Wednesday, September 8, 2021

جريدة الراية: قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر! لماذا؟

 جريدة الراية: قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر! لماذا؟

 

1 من صـفر الخير 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 08 أيلول/سبتمبر 2021مـ

أعلن وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة يوم 24/8/2021 قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وقال: "ثبت تاريخيا أن المملكة المغربية لم تتوقف يوما عن الأعمال العدائية ضد الجزائر"، ساردا الأحداث منذ حرب 1963. وحمّل المغرب المسؤولية عن تعاقب الأزمات، واعتبر التصرف المغربي سببا في الخلافات بدلا من التكامل في المنطقة المغربية. واتهم المغرب بالتورط في الحرائق التي اجتاحت شمال البلاد وبدعمها لمنظمتين انفصاليتين اتهمتهما الجزائر بإشعال الحرائق.

ولنستعرض العلاقات بين الجزائر والمغرب لإدراك ما وراء قطعها أحيانا واستئنافها أحيانا أخرى:

- لقد تشرفت بلاد المغرب بالإسلام في القرن الأول للهجرة، ودخل أهلها الأخيار فيه طواعية وحملوا رايته وجاهدوا في سبيله، وأصبحت ولايات ضمن دولة الخلافة، وقام المستعمرون باحتلالها عندما أحسوا بضعف دولة الخلافة، فاحتل الفرنسيون الجزائر عام 1830م وقتلوا الملايين من أهلها في محاولة منهم لفرنستها وسلخها عن هويتها الإسلامية، ولكن لم ينالوا خيرا، وخرجوا منها مذلولين عام 1962م، وكان المجاهدون ينالون دعم أهل المغرب.

- ولكن للأسف، فبعد خروج المستعمر أقيمت فيها دول وطنية جمهورية وملكية ذات دساتير مستوردة منه. فالذين مُكنوا من ترؤس الثورة في جبهة التحرير الجزائرية لم تكن عقليتهم إسلامية وتلوثوا بالثقافة التي جلبها المستعمر، وارتبطوا بالدول الداعمة التي لا تقوم بالدعم إلا لفرض الإملاءات على المدعومين ومحاولة شراء الذمم وربط الأنظمة بها كما حصل ويحصل في كل بلد يريد أن يتحرر من ربقة الاستعمار. وبالنسبة للمغرب فرض الفرنسيون سيطرتهم عليه باسم معاهدة الحماية الفرنسية للمغرب عام 1912م حتى عام 1956م، وأقيم فيه نظام ملكي على الطراز الغربي مرتبط بالمستعمر.

- فبعد خروج المستعمر من الجزائر ارتبط رئيسها أحمد بن بيلا بأمريكا الداعمة له عن طريق عميلتها الدولة الإقليمة مصر عبد الناصر. ولكن بريطانيا وعن طريق عميلتها المغرب الحسن الثاني طبخت انقلابا وأتت بعميلها هواري بومدين عام 1965م، فأضحت العلاقات جيدة بين الجزائر والمغرب. وقد بدأت بريطانيا تروج لمشاريع استعمارية لتديم سيطرتها على البلاد والحيلولة دون تمكن أمريكا من النفاذ إليها والحلول محلها، ولتركيز استقلال الدول الوطنية التي أقامها المستعمر، منها مشروع الاتحاد المغاربي لدول شمال أفريقيا. فجمعت الأحزاب السياسية العميلة من المغرب والجزائر وتونس في طنجة عام 1958م فتبنوا المشروع، وأسست اللجنة الاستشارية للمشروع عام 1964م، وتوالت الاجتماعات المتعلقة بذلك حتى أعلن عن تأسيسه عام 1989م. ومن بنوده "صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء".

- حدثت اشتباكات بين البلدين عام 1963 أطلق عليها حرب الرمال ظاهرها نزاع حدودي، وكانت من أعمال الصراع الاستعماري لكون النظام الجزائري برئاسة بن بيلا يتبع أمريكا، والمغرب يتبع بريطانيا منذ تولي الحسن الثاني الحكم عام 1961.

- وبعدما ضمنت بريطانيا تبعية الجزائر بتولي بومدين الحكم كما هو الحال في المغرب وقع البلدان معاهدة لترسيم الحدود وحسن جوار على مرحلتين عامي 1969و1972، فتوقف النزاع الحدودي بينهما، وأكدا الحفاظ على الدولة الوطنية المستقلة كما أرادها المستعمر.

- ولكن حدث عام 1976 أن قطع المغرب علاقاته مع الجزائر احتجاجا على اعترافها بجبهة البوليساريو التي كانت أمريكا وراء تأسيسها، مع أن النظام الجزائري كالنظام المغربي يتبع بريطانيا، إلا أن بريطانيا أرادت أن تحتضن الجزائر البوليساريو لتضعها تحت الرقابة وتحاصرها في مخيمات وفي رقعة صغيرة لتمنعها من إقامة دولة في الصحراء المغربية لحساب أمريكا.

- وقد أعلن عن إعادة العلاقات الدبلوماسية والتطبيع بين النظامين عام 1988، مع بقاء الجزائر محتضنا لجبهة البوليساريو! مما يدل على أن النظام المغربي على علم بما تفعله الجزائر وهو راض عنه ولم يتضرر منه.

- وعندما حصل تفجير عام 1994 في مدينة مراكش اتهم المغرب المخابرات الجزائرية بالوقوف وراءه! وفرض تأشيرة دخول على الجزائريين الراغبين في دخول المغرب، فردت الجزائر بإغلاق الحدود البرية المستمر حتى اليوم. وكل ذلك ليغطي على سياسة الجزائر تجاه البوليساريو وليضع عائقا أمام تحركاتها مع إغلاق الحدود البرية.

- قام الرئيس الجزائري بوتفليقة بالمشاركة في جنازة الحسن الثاني عام 1999 وجرت مساع لتطبيع العلاقات العلنية بين النظامين ولكن لم تتحقق، مما يؤكد الاستمرار في السياسة السابقة على عهد الملك الجديد محمد السادس الذي سار على نهج والده بالتبعية لبريطانيا ليلعب كل نظام دوره.

- ظهرت بوادر تحسن في العلاقات العلنية بين النظامين عام 2005 وجرى التحضير لزيارة رئيس وزراء الجزائر أويحيى للمغرب لتوقيع اتفاقيات بينهما، ولكن المغرب طلب إلغاء الزيارة واعتبرتها الجزائر إهانة.

- استدعت الخارجية الجزائرية سفير المغرب لديها احتجاجا على وصف القنصل المغربي في مدينة وهران الجزائرية في أيار 2020 بأن الجزائر بلد عدو واعتبرت القنصل شخصا غير مرغوب فيه. وكل ذلك تلاعب لإخفاء الأدوار التي يقوم بها كل نظام.

- وفي 15/7/2021 دعا السفير المغربي لدى الأمم المتحدة إلى استقلال شعب القبائل في الجزائر، فاستدعت الجزائر سفيرها لدى المغرب للتشاور. فتريد المغرب حسب خطة بريطانية احتواء الحركات الانفصالية من الأمازيغ وتحول دون وصولها لأهدافها.

- وفي 23/7/2021 احتجت الجزائر على المغرب لاستخدامها برنامج التجسس اليهودي بيغاسوس ضد مسؤوليها بينما نفت المغرب ذلك.

- وفي 31/7/2021 أعلن ملك المغرب استعداده للتصالح وإنهاء الخلافات، ورد عليه الرئيس الجزائري تبون يوم 8/8/2021 بالإيجاب ولكن طلب توضيح موقف المغرب من منطقة القبائل.

- قام وزير خارجية كيان يهود بزيارة المغرب واتهم الجزائر يوم 11/8/2021 بالتحريض ضده والتقارب مع إيران.

- وفي 18/8/2021 اتهم الرئيس الجزائري المغرب بقيامه بأعمال عدائية متواصلة وطلب إعادة النظر في العلاقات معه وتشديد الرقابة الحدودية. ويوم 24/8/2021 جاء تصريح وزير خارجية الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب

إن بريطانيا توزع الأدوار بين عملائها لتحقيق مصالحها الاستعمارية، فمثلا قطر والإمارات تابعتان لها، ولكنها تعطي لكل منهما دورا. فأحيانا تقتضي مصالحها تصالحهما فيسيرا معا في قضية، وأحيانا تقتضي تنافرهما واندساس كل منهما بجانب عميل أمريكي آخر. كذلك توزع الأدوار بين المغرب والجزائر، فظهر توافقهما لحساب بريطانيا في الشأن الليبي وتجاه المستجدات التي أحدثها الرئيس التونس سعيد لحساب فرنسا.

وهكذا فكافة الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية موزعة في التبعية بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، التي تسند لها مهمات وتوزع أدوارها كما تقتضي مصالحها الاستعمارية، وتعمل على تركيز انفصالها ومنع وحدتها في دولة واحدة تطبق الإسلام كما كانت قبل حقبة الاستعمار.

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

No comments:

Post a Comment