات أن هذه الثورة هي ثورة جياع أي سببها اقتصادي وليس عقدياً، وبالتالي تصبح هذه المنظمات هي الملاذ الوحيد للناس لإشباع جوعاتهم فتستطيع بث سمومها ونشر أفكارها الضالة والمضلة مستغلة حاجتهم، ثم تقوم منظمة الأمم المتحدة عن طريق الدول المتآمرة بالضغط عن طريق بعض القرارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب بالترويج بإغلاق بعض المعابر وفتح معبر وحيد ثم التهديد بإغلاق هذا المعبر، وجعل المعابر عن طريق نظام الإجرام لشرعنته مجدداً.

أما الحرب الثقافية، فهي عن طريق نشر أفكار الديمقراطية والعلمانية، وإظهار عجز ما يسمى بالإسلاميين عن إيجاد مشروع لقيادة الأمة، وفشلهم في قيادتها فشلاً ذريعاً، وهم من أوصل الناس إلى ما وصلوا إليه من فقر وجوع وعوز وتخلف.

ثم كانت المنظمات النسوية والتي تدعي دفاعها عن المرأة وحمايتها من الاضطهاد والعنف الأسري، وليس آخرها زيارة ما يسمى مجلس الكنائس العالمي لنشر أفكار الغرب الليبرالي لتحرير المرأة من إسلامها وعفتها، المرأة التي أعزها الإسلام بأن جعلها أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان. ولم تتوقف الحرب الثقافية عند هذا الحد، بل توجهت للأطفال من خلال توزيع كتب مدرسية تحتوي على مواد ورسومات مسيئة للرسول ، وهذه كانت خطوة لجس نبض الشارع لمعرفة مدى تأثير الحرب الثقافية ومدى تمسك الأمة بدينها، فكان الرد المزلزل من الأمة بحرق هذه الكتب والخروج بمظاهرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، ما اضطر الرئيس التركي أردوغان للتدخل شخصياً لتهدئة الأمور والادعاء بأنه سيقوم بمحاسبة من قام بطباعة ونشر هذه الكتب، ومن المعلوم أن هذه الكتب طبعت في تركيا.

أما الحرب السياسية، وهي الأخطر والأشد تأثيرا دائماً فكلمة الفصل تكون عند الساسة، فالدولة العثمانية سقطت سياسياً وفكرياً قبل أن تسقط عسكرياً، وكذلك الاتحاد السوفيتي.

وثورة الشام ما وصلت إلى هذه الحال إلا نتيجة عدم وجود وعي سياسي كاف وتأخر الناس في الالتفاف حول مشروع سياسي منبثق من عقيدة الأمة، فتوسد الثورة جُهَّال إمَّعات ارتبطوا بأجندات خارجية، ومالٍ سياسي قذر، فكان هدفهم فقط المال والسيادة، لذلك استغلت أمريكا هذا الواقع وقامت بإنشاء كيان سياسي مسخ أطلقت عليه المجلس الوطني، ثم حولت اسمه إلى الائتلاف الوطني، ليكون واجهة سياسية للسيطرة على القرار السياسي للثورة، وربط الفصائل العسكرية بهذا الكيان المصنع في أروقة ودهاليز الدول المتآمرة على ثورة الشام، ما أدى إلى سلب قرار الثورة سياسياً وفكرياً.

والآن تقوم أمريكا بتعويم نظام أسد سياسياً عن طريق من ادعى صداقة الشعب السوري في بداية الثورة، لشراء الذمم وسلب القرار، وعندما تحقق لهم ذلك حان وقت إظهار الوجه الحقيقي لهذه الأنظمة العميلة والمرتبطة بالمنظومة الدولية.

أما الحرب الإعلامية، فالغاية منها إلحاق الهزيمة النفسية بالأمة لإيصالها إلى اليأس والقنوط والاستسلام، ولإظهار أن الثورة انتهت وأصبحت بيد الدول تتحكم بها كيفما تشاء، ولم يعد لأهل الشام أي دور أو تأثير في الأحداث الجارية، لذلك على الناس القبول بالحلول السياسية وذلك أخف الضررين، وأن الحل هو حل خارجي وليس داخلياً، وكذلك تقوم وسائل الإعلام بالترويج للحل السياسي الأمريكي في جنيف ضمن القرار 2254 وأنه هو الحل الوحيد للخروج مما يسمونه الأزمة السورية مع أنه حقيقة يعني العودة إلى عبودية النظام المجرم وبيت الطاعة الأمريكي.

يا أهلنا في الشام المباركة: كل هذا المكر العالمي بقيادة أمريكا ولا تزال الثورة متقدة متجذرة في نفوسكم، ولا تزال مقومات النصر بين أيدينا؛ من حاضنة شعبية صابرة محتسبة متوكلة على الله، ورجال مخلصين تجذرت الثورة والعقيدة في نفوسهم، ويكفي أن الله معنا، ولكن الذي يلزمنا اليوم هو أن تجمع هذه الجهود المبعثرة تحت قيادة سياسية واعية تحمل مشروعاً جامعاً؛ مشروع الخلافة العظيم، وقيادة عسكرية محترفة مرتبطة بالله وحده، تأتمر بالقيادة السياسية الواعية، وتكون الحاضنة الشعبية هي الأم والرقيب والداعم، وعندئذ تفتح الجبهات بمعارك حقيقية لإسقاط النظام وتحكيم شرع الله وما ذلك على الله بعزيز.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.

بقلم: الأستاذ أحمد أبو الزين