Tuesday, August 17, 2021

جريدة الراية: حرب الناقلات في الخليج

 جريدة الراية: حرب الناقلات في الخليج

 

10 من محرم 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 18 آب/أغسطس 2021مـ

حرب الناقلات مصطلح يشير إلى فترة في الحرب العراقية الإيرانية، ما بين 1980-1988، جرى فيها ضرب ناقلات النفط في الخليج العربي، استهدفت القوة الجوّية العراقية معظم موانئ النفط في إيران، حيث حاول العراق منع إيران من تصدير النفط، بعد أن خسر ميناء الفاو الذي يعد شريانه النفطي ومنفذه البحري الوحيد على الخليج. بينما تركّزت الهجمات البحرية والجوية الإيرانية على ناقلات النفط الخليجية، بدعوى أن دول الخليج العربي داعمة للعراق، وكانت معظم الخسائر من نصيب ناقلات النفط الكويتية، ما دفع الحكومة الكويتية، في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1986، إلى أن تطلب حماية دولية لناقلاتها، فحصلت عليها بموافقة الاتحاد السوفيتي في بداية عام 1987، على تأجير ناقلاته لشركة نفط الكويت، لكن ذلك لم يوقف هجمات الزوارق البحرية الإيرانية، التي استهدفت ناقلتين سوفيتيتين. وقد دفع الحضور السوفيتي أمريكا إلى أن تتدخّل هي الأخرى بقواتها البحرية في 7 آذار/مارس 1987 لحماية الناقلات الكويتية التي اضطرت إلى رفع العلم الأمريكي. وقُدّرت الخسائر الناجمة عن هذه الحرب بمليارات الدولارات، حيث ألحقت الحرب أضراراً بيئية وبشرية ومادية كثيرة، ويشير باحثون إلى أن الحرب استهدفت 546 سفينة تجارية، 259 سفينة منها سفن ناقلات نفط أو ناقلة للمنتجات البترولية، وقتلت الهجمات حوالي 430 بحاراً مدنياً.

ولا شك أن حرب الناقلات في المضائق المائية في الخليج ما هي إلا صراع مستمر على النفوذ في هذه المنطقة الزاخرة بمئات الناقلات التي تنقل النفط من أهم مصادره في الخليج إلى أوروبا والصين وأمريكا. وتمثل أمريكا في هذا الصراع المستمر إيران بوصفها أهم وأقوى دولة تخضع للنفوذ الأمريكي، وفي المقابل بريطانيا صاحبة النفوذ الأقدم والأوسع منذ حقبة الاستعمار بعيد الحرب العالمية الأولى، حيث تخضع معظم دول الخليج للنفوذ البريطاني. وحرب الناقلات اليوم كما هي منذ 1980 تقف خلفها أهداف استراتيجية تسعى لتحقيقها الدول المؤثرة في السياسة الإقليمية والدولية. ونجمل هذه الأهداف والمصالح على النحو التالي:

1-   في المجال الاقتصادي هناك عاملان مهمان: الأول يتعلق بالنفط وأسعاره، والثاني يتعلق بالشحن البحري. أما في مجال النفط فإن التعرض لناقلات النفط من شأنه أن يؤثر في أسعار النفط إما إيجابا وإما سلبا. فمن جهة، فإن التعرض للناقلات من شأنه أن يهدد خطوط إمداد النفط ما يؤدي إلى انخفاض كمية النفط المتجهة إلى الأسواق، وبالتالي زيادة الأسعار. وهذا عينه ما تريده أمريكا في هذه المرحلة للمساعدة على تصريف الكم الهائل من الدولارات التي أصدرتها لمعالجة آثار جائحة كورونا وتأخير الانهيار المالي والذي كان ولا يزال يهدد اقتصادها. ومن ناحية أخرى فهو هدف استراتيجي لدعم شركات النفط الأمريكية التي تجني أعظم الأرباح جراء ارتفاع أسعار النفط. كذلك فإن أمريكا وبعد اللقاء التاريخي مع روسيا ووقوف روسيا إلى جانبها في سوريا وليبيا وسكوتها عن أعمال أذربيجان في أرمينيا، فإنها تود أن تظهر بمظهر من يساعد روسيا من خلال الحفاظ على أسعار نفط عالية. ومن جهة أخرى فإن حرب الناقلات قد تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق المالية نتيجة تخوف المستثمرين وإحجامهم عن المراهنات على الأسعار الآجلة للنفط، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط. وأثناء هذه الحرب الأخيرة في مياه الخليج انخفض سعر النفط إلى أدنى مستوى له منذ 4 أشهر. ثم عاد للارتفاع إلى مستوى ما قبل التعرض للناقلات. ومن الواضح أن بريطانيا تقف وراء محاولة خفض أسعار النفط في هذه المرحلة خاصة من خلال محاولتها تصعيد الأزمة في الخليج والحديث عن استخدام القوة لردع إيران. وقد سبق لبريطانيا أن استخدمت ربيبتها في الإمارات قبل بضعة أسابيع لإفشال محاولات أمريكا لخفض إنتاج النفط من أجل رفع الأسعار.

أما ما يتعلق بالشحن البحري فقد عملت أمريكا مع حلفائها في الدول السبع الكبرى على رفع أسعاره من باب الضغط والتأثير على مكانة الصين الاقتصادية من خلال رفع أسعار البضائع الصينية نتيجة رفع أسعار الشحن. بالتالي فإن تعريض السفن لهجمات قرصنة وتخريب من شأنه أن يدفع أساطيل الشحن مرة أخرى لأن تطلب الحماية من أمريكا خصوصا وبالتالي رفع أسعار الإبحار، ما ينعكس سلبا على مقدرة الصين مثلا على تصدير البضائع بأسعار تفضيلية.

2-   في المجال السياسي فإنه طالما استعملت أمريكا التهديد الموجه لناقلات النفط والسفن العابرة لمنطقة الخليج من أجل دفع الدول خاصة في منطقة الخليج لطلب الحماية العسكرية من أمريكا لتأمين عبور آمن لسفنها في مياه الخليج. وقد نقلت عن مصادر في الخليج التوجه نحو نظام المرافقة الأمنية الذي استخدم في "حرب الناقلات" إبان الحرب الإيرانية العراقية، ولاحقاً في هجمات القراصنة الصوماليين.

3-   مع اقتراب الاتفاق النووي بين إيران من جهة وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى، فإن كيان يهود يبدو منزعجا ومتخوفا من وصول البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة متقدمة من تخصيب اليورانيوم اللازم لتصنيع السلاح النووي، والذي من شأنه أن يخلق توازنا استراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط بين كيان يهود وإيران. وبالتالي فإن كيان يهود يرى في مثل هذه الحرب والتي طالت ولو بشكل جزئي إحدى السفن التابعة له، يرى فيها فرصة للتصعيد العسكري والتي تمكنه من توجيه ضربة عسكرية تطال المنشآت النووية الإيرانية. وهذا ما صرح به تكرارا قادة في الكيان. ولعل هذا هو ما دفع أمريكا لتوجيه مدير استخباراتها لزيارة كيان يهود لكبح جماحه حماية لإيران.

وفي الختام، فإن أخطر ما في هذه الحرب هو الاستمرار في استخدام أهم المعابر المائية في البلاد الإسلامية أداة لبسط واستمرار النفوذ والسيطرة لدول الكفر المستعمرة فوق جزء مهم من بلاد المسلمين. وكان الأصل أن يكون الخليج العربي أداة بيد المسلمين وبيد خليفة المسلمين لجعل النظام العالمي والوضع الدولي يسير في مصلحة الإسلام والمسلمين وزيادة في قوة المسلمين وتأثيرهم على مستوى العالم.

بقلم: د. محمد جيلاني

No comments:

Post a Comment