Tuesday, April 27, 2021

جريدة الراية:  جواب سؤال: المستجدات السياسية في تشاد

 جريدة الراية:  جواب سؤال: المستجدات السياسية في تشاد

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

السؤال: أعلن الجيش التشادي يوم 20/4/2021 مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في معارك مع متمردين في شمال البلاد قادمين من جنوب ليبيا، وأعلن عن تشكيل مجلس عسكري يتولى رئاسته ابن الرئيس المقتول رئيس الحرس الرئاسي محمد ديبي لفترة انتقالية 18 شهراً، وأعلن عن حل البرلمان والحكومة وحظر التجوال مساء وإغلاق منافذ البلاد الجوية والبرية. ودعا جميع قوى المعارضة للحوار. فما حقيقة ما جرى ويجري في تشاد وإلى أين تتجه الأوضاع؟ وما هي ارتباطات القوى المتمردة؟ وما علاقة ذلك بالصراع الدولي؟

الجواب: لكي يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:

1- لقد جرت انتخابات رئاسية في تشاد يوم 11/4/2021 وقاطعتها قوى المعارضة متهمة الرئيس ديبي بالتزوير وبتكميم الأفواه ومنع قادتها من الترشح، وقد أعلن يوم 19/4/2021 عن فوز الرئيس إدريس ديبي بنسبة 79,32% ليحكم البلاد ست سنوات أخرى قبل أن يصاب في المعارك مع المتمردين بساعات. وقد أعلنت جبهة الوفاق من أجل التغيير يوم 12/4/2021 عن رفضها للانتخابات وحركت قواتها المتمركزة في جنوب ليبيا نحو العاصمة التشادية إنجامينا. فقد أعلن زعيم الجبهة محمد مهدي علي البدء بالتحرك، وتقدر قواته بنحو 1500 شخص دخلوا على متن مئات السيارات الرباعية الدفع. حيث دخلت تشاد من مدينة الجفرة جنوبي ليبيا حيث مقرها إلى شمال تشاد يوم 12/4/2021 فدخلت ولاية تبستي ثم دخلت ولاية كانم التي تبعد 400 كلم عن العاصمة إنجامينا، وأعلنت على صفحتها في موقع فيسبوك أن "الانتخابات التي جرت كانت مهزلة ودعت الشعب لمساندتها لتحرير وطنهم تشاد وللضغط على الديكتاتورية" وأعلنت استيلاءها على حاميات بالقرب من الحدود الليبية بدون مقاومة.

2- قال المتحدث باسم الجيش التشادي الجنرال عازم برماندوا أغونا عبر التلفزيون التشادي الرسمي يوم 20/4/2021: "إن رئيس الجمهورية إدريس ديبي إيتنو لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعا عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة.. ونعلن ببالغ الأسى للشعب التشادي نبأ وفاة مارشال تشاد الثلاثاء 20 نيسان/أبريل 2021"، كما أعلن عن تأسيس مجلس عسكري وتعيين محمد ديبي ابن الرئيس المقتول رئيسا للمجلس وأعلن عن حل البرلمان وحل الحكومة. وقال المتحدث باسم الجيش "إن المجلس العسكري الانتقالي برئاسة محمد إدريس ديبي يضمن الاستقلال الوطني وسلامة الأراضي والوحدة الوطنية واحترام المعاهدات والاتفاقات الدولية ويضمن مرحلة انتقالية مدتها 18 شهرا تجري بعدها انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة"، وأشار إلى "فرض حظر التجول من السادسة مساء حتى الخامسة صباحا وإغلاق الحدود البرية والجوية للبلاد"، وأعلن عن "ميثاق انتقالي يمنح الرئيس الانتقالي صلاحيات واسعة ويلغي الدستور". وهكذا فإن حكومة وبرلمان ودستور النظام تلغى من قبل المؤسسة العسكرية للنظام ومن الرجال أنفسهم القائمين على الحكم سوى ديبي المقتول. إذ إن غالبية الضباط الكبار هم من عائلة وأقارب الرئيس المقتول من قبيلة الزغاوة التي لها امتدادات في تشاد وليبيا والسودان. وهي قبيلة منقسمة على نفسها، فهناك من المتمردين من ينتمي لهذه القبيلة. ويذكر أن أولاد عمومته هم الذين قادوا هجوما في بداية عام 2019 بقيادة تيمان إيرديمي باسم اتحاد قوى المقاومة. وكادوا أن ينجحوا في تمردهم لولا التدخل الفرنسي. علما أن المجلس العسكري الجديد الذي شكل برئاسة محمد ديبي مكون من 15 ضابطا بينهم 8 من قبيلة الزغاوة. وقد أعلن المتمردون رفضهم القاطع للمجلس العسكري الانتقالي، وقال الناطق باسم المتمردين "قواتنا في طريقها إلى إنجامينا لكننا سنترك ما بين 15 ساعة إلى 28 ساعة لأبناء ديبي لكي يدفنوا والدهم وفق العادات". وتعهدوا بمواصلة تمردهم حتى يصلوا العاصمة.

3- وإدريس ديبي نفسه قاد حركة تمرد عام 1990 حتى استولى على الحكم في تشاد وأسقط حسين حبري (1982-1990) الذي انقلب على فرنسا وأصبح عميلا لأمريكا. لقد كان ديبي قائدا للجيش فقاد تمردا بدعم من فرنسا حتى وصل إلى الحكم، وارتبط بفرنسا ارتباطا وثيقا حتى تحمي عرشه ويبقى في السلطة. وكان لفرنسا الدور الأكبر في مساعدة ديبي في هزيمة التمردات التي لم تتوقف. ففي شباط 2008 تم صد هجوم المتمردين بفضل الدعم الفرنسي عندما وصلوا إلى أبواب القصر الرئاسي في العاصمة إنجامينا. وكان ديبي نفسه يشارك جنوده في مجابهة التمردات منذ عام 2006. ولكن كان لفرنسا الدور الأكبر في إحباط حركات التمرد السابقة. ويظهر أن فرنسا هذه المرة لم تتحرك بعد لصد التمرد الأخير مباشرة، وأن دورها كان مساندا لقوات ديبي. إذ إن "جبهة التناوب والوفاق" وهي نفسها "جبهة التغيير والوفاق" وتعرف اختصارا باسم "فاكت" قد ذكرت في بيانها ونشر على صفحة "أفريقيا بوست" يوم 15/4/2021 أن "الجبهة دعت فرنسا إلى الحياد مشيرة إلى أن تحليق طائرات فرنسية فوق مواقعها يمكن تفسيره على أنه دعم للرئيس التشادي حيث يلاحظ أنه بعد كل مرور تحليق للطائرات الفرنسية يعقبه قصف من قبل طيران الحكومة". ويظهر أن فرنسا رأت أن قوات ديبي كافية لصد الهجوم، ولكنها تفاجأت بمقتله وكان ضربة موجعة لها.

4- إن مقتل ديبي يعد خسارة كبيرة للمستعمر الفرنسي. فقال بيان قصر الإليزيه بعد ساعات قليلة من مقتله "لقد فقدت فرنسا صديقا شجاعا.. فرنسا تشدد على أهمية أن تتم المرحلة الانتقالية في ظروف سلمية وبروح من الحوار مع كل الأطراف السياسيين والمجتمع المدني والسماح بالعودة السريعة إلى حكومة تشمل الجميع وتعتمد على المؤسسات المدنية. تعرب تمسكها الثابت باستقرار تشاد ووحدة أراضيها. تتقدم فرنسا بالتعازي إلى عائلة الرئيس ديبي والشعب التشادي برمته". وقد دعا وزير الخارجية الفرنسي لودريان "إلى مرحلة انتقالية عسكرية محدودة تؤدي إلى حكومة مدنية وجامعة"، فهنا تعلن فرنسا تأييدها للمرحلة الانتقالية وبالتالي للسلطة التي تولت زمام الأمور. وأعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية جابريل آتال أن "الرئيس ماكرون سيشارك في جنازة الرئيس التشادي الراحل ديبي". (فرانس برس 21/4/2021) مما يدل على مدى أهميته للمحافظة على نفوذها بل استعمارها في تشاد. وكذلك تأتي مشاركته في الجنازة للحديث مع ابن الرئيس المقتول وغيره من القادة الجدد للتأكيد على ولائهم لفرنسا.

5- واهتمت الصحف الفرنسية بموت ديبي على صفحاتها الصادرة في اليوم التالي من مصرعه؛ فذكرت صحيفة لاكاروا أن "وفاة ديبي تعتبر ضربة موجعة للدبلوماسية الفرنسية"، وقالت صحيفة ليبراسيون "إن فرنسا باتت محرومة من ديبي بعد وفاته يوم أمس. إنه كان نتاجا للإدارة العسكرية الفرنسية وحليفا لفرنسا في المنطقة"، وقالت "لكن الأكيد هو أن عملية برخان العسكرية الفرنسية والتي باتت تعاني من ضعف شديد في الآونة الأخيرة توجد اليوم في وضع صعب". وتساءلت عما إذا كانت هناك قوى خارجية تقف وراء المتمردين. فالفرنسيون يدركون أن هناك قوى كبرى تقف وراء حركات التمرد. إذ إن بلادهم في حالة حرجة في المنطقة وكادت أن تسحب قواتها من هناك بسبب الخسائر التي تتكبدها من دون أن تحقق انتصارا منذ تدخلها المباشر في المنطقة عام 2014 بعد الانقلاب الذي حصل في مالي عام 2012 على يد ضباط عملاء لأمريكا. ومن ثم قام ضباط موالون لأمريكا العام الماضي، عام 2020 بانقلاب. وفي شمال تشاد هناك ليبيا تعمل أمريكا على بسط نفوذها فيها. فأصبح وضع فرنسا قلقا في المنطقة.

6- إن تشاد وغيرها من دول أفريقيا من ناحية دولية تعتبر دولة مستقلة، ولكنها في الحقيقة مستعمرة فرنسية كما كانت قبل نيلها الاستقلال الشكلي عام 1960 من فرنسا. فقوات المستعمر الفرنسي ترابط فيها وجنود الجيش التشادي يقاتلون في سبيل فرنسا ومصالحها الاستعمارية في منطقة الساحل، وثرواتها وأموالها تذهب لفرنسا، حيث إن عملتها مع عملة 13 دولة أفريقيا أخرى مرتبطة باليورو الأفريقي الذي كان سابقا الفرنك الأفريقي حيث تذهب نصف أموال تشاد إلى البنك المركزي الفرنسي. وتنشر فرنسا 5100 جندي بعدما كانوا قبل سنة 4500 جندي في تشاد في إطار عملية باسم قوة برخان لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، وتشارك تشاد بجانبها في أكبر قوة عسكرية من قوات دول الساحل المشكلة منها ومن موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر بإشراف فرنسا لحفظ النفوذ الفرنسي في غرب ووسط أفريقيا وخاصة في مالي، ومع ذلك فهي بين الأمل والاستيئاس من الانتصار وحتى البقاء في المنطقة، فوجودها مهدد بشكل جدي، إذ إن أمريكا تلاحقها في المنطقة كلها. وبدأت ترتفع الأصوات بالمطالبة بسحب هذه القوة بسبب الخسائر في الأرواح بين الجنود الفرنسيين حيث ارتفع العدد إلى 50 قتيلا حسب الإحصاءات الرسمية. وهي تعمل على تقوية قوات ما يسمى بقوات الساحل لتقاتل نيابة عنها وتطلب من دول أوروبية المساعدة، كما أنها تستعين بالإمارات لتمويلها. ولكن فقدانها لديبي يعتبر خسارة كبيرة لهذه القوة. وقد أعلنت الأمانة التنفيذية لمجموعة دول الساحل أنها ("تدعم بشكل كامل المرحلة الانتقالية المعلنة في تشاد إثر وفاة الرئيس إدريس ديبي الذي كان يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة"... الجزيرة 22/4/2021) فتشاد مرشحة لاشتداد الصراع الدولي عليها، وكانت أمريكا قد تمكنت في ثمانينات القرن الماضي من شراء حسين حبري، فدخلت تحت النفوذ الأمريكي، ثم خسرت نفوذها عندما قلبه ديبي، ولكنها لا تتوقف عن المحاولات للعودة...

7- إن أمريكا كانت تراقب حركة التمرد منذ انطلاقها في ليبيا، وقد أعلنت يوم 18/4/2021 أن "جماعات مسلحة غير حكومية شمالي تشاد تحركت نحو الجنوب باتجاه إنجامينا، ونظرا لقربها من العاصمة واحتمال اندلاع أعمال عنف في المدينة صدرت أوامر لموظفي الولايات المتحدة غير الأساسيين بمغادرة تشاد على متن رحلة طيران تجارية"... الجزيرة 18/4/2021) وبعد مصرع الرئيس التشادي أعلنت على لسان المتحدث باسم خارجيتها نيد برايس يوم 20/4/2021 أن "واشنطن تريد أن ترى انتقالا للسلطة في تشاد يتوافق مع دستورها بعد مقتل الرئيس ديبي يوم الاثنين"، وقال "إن سفارة الولايات المتحدة في تشاد لا تزال في حالة المغادرة المفروضة اعتبارا من 17 نيسان" (رويترز 20/4/2021). وفي اليوم التالي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية: "إن واشنطن منزعجة للغاية من العنف في تشاد في أعقاب وفاة الرئيس ديبي وتشعر بالقلق من أي شيء يعترض الانتقال الديمقراطي للسطلة هناك.. وإن واشنطن تراقب من كثب الوضع السياسي في تشاد"... فرانس برس 21/4/2021). وهكذا فإن أمريكا تعمل لتقريب موعد الانتخابات وتسمي ذلك بالانتقال الديمقراطي للانتخابات لتهيئة الأجواء لتوصيل المعارضة للحكم وإنهاء النفوذ الفرنسي.

8- لقد أشارت وسائل إعلام عديدة عن علاقة المتمردين التشاديين بقوات حفتر عميل أمريكا، وهي ليست جديدة بل هي من قبل، فقد نقلت رويترز في 12/2/2019 عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان قوله: (واستجابة لطلب من ديبي قصفت طائرات حربية فرنسية قافلة مدججة بالسلاح للمتمردين عبرت الأسبوع الماضي من ليبيا وتوغلت في الأراضي التشادية. وقال لو دريان لأعضاء البرلمان "الرئيس ديبي طلب منا كتابة التدخل لمنع وقوع انقلاب وحماية بلاده"). ولأن هذه الأخطار التي يدفع بها عميل أمريكا حفتر باتجاه تشاد حقيقية فإن فرنسا تنشر قوة كبيرة في العاصمة التشادية للدفاع عن عميلها إدريس ديبي ناهزت خمسة آلاف! ونقلت الجزيرة يوم 22/4/2021 عن مصدر أن "المعارضة المسلحة نقلت معظم معسكراتها من الحدود مع ليبيا إلى داخل تشاد وأن فصائل معارضة من ضمنها المجلس القيادي لإنقاذ الجمهورية التشادية تستعد لمغاردة مواقعها في الأراضي الليبية والانتقال إلى داخل الأراضي التشادية بعد ساعات".

9- ومن هنا يتضح أن تشاد مرشحة إلى احتدام الصراع بين قوات النظام والقوات المتمردة، إذ إن الطرفين مرتبطان بقوى أجنبية استعمارية متنافسة وهما فرنسا وأمريكا، فالممسكون بالسلطة ليس بالسهولة أن يتنازلوا وهم يرون أن مصيرهم مهدد وأن وراءهم دولة استعمارية كفرنسا تدعمهم من أجل المحافظة على نفوذها واستعمارها في بلادهم، فهي عامل مساعد لهم للدفاع عنهم في سبيل خدمتهم لمصالحها الاستعمارية في وسط وغرب أفريقيا، بينما المتمردون الطامعون في الوصول إلى السلطة تدعمهم دولة استعمارية كأمريكا تسعى لبسط نفوذها في تشاد والمنطقة. فبلاد المسلمين ساحة صراع بين المستعمرين، وأبناؤهم وقود لنار هذا الصراع، وثرواتهم تذهب للمستعمر، ويبقون يعانون الفقر والحرمان وتفشي الأمراض. ولا خلاص للمسلمين في تشاد الذين يكتوون بنار الصراع الدولي على بلادهم، إلا بتحرك المسلمين في شمال أفريقيا والسودان لإقامة حكم الإسلام في بلادهم وتوحيدها ومن ثم التحرك نحو بلاد أفريقيا الأخرى لتحريرها بلدا بلدا من ربقة المستعمر. فوجب على المسلمين نصرة العاملين من أبنائهم المخلصين الواعين والساعين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

في الثالث عشر من رمضان 1442هـ

25/4/2021م

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: الصيام الجنة والإمام الجنة

 جريدة الراية: الصيام الجنة والإمام الجنة

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

لقد جعل الله هذه الأمة أمة واحدة وشرع لها عوامل وحدتها، يقول رب العزة في كتابه العزيز: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾، فأكرمها بالإسلام العظيم وجعل له أركانا وأسسا... وإذ أطل علينا هذا الشهر الكريم، شهر رمضان وباعتباره من الخمس التي بني عليها الإسلام فكان عبادة استحقت أن يتولى الله عز وجل تقدير الأجر عليها لأن ثوابها عظيم إن تمت على وجهها. يقول عز من قائل في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ويقول المصطفى : «الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا». ومعنى جنة أي سترة ووقاية وحصن حصين من النار.

ولأن الصيام يكسر الشهوة ويضعفها فقد قيل: "إنه لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين".

والصيام يهذب النفس ويغذي الروح ويقيها شر المهالك.

جنة تدفع عن صاحبها عذاب جهنم في الآخرة وتحجزه عن كل ما يمكن أن يورده النار يوم الحساب. وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنْ النَّارِ»، وللنسائي من حديث عثمان بن أبي العاصي: «جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْقِتَالِ»، وللطبراني عنه أيضا: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ»، وللبيهقي: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ».

والجنة إذ وردت في الحديث الذي رواه أبو هريرة في صحيح البخاري بموضوع الصيام فقد وردت أيضا في حديث رسول الله الذي رواه أبو هريرة أيضا في صحيح مسلم عن الإمام الذي يحكم بما أنزل الله إذ قال: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».

فالله تعالى جعل الإمام جنة؛ أي وقاية وحفظاً، يتقى به من الأعداء ويحافظ به على بيضة الدين ويأمن المسلمون شر عدوهم. فبتطبيقه الإسلام نظام حياة يتحقق قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. وبالإمام يُلم شعثُ المسلمين ويجمع شملهم وتتوحد كلمتهم... فهلا كان اهتمام المسلمين بالإمام كاهتمامهم بالصيام؟!

فهلا تذكر المسلمون حاجتهم للإمام عند استقبال رمضان ووداعه وحاجتهم لمن يعلن لهم ثبوت رؤية الهلال؟ هلا اهتم المسلمون بتنصيب الإمام والذي جعله الله فرضا كالصيام وجعل دعوته مستجابة كما الصائم؟ روى المنذري من حديث رسول الله : «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».

وانظر رحمك الله ما جاء في كتاب "العقد الفريد - الجزء الأول":

(كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه الحسن رحمه الله‏:‏ "اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها الذي يرتاد لها أطيب المراعي ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع ويكنها من أذى الحر والقر‏.‏

والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته‏.‏

والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها؛ حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلاً تسهر بسهره وتسكن بسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته‏.‏

والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم‏.‏

والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده.

والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم‏.‏

فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله‏.‏

واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها؟‏!‏ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم‏؟!‏ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر‏.‏

واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت فيه يطول فيه ثواؤك ويفارقك أحباؤك يسلمونك في قعره فريداً وحيداً‏.‏ فتزود له ما يصحبك ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ‏ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾ واذكر يا أمير المؤمنين ‏﴿‏إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ *‏ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾‏، فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها‏.‏

فالآن يا أمير المؤمنين وأنت مهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل‏.‏

لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة فتبوء بأوزارك وأوزارٍ مع أوزارك وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك‏.‏

ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك‏.‏

ولا تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم‏.‏

إني يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي فلم آلك شفقة ونصحاً فأنزل كتابي إليك كمداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة‏.‏

والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته‏).

والله نسأل كما بلغنا رمضان أن يتقبله منا وأن يبلغنا إقامة الإمام العادل بخلافة على منهاج النبوة وأن يستثمر أهل الشام الفرصة التي أتتهم فيعملوا لها جادين فيفوزوا في الدارين وتنتهي آلامهم وآلام المسلمين ومحنتهم وما ذلك على الله بعزيز

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾

بقلم: الأستاذ عامر السالم

جريدة الراية: إعلان إسلام أباد الأمني استراتيجية للتنازل عن ثوابت الأمة ومقدراتها

 جريدة الراية: إعلان إسلام أباد الأمني استراتيجية للتنازل عن ثوابت الأمة ومقدراتها

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

منذ افتتاح الرئيس الباكستاني عمران خان لمؤتمر (إسلام أباد الأمني: معاً من أجل أفكار 2021) وخطابه فيه، وما تبعه في اليوم التالي من خطاب لقائد الأركان الجنرال خان في 17 من آذار/مارس 2021م، منذ ذلك اليوم ولغاية يومنا هذا، يسير النظام بشقيه السياسي والعسكري بخُطا حثيثة لتنفيذ ما جاء في المؤتمر، وخصوصا ما جاء في خطاب الرجل الأول والحاكم الفعلي في النظام، قائد المؤسسة العسكرية الجنرال باجوا، الذي بدأ النظام بقيادته بالحوار المباشر مع الهند، فذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية: "إن قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا بدأ محادثات مع الهند في إطار التحضير لاجتماع مرتقب بين رئيسي وزراء الدولتين الجارتين، وفقا لما ذكرته ثلاثة مصادر على دراية مباشرة بالأمر"، وهذا يؤكد على جدية النظام وعزمه على دفن الماضي والحاضر والمستقبل وكل المبادئ والقيم الإسلامية الرفيعة التي يحملها المسلمون في هذا البلد الطاهر، ومن معالم ودلالات هذه الالتزامات الجديدة التي أعلن عنها في المؤتمر الأمور التالية:

أولا: على الرغم من أن باكستان بلد مسلم نشأ باسم الإسلام، إلا أن حكامه لا يعترفون بدين الإسلام، والاعتراف هنا ليس مجرد مادة شكلية في دستور يتبدل ويتغير بحسب الحاجة والمصلحة وبحسب الظروف السياسية المحلية والإقليمية والعالمية، بل الاعتراف الحقيقي يقوم على الإيمان بالإسلام كمصدر وحيد لجميع أفعال النظام وسياساته واستراتيجياته، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى قد نفى الإيمان عن أية جهة تتخذ غير الإسلام مرجعا لها، حيث قال سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، إلا أن النظام لم يرد هذا الأمر لله وللرسول ولأولي الأمر ممن يفقهون كتاب الله وسنة نبيه ، وارتضى أن يتبع خطوات الشيطان، بعرض السلام مع الدولة الهندية المحتلة لكشمير والمغتصبة لعموم أرض الهند والملطخة يداها بدماء آلاف المسلمين.

ثانيا: إن هذه الاستراتيجية الجديدة لم تعكس توجهات الشارع في البلاد الإسلامية ومنها باكستان، فالأمة الإسلامية لا تقبل بدفن الماضي مع عدوها الذي نكّل بها وما زال، ولم تفوّض عنها حكاما رويبضات يتنازلون عن حقها في كشمير وفي الثأر لدماء المسلمين، ولم تفوّض عنها من يعترف بالدولة الهندية أصلا، فهذه الدولة غير شرعية مغتصبة لأراض إسلامية حكمها الإسلام لقرون، وحالها كحال دولة يهود المحتلة للأرض المباركة فلسطين، فكيف بمن يعترف بها وبحقها بكشمير، جنة الله على الأرض؟!

ثالثا: إن إعلان الجنرال باجوا عن هذه الاستراتيجية فيه دلالة على جدية النظام في تنفيذها، فالنظام يريد أن يرسل رسالة جدية للهند من خلال الرجل الأول فيه وليس من خلال واجهته عمران خان، بأن الضامن لمبادرة السلام معها هو القوة في البلد أي الجيش الحاكم الفعلي وظهر ذلك من خلال التأكيد على ملاحقة المقاومة في كشمير ومن يساندها في باكستان وكتم الأصوات التي تخالف هذه الاستراتيجية، وتمثل ذلك جليا في تحويل جهاز الاستخبارات الباكستانية (ISI) من حفظ أمن البلاد على الحدود الخارجية إلى ملاحقة المعارضين للنظام وملاحقة المقاومة ضد الهند في كشمير، وأمريكا في أفغانستان، وهذه سياسة الدول البوليسية ومن أساليبها، فالنظام عرض وما زال يعرض شراء ذمم الضباط والوجهاء بإعطائهم الامتيازات والعقارات والأراضي، لشراء ولائهم له وسكوتهم عن خياناته، وهو في الوقت نفسه يقمع ويسجن ويهدد كل جندي وضابط عنده حمية للإسلام وكرامة وعزة وإباء الفارس المسلم، لذلك فإن طريقة تنفيذ النظام لهذه الاستراتيجية تقوم على سياسة العصا الغليظة والجزرة العفنة التي يلهث وراءها كل جبان ورخيص.

رابعا: لقد كانت كلمة فرعون باكستان باجوا في المؤتمر مكتوبة وكذلك الأسئلة والأجوبة، وإنها ليست من نصائح المؤسسات البحثية الاستراتيجية في باكستان وتوجيهاتها، ما يعني أنها ليست للنقاش والتداول، فقد كان يعلم مسبقا أنها لن تحوز على تأييد الحضور من الضباط المخلصين وكثير من السياسيين والوجهاء، فكان ينوي فرض هذه الاستراتيجية على أهل البلد وعلى الحضور، ولم يسمح لأحد بالاعتراض، وهذا يدل على أن هذه الاستراتيجية إما أن تكون من بنات أفكاره لوحده، وربما يكون معه مدير المخابرات العامة فيض حميد وهو الرجل الثاني في النظام، والذي سيكون له دور محوري في تنفيذ الاستراتيجية، بفرضها على الناس وقمع المخالفين لها، وإما أن تكون أُعطيت له من مكتب أمريكا الخاص الموجود في قيادة الأركان GHQ))، وذلك لأن هذه الاستراتيجية لا تخدم إلا مصالح أمريكا في المنطقة من خلال تقوية الهند الموالية لها، وتريد أمريكا استغلال الهند في مواجهة الصين. للأسف الشديد، فإنه على الرغم من أنه كان هناك غمز ولمز في الاجتماع إلا أنه لم يجرؤ أحد من الحضور أن ينكر عليه خيانته.

خامسا: إن استراتيجية باكستان الجديدة تحول خطير في سياستها، وهي بحق أخطر من مشاركة النظام مع أمريكا في حربها على الإسلام واحتلال أفغانستان، فهي استراتيجية تقوم على تعزيز قوة الهند في المنطقة من خلال استسلام باكستان لمطالب أمريكا، وتقوم على تقليص قوة الجيش وتفكيك الأسلحة النووية لاحقا، وسيتبعها التطبيع مع دولة يهود بعد أو قبل التطبيع مع الدولة الهندوسية، وهذه الاستراتيجية هي بحق دمار شامل للبلد المسلم، الذي تعوّل عليه الأمة وعلى مقدراته العسكرية والاقتصادية، لذلك يجب أن يتم التعامل معها من جميع شرائح المجتمع وعلى رأسهم الجيش على أنها "تسونامي" يريد أن يعصف بهذه الأمة، ويجب ألا تنطلي على الناس أكذوبة أن هذه الاستراتيجية هي من أجل توفير الأمن والازدهار الاقتصادي لهم، فمن الذي يهدد أمن الناس غير الدولة نفسها وأجهزتها الفاسدة التي تعتاش على الرشاوى والأتاوات؟! وأي اقتصاد يتحدثون عنه، وهم يعزمون على فتح أسواق باكستان أمام التجارة الهندية، كما فتحوها أمام الاقتصاد الصيني من قبل؟! ويمنعون الناس من التصنيع والاختراع والابتكار، من خلال فرض الجمارك الباهظة على المعدات التي تحتاجها الصناعة، ولا يفتحون لهم الأسواق لتصدير البضائع بأسعار منافسة؟! فعن أي اقتصاد يتحدثون والحكومات المتعاقبة تضاعف الضرائب على الاقتصاد، وتتنافس في فرض مزيد من أشكال الضرائب على الناس، حتى أُغلقت أكثر المصانع والورش في البلاد؟! ثم ما هو ثمن الازدهار الاقتصادي المزعوم؟! هل هو بالتنازل عن معتقدات الأمة وقيمها ودفن كرامتها في التراب؟!

إن مسئولية إنكار هذا المنكر هي مسئولية جميع المسلمين، وخاصة الجيش الشريحة الأكثر تأثيرا، وذلك لأن هذه الخيانة جاءت من قيادتها وهي مسئولة عن تطهير صفوفها بنفسها، ولأن واجب الإنكار يقع على عاتق الشريحة التي تستطيع التغيير وليس مجرد الإنكار بالقلب أو باللسان، والذي لا يُقبل إلا من العاجز عن التغيير باليد، فلا يطلب من عامة الناس أكثر من الإنكار باللسان، وقد فعلوا ذلك مرارا وتكرارا، وها هي الشعوب الإسلامية التي خرجت عن بكرة أبيها في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن لم تتمكن من الإطاحة بالأنظمة العميلة؛ لأن جيوشها لم تقف معها وخذلتها، فتمادت تلك الأنظمة في غيها وأهلكت الحرث والنسل. لذلك يطلب من الجيش التغيير باليد، فهم قوة الأمة ودرعها وسندها، ومن سيحقق التغيير إن لم يقوموا هم بواجبهم؟! يجب أن تتظافر جهود عامة الناس مع جيوشهم للإطاحة بهذه الأنظمة، وهذا ما أرشدنا إليه الرسول القائل: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ فَأَخَذَ فَأْساً فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ» البخاري. لذلك يجب الأخذ على أيدي هذا النظام بشقيه العسكري والسياسي قبل فوات الأوان وقبل أن تغرق السفينة بنا جميعا، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء أهل القوة والمنعة النصرة لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فبالخلافة وحدها يتم إنقاذ باكستان من المؤامرات الأمريكية والهندية، وبها يعود الإسلام حاكما واحدا على شبه القارة الهندية جميعها، وبها يرضى عنا ربنا فيدخلنا الجنة ويجنبنا النار، وبها وحدها تعود مقدرات الأمة لأهلها وليس لأعدائها المتربصين بها وبثرواتها الهائلة، فتنعم الأمة برضا ربها وبالثروات التي خلقها الله لها.

بقلم: الأستاذ بلال المهاجر – ولاية باكستان

جريدة الراية: أسباب غياب الرد الإيراني على اعتداءات كيان يهود المُتكرّرة

 جريدة الراية: أسباب غياب الرد الإيراني على اعتداءات كيان يهود المُتكرّرة

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

مُنذ ما يزيد على عشر سنوات ودولة يهود تُصعّد من اعتداءاتها ضد المصالح الإيرانية المختلفة وتتمادى في توسيع نوعية الأهداف المستهدفة عاماً بعد عام، فيما تكتفي إيران في ردّها على تلك الاعتداءات المتكرّرة بالتصريحات الكلامية الخالية من أي مفعول والمماثلة لتصريحات حكام سوريا التي تُردّد باستمرار الأسطوانة المشروخة التي تزعم بأنّها تحتفظ بحق الرد على العُدوان في المكان والزمان المناسبين.

لقد بدأ مُسلسل اعتداءات دولة يهود ضد إيران منذ العام 2010 حينما تمّ إدخال فيروس يُسمّى (ستوكسنت) على أنظمة الحواسيب الإيرانية المتعلقة ببرنامجها النووي، وأدى إلى إعطاب بعض أجهزة الطرد المركزية في المفاعلات النووية.

ثمّ شرعت دولة يهود بعد ذلك باستهداف علماء الذرة الإيرانيين فقتلت خمسة منهم، وكان آخرهم مُحسن فخري زاده، وهو أكبر خبير نووي إيراني يعمل في صفوف الحرس الثوري الإيراني، والذي اغتالته - وفقاً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين - بطريقة مُركبة ومُعقدة ومُتطوّرة العام الماضي.

وتخلّل تلك الفترة سرقة مُخابرات كيان يهود لنصف طن من الوثائق والمستندات من داخل مُفاعل نطانز النووي، ثمّ قامت استخباراته خلال السنتين الماضيتين باستهداف 12 سفينة إيرانية تمّ إعطابها أو تخريبها.

وأخيراً تمّ استهداف أجهزة الطرد المركزية في منشآت المفاعل النووي في نطانز من خلال تخريب مصدر الطاقة الكهربائية الذي يُزوّد التيار الكهربائي للمفاعل بانفجار غامض تسبّب في تعطيل أجهزة الطرد المركزي في المنشأة النووية.

هذا بالإضافة إلى قيام طائرات كيان يهود بالاعتداء على المواقع العسكرية التابعة للمليشيات التابعة لإيران في سوريا بشكلٍ مُستمر شهرياً أو أسبوعياً.

وما يُحيّر المرء في غياب الرد الإيراني على كل هذه الاعتداءات المتكرّرة ما يتم من خلاله من تذرّع بحجج واهية لذلك الغياب، كالقول بأنّ إيران تحتفظ بحق الرد، أو القول بأنّها استفادت من عدوان كيان يهود المستمر عليها بأنّها سترفع نسبة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%! أو القول بأنّ الرد الإيراني سيتأخر وفقا لخطط إيرانية مزعومة تتعلّق بنظرية الصبر الاستراتيجية، وما شاكل ذلك من تلك الحجج والذرائع الانهزامية الفارغة الواهية!!

وبينما تتبجّح إيران بقدراتها العسكرية القوية، وتتفاخر بأنّها احتلت أربع عواصم عربية، وتدعم مليشيات الحوثي في اليمن في استمرار قصفها للمطارات والمنشآت السعودية، وبينما تُشارك قواتها بشكل مباشر في ذبح وتهجير الشعب السوري من بلداته، وتستمر في دعم وإسناد الطاغية بشّار الأسد في قتل شعبه وتهجيره، وبينما تواصل دعم حزبها في لبنان وما قام به من مجازر في سوريا كتفاً إلى كتف مع قوات بشار ضد المستضعفين في سوريا، وما يقوم به هذا الحزب المشؤوم من تغوّل وإفساد جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، فبينما تفعل إيران ذلك الإجرام كله ضد الشعوب المستضعفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن بكل عنجهية واستكبار، تقف عاجزة وبشكل مخجل أمام غطرسة دولة يهود التي تستمر قواتها وأجهزة استخباراتها في ضرب المصالح الإيرانية بلا هوادة وفي كل مكان! ولا تكتفي بذلك وحسب بل إنّها تتوعد وتهدد بمنع عودة الاتفاق النووي الذي عقدته الدول الكبرى مع إيران والذي وُقّع في العام 2015.

إنّ الأسباب الحقيقية لعدم الرد الإيراني على اعتداءات يهود المتكرّرة يعود في الواقع إلى كون إيران دولة فاقدة لاتخاذ القرار المستقل، وتخشى إن هي قامت بالرد على تلك الاعتداءات أن تخسر مصالحها الضخمة التي اكتسبتها من سيرها في خدمة المخططات الأمريكية في المنطقة طوال الأربعين عاما الماضية، إذ إنّ أمريكا التي مكنتها من أخذ العراق كما قال سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الأسبق بأنّ: "أمريكا قدّمت العراق لإيران على طبقٍ من فضة"، وكما مكنتها من أخذ سوريا واليمن ولبنان، لا يُتصور أنْ تخالف أوامرها وتقوم بالرد على ضربات دولة يهود، فأمريكا تمنعها من ذلك، ولذلك فإيران لا تستطيع مخالفة السياسة الأمريكية، لأنها تخشى إن هي فعلت ذلك أنْ تفقد جميع نفوذها ومصالحها، أو ربما تفقد دولتها ووجودها.

فالأسباب الحقيقية لعدم رد إيران تكمن حقيقة في ارتهان قرارها السيادي لأمريكا التي لا تسمح لها بالرد على عدوان دولة يهود عليها، لذلك فهي تتحمّل كل تلك الإهانات الناتجة عن استمرار اعتداءات يهود عليها بسبب ارتباطها الوثيق بالتنسيق السياسي والعسكري المحكم مع أمريكا.

ولولا هذا التنسيق لما كان لإيران كل هذا النفوذ على هذه الدول العربية، ولولا هذا التنسيق أيضاً لما تمكنت أمريكا من احتلال أفغانستان والعراق.

إنّ ما تقوم به إيران من أعمال قذرة مبطنة في خدمة المصالح الأمريكية، وفي السكوت على عدوان كيان يهود المتكرر عليها، يكشف مدى الخيانة التي يرتكبها حكام إيران بحق الأمة، ويفضح حجم دورهم التآمري في المنطقة منذ أنْ جيء بالخميني حاكماً لإيران وذلك بفضل تحييد أمريكا للجيش الإيراني الذي مُنع من اعتقاله آنذاك، حيث لعب الجنرال الأمريكي هويزر قائد القوات الأمريكية في الشرق الأدنى في ذلك الوقت الدور الأكبر في منع الجيش الإيراني التابع للشاه من التصدي للخميني، وهو ما أدّى إلى نجاح ثورة الخميني في العام 1979 ووصوله إلى السلطة، وشهد وقتها على ذلك شاه إيران بقوله: "هكذا أخرجتني أمريكا من إيران وألقتني كالفأر الميت".

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: المستجدات حول معركة مأرب في اليمن

 جريدة الراية: المستجدات حول معركة مأرب في اليمن

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

بدأت معركة مأرب في شباط/فبراير 2020م، حيث بدأ الحوثيون عملياتهم العسكرية للسيطرة على المحافظة وكانت قوات هادي في موقع الدفاع، وزادت ضراوة المعركة حول المدينة منذ بداية 2021م، حيث تقدم الحوثيون صوب المدينة من جبهات عدة أهمها صرواح.

فعلى الصعيد العسكري الميداني فإن المتابع لسير المعارك يلاحظ تقدماً لقوات الحوثي مع وجود خسائر كبيرة في المقاتلين حيث يضحى بمئات القتلى في سبيل السيطرة على المدينة الغنية بالنفط، فيما خسر الطرف الآخر أيضا الكثير من مقاتليه ومنهم قيادات عسكرية معروفة من مثل قائد قوات الأمن المركزي عبد القوي شعلان، وظهرت صور للمقاتلين الحوثيين بالقرب من سد مأرب.

عملياً تميل الكفة في المعركة لصالح الحوثيين فيما تقف قوات هادي موقف المدافع، وقد عملت قوات هادي لتخفيف الضغط على مأرب فقاموا بتحريك جبهة تعز وجبهة حجة ولكن لم تلبث أن هدأت.

أما على الصعيد السياسي: فقد بدأت مفاوضات أمريكا والحوثيين، حيث ذكرت رويترز: "قال مصدران مطلعان إن مسؤولين أمريكيين كبارا عقدوا أول اجتماع مباشر مع مسؤولين من جماعة الحوثي اليمنية في سلطنة عمان، مع سعي الإدارة الأمريكية الجديدة إلى وضع نهاية للحرب اليمنية المستمرة منذ ست سنوات".

ونقل موقع روسيا اليوم: "أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن مبعوث واشنطن الخاص لليمن تيموثي ليندركينغ سيتوجه إلى الشرق الأوسط اليوم في جولة للترويج لهدنة واتفاق سلام في اليمن.

وأشارت وزارة الخارجية إلى أن المبعوث الأمريكي سيعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في البلدان التي سيزورها لبحث الجهود الدولية لوقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق سلام في اليمن. وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد أعلن في تغريدة على "تويتر" يوم الخميس، التزام واشنطن بالمضي قدما من أجل تحقيق السلام في اليمن، وجاء ذلك عقب اتصال هاتفي أجراه مع رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك سعيد". (روسيا اليوم، 25/3/2021).

وعلى الصعيد نفسه لم تتوقف تحركات المبعوث الأممي البريطاني الجنسية مارتن غريفيث بين مسقط والرياض، وأيضا تحركات السفير البريطاني لليمن مايكل أرون للتواصل مع حكومة هادي وقيادة الانتقالي وطارق صالح، وله تصريحات ضد الحوثيين؛ فتارة يتهم الحوثيون "بإطالة أمد الحرب" حسب موقع إندبندنت عربية 22/4/2021م، وتارة يصف السفير الإيراني في صنعاء بأنه "غير شرعي". (موقع الآن 24/3/2021)

أهمية مأرب: تقع محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء وعلى مسافة 170كم، وفيها اكتشف أول حقل نفطي، حقل صافر ويمتد منه أنبوب النفط الخام إلى رأس عيسى في محافظة الحديدة، كما يمتد منه أنبوب الغاز الذي يضخ إلى ميناء بلحاف الدولي بمحافظة شبوة، وتوجد بالمحافظة المحطة الغازية التي تغذي العاصمة صنعاء وبعض المحافظات بالطاقة الكهربائية، وتبلغ مساحة المحافظة 17405 كيلومترا مربعا تتوزع في 14 مديرية.

تكمن أهمية السيطرة على محافظة مأرب:

أولا: من حيث إنها تمثل آخر معاقل عملاء بريطانيا في شمال اليمن، حيث تتركز فيها القوات التابعة للمجرم علي محسن الأحمر ومعظم قيادات حزب الإصلاح (الإخوان) ومقاتليه.

ثانياً: الثروة النفطية الموجودة في المحافظة؛ ففيها القطاع 18 بمنطقة مأرب/ الجوف بإنتاج سنوي وصل عام 2006م حوالي 25.1 مليون برميل يوميا وبنسبة 19% من إجمالي الإنتاج

فمعركة مأرب مصيرية لكلا الطرفين؛ لعملاء بريطانيا المتمثلين بما يسمى الشرعية، ولعملاء أمريكا مليشيا إيران في اليمن الحوثيين.

والملاحظ أن حسم المعركة لأحد الطرفين ليس بالأمر السهل الهين لأن الجميع سوف يستميت، فبريطانيا سوف تعمل بشتى الوسائل الممكنة وقد تستخدم الاتحاد الأوروبي معها وخصوصا أن في محافظة مأرب وما حولها كشبوة شركات نفطية نمساوية (omv) وشركة توتال الفرنسية العملاقة في بلحاف، وسوف تعمل على التشويش على أمريكا. ومن ضمن الأوراق تحريك جبهات أخرى مثل جبهة الضالع وتعز والساحل الغربي وحجة لغرض إيقاف تقدم الحوثيين صوب مأرب، ولكن في المدى المنظور يشاهد إصرار أمريكا على أخذ المدينة من بريطانيا.

أما أمريكا فهي مصرة على دخول مأرب وربما حوار مسقط بين المبعوث الأمريكي والحوثيين والسعودية لغرض إعطاء أدوار محددة لعملائها السعودية وإيران في اليمن كون وجود السفير الإيراني في صنعاء أوجد نفوذاً قوياً لإيران في اليمن بسبب قربه من القيادات الميدانية الأمنية للحوثيين، وقد برزت بشكل ظاهر أجنحة داخل جماعة الحوثي القادمين من معقل الجماعة صعدة والمنتمين للجماعة من خارج صعدة من صنعاء والمناطق الوسطى، فالتصفيات بينهم أكثر وضوحاً الآن.

فمحافظة مأرب ومحافظة الحديدة مهمتان جداً في الصراع القائم بين عملاء الغرب في اليمن.

ومن الملاحظ أن المنظمات الدولية التي ولولت عند تقدم عملاء بريطانيا صوب محافظة الحديدة نراها اليوم صامتة على غير عادتها كون أمريكا تقف وراء معظم هذه المنظمات، وبالرغم من نباح الإنجليز لوقف تقدم الحوثيين ودعوة بعض الأصوات لوقف المعركة ولكن إلى الآن لم تتوقف المعركة لأن الأصوات ضعيفة، وللعلم فإن النازحين في مأرب يختلفون عن بقية النازحين في المحافظات الأخرى فمعظمهم سياسيون من حزب الإصلاح هربوا من سطوة الحوثيين ولكن لا يعني هذا أن دماءهم ومعاناتهم مهدورة بل لنضع القارئ أمام وصف قريب للواقع.

إن الحرب في اليمن دخلت عامها السابع، سبعة أعوام من القتل والفقر والظلم بسبب حكام أشقياء سفهاء عملاء لأمريكا وبريطانيا، لا يهمهم معاناة الناس بل كل همهم الوصول إلى كرسي الحكم ليكونوا عبيداً للكفار ينفذون مخططاتهم، إننا ندعو أهلنا في اليمن إلى نبذهم بل والزج بهم في السجون لينالوا بعض ما عملته أيديهم، وإن دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله التي يعمل لها حزب التحرير لقادرة بإذن الله على رفع الظلم وإحقاق الحق، فندعوكم للعمل معنا. قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.

بقلم: الأستاذ عبد الهادي حيدر – ولاية اليمن

جريدة الراية: كلمة إلى جيوش الأمة وأهل القوة والمنعة في شهر رمضان المبارك

 جريدة الراية: كلمة إلى جيوش الأمة وأهل القوة والمنعة في شهر رمضان المبارك

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

من الأرض المقدسة، من الأرض التي بارك الله فيها - فلسطين - ومع قدوم هذا الشهر العظيم أخاطب أمتي وجيوشها وأهل القوة والمنعة فيها، وأذكّرها بالفرض العظيم؛ تاج الفروض كلها؛ إقامة الخلافة على منهاج النبوة، صوت أرفعه ليطرق مسامعكم، ويناشد مدافعكم، ويستصرخ خيرية من الله اجتباكم بها وسيسألكم عن حقها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

يا جيوش الأمة وأفلاذها، يا جيوش الأمة وأجنادها، يا حماة الديار وأمدادها: إن الذي كتب عليكم الصيام هو الذي كتب عليكم القتال سبحانه وتعالى، وإن الذي أنشأكم وخلقكم هو الذي أمركم بعبادته وتعبيد الأرض له، بإعلاء كلمته وإظهار دينه، وحماية مقدساتكم ونصرة المظلوم، وقد تكفل تبارك وتعالى بنصركم.

 أما سمعتم قول الله سبحانه تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾؟!

أما سمعتم قول رسول الله : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ»، وقوله: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ»؟!

يا جيوش أمّتي.. يا أهل القوة والمنعة فيها: أما علمتم أن المسجد الأقصى أسير أسيف بيد يهود؟! أما آن أن تحرككم صيحات المستغيثين، وتلهبكم آهات المكلومين؟! أما وصلتكم أنباء أمتكم، ألا تسمعون من على الشاشات أصوات المنكوبين؟! أما تحرقت قلوبكم لدموع المضطهدين؟! أما هزتكم أعراض تنتهك، وحرائر تستصرخ، وأطفال ترتجف من البرد وتموت من الجوع وتوأد تحت الركام؟! ألن تشتعل غيرتكم؟! ألن تحيا فيكم خيريتكم؟! ألن تتقوى عزيمتكم للحق بعقيدتكم؟!

أكان وجودكم لحماية عروش الخونة أذناب عدوكم، وحراسة حدود وطنية وهمية ابتدعها الاستعمار، وطاعة أوامر عبيد أمريكا وأوروبا وروسيا؟! ألن تعلنوها مدوية في وجه الظالمين: نحن لله وبالله ولدينه ننتصر؟! ألن تعلنوها مدوية ويلاً وثبورا لكل أفاك أثيم ومعتد مريب وخائن لعين؟!

ألن تعلنوها مدوية؛ هي خلافة راشدة على منهاج النبوة، ونحن لها الجند والسند والعترة؟! ألم تشتاقوا لصلاة في المسجد الأقصى المبارك تحت رايات النصر والإسلام العزيز؟! ألم يئن الأوان لإغاثة إخوتكم في أرجاء الأرض وهم يعذّبون وبكم يستنصرون؟! أتخافون على أنفسكم الموت؟! ألا فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب الشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون. أتخشون عدو الله وعدوكم والله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين؟! أتظنون بالله أنه خاذلكم إن عقدتم العزم على نصرة دينه والمظلومين والله عز وجل يقول لكم: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ ويقول سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾؟!

يا أهل القوة والمنعة في أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه: إن حزب التحرير بإمرة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة يدعوكم لنصرته ومؤازرته في إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بها عزكم ومرضاة ربكم والقضاء على عدوكم، فأجيبوا داعي الله إذا دعاكم لما يحييكم. وهذا الشهر العظيم ميدان للمتنافسين، فتنافسوا إلى نيل رضوان الله وإعلاء راية الإسلام، فكل أرض الله تتوق وعطشى إلى رحمة الإسلام وعدالته، فأين المشمرون؟!

بقلم: الأستاذة فدوى محمد – الأرض المباركة (فلسطين)

جريدة الراية: ما الذي يعنيه فصلُ الدين عن الدولة في بلاد المسلمين؟ جـ2

 جريدة الراية: ما الذي يعنيه فصلُ الدين عن الدولة في بلاد المسلمين؟ جـ2

 

16 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 28 نيسان/ابريل 2021مـ

2- نظرة واعية في ثورات الشعوب المسلمة، ونقاش هادئ مع أصحاب الدولة المدنية والمطالبين بها في بلاد المسلمين.

يُروِّج اليومَ كثيرٌ ممن برزت أسماؤُهم في الساحة السياسيةِ والإعلامية لما يسمُّونه الدولة المدنية، وذلك على خلفية ما حدث ويحدثُ خاصةً في البلاد العربية هذه الأيام من حراكٍ سياسي من أجل التغيير. وقد برز هذا المصطَلح في الشارع من خلال الشعارات في كثير من البلدان الثائرة حتى بـاتَ يتردد في الأوساط الإعلامية والمنابرِ السياسية كخلاصةِ أو مُجملِ ما تريده الشعوبُ المسلمة المنتفِضة.

إن مما هو معلوم من النصوص الشرعية أن الشركَ لا يقتصر على السجود لصنمٍ أو الركوعِ لغير لله أو اتخاذِ شيءٍ مادي رباًّ سواه، بل إن من أعظم الشرك الاعتراض على حكم الله، ولكن الواقع في بلاد المسلمين ينطق بأن الكثيرَ من أبناء الأمة هم اليومَ بلسان الحال معترضون على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية تحت ذرائع شتى ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾، مع أن الإسلام في جوهره يعني الخضوعَ الكامل لحكم الله، وذلك هو عبادة الله تعالى بالاستجابة والاحتكام والامتثالِ لأحكام الشريعة أي لأوامر الله ونواهيه على مستوى الفرد والدولة في كافة شؤون الحياة.

وللتدقيق في المسألة لا بد من تقرير الأمور والحقائق التالية:

أولاً: حقيقة الوعي السياسي: لا وعي سياسي بدون عقيدة سياسية أي قاعدة فكرية، فهي مُرتَكزُه ومُنطلقه. فالوعي السياسي هو النظرة إلى العالم وأحواله من زاوية محددة، ويرتكز دوماً على فكر معين، مؤصلاً ومَتيناً كان أو واهياً وسقيماً. ولكن إذا كان هذا الفكر مبدأً أي فكراً أساسياً مفسِّراً لوجود الإنسان في هذا الكون وفي هذه الحياة، يكون الوعي أرقى وأكثر قوةً وصلابةً وانسجاماً وتأثيراً وإنتاجيةً في الواقع، ومؤهّلاً بالتالي لينتج وينشئ حضارة. فما بالك إذا كان المبدأ مبنياً على العقل موافقاً لفطرة الإنسان معالِجاً لكل مشاكل البشر بشكل مفصل دقيق منبثقٍ منه، كما هو حال الإسلام؟

ثانياً: بطلان الفكر الديمقراطي من أساسه، ويرتكز هذا البطلان على أمرين:

-     سخافة الفكرة القائلة بأن مسألة وجود الخالق مسألة فردية نسبية ينبغي سحبها نهائياً من على طاولة البحث، وبالتالي وجب إقصاء الدين وإبعادُه عن الشأن العام وجعل الشعب أو الشعوب هي التي تقرر في كل شيء. والمستهدَف بهذا القول بطبيعة الحال في بلاد المسلمين هو الإسلام. ومنه زيف مطلب الدولة المدنية المبنية على تلك النسبية وأكذوبة تأجيل الصراع أو الخلاف على أساس المعتقد، التي تفرِّق بين أبناء الوطن الواحد بحسب معتنقي هذه الضلالات! ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾.

-     أما الأمر الثاني فهو نفاق الغرب ولعبة الديمقراطية الزائفة وخرافة سيادة الشعوب في الغرب نفسه فضلاً عن الدول الوطنية في بلادنا والكيانات الهزيلة التي صنعها الغربُ الاستعماري على مقاسه على أنقاض الخلافة لخدمة مصالحه، والتي هي في الحقيقة كيانات كرتونية ديكتاتورية قمعية حتى بتوصيفهم هم، والكل يعلم كيف تجري في بلاد المسلمين عمليةُ "اختيار" نواب الشعب في مجالس خداع الشعوب (البرلمانات) في ظل هذه الأنظمة. ومن ذلك أيضاً كذبة حقوق الإنسان والحرية أو الحريات بمفهوم الغرب التي لا تعني في بلاد المسلمين سوى التفلت والانسلاخ من أحكام الشريعة. فهل الديمقراطية بهذا التوصيف مؤهلة أصلاً لإنقاذ المسلمين من حالة الضياع والتردي والانحطاط الذي هم فيه؟

ثالثاً: بطلان الدولة المدنية التي يعتبرها أصحابها دولةَ العدل والقانون والحرية والمساواة ودولة المؤسسات والعدالة المستقلة وحقوق الإنسان، والتي هي في الحقيقة ليست سوى الدولة العلمانية المتنكرة لنظام الإسلام تحديداً، ولو كره المضبوعون بثقافة الغرب من المعتدلين وغيرهم. إذ هي الدولة التي لا يتقرر فيها الحق من الباطل ولا ما يُنفَّذ فيها من سياسة وقانون في المجتمع إلا وفق ما يقرره الشعب عبر المجالس النيابية بعيداً عن وحي السماء، على افتراض تحقق أكذوبة احترام سيادة وإرادة الشعب! أما مطلب إبعاد الجيش عن السياسة لكي تكون الدولة مدنيةً حقّاً، ففضلاً عن كونه مغالطة قد تؤسس في أذهان السذج من المسلمين لفكرة استعداء الجيش بل ولاستعداء كل من يحمل السلاح من أبناء الأمة وبالتالي قطع الطريق على نُصرة القادرين على التغيير من أهل القوة في المجتمع، فإن هذا المطلب ليس في واقع الأمر سوى خدعة من أصحاب العلمانية، هذا الطرف أو ذاك من المتصارعين على السلطة والنفوذ بحسب التبعية للأجنبي، لكي يتم بهذه الخدعة توظيفُ الإسلاميين في الصراع لخدمة مآربهم في مواجهة خصومهم السياسيين. وقد ثبت عبر التجربة في العديد من الأقطار أن العلمانيين كاذبون، إذ هم يصطفون دوماً مع العسكر أي مع الحاكم الفعلي كلما تحركت الشعوبُ ولو بالكثرة مطالبةً بالعودة إلى مبدأ الأمة وتحكيم الشريعة، والأمثلة من الواقع لا تحصى! وذلك لسبب بسيط هو أن العلمانيين في حقيقة الأمر يحملون مبدأ الغرب عدو المسلمين ويعتنقون باسم التقدم والحداثة منهجَه وأفكارَه ومفاهيمَه عن الحياة، رغم أن كثيراً منهم لا يقرُّون بذلك بل يحسبون أنهم مسلمون يحسنون صنعاً بشعوبهم. كما أن مطلب الدولة المدنية عند نُخبهم المرتبطة بالغرب فكراً وشعوراً يعتمد خدعةَ إبعادِ الدين عن المشهد الثوري مؤقتاً حتى نجاح الثورة أو حتى يسقط النظام بزعمهم، أي إلى ما بعد إزاحة ما يسميه المنتفضون المحتجون في الشوارع العصابة المجرمة أي الطغمة الحاكمة، من عسكريين ومدنيين. والحقيقة المرة هي أن هؤلاء الإسلاميين ظلوا على مدى عقود يُلدغون من الجحر نفسه مرات ومرات ويسقطون في كل مرة في هذا الفخ المميت! وذلك من حيث إن العلمانيين أو الديمقراطيين لا يقرُّون أصلاً للإسلاميين، رغم أنهم شركاؤهم في الحراك الشعبي، بأن الإسلام فيه نظام سياسي أي نظام للحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم وتشريع وقضاء ومنظومة قانونية كاملة لتسيير الشأن العام. والنتيجة هي حتماً أنه سوف يحصل الصدام فوراً بعد "انتصار الثورة" إذا ما انتصرت عندما يبدأ النقاش حول ما ينبغي أن يطبَّق في المجتمع من نُظم وقوانين، كون العلمانيين وهم يحملون فكرَ الغرب، متوهمين أنهم يحملون "أنواراً" وقيماً عالميةً متفَقاً عليها لدى شعوب الأرض كلها بل ومطلوبةً بالفطرة عند جميع البشر، يرفضون بشدة إقحامَ الدين في السياسة، بمفهوم الدين عندهم، ظانين بكل صلفٍ ووقاحة أن ذلك ينسحب على الإسلام أيضاً! وذلك كله على افتراض نجاح الثورة وتمكنِ الحراك الشعبي من إزاحة العسكر وتحقيق الحكم المدني المزعوم. وعندئذ سيرى الإسلاميون بأعينهم أن العلمانيين يستقوون مجدداً بالغرب في مواجهتهم كما في كل مرة، بل وينقلبون على الانفتاح السياسي واللعبة الديمقراطية نفسِها كما أثبتت التجربةُ مراراً عندما يكون الصدام مع الإسلام. وذلك هو ما تقرره أولاً النصوصُ الشرعية، إذ بعضُ أعداء الإسلام أولياء بعض وأنهم لا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمةً، ثم يُثبته بعد ذلك المشاهَدُ على أرض الواقع من التجارب والأحداث!! وعندئذ سيتم إقصاء الإسلاميين سريعاً من اللعبة السياسية، وقد تلغى التعدديةُ السياسية ويُغلق المجال ويخرج الجيش من الثكنات وقد تحدث المذابح في الساحات، ويخرج هؤلاء الإسلاميون الذين كانوا بالأمس شركاء العلمانيين في الحراك من ساحة الصراع والمعركة السياسية مع النظام المدعوم من الغرب دون تحقيق أي هدف، مدحورين مخذولين من جميع الأطراف، لأن واقعهم ببساطة هو كمن دخل المعركةَ بدون سلاح!! ذلك أنهم تنكَّروا للإسلام فتخلى الله عنهم. والنتيجة ستكون حتماً أنه جرى توظيف الإسلاميين بدهاء سياسي بغرض احتواء سخط الجماهير والالتفاف على مطالب الشعب الحقيقية المنقِذة من شرور الغرب وجرى امتصاص الغضب الشعبي وإعادة إنتاج النظام نفسه التابع للغرب ولكن في ثوب جديد! وهذا بالضبط هو ما مِن أجله جيء بالغنوشي ومرسي وبن كيران وأمثالهم عقب حدوث الثورات الأخيرة أو تحسباً لانتفاضات الشعوب في بعض البلاد. وهو في الخلاصة ما يعني توريثَ الشعب البقاء في حالة التبعية والتردي والضياع لعقود آتية، ولكن بجرعة جديدة قاتلةٍ من خيبة الأمل ومن اليأس من إمكانية تغيير الحال!!

[يتبع...]

بقلم: الأستاذ صالح عبد الرحيم – الجزائر