Tuesday, August 31, 2021

جريدة الراية: الديكتاتورية ونظام الحكم في الإسلام

 جريدة الراية: الديكتاتورية ونظام الحكم في الإسلام

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

عند استعراض أنظمة الحكم التي عرفتها البشرية نجدها صنفين:

الأول: نظام حكم أنزله الله على أنبيائه لسياسة الناس بشرعه، ومنه نظام الحكم في الإسلام، قالَ : «كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ»، المشرع فيه هو خالق الكون والإنسان والحياة، المتصف بصفات الكمال المطلق، المحيط بكل شيء علما، فلا يأتيه نقص ولا قصور، وهو التشريع الصالح للبشرية إلى قيام الساعة، وهو تشريع خال من الهوى، وينعم بعدله المؤمن والكافر.

الثاني: نظام حكم من وضع البشر صانعه إنسان هواه لا يفارقه، وأساس تشريعه الهوى، قال تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾، وهو نظام ديكتاتوري، إما بصورة صريحة، باستبداد جهة ما بصلاحيات مطلقة، فهي المشرعة وهي المنفذة ولا تخضع لأي مساءلة، ولا تقبل أي رأي آخر، كنظام الملوك والأباطرة، وإما بطريقة مخادعة تحتال على الجمهور بشعارات مزيفة، وفي حقيقتها هي أنظمة مستبدة، ومنها النظام الرأسمالي الذي يدعي الديمقراطية.

ولتوضيح الصورة نلقي نظرة سريعة مختصرة على مفهوم الديكتاتورية:

فالديكتاتورية هي شكل من أشكال الحكم، يكون فيها شخص واحد أو حزب واحد أو مجموعة صغيرة تمتلك السلطة المطلقة، وهي آتية من اللغة اللاتينية، فديكتاتور تعني تعيين قاض بشكل مؤقت يمنح صلاحيات استثنائية كبيرة من أجل التعامل مع أزمة تمر بها الدولة. وأصبح اصطلاحا يطلق على كل حكم مطلق، يجمع فيه الحاكم كل السلطات؛ التشريع والتنفيذ، فلا يسأل عما يفعل، ولا يسمح بأي رأي آخر. وأطلقته الرأسمالية على كل ما خالف ديمقراطيتها حتى وإن كان نظاما ربانيا.

ومما لا خلاف فيه أن الأنظمة الملكية المطلقة ينطبق عليها المصطلح. ولكن هل النظام الديمقراطي هو نظام ديكتاتوري؟

عند دراسة النظام الديمقراطي بعمق نجد ظاهره ديمقراطيا وحقيقته ديكتاتوريا.

كيف ذلك؟ على النحو التالي:

- يقولون إن الحكم للشعب وأن الشعب هو مصدر السلطات؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، والحقيقة أن الشعب لا يشرع ولا ينفذ ولا يعين القضاة.

وما يجري في الواقع هو عملية انتخابية تكلف المليارات التي لا طاقة للعامة بها، فينبري لها أصحاب رؤوس الأموال الذين يؤسسون الأحزاب وينفقون الأموال الطائلة لسوق العامة بالوعود الكاذبة، وتحت تأثير الإعلام المضلل، حتى غدوا هم الحكام الحقيقيين وأصبحوا هم المتحكمين في التشريع، وكان وصفه بالرأسمالي هو أصدق وصفا له.

- ففي النظام الديمقراطي الرئاسي تجتمع كل الصلاحيات بيد الرئيس وهو وحده الذي يعين مستشاريه ووزراءه وسائر أفراد إدارته ولا علاقة للشعب بذلك.

- وفي النظام الديمقراطي البرلماني، الحزب الفائز هو من يملك كل الصلاحيات وهو الذي يشكل حكومته وينفذ برامجه، وبحكم غالبيته في البرلمان هو الذي يمرر التشريعات التي يريد، ولا علاقة للشعب في كل ذلك، ونواب الشعب ليس لهم إلا التصويت على ما يعرض عليهم من تشريعات هي إحدى خيارات الحاكم الحقيقي رئيسا كان أم حزبا (الدولة العميقة)، فلم تعرف البشرية نظاما مثيلا له في وحشيته وجشعه، يتحكم فيه قلة من الرأسماليين الذي صاغوا التشريعات وحددوا القيم التي تخدم مصالحهم على حساب الأخلاق والإنسانية وسحق الشعوب.

ووفق تعريفهم للديكتاتورية نجد النظام الرأسمالي نظاما ديكتاتوريا بشعا مغلفا بديمقراطية خادعة، ظاهره الرحمة وحقيقته قبح وشقاء وإجرام، فإذا أتت الديمقراطية لهم بربح رحبوا بها، وإن عارضت مصالحهم سحقوها تحت أقدامهم!

وعودا إلى نظام الحكم في الإسلام نجد أنه نظام متميز عن سائر الأنظمة الوضعية؛ فهو ليس نظاما ديمقراطيا الناس فيه هم المشرعون، ولا ديكتاتوريا، بل إنه نظام رباني مأخوذ من الوحي، مما شرعه الله لعباده:

- السيادة فيه للشرع، فالمشرع هو الله وحده، والعقيدة الإسلامية هي أساس دولته، ومنها ينبثق دستورها وسائر قوانينها، وتقوم بسياسة الدنيا وحراسة الدين، تنظر للرعية نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو اللون أو الدين.

- السلطان فيه للأمة، فهي التي تبايع خليفتها فلا يكون خليفة إلا من جاء عن طريقها ببيعة رضا واختيار، قال عمر بن الخطاب في خطبة له "من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا"، وهذا على مسامع الصحابة وإجماعهم.

فلم يعرف التاريخ أرقى من طريقة الإسلام في اختيار الخليفة، فيجب أن يحوز شروط انعقاد واستمرار، منها الإسلام والعدالة والكفاية، ثم شروط أفضلية منها الاجتهاد، ثم شروط جعلية يشترطها المسلمون عليه.

- للخليفة وحده حق تبني أحكام شرعية بناء على قوة الدليل ليسنها قوانين لرعاية الشؤون، وهو واجب الطاعة في غير معصية، وأمره نافذ ظاهرا وباطنا، ورأيه يرفع الخلاف، قال أبو بكر في أول خطبة له "أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

- دولة الإسلام دولة بشرية، فأوجب الله على المسلمين مراقبة الحكام مراقبة فاعلة، تكون الأمة كلها معه في حال إحسانه، وتقف كلها في وجهه وتأخذ على يده في حال إساءته، وتعزله إن لزم الأمر، وتنابذه بالسيف إن أظهر الكفر البواح، وذلك عبر مؤسسات فاعلة منها:

- مجلس أمة يمثل الأمة تمثيلا حقيقيا، ويعبر عن إرادتها، يراقب ويحاسب.

- محكمة مظالم تملك محاكمة الحكام والولاة وتعزلهم إن استحقوا العزل.

- أحزاب حقيقية لها جمهور عريض تراقب وتحاسب الحاكم تعينه في إحسانه وتقوم اعوجاجه.

- القيام بفرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطرا.

- كل ذلك بوعي الجماهير على دينها وحقوقها، وغرس عزة الإسلام في النفوس الأبية، التي لا تنام على ضيم ولا تأخذها في الله لومة لائم.

 أما بالنسبة للشورى في الإسلام فإن الله قد أوجب على الحاكم استشارة المسلمين وجعلها حقا من حقوقهم، ومدحهم على ذلك، قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾.

إلا أن الشورى ليست للتشريع وإنما لأخذ الرأي مطلقا، وتكون على النحو التالي:

- الرأي التشريعي الذي يتطلب اجتهادا في النصوص فيؤخذ فيه بقوة الدليل ولا قيمة لكثرة أو قلة.

- الرأي الفكري والفني يؤخذ فيه برأي أهل الخبرة والاختصاص، ولا قيمة للغالبية، كما وقع في معركة الخندق وفي بدر حيث أخذ الرسول برأي الخبرة الحربية وترك رأيه اعتمادا على الصواب.

- الرأي المتعلق بعمل فيه قضاء مصالح الناس، فيؤخذ برأي الغالبية.

فكانت الشورى منارة هدي واسترشاد، وتأليفا للقلوب وتوحيدا للصفوف، وحفظا للأمة وكيانها ودولتها، وعزة لكل من استظل بظلها. ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾.

بقلم: الأستاذ سعيد رضوان أبو عواد

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: الانسحاب من أفغانستان أسبابه وتداعياته

 جريدة الراية: الانسحاب من أفغانستان أسبابه وتداعياته

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

الانسحاب من أفغانستان ليس وليد إدارة رئيس أمريكا الحالي جو بايدن وإنما تم الحديث فيه في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما حيث أوضح مقال "ڤوكس" أن إدارة أوباما الجديدة ناقشت في عام 2009م ما إذا كان ينبغي زيادة مستويات القوات في أفغانستان بعد ما يقارب من ثماني سنوات من الحرب التي فشلت في إخماد تمرد قوات طالبان التي أطيح بها، وقال بايدن في أحد الاجتماعات إنه من غير المسؤولية إضافة مزيد من القوات في أفغانستان، وأضاف: "نحن نطيل فقط أمد الفشل".

في عام 2015م كتب العديد من الساسة الأمريكيين أن أمريكا خسرت الحرب بالفعل منذ سنوات في أفغانستان وأن المهمة الوحيدة المتبقية هي: "درء الانهيار المحتوم لأفغانستان مؤقتاً" (القدس العربي).

وقبل الحديث عن تداعيات الانسحاب لا بد من بحث أهم أسبابه:

أولاً: الانسحاب الأمريكي من أفغانستان جاء لطبيعة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد استراتيجية (المحافظين) التدخل الأمريكي المباشر في الحروب في البلاد الإسلامية؛ خاصةً ما نتج عن هذا التدخل من إخلال كبير في قدرة أمريكا على المتابعة والمضي قدماً تحت وطأة أزمات وتحديات كبرى، ومن أبرزها:

١- أزمة مبدأ بتخلي الكيان عن حمل المبدأ خارجياً؛ بحيث أصبح الاستعمار غاية بدل كونه طريقة، فضلاً عن إدخال منظومة تشريعات من غير المبدأ داخلياً.

٢- أزمة قيادة العالم وبداية الحديث عن تراجع القيادة الأمريكية للعالم وبروز فكرة تعدد الأقطاب والقوى.

٣- أزمة وحدة المجتمع في أمريكا وبداية التشرذم.

٤- أزمة وحدة القرار السياسي، واختلاف السياسيين بين المؤسسات الأمريكية والأحزاب والشركات.

٥- تحديات مكافحة الإرهاب عالمياً بل وداخلياً (الإرهاب الداخلي) باعتراف بايدن.

٦- مواجهة الصعود الكبير لقوى جديدة نتيجة اختلال النظرة لديمومة القيادة العالمية، واضطرار أمريكا لابتداع استراتيجية القيادة من الخلف بعدما كلفها التدخل المباشر؛ من خلال استخدام الأدوات والعملاء والدول في مقدمة الصراعات والحروب نيابة عن أمريكا وخدمة لها، وإعادة استراتيجية التعاون والشراكة والمشاركة بعد قطيعة في زمن ترامب، وتفعيل دور تلك الأدوات والعملاء بعد استحالة نظرية التفرد العالمي، ومحاولة التفرغ لخطر ممكن قادم وهو صعود قوى دولية أخرى، واستحالة الاحتواء إن تم التأخر، والسكوت عليها مع تراجع مركز أمريكا نتيجة الأزمات.

ثانياً: كلفة الحرب؛ نذكر ما ورد في الأخبار حيث أنفقت أمريكا أكثر من 2 تريليون دولار على الحرب في أفغانستان خلال 20 عاماً، منذ 11 أيلول/سبتمبر 2001م، وأظهرت وثائق أمريكية أن الميزانية التي أُنفقت في أفغانستان تجاوزت الـ300 مليون دولار يومياً، تشمل هذه الأرقام الرئيسية 800 مليار دولار من تكاليف القتال الحربي المباشرة و85 مليار دولار لتدريب الجيش الأفغاني.

وقد كلفت الحرب في أفغانستان أمريكا خسائر بشرية كبيرة، إذ بلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قضوا هناك حوالي 2500 جندي، كما قُتل ما يقارب 4000 متعاقد مدني أمريكي.

كما أودت الحرب في أفغانستان بحياة نحو 69 ألف شرطي عسكري أفغاني و47 ألف مدني، بالإضافة إلى 51 ألفاً من مقاتلي المعارضة، وبلغت تكلفة رعاية 20 ألف ضحية أمريكية حتى الآن 300 مليار دولار.

ويقدر باحثو جامعة براون أنه تم بالفعل دفْع أكثر من 500 مليار دولار من الربا المدرج في المبلغ الإجمالي البالغ 2.26 تريليون دولار،كما يتوقع الباحثون أنه بحلول العام 2050م يمكن أن تصل تكلفة الربا وحده على ديون الحرب الأفغانية إلى 6.5 تريليون دولار. (يورو نيوز).

ونخلص بنتيجة مهمة جداً وهي أن أمريكا أخفقت من ناحية عسكرية بشكل كبير، وهي تعلم أن الأمة الإسلامية أمة جهاد ولا تُغلب في ميادينه، ولكن للأسف لا زالت ضعيفة في ميادين الوعي السياسي، فهي تُخدع وتُضلل وهذا أمر تدركه أمريكا والغرب عموماً، فانتقلت من الهزيمة العسكرية إلى ميادين المفاوضات التي تجيدها، بعد أن قامت بأمور عدة منها قتل كل القادة الذين يرفضون طريق المفاوضات بالاغتيالات والتصفية، وإبراز قيادات جديدة تؤمن بالمفاوضات طريقاً وبالحوار منهجاً، وثمة أمر آخر وهو أن طالبان ورثت من مدرسة باكستان خللاً فكرياً ألا وهو القبول بفكرة الدولة القُطرية؛ لا بل قُزّمت بفكرة الإمارة، وهذه الفكرة خطرة على العمل للإسلام وضَربٌ له، لأن الإسلام لا يُحشر في مكان ويُغلق عليه، ولو سلمنا جدلاً بُحسن التطبيق داخلياً، فكيف يُلغى حمل الإسلام والعمل له خارجياً؛ كحكم الجهاد والعلاقات الدولية وأحكام الحرب والمعاهدات وأحكام دار الإسلام ودار الحرب؟!

ألم تتعلم طالبان حين اعترف الملا عمر بخطأ عدم إعلان الخلافة؟!

ألم تتعلم طالبان من دور باكستان واستخباراتها في البناء والهدم لمصلحة أمريكا؟ ألا تقرأ دورها في كشمير والعلاقة مع الهند وخيانتها لمجاهدي كشمير؟! هل تؤمنون بدور إيران التي أذاقتكم الويلات في إقليم الشمال؟! ألم يعترف قادة إيران بدورهم في احتلال أفغانستان والعراق، وأنه لولاهم لغرقت أمريكا هناك؟ ثم أي ثقة هذه في تركيا ثاني أكبر قوة للأطلسي ودورها في الاحتلال واضح وكذلك دورها مع دول الكفر في محاولة تثبيت النظام العميل وعروضهم المتكررة بحماية المطار؟! أي علاقة تلك مع روسيا المجرمة التي فعلت فيكم الأفاعيل وأقامت عليكم نظاماً شيوعياً مجرماً؟! أي ثقة بأمريكا وقد تعهدتم بعدم المساس بخروجهم والتعرض لمصالحهم وضبط حركة المجاهدين بعد أن أصبحتم أيقونة الجهاد؟! لقد جعلتم لأمريكا من الهزيمة مخرجاً يفتخر به بايدن، وقدمتم لهم التنازلات تلو التنازلات! لقد آن الأوان للفئة المخلصة أن تأخذ على يَـد من سار بطريق المفاوضات، وفي هذا النفق المظلم.

وختاماً: لله الأمر من قَبل ومن بعد، وسينتصر هذا الإسلام على يد فئة حملت الإسلام مشروعاً سياسياً وأبصرت خُبث الغرب وجرائمه وطرائقه، ووعت طريق الحق والتزمت به.

بقلم: الأستاذ حسن حمدان

جريدة الراية : حقائق وعبر من حرب أفغانستان

 جريدة الراية : حقائق وعبر من حرب أفغانستان

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

غالباً ما تُفرز نتائج الحروب الطويلة الكثير من الدروس والعبر، فعلى المرء أنْ يتخيّر منها ما يُستفاد من نتائجها، وملاحظة إسقاطاتها على الواقع، فيضعها في منزلة الحقائق التي تؤخذ منها تلك الدروس والعبر التي تأتي ضمن سياق سياسي وتاريخي مهم، فينتفع بها المجتمع في نهضته واستقلاليته وتحرّره.

وحرب أفغانستان هي مثال جيد لاستنباط مثل تلك الحقائق كونها دارت بين دولة عظمى مستكبرة يساندها فيها تحالفها الدولي والإقليمي المنافق لها من جهة، وبين حركة إسلامية بسيطة متواضعة لم تجد من يساندها سوى شعبها الفقير المسحوق من جهة أخرى.

الحقيقة الأولى: القوى العظمى يمكن أنْ تهزمها قوى صغيرة تمتلك إرادة القتال

إنّ القوى الكبرى المدججة بالسلاح الفتاك المتطور كأمريكا قد تُهزم قطعاً من قوى صغيرة لا تمتلك إلا قليلاً من القوة المادية كحركة طالبان، ولكن قوتها الحقيقية تتجلى بالإرادة والعزيمة والصبر، فانسحاب أمريكا المذل من أفغانستان هو قطعاً نوع من الهزيمة والهروب من قوة بسيطة، وقد اعترف بايدن بذلك فقال بأنه لا يملك خياراً آخر سوى الانسحاب، وأضاف: "ما نراه الآن يُثبت أنّه ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير مجرى الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنّها مقبرة الغزاة".

الحقيقة الثانية: القوى العميلة قوى هشّة سريعة السقوط

إنّ القوى العميلة دائماً ما تكون هشة سريعة السقوط مهما انتفخت بالسلاح والعتاد المقدم لها، لأنها بكل بساطة لا تملك قاعدة شعبية ذاتية تركن إليها، وإنما تمتلك قاعدة خارجية استعمارية، فهي بمثابة قوى مرتزقة غريبة عن جسم الأمة، قوى خانت الله ورسوله، وخانت شعبها وأمتها، وهذا ما يفسر سرعة سقوط الحكومة الأفغانية العميلة، وهروب رئيسها أشرف غاني، تاركا الدولة لمقاتلي طالبان الذين طالما حرض على قتالهم، فجيش غاني لم يُبدِ أية مقاومة تذكر، وتبخرت قواته التي يبلغ تعدادها 300 ألف مقاتل أمام مقاتلي طالبان الذين لا يملكون سوى أقل من نصف هذا العدد.

الحقيقة الثالثة: التمسك بالقوة الفكرية الإسلامية وعدم التنازل عنها سبب رئيس للانتصار والبقاء

إنّ وجود الفكر الإسلامي لدى الحركة - ولو كان محدوداً - والثبات عليه، يعينها على البقاء والصمود، وهو سبب رئيسي للانتصار، وحركة طالبان تداوم على طلب العلم الشرعي، وتعلم أفرادها وتعلم الناس الذين تحت سلطانها شيئاً من الثقافة الإسلامية، وهذا يعتبر من الثبات على الفكر الإسلامي والتمسك به، وعدم خلطه بالمفاهيم الغربية.

وبالمقابل فإن الحركات التي تنازلت عن ثقافتها الإسلامية، وحاولت التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية، ومسايرة الثقافة الاستعمارية بدعاوى التجديد والحداثة، ابتداءً من حركات محمد عبدو وجمال الدين الأفغاني، وانتهاءً بحركة النهضة في تونس، كُلّها فشلت وتلاشت وكان مصيرها الزوال والاندثار.

الحقيقة الرابعة: التشدّق بشعارات الحرية والديمقراطية والتعددية والحداثة وتمكين المرأة وحقوق الإنسان إنْ هو إلا كذبة كبرى في عملية التحرير أو التغيير لا قيمة لها

إنّ إطلاق مثل هذه الشعارات المدسوسة الهدف منها هو عرقلة عملية التحرير، وحرف الحركة عن تحقيق أهدافها، وقد ثبت أنّها مجرد أوهام لا تؤثر على الحركة الجادة التي لم تلتفت إلى مثل هذه الشعارات المكذوبة، وحتى أمريكا في مفاوضاتها مع حركة طالبان لم تأتِ على ذكرها، فمثل هذه الشعارات لا تروَّج إلا في بيئات مائعة فكرياً لديها قابلية لتقبلها، أمّا مع حركة طالبان فلا مكان لترويجها، والغرب يعلم ذلك.

الحقيقة الخامسة: حسن الرعاية يقوي الحاضنة الجماهيرية ويوسعها ويزيدها التفافاً حول الحركة، وسوء الرعاية يشتت الحاضنة ويجعلها أكثر انقساماً وعداءً

لا شك أنّ الرفق بالناس وحسن رعاية شؤونهم وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم وتطبيق أحكام الشريعة عليهم بالعدل والإنصاف يزيد من تقبل الناس للحركة، ويجعلهم حاضنة حقيقية لها، بينما سوء الرعاية والانتقام من الناس المخالفين للحركة بالرأي يشتت الحاضنة ويصرفها عن دعمها، ويوجد العداء والشحناء بين الناس، فالناس يقبلون بالحركة ويرضون بقيادتها إذا أحسنت رعاية شؤونهم ولو اختلفوا معها في المتبنيات العقائدية والفكرية، ويرفضونها ويعادونها إذا أساءت الرعاية ولو اتفقوا معها في المتبنيات.

ولعلّ تنظيم الدولة مثال واضح على سوء الرعاية في المناطق التي استولى عليها في سوريا والعراق قبل طرده منها، فالناس لم يُدافعوا عنه، ولم يحتضنوه بالرغم من رفعه للشعارات الإسلامية، وبالرغم من زعمه إقامة الخلافة، فهم شاهدوا بالحس مدى غلظته وانتقامه ممن يخالفه، وأخذ الناس وقتلهم بالشبهة.

وهذا يؤكد أن على الحركة أنْ لا تحيد عن أفكار الإسلام ولا تبدل ولا تغير المفاهيم بحجة مراضاة (الأقليات)، أو مشاركة أصحاب الأفكار المخالفة للإسلام في الحكم، فالناس تقبل بالحكم بالإسلام ولو كانوا كفاراً ما دام يُطبّق عليهم بحسن رعاية.

الحقيقة السادسة: القواعد الدولية يفرضها الأقوياء ويجب تبديلها بالحكمة والقوة إذا كانت تخالف الإسلام

لا يجب النظر إلى القواعد الدولية على أنّها مسلمات لا تتغير ولا تتبدل، بل يجب العمل على تغييرها من أول يومٍ تصل فيه الحركة إلى الحكم، فالكفار لا يفهمون إلا لغة القوة، ولا يخضعون إلا للقوة، وحركة طالبان التي سيطرت على أفغانستان لا شك أنها أصبحت حركة قوية لأنها سيطرت على كل مقومات الدولة، ولأن معها ليس شعبها فقط، بل معها مليار ونصف المليار من المسلمين يقفون خلفها إنْ هي قامت بإسقاط القواعد الدولية الظالمة التي فرضها الكافر المستعمر على المسلمين، والتي من أخطرها الحدود التي تفصل بين شعوب الأمة الإسلامية الواحدة، ومثال ذلك الحدود التي رسمها المستعمرون الإنجليز لأفغانستان لعزلها وفصلها عن امتداداتها في البلدان المجاورة لها، وبالتالي فصلها عن مصدر قوتها، وحصرها في مجال جغرافي ضيّق لإبقائها ضعيفة ومعزولة عن محيطها الإسلامي الطبيعي في باكستان وبلدان آسيا الوسطى، فخط دوراند الذي رسم حدود أفغانستان منذ سنة 1893 لا يجوز الاعتراف به، ويجب العمل منذ الآن على إلغائه، فالذي رسمه هو وزير الخارجية البريطاني لحكومة الهند البريطانية قبل ما يقارب المائة وعشرين سنة، من أجل بقاء أفغانستان دولة عازلة بين روسيا وبريطانيا في ذلك الوقت، لكن اليوم اختلف الواقع، ولم تعد الهند بريطانية، وباختلاف الواقع يختلف خط الحدود التعسّفي الذي قسّم دول المنطقة، وقطّع أوصالها.

فنصيحتنا لطالبان أنْ تبدأ دبلوماسيتها بالتحرك مع جيرانها في باكستان وبلدان آسيا الوسطى على قواعد إسلامية جديدة، تقوم على أساس الوحدة بين دول المنطقة الإسلامية الواحدة، التي تصلح لإقامة نواة دولة الخلافة الإسلامية العالمية انطلاقاً من أفغانستان.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: صراع الفرقاء في تونس تثبيت للهيمنة الفكرية والسياسية للغرب

 جريدة الراية: صراع الفرقاء في تونس تثبيت للهيمنة الفكرية والسياسية للغرب

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

كان للمكر الذي أتته القوى الاستعمارية وبتنفيذ من أدواتها في الداخل، ضد الثورة في تونس، وللفشل التام الذي حصدته كل الأطراف السياسية، التي شاركت في عشرية الحكم والحكومات التي تمثلها في سياسة الشأن العام، كان لها الدور الأكبر في تسلل أستاذ القانون الدستوري، المجهول سياسيّا، إلى صدارة المشهد السياسي في تونس، وهو الذي لم يخفِ يوما معارضته للنظام السياسي (التمثيل النيابي)، حتى إنه تعهد، أثناء حملته الانتخابية، بألا تجري انتخابات نيابية لاحقا في حال فوزه في الانتخابات، والاستعاضة عنها بالديمقراطية التمثيلية عن طريق المجالس المحلية والجهوية والمركزية.

إلا أنه وهو الفاقد للسند السياسي في الداخل ولإيمانه كسائر السياسيين والمثقفين المضبوعين بالأفكار السياسية الغربية، بحتمية الاستناد إلى قوة خارجية، ارتمى في أحضان فرنسا التي لا يرى في احتلالها لتونس إلا حماية، فأسندته في صراعه ضد عملاء بريطانيا في البرلمان والحكومة، ظل منذ تسلمه رئاسة البلاد رسمياً في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2019 يتعامل سلبا مع رئيسي البرلمان والحكومة، حتى كان يوم 25 تموز/يوليو، وقد بات الاحتقان السياسي والتحفز الشعبي، ينذران بانفجار خطير جدا، حُمّلت فيه حركة النهضة تبعة الأوضاع المتردية بوصفها أكبر الجماعات تمثيلا في البرلمان.

فاتخذ الرئيس جملة من التدابير التي وصفها بـ"الاستثنائية"، خلال ترؤسه اجتماعا طارئا للقيادات العسكرية والأمنية، جمد بموجبها لمدة 30 يوما عمل السلطة التشريعية، وأقال رئيس الحكومة وتولى السلطة التنفيذية، حسب قراءته الذاتية للفصل 80 من الدستور. ظلت خطاباته طوال الشهر الذي أعلن فيه تفرده بالسلطة تحوم حول: الفساد، والنّظام السّياسي، والقانون الانتخابي، مغازلا مشاعر جمهور الناس التواق إلى التغيير الحقيقي. ليعلن في نهاية الشهر تمديد التدابير الاستثنائية، حتى إشعار آخر، وهو الأمر الذي نددت به أغلبية الأحزاب، معتبرة ما قام به سعيّد خرقا جسيما للدستور وعملا من أعمال تحييد الخصوم السياسيين، في حين طالبت أخرى، باحثة لها عن موقع في هذا المشهد الجديد، بضرورة عرض خارطة طريق للمرحلة القادمة.

هذا الوضع المهتز في البلاد وحالة الارتباك التي عمقها قيس سعيد، أوجدت مناخا ملائما لمزيد التدخل الأجنبي. فبينما ظلت بريطانيا تناور عن طريق حركة النهضة وحلفائها تاركة للزمن أن يكشف قدرات سعيد وعجزه عن الاستجابة لتطلعات الناس، فإن أمريكا تعمل جاهدة على احتلال موقع في المنطقة عن طريق الضغوط الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني، مؤكدة على ضرورة الإسراع بتعيين حكومة، وإعادة الحياة البرلمانية، والانطلاق في حوار شامل. أما فرنسا وهي التي لا تملك وسطا سياسيا فاعلا في تونس فإن قيس سعيد هو الذي أعادها للساحة التونسية بارتمائه في أحضانها طلبا لدعمها واستنصارا بقوتها، وهو يعلم يقينا أن الديمقراطية لا تُمكن إلا للأقوياء، فبحث عن القوة عند فرنسا.

ظل قيس سعيد منذ إعلانه عن إجراءاته الاستثنائية يناور بجملة من الأعمال الاستعراضية التي تدغدغ مشاعر الناس كزياراته لبعض مخازن السلع بزعم محاربة الاحتكار، أو إيقاف بعض صغار الفاسدين لإثبات وقوفه في صف الشعب "للحفاظ على وحدة الدولة وحمايتها من الفساد الذي نخر مفاصلها"، وظل ينأى بنفسه عن تنفيذ وعوده بتعيين رئيس حكومة جديد يكون مسئولا أمام رئيس الدولة، وأنه هو الذي سيعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وهو الأمر الذي سيضعه تحت طائلة المحاسبة الشعبية، ولرفض بعض الشخصيات تولي المنصب، كما رجحت بعض وسائل الإعلام المحلية، مع الخشية من إلجائه إلى إعادة الحياة البرلمانية، سلاح خصومه السياسيين.

يجد قيس سعيد نفسه اليوم في مأزق أمام الرأي العام، وهو المتفرد بالقرار، بين حلمه بتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وتعديل القانون الانتخابي، وتعديل الدستور أو تغييره، مما يهيئ له التفرد بالسلطة، وليس له القوة على ذلك لاستناده إلى داعم واهٍ، أي فرنسا، وبين معارضة داخلية متربصة وضغوط خارجية تدعوه إلى العودة بسرعة إلى النظام الدستوري، واحترام "المبادئ الديمقراطية"، وإعادة الاستقرار للمؤسسات، وإلى استئناف النشاط البرلماني، مما سيضطره على الأغلب إلى أن يلجأ بصورة ما إلى شكل من أشكال الحوار مع خصمه الرئيسي رئيس البرلمان، الذي لم يوفر فرصة إلا وعرَّض به، وغمز من قناته، كما فعل أمام المؤسسة العسكرية عند توديعه لمفرزة من جنودنا وضباطنا وهي تتحول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى خدمة لأهداف الأمم المتحدة.

تأتي تحركات قيس سعيد وصراعه مع خصومه في ظل احتقان شعبي وثورة لم تنكفئ في أهل تونس، فلا هم استسلموا لطرف سياسي، ولا هم أقروا له بما يفعل، ولم يستقر للأجانب نفوذهم في بلادنا، لاهتزاز سلطة عملائهم، بل استمر الناس يعبرون عن رفضهم لكل ما يأتيه هؤلاء الحكام، وصاروا يعيّرونهم بخياناتهم، بالاحتجاجات والاعتصامات وغيرها من أساليب التعبير عن الغضب، فكانت قفزة سعيد ومن وراءه من قوى غربية استعمارية، استباقا لغضب بدأ يتعاظم في الناس، فقام "ثائرا" بدلا منهم، يحتج ويهاجم الحكومة والبرلمان، ويندد بالفساد واللوبيات، حتى ليخيل لسامعه أنه معارض ثائر لا رئيس دولة بين أيديه كل الصلاحيات، في اتجاه احتواء إرادة التغيير لديهم، وحرفها عن السير نحو التحرر الحقيقي!

تأتي تحركاته هذه، وهو المهووس بالفكر السياسي الغربي، كسائر الوسط السياسي في تونس، ولا يرى الحياة وإدارتها إلا من خلال التفكير الغربي القائم على فكرة فصل الدين عن الحياة، أي علمانيّة تفصل الإسلام عن حياة المسلمين. وهو لا يرى كذلك ضيرا في التدخل الأجنبي في شؤون أهل الإسلام، معتبرا ذلك من العلاقات الدولية، تأتي تحركاته تلك، استباقا لوعي تنامى في الناس وقد صارت منتدياتهم وأحاديثهم ومواقفهم تطرح القضايا الحقيقية وترى الحلول في وجهة نظرهم المنبثقة عن عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبدأت تتجلى أمامهم حقيقة أن من يتصدرون المشهد السياسي يقودونهم إلى علمانيّة تفصل الإسلام عن حياة المسلمين في تونس وديمقراطية تمكن للقوي فقط من الوصول إلى مراكز القرار واستمرار لتحكم القوى الاستعمارية في بلادنا.

بقلم: الأستاذ عبد الرؤوف العامري

 رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في ولاية تونس

جريدة الراية: مؤتمر بغداد سيادة مزعومة بدعم هش

 جريدة الراية: مؤتمر بغداد سيادة مزعومة بدعم هش

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

عقد مؤتمر بغداد يوم السبت الموافق ٢٨/٨/٢٠٢١ في ظروف إقليمية وعالمية مأزومة بينما أكد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي أن بلاده تلعب دورا مهما في المنطقة بتحقيق التهدئة فيها، وأن المؤتمر مهم للمنطقة ككل وليس للعراق فقط.

يأتي هذا المؤتمر وقد برزت مواقف التأييد له داخليا وخارجيا؛ ففي الساحة السياسية الداخلية دعمت القوى السياسية خطوة الكاظمي في عقد هذا المؤتمر، كما وأيدت الدول المدعوّة للمؤتمر مشددة على أهمية الدور العراقي في تحقيق الاستقرار للمنطقة على مر العصور.

محليا أكدت القوى السياسية بإجماع ملحوظ دعمها إقامة المؤتمر زاعمة أنه خطوة مهمة في إنهاء الخلافات بين دول الجوار في ظل المتغيرات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط وكذلك تزعم أن هذا المؤتمر يساعد على استقرار البلد سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وقد أكد البيان الختامي للمؤتمر هذه الأمنيات التي باحت بها القوى السياسية في العراق ورؤساء الوفود المدعوة للمؤتمر.

المؤتمر عقد بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني ورئيس فرنسا ماكرون وأمير قطر تميم ومسؤولين كبار من الإمارات وتركيا وإيران والسعودية.

مما يُظهر أن أمريكا تريد من العراق أن يلعب دورا مهما في المنطقة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، فإن جميع دول المنطقة التي تعتمد في أمنها وبقاء حكامها على كراسي الحكم باتت تخشى على مصالحها وكراسيها بعد أحداث أفغانستان، كما تريد أمريكا إجراء نوع من التنسيق بين هذه الدول وكذلك طمأنة العملاء أن ما جرى في أفغانستان لا يتعدى إلى بقية دول المنطقة، لذلك نجد أن كلمات رؤساء الوفود كلها أشادت بالعراق وتاريخه وأهميته في المنطقة وضرورة التنسيق فيما بينهم، فأمريكا تحاول عبر حكومة الكاظمي دعم العملية السياسية في العراق وهذا واضح من الهالة الإعلامية خارجيا وداخليا وتأكيد الدعم الدولي لإجراء الانتخابات المزمع عقدها في العاشر من تشرين الأول، والتصريح بالمراقبة الدولية لإقناع الشارع العراقي الرافض للانتخابات بأنها الحل الوحيد وأنها نزيهة ليست كسابقتها، وهذا ما نوه إليه البيان الختامي في إحدى نقاطه، وهي أي أمريكا تحاول إنهاء حالة الفوضى والنزاعات الإقليمية الدائرة على أرض العراق منذ احتلاله عام ٢٠٠٣ وما تبع ذلك من تفجيرات وحروب طائفية وتدخل في الشؤون الداخلية وتخريب للبلاد والبنية التحتية وتعطيل الاستثمار، وتهجير السكان، وتدمير الاقتصاد، وانتشار الفساد ونهب الخيرات، وانتشار الفقر والانهيار المجتمعي.

والحقيقة أن بلدا مثل العراق الغارق من رأسه إلى أخمص قدميه في المشاكل التي كثير منها بسبب الضوء الأخضر الأمريكي للنفوذ الإيراني، أنّى له أن يحل مشاكل الغير، وأن هذه المشاكل إن وجدت فهي بسبب التبعية والعمالة لدول الغرب، وأين هي المشاكل الخارجية بين السعودية وإيران مثلا وهم متفقون على تنفيذ السياسة الأمريكية في المنطقة، واليمن خير شاهد على ذلك، فالسعودية وإيران هما من حول اليمن إلى شقاء دائم بحرب طويلة لا يسمح لأي من الطرفين حسم المعركة وصولا إلى الحل السياسي الذي سوف تفرضه أمريكا.

فهذا المؤتمر وغيره مئات المؤتمرات السابقة لقمم الجامعة العربية لا قيمة له في أرض الواقع طالما أن المؤتمرين فيه باقون على تبعيتهم وعمالتهم للغرب، فالمؤتمرات التي يجب الوقوف عندها هي مؤتمرات الدول ذات السيادة لأنها سوف تبحث بجدية مصلحة بلادها.

إن السبيل الوحيد لجلب الاستقرار الحقيقي للمنطقة ليس في الاتفاق مع أعداء الله وأعداء المسلمين بل هو التمسك الجاد بشرع الله الذي به تطمئن النفوس وبالتالي يطمئن الناس، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وما نال منا الشقاء إلا بالإعراض عن شرع الله وعدم تطبيقه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

فما مكن أمريكا من رقابنا وأشاع الشقاء فيما بيننا سوى إعراض حكومات الضرار الرابضة على صدور الأمة واتخاذ أمريكا قبلة لهم واضعين بين يديها ثروات البلاد وأرواح العباد قرابين بقائهم على كراسي معوجة القوائم.

حري بأهل القوة والمنعة من أبناء جيوشنا المخلصين وعشائرنا البارين، أن يلتفوا حول أهلهم وإخوانهم العاملين لإقامة شرع الله ونصرتهم، فبه نحيا بأمان وطمأنينة نعبد الله آمنين غير مشركين به شيئا من رأسمالية جشعة ولا ديمقراطية كذوبة.

لذلك لا أمل للمسلمين اليوم إلا بتحقيق وعد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بتمكين الإسلام في الأرض واستخلاف عباده المؤمنين الصادقين المخلصين، وإقامة وحدة المسلمين بدلا من دول متفرقة تجتمع بحضور المجرم ماكرون عدو الإسلام وعدو نبينا محمد ، وذلك بتحكيم شرع الله بعد غيابه عن الواقع قرناً من الظلم والاستضعاف والخنوع لهيمنة أعداء الله على بلادنا وأمتنا.

بقلم: الأستاذ وائل سلطان – ولاية العراق

جريدة الراية: الغرب هو صانع خطاب الكراهية ومغذيه ويدّعي محاربته!!

 جريدة الراية: الغرب هو صانع خطاب الكراهية ومغذيه ويدّعي محاربته!!

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

نقلا عن وكالة الأنباء السودانية تنظم الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وفي إطار مشروع الشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ضمن برنامج "معا ضد التطرف العنيف"، ورشة بعنوان "نحو رؤية وطنية لمكافحة والتصدي لخطاب الكراهية" وذلك يوم الاثنين 23 آب/أغسطس 2021 بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية. وأوضح اللواء عصام مرزوق مدير الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن انعقاد الورشة يأتي في سياق تعزيز الجهود الحكومية تجاه التصدى للأسباب الجذرية والعوامل المحفزة لخطاب الكراهية وتمكين الحكومة الانتقالية من صياغة استجابات فعالة لأثر خطاب الكراهية على المجتمعات من منطلق دعم جهود السلام والتحول الديمقراطي والسلام (الاجتماعي)، وكشف عن مشاركة مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، بعثة اليونيتامس وعدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية بالبلاد.

مع عدم توفر تعريف قانوني دقيق لـ"خطاب الكراهية"، فإنَّه يُـعَرَّف عموماً على أنه "أنماط مختلفة من أنماط التعبير العام التي تنشر الكراهية أو التمييز أو العداوة أو تحرض عليها أو تروج لها أو تبررها ضد شخص أو مجموعة، بناءً على الدين أو الأصل العرقي أو الجنسية أو اللون أو النسب أو الجنس أو أي عامل هوية آخر".

ويتصادم ذلك مع حرية التعبير المقدسة عند الغرب والمحمية بموجب القانون الدولي، فاحتال الغرب على حريته بمنع ما أسماه خطاب الكراهية وألزم الحكومات أن تضع أطراً قانونية بشأن ذلك، لكن هل تم القضاء على الكراهية؟ لا بل زادت الكراهية وانتهاك حق الآخر في التعبير حتى في الغرب نفسه كما ذكر مركز بيو للأبحاث، وزاد العنف والتخويف والإدانات للجماعات الدينية وفرض الحظر الرسمي على بعضها، والسجن والإعدامات...

ثم انتشر مصطلح خطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم واستُخدم لتحقيق مكاسب سياسية للدول الغربية. لقد تعهد سياسيو الغرب بالتشديد على أسباب الكراهية، وفي المقابل ومن المفارقات أنهم كانوا أعظم المجرمين والمحرضين على الكراهية وتشهد على ذلك حروبهم التي تسببت في الإبادة الجماعية في كل العالم. فلو كانت المشاعر مقصودة حقا، فينبغي أن يتحرك العالم من أجل القضاء على أسباب الإجرام الدولي على المسلمين في كل مكان يذبحون فيه وينكل بهم أحياء وأمواتا ونهباً لثرواتهم وتجارة السلاح التي تتربح من إشعال الحروب التي يروح ضحيتها آلاف المسلمين.

يجب أيضاً ألا يُستثنى شيء عند النظر في أسباب الكراهية خاصة أن العامل الأساس لخطاب الكراهية هو تشجيع الغرب بوساطة نشر خطاب معاد موجه ضد الإسلام بوصفه نظاما سياسياً، وتعمد فرض وجهة النظر الغربية لفصله عن الحياة عبر الاتفاقيات الدولية وإلزام الحكومات المحلية في بلاد المسلمين سن دساتير تفصل الدين عن الحياة وبالقيام أبعد من ذلك بشن الحروب باسم الحرب على الإرهاب والمراد هو الحرب على الإسلام.

تروج وسائل الإعلام لكراهية الإسلام والمسلمين ولا تدخر الحكومات جهداً في نشر السلبية وترويج الكراهية للإسلام وازدراء المسلمين، فكل البرامج في القنوات في السودان تتحدث عن العلمانية بوصفها حلا أمثل، وأن التخلف والتدهور سببه حكم الدين، رغم يقينهم أن الدين لم يحكم ودونهم الدساتير منذ الاستقلال فهي تنطق بالعلمانية في كل قوانينها.

كان للغرب دور كبير في خطاب الكراهية لأنه هو من صمم هذه الفكرة الخبيثة لتصنيف الإسلام بطريقة غامضة إلى (معتدل ومتطرف) عبر مؤسساته البحثية مثل مؤسسة راند، ويصفون المسلمين الذين لا يؤمنون بالقيم العلمانية بأصحاب الأيديولوجية الشريرة ويدعون إلى تهميشهم وعدم إشراكهم في أي حكم بل والقضاء عليهم إن أمكن بكل وسيلة.

وأوجد الغرب بذلك فجوة كبيرة بتشجيعه لما يسمى بالإسلام الحداثي أو الوسطي، في حين إن معظم ما يصفونه بالإرهاب والتطرف هو الإسلام بمبادئه الأساسية التي يعتنقها مليار ونصف المليار مسلم، والتي أوحى بها إلى النبي وذلك ثابت بالنصوص الشرعية في الإسلام التي تنص على أن الإسلام نظام حياة وطراز عيش خاص لا يلتقي مع العلمانية الرأسمالية الليبرالية بتاتا وله أنظمة حياة تطبقها دولة الخلافة الإسلامية.

هذه هي الخلفية والأيديولوجية التي تذكي جو الكراهية ضد الإسلام والمسلمين؛ فالمجتمعات الغربية العلمانية بهويتها القومية تعاني بشكل كبير من توترات كراهية الأجانب والطبقية والعنصرية، وذلك بسبب الطريقة التي يتم بها الحطّ من منزلة "الآخرين" بأسلوب نمطيٍّ فجّ، واحتقار شديد وازدراء مقنّعين بتشريعات إعادة إدماج المسلمين ومنع الحجاب ومنع المآذن ومكبرات الصوت في المساجد، وغيرها... للمحافظة على العلمانية.

وتحارب دول الغرب الإسلام بخطاب الكراهية من حكامهم الذين يشددون على حربهم المعلنة على من يريد أن يغير في مظهر علمانية بلادهم وإن كان خماراً كما يردد ماكرون، وكما صرح وزير الخارجية الألماني بأن ألمانيا لن تقدم أي مساعدات لأفغانستان في حال إقامة خلافة إسلامية، أما ترامب فقد كان له الموقف الأوضح في ذلك، فقد حظر دخول المسلمين لأمريكا ونقل سفارتها إلى القدس وغيرها الكثير من الكره والكراهية، ما أدى إلى مستويات لا مثيل لها من الكراهية أدت في الواقع إلى القسوة الشديدة وسفك الدماء، خاصة من المسلمين حتى أصبحت الكراهية الغربية لكل ما يمت للإسلام بصلة تضج بها التشريعات وتتلقفها وسائل الإعلام حتى صدقها البسطاء. ففي جو مملوء بالكراهية، فلا عجب أن يفرغ الناس إحباطاتهم نحو أولئك الذين يُكرَهون فكانت مجازر مساجد نيوزيلندا التي راح ضحيتها مصلون أبرياء نتاج سياسات الغرب.

غالباً ما يفخر العلمانيون بأنهم أول من شرع حق عدم المثول أمام القضاء إلا بدليل للاتهام، إذاً لماذا احتل الغرب أفغانستان والعراق لمجرد مزاعم وسائل إعلام تؤدي إلى شكوك وتجريم شعوب بالتهم؟! وتتكرر المآسي بين الحين والآخر من الغرب الذي غالباً ما ينظر إلى المسلمين على أنهم متهمون، لمجرد كونهم مسلمين.

إن سبب الكراهية، والكلام الذي يحض على كراهية الإسلام والمسلمين هي الرأسمالية العلمانية بعقيدتها ونظامها فهي تفشل يومياً بالوفاء بحق الشعوب التي استعمرتها بجيوشها أو بنفوذها، ولا تقدم لهم في الظاهر إلا ظلماً وضربا لعقائدهم ونمط معيشتهم. أما في الغرب فقد تجذرت الكراهية أيضاً لعدم الانسجام بين الفئات المختلفة في المجتمع لتجذر القومية في الغرب فأصبح خطاب الكراهية ضد الأجانب والعنصرية والطبقية والكراهية للآخرين سمة سائدة عندهم.

لقد أنصف الإسلام البشرية جمعاء بعقيدته وأحكامه التي تعالج العنجهية والعنصرية وتجعل الضعيف والقوي والأبيض والأسود عباداً لله ربهم الذي شرع لهم الإسلام خاتم الرسالات لينقذهم من الكراهية والتباغض والظلم، قال : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى»، ولن تشفى المشاعر البشرية من الكراهية إلا تحت ظل دولة الإسلام التي تنصف المظلوم وتعطي الحقوق وتحكم بالعدل.

بقلم: الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب)

القسم النسائي لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: الإسلام والعلمانية وسخافة التوافق

 جريدة الراية: الإسلام والعلمانية وسخافة التوافق

 

24 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 01 أيلول/سبتمبر 2021مـ

الإسلام والعلمانية خطان متوازيان من المحال أن يلتقيا أو يتوافقا، فالإسلام يقوم على أساس لا إله إلا الله، والعلمانية تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة. والإسلام جعل التشريع لما جاء به الوحي حصراً أي لله وحده، والعلمانية جعلت التشريع للعقل البشري. فكان الإسلام والعلمانية متناقضين مختلفين في أسس الأفكار والمفاهيم، هذا في جانب الأفكار. وفي الجانب السياسي وإدارة شؤون الحكم كانا أيضا متنافرين متناقضين يرفض كل منهما الآخر، فالإسلام يُحرّم ويُجرّم أن يكون للعلمانية والعلمانيين أي دور في الحكم والرعاية، والعلمانية أيضا ترفض أن يكون للإسلام الصافي الذي أراده الله عز وجل أي دور في الحكم والرعاية.

هذا التناقض والتنافر بين الطرفين هو من البديهيات عند العقل البشري سواء أكان المفكر في المسألة والأمر مسلما أم علمانيا، وإذا حصلت في مرحلة من المراحل أو حالة من الأحوال عملية التقاء وتوافق بين دعاة الإسلام ودعاة العلمانية فهذا التقاء وقبول على غير الحقيقة وهو مدعاة للشك والريبة، فمثل هذا الالتقاء لا يكون إلا بتنازل دعاة الإسلام المتوافقين مع العلمانيين عن أساسيات مركزية من أسس الإسلام، ومكر وخبث من العلمانيين لتمرير مخطط ما على أكتاف وظهور أصحاب الطرح الإسلامي المشارك لهم. فالتقاء وتوافق الإسلام والعلمانية في الحكم والذي شاهدناه في أكثر من بلد من البلاد الإسلامية هو تزاوج محرّم لا يأتي إلا بمواليد سفاح.

لقد شاهدنا وعاصرنا العديد من صور حالات التقارب والالتقاء بين بعض دعاة الإسلام والعلمانيين، والمدقق في هذا الالتقاء لا يجده يخرج عن حالة وصورة واحدة تتمثل في فخ ينصبه العلمانيون لهؤلاء الدعاة لتمرير مخطط سياسي ما على ظهورهم ثم بعد إنجاز وإتمام هذا المخطط يقوم العلمانيون بوصم الإسلاميين المشاركين لهم بالفشل والتآمر ومن ثم يتم الطلاق، والنتيجة تقهقر وضعف وتخبط الإسلاميين وظهور العلمانيين كمنتصرين وأنهم هم وحدهم الأهل والأجدر لحكم الدول وقيادة الشعوب، وبذلك يكون حال المشاركين من التيارات الإسلامية كالمنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى!

ففي مصر، عندما تخوفت أمريكا من سقوط وزوال نفوذها باندلاع الثورة الجماهيرية الأخيرة كانت خطتها تمرير مخطط التهدئة وإعادة ترتيب الأمور بالزج بالإخوان المسلمين في الواجهة فرسمت فكرة الانتخابات ورسمت حدودها بالتعاون مع قادة مصر العلمانيين فسمحوا بوصول الإخوان للحكم، وبهذه اللعبة القذرة الخبيثة من أمريكا وعملائها العلمانيين وسطحية تفكير من الإخوان تم إجهاض الثورة وبعد ذلك قام حكام مصر العلمانيون بالانقلاب على الإخوان والزج بهم في السجون وإلصاق التهم بهم والقتل والتشريد ووصمهم بالفشل والتآمر والفساد والمحسوبية.

وفي تونس فإن المشهد جديد، فبعد أن استخدمت حركة النهضة وجيء بها لتهدئة الشارع وإجهاض أهداف وطموحات الثورة التونسية والمتمثلة بالتغيير الشامل عن طريق إشراكها في الحكم تم إقصاؤها بعد تحقيق المراد وأخرجت من أضيق الأبواب مذمومة مدحورة على يد علمانيي تونس.

هذه النماذج وما ترتب عليها يؤكدان أن العلمانية والعلمانيين لا يقبلون الإسلام ولا بأي شكل من الأشكال، وإذا حصل التقاء فقطعا يكون مخططا لتمرير خطة ما على أيدي الإسلاميين الذين يلتقون معهم ويشاركونهم. فهذه النماذج وغيرها يجب أن تكون عبرة ودرسا بالغا لكل الواهمين المخدوعين بفكرة المشاركة في الحكم من الإسلاميين فيرفضوا كل أشكال المشاركة والالتقاء في المستقبل وأن يدوروا مع أحاديث الرسول : «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»، «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»، فبالدوران مع هذه الأحاديث لا تتلوث أيديهم بوزر المشاركة وتمرير المخططات ويجعلون العلمانيين في ضعف وورطات لا يخرجون منها ويُبقون صورة الإسلام في النقاء والصفاء حاضرة فيبقى الإسلام أمل الأمة في التغيير، وبالالتقاء والمشاركة يكونون طوق النجاة للعلمانيين وأسيادهم من كل سقطة ويحرقون جهوداً كثيرة وكبيرة سارت من أجل التغيير ويُدخلون الإحباط واليأس لقلوب الكثير من أبناء الأمة ويجعلون دعاة العلمانية يشعرون بنشوة النصر. فلا يجنى من المشاركة والالتقاء إلا الشوك والحنظل.

إن منهج التغيير الحقيقي والذي رسمه لنا وجسده عمليا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام لا يكون إلا بمفاصلة العلمانية والعمل بكل جهد وطاقة على امتلاك القوة التي تقلب الموازين فتزيل العلمانية القذرة الشريّرة وتوصل الإسلام إلى الحكم جبراً عن الكفر والشرك فتسوس الناس وترعاهم بالإسلام وحده، فالواجب أن تُصّب جهود كل التيارات الإسلامية بهذا الاتجاه ومن أجل هذا الهدف ليكون الفوز في الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض وفي الدنيا نعيد فردوسنا المفقود دولة العز والتمكين دولة الخلافة على منهاج النبوة.

بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)