Thursday, September 30, 2021

جريدة الراية: جواب سؤال: أبعاد ومغزى التحالف العسكري الأمريكي مع كل من بريطانيا وأستراليا

 جريدة الراية: جواب سؤال: أبعاد ومغزى التحالف العسكري الأمريكي مع كل من بريطانيا وأستراليا

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

السؤال: ما هي أبعاد ومغزى التحالف العسكري الأمريكي مع كل من بريطانيا وأستراليا؟ وهل هو موجه ضد الصين؟ أم أنه صفعة بريطانية وأمريكية لفرنسا بعد هدمها لنفوذ بريطانيا في تونس وبعد انقلاب أتباعها على عملاء أمريكا في غينيا وبعد جهود فرنسا لبناء قوة أوروبية مستقلة عن أمريكا؟

الجواب: لكي يتضح الجواب عن هذه التساؤلات نستعرض الأمور التالية:

1- في قمة عبر الفيديو تحدث رئيس أمريكا بايدن ورئيس وزراء بريطانيا جونسون ورئيس وزراء أستراليا موريسون في إعلان من الأطراف الثلاثة عن شراكة دفاعية، وبحسب سكاي نيوز عربية، 2021/9/16 فقد قال بايدن: ("نقر جميعا بالأهمية القصوى لضمان السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على المدى الطويل"، وقال موريسون: "سنواصل الوفاء بكل التزاماتنا بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي". أما جونسون فقد وصف القرار بأنه بالغ الأهمية وقال: "سيكون من أحد أكثر مشروعات العالم تعقيدا".) وقد أبقت هذه الدول إعداد تحالفها طي الكتمان ثم فاجأت الصين وفرنسا به...

2- وفيما أظهرت فرنسا غضباً كبيراً واتهمت أمريكا وأستراليا بالكذب واتهمت بريطانيا بالانتهازية الدائمة وتحدثت بأن هذا التحالف يشكل طعنة لها في الظهر بسبب إلغاء أستراليا لصفقة الغواصات الضخمة المعقودة مع فرنسا منذ 2016 بقيمة 56 مليار يورو (66 مليار دولار أمريكي - بي بي سي، 2021/9/18)، فقد تحدثت الصين هي الأخرى عن أول تدشين فعلي لحرب باردة في القارة الآسيوية ودعت أمريكا وبريطانيا لمراجعة توافق هذا التحالف مع معاهدة منع الانتشار النووي على اعتبار أن نقل تكنولوجيا الغواصات النووية لأستراليا بصفتها دولة غير نووية قد يشكل خرقاً لتلك المعاهدة، ولا شك في أن الصين ستعد هذا التحالف خطيراً عليها خاصة من حيث الغواصات النووية لأستراليا التي تناهض الهيمنة الصينية في البحار الآسيوية.

3- وإذا كانت أوروبا الحليف التقليدي لأمريكا قد انتعشت بنهاية حقبة ترامب في أمريكا وزاد هذا الانتعاش بصياح الرئيس الأمريكي بأن "أمريكا قد عادت" واتخذ ذلك شعاراً له في مقابل شعار ترامب "أمريكا أولاً" لكن تنفيذ إدارة بايدن للانسحاب من أفغانستان دونما اعتبار لآراء أوروبا ومصالحها قد أظهر تبعية تلك الدول لأمريكا بشكل محرج لها، وكان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أكبر عمل دولي تقوم به إدارة بايدن خلال الشهور التسعة بعد تسلمه مقاليد الرئاسة خلفاً لترامب، وثارت على أثر ذلك انتقادات واسعة لأمريكا في أوروبا كانت أشهرها دعوة فرنسا لإنشاء وتعزيز القوة الأوروبية بشكل منفصل عن أمريكا، ثم جاء هذا التحالف الأمريكي الجديد مع أستراليا وبريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي، فزاد الطين بلة! وهذا ما دفع وزير خارجية فرنسا للقول "قرار مفاجئ على طريقة ترامب" و"طعنة في الظهر" و"ضربة موجعة"، ثم سحبت فرنسا سفيرها من واشنطن للتشاور!

4- وبتدقيق النظر في أبعاد هذا التحالف العسكري الجديد نجد أنه حدث كبير على الساحة الدولية وستكون له تداعيات واسعة النطاق يمكن النظر إليها في إطار الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء صعود الصين وفي إطار (معاقبة) أمريكا وبريطانيا لفرنسا على سلوكها الدولي المخالف وأثر ذلك على باقي دول الاتحاد الأوروبي، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

** على الجانب الصيني:

لم يعد خافياً على الدول خاصة الصين أن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية ذات الأولوية اليوم هي مكافحة صعود الصين واحتواء مخاطرها الاقتصادية الدولية والعسكرية الإقليمية، لذلك فهمت الصين أهداف هذا التحالف العسكري من لحظة إعلانه وأعلنت رفضها له وتحدثت عن "عقلية الحرب الباردة" و"التحيز الأيديولوجي" وأن الاتفاق يخرق "منع انتشار الأسلحة النووية" (وشدد المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن ليو بينجيو على أن هذه الدول يجب أن لا تشكل تكتلات إقصائية تستهدف مصالح أطراف أخرى أو تضر بها وأهم ما ينبغي لها فعله هو التخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيدولوجي... الجزيرة نت 2021/9/16)، فالصين:

أ- لا شك تدرك أن هذه الخطوة بمثابة نواة لحلف جديد ضدها قيد التشكيل على غرار الناتو الذي تشكل ضد دولة الاتحاد السوفييتي، وكما نقلت الجزيرة عن صحيفة الواشنطن بوست (إن هذه الاتفاقية ستسمح لأستراليا بامتلاك وتشغيل غواصات متقدمة تعمل بالطاقة النووية لتحل محل القوارب القديمة التي تعمل بالديزل، مما يمنح أستراليا قدرة هجومية تحتاج الصين إلى حسابها في حالة حدوث أي صراع. الجزيرة 2021/9/17)، أي أن هذه الاتفاقية ستعزز القدرات العسكرية لأستراليا بوصفها واحدة من الحلقات الآسيوية المناهضة للصين عن طريق تزويدها بالغواصات النووية وصواريخ كروز أمريكية من طراز توماهوك...

ب- وتدرك الصين كذلك أن الاستراتيجية الأمريكية لمقاومة الصعود الصيني هي هي لم تتغير بتغير الإدارات في واشنطن، وفحواها تقوية الدول المناهضة للصين في محيطها وزرع المزيد من المخاطر حولها، فتحت عنوان المناطق البحرية المفتوحة وحرية الملاحة البحرية تقوم أمريكا بعسكرة البحار المحيطة بالصين سواء أكان ذلك عبر نقل قطاعات عسكرية أمريكية بشكل مباشر أم كان بتقديم دعم عسكري مباشر وكبير لحلقات أمريكا الآسيوية المناهضة للصين كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند وغيرها. وفيما تدرك أمريكا بأن سياساتها لوقف صعود الصين قد تأخرت بسبب حروبها في العراق وأفغانستان فإن الصين ترى كذلك بأن تأخر أمريكا هذا يدفع بواشنطن لمحاولة وقف صعود الصين دون قيود، وهذا خطير للغاية، فمجرد طرح إدارة ترامب فكرة تزويد اليابان وكوريا الجنوبية بالأسلحة النووية وتعهد إدارة بايدن اليوم بتزويد أستراليا بالغواصات النووية يزيد من خطورة السياسة الأمريكية ضد الصين وأنها لم تعد منضبطة بالمعاهدات الدولية.

** وأما من جانب الدول الثلاث المتحالفة في "أوكوس" فقد كانت في 2021/9/16 كما نقلتها الجزيرة:

أ- (قال مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية "هذه الشراكة الدفاعية تأتي في ظل تنامي النفوذ الصيني في المنطقة". وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن مبادرة أوكوس الدفاعية مع بريطانيا وأستراليا ستمكن هذه الدول من الحصول على أحدث القدرات للمناورة وصد التهديدات سريعة التطور...).

ب- و(قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن إطلاق شراكة دفاعية ثلاثية مع الولايات المتحدة وأستراليا يهدف إلى العمل جنبا إلى جنب للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وأضاف أن المهمة الأولى لهذه الشراكة ستتمثل في مساعدة أستراليا للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية...).

ج- وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون (إن بلاده فسخت عقداً ضخماً أبرمته مع فرنسا عام 2016، لشراء غواصات تقليدية، لأنها تفضل أن تبني بمساعدة من الولايات المتحدة وبريطانيا غواصات تعمل بالدفع النووي. وأضاف موريسون أن بلاده لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وستواصل التزاماتها بعدم انتشار الأسلحة النووية...).

** وأما من جانب فرنسا فقد كانت ردود فعل غاضبة بالغة الانفعال حيث فوجئت بما حدث:

أ- (وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان فسخ أستراليا عقد شراء غواصات مع بلاده بأنها طعنة في الظهر، وأضاف في تصريحات لإذاعة "فرانس إنفو" أن فرنسا تشعر بالخيانة والغضب والمرارة بسبب إلغاء أستراليا للصفقة، وإبرام شراكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ستحصل بموجبها على غواصات تعمل بالطاقة النووية،... الجزيرة 2021/9/16) وقال أيضاً في بيان (بناء على طلب رئيس الجمهورية، قررت أن استدعي فورا إلى باريس للتشاور سفيرينا لدى الولايات المتحدة وأستراليا. إن هذا القرار الاستثنائي تبرره الخطورة الاستثنائية لما أعلنته أستراليا والولايات المتحدة في 15 أيلول/سبتمبر. يورو نيوز عربي، 2021/9/17) وقال لودريان لإذاعة "فرانس إنفو": "أنا غاضب.. إنه أمر لا يمكن فعله بين الحلفاء... إنها صفعة على الوجه". دوتشيه فيليه الألمانية، 2021/9/17) وقبل قرار استدعاء السفيرين: (ألغت السلطات الفرنسية حفلا كان مقررا عقده أمس الجمعة في واشنطن لإحياء الذكرى السنوية لمعركة بحرية حاسمة خلال الثورة الأمريكيّة، أدت فيها فرنسا دورا رئيسا. الجزيرة نت، 2021/9/18).

ب- واعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي (أن فسخ أستراليا عقداً ضخماً لشراء غواصات تقليدية من بلادها أمر خطير وسيشكل نبأً سيئاً جداً... الجزيرة 2021/9/16).

5- أما لماذا اتخذت الدول الثلاث بقيادة أمريكا هذه الإجراءات بعيداً عن فرنسا، بل بما يشبه العقوبة لفرنسا، فالملاحظ ما يلي:

أ- إن فرنسا كانت تجاهر بانتقاد ورفض سياسات إدارة ترامب وظهر ذلك في أزمة شرق البحر المتوسط بين تركيا واليونان، ولما جاءت إدارة بايدن وانسحبت من أفغانستان بتلك الطريقة التي ظهر فيها مدى تبعية الدول الأوروبية لأمريكا، تلك الدول التي تريد أن تظهر بمظهر الحليف لا التابع، فقد عادت فرنسا داخل الاتحاد الأووربي تدفع باتجاه إيجاد قوة عسكرية أوروبية منفصلة عن المظلة الأمريكية "الناتو"، أي عادت تناهض القيادة العسكرية الأمريكية للدول الأوروبية، وزادت جرأتها على النفوذ الأمريكي في أفريقيا والذي ظهر فيما بعد في انقلاب غينيا وقبله في النشاط العسكري الفرنسي في دول الساحل الأفريقي، وهذا كله قد أوجد حنقاً أمريكياً ضد فرنسا.

ب- بعد مفاوضات بريكست البريطانية مع دول الاتحاد الأوروبي برز على السطح أن العلاقات البريطانية الفرنسية قد ساءت بشكل كبير، ولم تبد أي من الدولتين بوادر للانفراج، وظهر هذا في تعنت فرنسي وأوروبي في شروط واتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد، ربما كانت فرنسا ومعها دول الاتحاد الأوروبي تريد أن تمنع دولاً أخرى في الاتحاد من أن تحذو حذو بريطانيا فتخرج منه وينفرط عقد الاتحاد لكن ذلك قد خلّف تردياً غير مسبوق في العلاقات الفرنسية البريطانية، وانفصلت سياساتهما الدولية بدرجة كبيرة، ولما تمكنت فرنسا من أخذ الحكم في تونس عبر إجراءات قيس سعيد الأخيرة فإنها فضلاً عن عدم اعتبار أي مصالح لبريطانيا قد أخذت تستعين بأمريكا ضد بريطانيا في تونس، ولم يكن مثل ذلك معهوداً في سياسة كلتيهما.

ج- وكانت قبل ذلك بداية أيار 2021 أزمة جزيرة "جيرسي" وهي جزيرة تابعة للتاج البريطاني وتبعد قرابة 20 كلم عن البر الفرنسي حيث أرسلت بريطانيا سفناً حربية لمنع الصيادين الفرنسيين من دخول مناطق الصيد البريطانية بعد خروجها من الاتحاد، وهددت فرنسا بقطع الكهرباء عن الجزيرة وأرسلت زوارق شرطة وحراسة لحماية الصيادين الفرنسيين رداً على الإجراءات البريطانية، فكان كل ذلك مؤشراً على التسارع في تردي العلاقات بين البلدين، الأمر الذي يدفع ببريطانيا بالتأكيد إلى توجيه الصفعات لفرنسا وتأجيج أمريكا ضدها، لكن على عادة بريطانيا وخبثها فإن كل ذلك يكون في الخفاء... وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن الحكومة البريطانية قد (لعبت دورا مبكرا من أجل إنشاء التحالف الثلاثي مع الولايات المتحدة وأستراليا لنشر غواصات تعمل بالطاقة النووية في المحيط الهادئ، وفقاً لمسؤولين في لندن وواشنطن. العربية نت، 2021/9/19).

د- لكن الأخطر من هذا وذاك وخاصة بالنسبة لأمريكا هو موقف فرنسا المهادن للصين المعاكس لموقف أمريكا، (فباريس تساورها مخاوف جدية من انتهاج حلفائها التقليديين استراتيجية صدامية مع الصين ستعرض حتما المصالح الفرنسية في المنطقة للخطر؛ فأي منزلق عسكري لاستراتيجية التحالف الثلاثي في المحيطين الهندي والهادي، قد ينجم عنه تهديد أمن مليون مواطن فرنسي في "كاليدونيا الجديدة" و"بولينيزيا الفرنسية"، الإقليمين الفرنسيين المُهمّين فيما يعرف بأقاليم ما وراء البحار...) وعليه فمن المتوقع أن تعمد فرنسا إلى (بلورة بوصلة استراتيجية أوروبية مستقلة وذلك حين تستلم رئاسة الاتحاد الأوروبي مطلع العام القادم ومواصلة مساعيها للخروج بأوروبا من المظلة الدفاعية الأمريكية وترسيخ قدم الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية ليكون قوة كونية... الجزيرة 2021/9/22).

6- هذه هي أبعاد ومغزى هذا التحالف الجديد الذي عملت أمريكا بمشاركة بريطانيا على بنائه مع أستراليا ليكون حلقة من حلقات حصار الصين من ناحية، ومن ناحية ثانية ليوجه صفعة شديدة لفرنسا بإلغاء صفقتها للغواصات مع أستراليا وعدم إشراكها في هذا التحالف. وهذا التحالف يدفع بالأمور في البحار المحيطة بالصين إلى مزيد من العسكرة والتأزم ويبرهن على الخطورة العالية التي تنظر بها واشنطن لضرورة وقف صعود الصين، وأما فرنسا صاحبة السياسة المتهورة فإنها أضعف من صد اللكمات الأمريكية البريطانية عن وجهها، بل إن دول الاتحاد الأوروبي كافة ينتابها ضعف كبير، فكان مقدار القوة الأوروبية التي جعجعت فرنسا لتأسيسها كقوة أوروبية منفصلة عن الناتو كان مقداراً صغيراً للغاية (خمسة آلاف جندي) ليدل على صغر القدرات الدولية لأوروبا خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

7- وهكذا... فلا قيم ثابتة عند هذه الدول المسماة كبرى اليوم ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ فهي دول ينخرها السوس من داخلها وينخرها في العلاقات فيما بينها، ولعلها بشارة خير وسنة من سنن الله تعالى لتسهيل إظهار دينه، هكذا كانت دولتا فارس والروم عند قيام الدولة الإسلامية الأولى، وهكذا كانت العلاقات بينهما، علاقات متناحرة، وخصومات ظاهرة ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾.

الثامن عشر من صفر الخير 1443هـ

2021/9/25م

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: الانقلاب الفاشل في السودان بالونة اختبار لها ما بعدها

 جريدة الراية: الانقلاب الفاشل في السودان بالونة اختبار لها ما بعدها

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

أعلنت الحكومة السودانية عن إحباط محاولة انقلاب على السلطة في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء 21 أيلول/سبتمبر 2021م، وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إن محاولة الانقلاب الفاشلة هذه كانت تستهدف الثورة، وما حققه الشعب السوداني من إنجازات، كما وصف القائمين على الانقلاب بأنهم من فلول النظام السابق. وقد اتفق معه وزير الإعلام السوداني في اتهامه مجموعة من ضباط القوات المسلحة من فلول النظام السابق بالقيام بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.

إلا أن محمد الفكي عضو مجلس السيادة من الشق المدني، في مقابلة مع تلفزيون السودان الرسمي يوم الجمعة 22 أيلول/سبتمبر 2021م قال: "هنالك محاولة من المكون العسكري شريك السلطة الانتقالية في البلاد السيطرة على الأوضاع السياسية لتعديل المعادلة السياسية، وهذا مخل بعملية الشراكة"، معتبراً أن ذلك هو الانقلاب الحقيقي، وهو انقلاب أبيض.

هذا التصريح لعضو المجلس السيادي جاء عقب الانتقادات اللاذعة التي وجهها البرهان، ونائبه حميدتي للسياسيين المدنيين، حيث قال البرهان لدى مخاطبته حفل تخريج ضباط من القوات الخاصة: "إن القوى السياسية انشغلت بالصراع على السلطة والمناصب، وأن شعارات الثورة من الحرية والعدالة ضاعت وسط خلافات القوى السياسية"، وأكد أنهم لن يتركوا جهة واحدة تتحكم في مصير البلاد، مضيفاً أن القوات المسلحة هي التي تصدت للمحاولة الانقلابية، ولكنها لم تجد الإنصاف والتقدير. أما نائبه حميدتي فقد كرر الاتهامات نفسها للسياسيين قائلاً: "إنهم أهملوا المواطن في معاشه وخدماته الأساسية"، وأضاف: "إنهم انشغلوا بالصراع على الكراسي وتقسيم المناصب مما خلف حالة من عدم الرضا وسط المواطنين". وأكثر شيء أقلق الشق المدني قول البرهان: "إن القوات المسلحة هي الوصية على أمن السودان ووحدته، وإن هنالك من يسعى لبث الفرقة في صفوف القوات المسلحة"، وفي هذه النقطة بالتحديد كان رد حزب المؤتمر السوداني؛ أحد مكونات الحاضنة السياسية لحكومة حمدوك، حيث أعلن الحزب رفضه اتهامات البرهان، مؤكداً أنه لا توجد جهة بعينها تعتبر وصية على أهل السودان، وأن الشعب وحده هو من يملك قراره، واعتبر الحزب أن تصريحات البرهان خطيرة وغير مقبولة.

لم يكن هذا الانقلاب، أو قل هذه المحاولة الانقلابية هي الأولى منذ الإطاحة بنظام البشير في نيسان/أبريل 2019، ولن تكون الأخيرة، فإن الأوضاع السياسية بالغة السوء، سواء من الناحية السياسية، أو الاقتصادية، أو المعاشية، فكلها محفزات لتغيير الواقع في ظل وجود شركاء متشاكسين، والذي طفح إلى السطح، وأضحى واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار بين المكون المدني (رجال بريطانيا)، وبين المكون العسكري (رجال أمريكا)، فهذا الصراع الذي كان مكتوماً بين الشركاء المتشاكسين ظهر إلى العلن بعد هذه المحاولة الانقلابية الأخيرة، فما الذي جعل الصراع والخلاف بين مكوني الحكم في السودان يظهر بهذه الحدة؟

من المعلوم أن أمريكا لن تفرط في السودان، وكانت خطتها أن ينفرد العسكر بالسلطة كاملة عقب الإطاحة بنظام الإنقاذ، إلا أن بريطانيا عبر رجالها، استطاعت أن تفشل هذا المخطط بالضغط الجماهيري المساند للمدنيين، وبخاصة تلك الحشود الهادرة التي خرجت في 30 حزيران/يونيو 2019، ما أجبر أمريكا على الانحناء للعاصفة، والقبول بمشاركة رجال بريطانيا (المدنيين) في السلطة، وظلت طوال العامين السابقين تضع العراقيل أمام الحكومة المدنية، وتصنع لها الأزمات حتى ينفضّ عنها الجمهور الذي يساندها. وكانت في كل مرة تعلن عن محاولة انقلاب لترويض الرأي العام الداخلي للقبول بتغيير الأوضاع لصالح العسكر، وما يؤكد أن كل تلك المحاولات الانقلابية هي عبارة عن مسرحيات، هو أننا لم نسمع حتى يومنا هذا بمحاكمة لأولئك الذين قيل إنهم ضالعون في هذه الانقلابات.

أما المحاولة الأخيرة فقد كشفت لأمريكا انفضاض الجماهير عن تأييد الحرية والتغيير التي لم تفعل شيئاً من مطالب الجماهير، وأبسطها محاكمة من قام بفض اعتصام القيادة العامة للجيش في 2019/6/3م، والقصاص من قتلة الشباب رغم مرور أكثر من عامين على الحادثة المشئومة، إضافة إلى الحالة الأمنية الخطيرة، والحالة المعيشية الأخطر، حيث استجابت الحكومة لإملاءات صندوق النقد الدولي المهلكة دون النظر لما يترتب عليها من قتل للفقراء وصناعة الفقر، حتى صارت الحياة في السودان جحيما لا يطاق. فما يحدث اليوم من ولولة من الجانب المدني هو أمر حقيقي، وليس خوفاً على السودان الذي وضعوه في ماكينة التمزيق والتشرذم بأفعالهم البائسة، وإنما الذي يخيفهم هو الكراسي التي يتحاصصون عليها، أما أمريكا فقد اطمأنت لنجاح خطتها في الاستئثار الكامل بالسلطة عبر رجالها بعد أن رأت انفضاض الجماهير عن الحرية والتغيير، لذلك أوعزت للبرهان بتهدئة اللعب، لذلك كان حديث البرهان لقناة الحدث العربية هادئاً ومرتباً، تحدث فيه عن الشراكة، وأنهم سيسيرون بها حتى نهايتها بالانتخابات الديمقراطية.

نخلص من كل ذلك إلى أن هنالك تغييراً قادماً لا محالة، وأن أمريكا تهيئ المسرح لإخراج التغيير على هواها. لذلك فعلى المخلصين من أبناء هذا البلد الطيب أهله أن يعوا الدرس، ويكفي السودان هذا الضياع الذي استمر عشرات السنين بين حكومات عميلة للغرب الكافر المستعمر، سواء أكانت مدنية أم عسكرية، أو بين بين، فكلها تمت تجربتها وكلها فاشلة، والسبب واحد، هو أن الحكام لا يملكون قرارهم، وإنما هم مجرد عملاء ينفذون مؤامرات الغرب الكافر المستعمر في بلادنا، فالمخرج الوحيد للسودان وغيره من بلاد المسلمين هو بنبذ هذه الأنظمة الوضعية والوضيعة، والرجوع إلى نظام رب العالمين خالق البشر أجمعين الذي أرسل رسولاً يبين لنا كيف نعيش وكيف نُحكم في ظل دولة أحكامها من كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ، خلافة راشدة على منهاج النبوة نعز بها في الدنيا ونعيش آمنين مطمئنين، ويرضى بها عنا ربنا سبحانه وتعالى.

بقلم: الأستاذ إبراهيم عثمان (أبو خليل)

 الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: بوادر نهاية الحرب في اليمن ترتسم

 جريدة الراية: بوادر نهاية الحرب في اليمن ترتسم

فما هي الحلول في نهاية المطاف؟

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

شهدت الأيام الأخيرة المنصرمة في عموم اليمن، عدداً من الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة، حيث كانت البداية مع الإعلان يوم الثلاثاء 2021/09/07م عن قدوم قوات أمريكية إلى محافظة عدن وتمركزها في القصر الرئاسي معاشيق، نُظِرَ إليها بأنها ضد المجلس الانتقالي وللحيلولة دون انفراده بالسلطة في المحافظات الجنوبية. فقد أنعش قدوم القوات الأمريكية الحراك الجنوبي جناح حسن باعوم.

وفي 2021/09/15 انطلقت مظاهرات من كريتر عاصمة محافظة عدن تزامنت معها مظاهرات في الحوطة عاصمة محافظة لحج التي بدأت عناصر الانتقالي فيها منذ الثلاثاء 2021/09/14م بقطع الطرقات احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواصلات نتيجة ارتفاع أسعار البنزين إلى 15 ألف ريال للدبة "20 لتراً"، الذين حملوا الرياض الكوارث الاقتصادية في البلاد كونها من تجيد صناعة الأزمات داخل المنطقة بحسب صحيفة الأمناء 2021/09/16م. ومحافظة حضرموت من عاصمتها المكلا ثم غيل باوزير والشحر، لتلحق بهم سيئون والقطن وتريم في الوادي.

لقد عمل المجلس الانتقالي على مضايقة حكومة معين عبد الملك وعدم تمكينها من مباشرة أعمالها، وطردها من عدن منذ أن استقبلها بالتفجيرات في مطار عدن. ومن ثم تابع الانتقالي أعماله ضد الحكومة بتحريك الشارع الذي عانى من تردي خدمات الكهرباء في المحافظات الجنوبية والمياه وغلاء أسعار المواد الغذائية وارتفاع أجور المواصلات مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

إن إفشال مؤتمر الرياض هو واحد من الأهداف التي يعمل المجلس الانتقالي على تحقيقها، مما جعل الرياض تسارع في الحفاظ على مؤتمرها بإرسال دفعة جديدة من الديزل إلى عدن، والإعلان عن دفعة أخرى تلحق بسابقتها لتشغيل محطات الكهرباء، في مسعى من الرياض من أجل مساعدة حكومة معين عبد الملك من خلال توفير وقود الديزل والحيلولة دون إعطاء الانتقالي فرصة باستغلال انقطاع الكهرباء، وتهييج الشارع لإفشال اتفاق الرياض.

في الجهة المقابلة يسعى المجلس الانتقالي لإبراز إنجازات وزرائه المشاركين في حكومة معين عبد الملك، فقد نشرت صحيفة الأمناء التابعة له خبر افتتاح وزير الزراعة، يوم الأربعاء 2021/09/15م سوق الأسماك في المعلا، وعقده مباحثات مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، لجلب مساعدات للمزارعين وإطلاق موسم الصيد، وتنظيم العمل المؤسسي في الوزارة بإعادة هيكلتها. كذلك الحال مع وزير النقل عبد السلام حميد، الذي أطلق قبل أيام مشروع مطار عدن الجديد، بالتزامن مع محاولات لجلب دعم دولي لتطوير مطار عدن الحالي، وتشكيله لجنة لدراسة أجور العمال في الموانئ لضمان كفايتها.

ومن ضمن الأعمال السياسية الجارية حول اليمن كانت يوم الخميس 2021/09/16م حيث انطلقت أولى جولات المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن غروندبرغ في الرياض بلقاء عبد ربه هادي، ثم سينتقل للقاء الحوثيين، الذين يضعون العراقيل أمام زيارته الأولى لصنعاء، ويطالبونه بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، ومواصلة الجهود الأممية من حيث انتهى غريفيث. ويكثفون من هجماتهم للدخول إلى مدينة مأرب والسيطرة التامة على المحافظة النفطية بعد أن أكملوا سيطرتهم على محافظتي الجوف والبيضاء المجاورتين، كي يذهبوا إلى جولة الملاويات الجديدة لإيقاف الحرب في اليمن بمكاسب جديدة.

في عدن والمحافظات الجنوبية يتسابق المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي، كي يحل محل حكومة معين عبد الملك وقد أوردنا طرفاً من أعمال وزرائها بالاعتماد على المعونات والقروض الاستعمارية التي يقدمها البنك وصندوق النقد الدوليان وهي تتطابق تماماً مع أعمال حكومة معين عبد الملك، كما يعمل عيدروس الزبيدي على سحق تيار حسن باعوم المدعوم أمريكياً ورميه بأعمال التخريب والشغب في المظاهرات وحرفها عن مسارها الذي يدفعها المجلس الانتقالي تجاهه.

إن وجود القوات الأمريكية في عدن تزامن مع تصريح أطلقته مديرة الاستخبارات المحلية الأمريكية أفريل هاينز في مؤتمر الأمن القومي الأمريكي، عدّت فيه اليمن من ضمن البلاد التي تهدد أمن أمريكا. على غرار تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001م، التي كشفت سوزان لينداور من يقف وراء تنفيذها في كتابها "عندما تكون الحقيقة خيانة" كي تكون المبرر لإطلاق قواتها تجاه البلاد الإسلامية للحيلولة دون ظهور الإسلام في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، الذي حذرهم منه صمويل هنتنجتون في كتابه "صدام الحضارات"، وجعلتهم يضعون الخطط لشن حروبهم الصليبية على البلاد الإسلامية منذ مطلع القرن الجديد بقصد تدميره مادياً وفكرياً واستبدال حضارتهم الرأسمالية النتنة به.

أما في صنعاء التي تخوض حرباً منذ سبع سنوات أتت على الأخضر واليابس، في ظل وعود جوفاء بالقضاء على الفساد، الذي تغول عن سابقه، وتوفير رغد العيش في الوقت الذي يعاني فيه الناس من شظف العيش، ومن حكم بالإسلام وهم دعاة الدولة المدنية والارتباط الفكري والمادي بالغرب.

هكذا يتسابق المتنافسون في جنوب اليمن وشماله لجني مكاسب سني الحرب التي أنهكت الناس. كمن يجني الفتات من على مائدة الطعام، نظير خدمته للمتصارعين الدوليين الحقيقيين على اليمن. إن الحل الجذري الذي يضع حداً للمتصارعين عليه، وينقذ أهله من الحروب والأزمات طوال أكثر من نصف قرن من الزمان هو إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة تحقيقاً لوعد الله القائل سبحانه: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ﴾ وبشرى نبيه القائل: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

بقلم: المهندس شفيق خميس – ولاية اليمن

جريدة الراية: أسباب انهيار حزب العدالة والتنمية المغربي

 جريدة الراية: أسباب انهيار حزب العدالة والتنمية المغربي

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

أجريت في الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري انتخابات برلمانية في المغرب كانت نتائجها كارثية ومُدمّرة على حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يعتبر نفسه حزباً إسلامياً أو حزباً ذا مرجعية إسلامية، فقد حصل على المركز الثامن والأخير في السباق التنافسي على مقاعد البرلمان المغربي، بعد أن كان يستحوذ على المركز الأول فيه، وبعد أنْ تولى رئاسة الحكومات المغربية المتعاقبة في السنوات العشر الماضية.

لقد سبقته في هذه الانتخابات جميع الأحزاب العلمانية واليسارية؛ فبعد أن كان يحوز في الانتخابات الماضية التي أجريت قبل خمس سنوات على مائة وخمسة وعشرين مقعداً حصل في هذه الانتخابات الأخيرة على اثني عشر مقعداً فقط من أصل ثلاثمائة وخمسة وتسعين مقعداً!

فلم تسبقه الأحزاب المغربية المعروفة كحزب التجمع الوطني وحزب الأصالة وحزب الاستقلال وحسب، بل سبقته أيضاً الأحزاب الصغيرة والمغمورة كالأحزاب الاشتراكية والاتحاد الدستوري، حتى إنّ رئيس حزب العدالة سعد الدين العثماني لم يتمكّن من نيل مقعده في الدائرة الانتخابية التي نافس فيها أمام مرشح شاب مغمور، فكان سقوط هذا الحزب في هذه الانتخابات صاعقاً ومُدوّياً، وكان تصويت الجمهور له عقابياً لدرجة لم يتوقعها أكثر المُراقبين.

تُرى ما هي أسباب هذا السقوط المفاجئ لهذا الحزب وهذا الانهيار المدوي له؟

يُمكن حصر أسباب هذا السقوط بسببين اثنين لا ثالث لهما، وهما:

1- الابتعاد عن الإسلام.

2- التزلف للملك.

وما يُقال عن أسباب أخرى كثيرة لهذا السقوط سوى هذين السببين فإنّه بالتدقيق فيها نجدها كلها تندرج تحت هذين السببين، أو هي نتائج ومظاهر لهما، وأهم هذه الأسباب المتولّدة عنهما أربعة أسباب فرعية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر هذا الحزب وهي:

1- اتباع الحزب لنظام اقتصادي ليبرالي متوحش يعتمد على أسوأ فاعلين وهما: الخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية، فحتى توظيف المعلمين أصبح يدخل ضمن نظام التعاقد الخاص وليس مع الدولة، وأمّا رفع الدعم فاشتمل على رفعه عن المحروقات بشكل خاص مما أثار غضب طبقات واسعة من الجماهير.

2- إقرار الحزب لقانون فرنسة التعليم: حيث تم تمرير قانون جعل اللغة الفرنسية لغة للتعليم بدلاً من اللغة العربية ما أثار حنق الناس الذين يشتمّون رائحة الهيمنة الاستعمارية الغربية والفرنسية حتى على حساب لغة القرآن الكريم.

3- موافقة الحزب على تمرير اتفاق التطبيع مع كيان يهود وهو ما جعل حزب العدالة يسقط أمام عيون ناخبيه الذين كانوا لا يتوقعون منه مجرد السكوت عن التطبيع ناهيك عن القبول به وتمريره في البرلمان.

4- تمرير الحزب لقانون تقنين القنّب: وهو ما يعني القبول بانتشار الحشيش بين العوام.

فهذه الأسباب الأربعة الفرعية هي أبرز الأسباب التي أبعدت الحزب كثيراً عن (مرجعيته الإسلامية) وجعلته يظهر أمام الناس بمظهر الحزب العلماني المناقض في كل مسلكياته لأسس الإسلام وأحكامه.

كما وأظهرت الحزب أمام جمهوره بأنّه مجرد أداة رخيصة يستخدمها الملك متى شاء لتمرير سياساته المعادية للإسلام والمُوالية للغرب.

فحزب العدالة الذي تهرّب من الالتزام بالإسلام تحت شعارات العدالة والتنمية لم يستطع بشعاراته الجوفاء هذه أنْ يحقق في سنيّ حكمه العشر أي شيء من العدالة والتنمية، حيث في فترة حكمه ازداد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً، وغلت الأسعار، وارتفعت نسبة البطالة، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية، وتمكنّ الكفار من إدخال ثقافتهم ولغتهم لكي تزعزع ثقافة الأمة وأحكامها الشرعية، وتشكك في حضارتها ومقاييسها وقيمها.

إنّ سقوط هذا الحزب ليس مجرد سقوط لحزب بعينه، بل هو سقوط لنموذج من الأحزاب شاع في الأمّة في زمن الانحطاط، فهذا السقوط هو سقوط لفكرة الحزب ذاتها، ولرؤيته التي تقوم على أساس التقرب من الحكام الطواغيت، والتزلف لهم لقاء بعض المناصب والمنافع الشخصية والحزبية الضيقة.

إنّه سقوط لفكرة التغيير الترقيعي التي ظنّ أصحابها أنّها هي البديل عن التغيير الشمولي.

إنّه سقوط لفكرة استخدام الأحزاب المحسوبة على الإسلاميين في تثبيت الأنظمة الطاغوتية بعد أنْ انكشف سر استخدامها، والذي دلّ عليه كونها جيء بها إلى الحكم بعد اندلاع الثورات العربية من أجل ركوب موجة الثورات والالتفاف عليها.

إنّه سقوط لفكرة التدرج في تطبيق الإسلام، وإنّ تطبيق الإسلام لا يصح معه إلا أنْ يكون كاملاً انقلابياً وجذرياً.

إنّه سقوط لفكرة التوفيق بين الإسلام وبين الحضارة الغربية أو بين الوحي والوضع، أو بين الشرع والعقل.

إنّ الأصل في التغيير أنْ يُبدأ به في النظام برأسه وأساسه، لا أنْ يحافظ عليه ويدافع عنه، فقد وصل الحال البائس بحزب العدالة أنْ اعتبر الملك هو أساس الاستقرار في المغرب بدلاً من أنْ يعتبر الإسلام أساساً له!

لقد حان الأوان لهذا الحزب وأمثاله كحزب النهضة أنْ تختفيَ من الخريطة السياسية تماماً، لأنّها قدّمت أسوأ النماذج في الدفاع عن الطواغيت تحت شعارات كاذبة تتلفح بالحرية والعدالة والتنمية!

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: فرانسيس فوكوياما: نهاية الهيمنة الأمريكية

 جريدة الراية: فرانسيس فوكوياما: نهاية الهيمنة الأمريكية

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

ولد يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما يوم 1952/11/27م في حي هايد بارك بمدينة شيكاغو، لأسرة من أصول يابانية ونشأ في بيئة محافظة، انتمى فوكوياما إلى معسكر المحافظين الجدد في أوج قوتهم فكان أحد موقّعي رسالة موجهة للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، تطالبه بإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وفي عام 1989 نشر في دورية "ناشونال إنترست" مقالة حفرت حروفها في تاريخ النظريات السياسية الحديثة، فتحت عنوان "نهاية التاريخ" كتب يقول: "إن تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى بغير رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية". ومنذ عام 2004 انقلب فوكوياما على مواقفه السابقة، وأصبح من منتقدي الغزو الأمريكي للعراق، ووجه انتقادات لاذعة للمحافظين الجدد وأعلن تنصله التام منهم.

وفي عام 2006 أصدر فوكوياما كتابا آخر بعنوان: "أمريكا على مفترق طرق: الديمقراطية، السلطة، وميراث المحافظين"، وتحدث فوكوياما عن مسألة الانحدار السياسي عندما تصبح الدولة بمؤسساتها غير قادرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة، واعتبر "أن ماكينة الديمقراطية الأمريكية قد أصبحت مصابة بنزلة برد شديدة، وأن ازدياد سطوة المال السياسي وتنامي نفوذ اللوبيات والدور المبالغ فيه للدعاية الإعلامية من العوامل التي زادت تشوهات النظام الديمقراطي الأمريكي" وانتقد فوكوياما في كتابه بشدة تنامي نفوذ جماعات المصالح (اللوبيات)، الأمر الذي حوّل حسب رأيه الدولة الفيدرالية الأمريكية إلى دولة بلا عضلات في مواجهة الأمراض التي تتخبط فيها.

 

كانت هذه المقدمة ضرورية للوقوف على مكانة الكاتب حتى لا يقال إنه من اليسار الأمريكي أو من أعداء أمريكا بل الرجل هو أحد العقليات الفكرية، والتي ينظر لها نظرة عالية بدليل حديث العالم عن كتابه "نهاية التاريخ" والذي كان أبرز الكتب آنذاك.

أبرز النقاط التي تحدث عنها المقال:

1- سوف تبقى أمريكا قوة عظمى لسنوات عديدة، لكن مدى تأثيرها سيعتمد على قدرتها على إصلاح مشاكلها الداخلية، أكثر من اعتماده على سياستها الخارجية.

2- استمرت فترة ذروة الهيمنة الأمريكية أقل من 20 عاماً، من سقوط جدار برلين في العام 1989 إلى وقت قريب من الأزمة المالية العالمية في 2007-2009.

3- كانت درجة أحادية القطبية في تلك الفترة من النوع النادر نسبياً في التاريخ، وكان العالم يعود إلى حالة أكثر طبيعية من التعددية القطبية منذ ذلك الحين، مع اكتساب الصين وروسيا والهند وأوروبا ومراكز أخرى في العالم المزيد من القوة مقارنة بأمريكا.

4- التحدي الأكبر بكثير لمكانة أمريكا العالمية هو تحد محلي، حيث المجتمع في أمريكا مستقطب بشدة، وقد وجد صعوبة بالغة في العثور على الإجماع على أي شيء تقريباً.

5- لقد امتدت هذه الصراعات الداخلية إلى جميع جوانب الحياة الأمريكية.

6- يعتقد نصف الجمهوريين تقريباً بأن الديمقراطيين يشكلون تهديداً لطريقة الحياة الأمريكية أكثر من روسيا نفسها.

7- ستكون تايوان اختباراً أكبر بكثير للسياسة الخارجية الأمريكية من أفغانستان، في حال تعرضت الأولى لهجوم صيني مباشر، هل ستكون أمريكا مستعدة للتضحية بأبنائها وبناتها من أجل الحفاظ على استقلال تلك الجزيرة؟ أو في الواقع، هل تخاطر أمريكا بخوض نزاع عسكري مع روسيا إذا قامت الأخيرة بغزو أوكرانيا؟ هذه أسئلة جادة وخطيرة ليست لها إجابات سهلة.

8- لقد ألحق الاستقطاب مسبقاً ضرراً بليغاً بتأثير أمريكا على المسرح العالمي، ناهيك عن الضرر الذي يمكن أن تلحقه الاختبارات المستقبلية (تايوان وأوكرانيا وغيرها) من هذا النوع.

9- أكبر كارثة سياسية جلبتها إدارة الرئيس جو بايدن خلال الأشهر السبعة التي قضاها في منصبه هي فشلها في التخطيط بشكل مناسب للانهيار السريع لأفغانستان.

10- اقترح الرئيس بايدن أن هذا الانسحاب كان ضرورياً من أجل التركيز على مواجهة التحديات الكبرى القادمة من روسيا والصين في المستقبل، وآمل بأن يكون جاداً في هذا الصدد. في السابق، لم ينجح باراك أوباما أبداً في إحداث "إعادة تمحور" نحو آسيا لأن أمريكا ظلت تركز على مكافحة التمرد في الشرق الأوسط.

11- من غير المرجح أن تستعيد أمريكا مكانتها المهيمنة السابقة، ولا ينبغي لها أن تطمح إلى ذلك، ولعل ما يمكنها أن تأمل فيه هو الحفاظ، مع البلدان ذات التفكير المماثل، على نظام عالمي صديق للقيم الديمقراطية.

هذه جملة من الأفكار والنقاط ذات التركيز العالي والخطير كتبها المؤلف، والرجل على علم واسع لما وصل إليه المجتمع الأمريكي، وكل نقطة منها تحتاج بحثاً ووقوفاً عندها خاصة مسألة الاستقطاب الداخلي وأثره على تماسك المجتمع في أمريكا داخلياً وأثره على قوة تماسك السياسة الخارجية في ظل مجتمع غير متجانس ومقدم على اختبارات ذات خطورة عالية جداً مثل تهديدات الصين لتايوان وروسيا لأوكرانيا.

إن هذه المقالة وغيرها من المقالات والكتب التي تحدثت عن بداية أفول أمريكا لا تعني سقوطها ذاتياً ولا فكرة الانهيار الذاتي، وهي ينبغي أن تقرأ بدقة حتى لا يُظن أن أمريكا انتهت؛ بل هي لا زالت الدولة الأولى عالمياً، والفرق بينها وبين من يليها كبير جداً، والحديث بالتمني ليس بحثاً سياسياً بل ينبغي قراءة الواقع بدقة ومعرفة أن هذه وغيرها تتحدث عن أمراض ومعضلات كبيرة ولا ينبغي التقليل من شأنها كذلك إذ التقليل من أثر هذه المشاكل إذا لم يتم تداركها وحلها فإنها ستكون ذات تأثير كبير واضح على السياسة الداخلية والخارجية، إلى أن يقيض الله دولة مبدئية ذات تطلع عالمي تمتلك القرار والإرادة والإمكانيات لتخرج هذا الكيان الذي أحاطت به المشكلات داخلياً وخارجياً كما حدث مع غيرها مع الدول؛ فأمريكا تناقش اليوم مدى تأثير صعودها القوي وبروزها والتهديدات العالمية مع مجتمع منقسم على ذاته أخفق في مسألة تداول السلطة في الانتخابات الأخيرة والتي تمت مقارنتها بجمهوريات الموز.

لقد بنى الإسلام كيانه السياسي على العقيدة الإسلامية وجعلها أساس الدولة، إذ ورد في مقدمة الدستور الذي أعده حزب التحرير في المادة الأولى: "العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلاّ بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يُسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية".

بقلم: الأستاذ حسن حمدان

جريدة الراية: الدولة العلمانية بين إعلام التفاهة وأكذوبة حرية النشر والرأي

 جريدة الراية: الدولة العلمانية بين إعلام التفاهة وأكذوبة حرية النشر والرأي

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

أعلنت قناة أم درمان الفضائية التوقف عن البث الفضائي حتى إشعار آخر، وقالت القناة في بيان صادر مساء يوم الأربعاء إنها ظلت تعاني منذ ثلاث سنوات من مقاطعة رسمية في مجال الإعلان والرعاية وخدمات الإنتاج من خصوم يجيدون الحديث عن الحريات جهراً ويغتالونها سراً، وفق البيان. وأضافت "ولأن الجهد الذي ظلت تقدمه قناة أم درمان لشعبها وأمتها يحتاج لسعةٍ في الإنفاق والصرف والتمويل فقد آثرنا أن نأخذ إذناً من مشاهدينا بالانصراف والتوقف عن البث حتى إشعارٍ آخر".

لقد ظلت قناة أم درمان الفضائية خاصة في الفترة الأخيرة منبراً لنقاش مشاكل الناس وتسليط الضوء على قضاياهم، وفي أحيان كثيرة عرض الآراء التي تستند إلى معالجات المشاكل وفق شريعة الإسلام ومنظومته السياسية، ما يقدم معالجات ناجعة للمشاكل التي يواجهها أهل السودان التي عجزت الحكومة العلمانية القائمة عن علاجها، ما حدا بأذرعها إلى محاربة هذا الصوت، إما بالهجوم أو بمنع الإعلانات، أو إيقاف الدعم، والأسوأ هو اعتقال ربانها وقائدها الأستاذ الموقر حسين خوجلي الذي عومل بشكل مهين لا يليق بمكانة إعلامي مخضرم له إرثه وتاريخه الإعلامي، ما عرّض صحته للخطر، وكان الواضح هو إما محاربة وتهديد طاقم القناة أو إيقافها وهذا الذي تحقق.

تعمل المنظومة العلمانية على إخراس وسائل الإعلام التي تفتح الأبواب للأصوات التي تقول الحق وتقدم للناس معالجات وحلولاً لمشاكلهم وفق دينهم وعقيدتهم، وفي الجانب الآخر تدعم الحكومة العلمانية، وتساند الإعلام الذي يدعو إلى التبرج والعُري والرقص وصناعة التفاهة، المدعوم من الحكومة أو السفارات الأجنبية وعملائهم، ما تسمى بمنظمات المجتمع المدني، فأصبحنا نرى مذيعات في زينة وتبرج مثير ومهيج للغرائز كأنها عروس في ليلة زفافها!

أما الإعلام الجاد الذي يعرض المشاكل والقضايا وفق الإسلام باعتباره منظومة سياسية لحل مشاكل الناس فإنه يحارب حتى يتوقف، أو يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

لقد أصبح من الواضح أن حرية الإعلام والنشر والرأي التي يتشدق بها العلمانيون، ما هي إلا أكذوبة يخدع بها السُذج من الناس، فالحرية مع العلمانيين عندما تكون في صالحهم، أو هم خارج السلطة، أما عندما تكون لخصومهم فإنهم يكفرون بها، والدول الغربية راعية هذه الحريات المكذوبة هي أكبر دليل فقد ضيقت على المسلمين فأصبح الإسلام إرهاباً ولباس المرأة المسلمة جريمة، واللحية تهمة، أما الحديث عن إسلام يتحدث عن السياسة والحكم فهي تستحق إعلان الحرب وسحل البشر، والشجر، والحجر!

ليست القضية هي الدفاع عن قناة، ولكن كشف أكاذيب وتضليل الفكر العلماني التي يخدع بها، وبغض النظر عما يثيره بعض المنتفعين من إيقاف أي صوت ضد العلمانية، الذين يبررون محاربة أي صوت لا يسبح مع تيارهم بذريعة إزالة التمكين أو اقتلاع رموز النظام البائد، نقول فلماذا لم تلاحق، وتطارد، وتحاسب، وتعاقب الحكومة الانتقالية أغلب قادتها اليوم الذين كانوا جزءاً أصيلاً في منظومة العهد البائد؛ ولاة لولايات، أو مستشارين للرئيس، أو مشاركين له فيما سُمي بحكومات الوحدة الوطنية، والوفاق الوطني...إلخ، ثم ها هم يغيرون جلودهم ليعودوا إلى السلطة باسم جديد؟!

إن حرية الرأي والنشر في ظل الأنظمة العلمانية هي أكذوبة، فالإعلام فيها ليس حراً عندما يتناول حل مشاكل الأمة وفق دينها وعقيدتها، فإن الدول الديمقراطية العلمانية تكيل بمكيالين فإذا مُنع أحد العلمانيين من نشر أحد ترهاتهم وأفكارهم السقيمة وجرائمهم، من دعوة للإلحاد، أو الخلاعة باسم المدنية، أو الشذوذ باسم الحرية الشخصية، ثاروا وأزبدوا، وتدخلت ما تسمى بمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، والأمم المتحدة...إلخ، ولكن إذا أوقفت قنوات تدعو إلى الإسلام وأحكامه، أو حتى حل مشاكل الناس برؤية عكس التيار، فإنهم يصمتون صمت القبور، ما يدل على أن الأمر هو حرب واضحة لا هوادة فيها.

إن من المؤكد في ظل النظام العالمي اليوم الذي تتحكم فيه الدول الاستعمارية بمساعدة عملائها من الحكام المجرمين والسياسيين المرتزقة في بلادنا، أنه لن يسمح في ظل هذه الأجواء بإعلام محترم يقدم المعالجات لمشاكل الناس ويسلط الضوء على معاناتهم، ويكون رقيباً على الدولة ومحاسباً لها، ولن يكون ذلك إلا في ظل دولة مبدئية تقيم الإسلام وتطبق شرعه، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي لا تحتاج وسائل الإعلام فيها إلى ترخيص بل لكل من يحمل تابعية الدولة الإسلامية مسلماً كان أم غير مسلم أن ينشئ أية وسيلة إعلام: مقروءة أو مسموعة أو مرئية. ولا يحتاج إلا إلى (علم وخبر) يعلم جهاز الإعلام عن وسيلة الإعلام التي أنشأها، وهو يحتاج إلى إذن في نشر الأخبار ذات المساس بالدولة. وأما الأخبار الأخرى فينشرها دون إذن مسبق. في جميع الحالات يكون صاحب وسيلة الإعلام مسؤولاً عن كل مادة إعلامية ينشرها ويحاسب على أي مخالفة شرعية كأي فرد من أفراد الرعية. فلا إعلام يدعو إلى التفاهة والخلاعة في ظل الخلافة الراشدة.

يا أهل السودان الطيبين: اعملوا مع حزب التحرير لإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)

مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: حوران مهد الثورة جددت الأمل وفضحت المخذّلين والضامنين

 جريدة الراية: حوران مهد الثورة جددت الأمل وفضحت المخذّلين والضامنين

 

22 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021مـ

حوران مهد الثورة منها انطلقت ثورة الشام المباركة التي كانت كفيلة بتحطيم أسطورة نظام العمالة الأمنية التي تميزت بإجرامها وبطشها وجعلته في مقدمة أجهزة الإجرام بأبشع صوره، من قتل واعتقال وتدمير للبيوت وهتك للأعراض وسفك للدماء، وأيضا حطمت حاجز الخوف عند أهل الشام الذين لبوا نداء الفزعة وآزروها بكل ما يملكون وقدموا الغالي والنفيس لأجل كرامتهم فخرجوا يهتفون "يا درعا، حمص ودمشق وإدلب وغيرها معاك للموت".

كما فضحت ثورة الشام محور إيران الذي صدّع الرؤوس بمصطلحات المقاومة والممانعة وأن الموت لأمريكا وكيان يهود هو هدف تكتلهم من طهران وبغداد مرورا بدمشق وصولا لبيروت، وكشفت زيف الجيش العقائدي الذي نشأ وترعرع على حساب سرقة لقمة عيش أهل الشام وكانت ميزانية الدولة لرعايته وتربيته لمواجهة يهود ونصرة للقضية العربية الأولى والدفاع عن عروبة فلسطين وقد ظهر للجميع زيف هذه الادعاءات.

وبعد عقد من الكفاح والصراع وتحدي المؤامرات القذرة التي قادتها أمريكا رأس الإجرام عبر الأمم المتحدة ومخرجات مؤتمراتها من جنيف حتى أستانة وسوتشي التي لا تهدف إلا للقضاء على ثورة الشام وإعادة أهلها وحاضنتها لحظيرة أسد المجرم، وبتنفيذ الثالوث المجرم لهذه الاتفاقيات: روسيا الضامن لهذه المسرحيات، وإيران آلة الإجرام، والنظام التركي الذي كبل الفصائل وصادر قراراتها وأجبرها على السير ضمن مخطط قذر هدفه بيع التضحيات وهتك الحرمات والأعراض والركوع للطاغية المجرم.

* وبعد ما حصل مؤخرا لا تزال حوران تستحق لقب مهد الثورة حيث إنه بعد حصار دام أكثر من سبعين يوما وحشد الطاغية أسد كل سحرته ورهبانه بعدما رفضت حوران الاعتراف به وبشرعيته وقاطعت مسرحية انتخاباته الهزلية، فحشر فنادى وجمع خيله ورجله واستعد للاقتحام بعدما أنهك البلد حصارا ومنع عنها كل مقومات الحياة وقصفها بكل أنواع الأسلحة، وكما كان دور حوران بداية الثورة كشف وفضح وتحطيم لا تزال كما سابق عهدها.

* حطمت غطرسة آلة النظام العسكرية، حيث تصدى له أبطال درعا البلد بسلاحهم الفردي الخفيف المستقل بقراره المتمسك بسيادته وأرضه، حيث تمكّن صمود أهل درعا البلد الصادقين من إفشال محاولات نظام القمع والمليشيات الموالية له، التقدم. فقد عجز جيشه بقواته المتعددة من التقدم شبرا واحدا، وأبرزت هشاشته وضعفه وتهلهله.

* فضحت حقيقة الاتفاقيات والتسويات المذلة التي ضمنتها روسيا زورا وهي التي دمرت الحجر والشجر بطائراتها التي عاثت في الأرض الفساد، وأظهرت أن التسويات والتهجير ما كانت لتحصل لولا هذه الاتفاقيات التي سهل تنفيذ بنودها وجود قادة فصائل مسلوبي القرار ممتلئة بطونهم بالمال السياسي القذر مرتهنين للدول المجرمة، ولذلك باعوا التضحيات ودماء الشهداء استجابة لأوامر الداعمين.

* بينت أن الدول المجرمة عندما تعجز عن تحقيق أهدافها عسكريا تلجأ إلى المفاوضات لتحقق بها ما عجزت عنه بالدبابات وقوة السلاح، وقد سهل ذلك أيضا وجود ممثلين في لجان التفاوض يحملون نفسية المنهزمين ويفتقرون إلى أدنى درجات الوعي السياسي، ولولاهم ما حقق نظام الإحرام ومن يدعمه أهدافهم من خلال جلسات التفاوض.

* أثبتت أن وجود مقاتلين صادقين، ولو بسلاحهم الخفيف، مستقلين بقرارهم متمسكين بثوابت ثورتهم قادرون على هزم أكبر الجيوش وخاصة إذا كان يقف خلفهم حاضنة صابرة محتسبة قادرة على تحمل شتى أنواع القتل والدمار ومستعدة لتقديم الغالي والنفيس وتدعو لهم بالصبر والثبات وتتوق إلى نصر يشفي الصدور.

* فضحت ما تسمى بالجيوش الوهمية المتحصنة في الشمال المحرر ولكنه في الحقيقة المكبل بحبال الضامن التركي، حيث سلب الداعمون والضامنون قراره، فتركت معظم فصائله الجهاد وباتت تلهث وراء فتح المعابر وفرض الضرائب والمكوس والتضييق على أهل الثورة الذين رفضوا التسويات والركوع وقبلوا بالتهجير وتحمل أعباء الخيم صيفاً شتاءً.

وأخيراً حتى تحافظ حوران على شرف تسميتها مهد الثورة وتبقى درعاً لها وحتى لا تنجح مؤامرات التفاوض والاتفاقيات في حوران وفي غيرها من المناطق المحررة على أرض الشام، لا بد من خلع لجان التفاوض وإسقاط شرعيتهم، وتصحيح مسار الثورة باستبدال قيادتها المرتبطة، والعمل على إيجاد قيادة سياسية واعية تحمي تضحيات أهل الشام وتجمع كلمتهم وتسير بهم نحو الهدف الذي يحمي دماءهم وأعراضهم وكرامتهم ويتوحد الجميع على مشروع منبثق من عقيدتهم ونظام يرعى شؤونهم ويرضي ربهم ألا وهو مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

وبذلك تتوضح الأهداف وتستقيم طريق العمل المستقيم الذي يسير فيه الصادقون على بصيرة من أجل تحقيق خلاصهم وعزهم ومرضاة ربهم.

بقلم: الأستاذ محمد الحمصي