مفهوم النصر في القرآن الكريم
مجلة الوعي: العدد 420 - السنة السادسة
والثلاثون – محرم 1443هـ – آب 2021م
قال تعالى: (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي
ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ
لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ ١٥ ) [الحج: 15].
إنّ النصر من المفاهيم الإسلامية التي ركَّز عليها القرآن ونالت نصيبًا
من الاهتمام القرآني والتي جعلها الله منَّة منه يمنُّ بها على عباده في الدنيا
والآخرة. وقد استخدمها القرآن بمعانٍ مختلفة تستدعي المتابعة والتدبر والاعتبار؛
وعليه لابد من فهم الفوارق بينها لما لذلك من أثر في فهم كتاب الله وتدبر آياته،
قال تعالى: (كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ
ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٢٦ ) [ص: 26].
معاني النصر في القرآن الكريم:
وأهمّ هذه المعاني التي وردت في القرآن لكلمة نصر ما يأتي:
1- الحماية والدفع: استُخدِمت مادّة نصر في القرآن الكريم في هذا
المعنى مرّاتٍ عدة وفي أكثر من سياقٍ، ربّما كان أكثرها في سياق تهديد الكافرين أو
العاصين بعدم قدرةٍ أحدٍ على حمايتهم من عذاب الله إذا نزل بهم. وأمثلة ذلك في
القرآن كثير، منها:
أ – نفي الحماية من عذاب الآخرة: ورد هذا المعنى في عدد من آيات
القرآن يخبرنا الله فيها عن حتميّة عذاب الآخرة لمستحقّيه، وعجز أيّ قدرة أو جهة
عن التدخّل للتخفيف من هذا العذاب أو دفعه عمّن يستحقّه، ولا إمكان تبديله بغيره
إن لم يرد الله تعالى ذلك، وهذا كما في قوله عزّ وجلّ في وصف يوم القيامة: (يَوۡمَ
لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلٗى شَيۡٔٗا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٤١) [الدخان:41]
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: (يَوۡمَ لَا يُغۡنِي عَنۡهُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡٔٗا
وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ٤٦) [الطور: 46].
أما عن الفرق بين النصرة والإعانة: أن النصرة لا تكون إلا على
المنازِع المغالِب والخصم المناوِئ المشاغِب، والإعانة تكون على ذلك وعلى غيره.
تقول أعانه على من غالبه ونازعه، ونصره عليه وأعانه على فقره إذا أعطاه ما يعينه
وأعانه على الأحمال. ولا يقال نصره على ذلك، فالإعانة عامة والنصرة خاصة. والفرق
بين النصر والمعونة أن «النصر: يختص بالمعونة على الأعداء. والمعونة: عامة في كل
شيء. فكل نصر معونة ولا ينعكس» [أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، ص540].
4- الغلبة والظفر: رابع المعاني التي تُستخدم فيها كلمة “نصر»
ومشتقّاتها التغلّب على العدوّ والظفر عليه. وهذا المعنى الأخير هو المعنى الذي
يتبادر إلى الذهن عندما تُسمع كلمة «نصر» ومشتقّاتها في هذا العصر بين أهل العربية.
وربّما يفهم هذا المعنى من بعض الآيات في القرآن الكريم التي وردت فيها كلمة نصر.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ)
[الأانفال: 10] ويكشف تتبّع كلمات المفسّرين عن أنّهم يرون أنّ هذه الكلمة تدلّ
على هذا المعنى الأخير. يقول السيد الطباطبائي في شرح الآية المشار إليها أعلاه:
“بيان انحصار حقيقة النصر فيه تعالى، وأنّه لو كان بكثرة العدد والقوّة والشوكة
كانت الدائرة يومئذ للمشركين بما لهم من الكثرة والقوّة على المسلمين على ما بهم
من القلّة والضعف» [الميزان في تفسير القرآن، ج9/ص21]. ويقول مفسّرٌ آخر: “ولمّا
كان ذلك، فهمنا أنّ النصر ليس إلا بيده، وأنّ شيئًا من الإمداد أو غيره لا يوجب
النصر بذاته» [البقاعي، نظم الدرر في تفسير الآيات والسور نقلًا عن برنامج المكتبة
الشاملة الإلكتروني].
يبدو من خلال التأمّل في موارد استعمال هذه الكلمة في القرآن الكريم،
بالحدّ الأدنى، أنّ الأصل فيها هو العون لتحقيق هدفٍ والوصول إلى غايةٍ ولو في
حالة المغالبة والخصام. فإذا تحقّقت هذه الغاية وأثمرت النصرة والمساعدة ثمرتهما
قيل عن هذه الحالة الجديدة التي تترتّب عليهما نصرًا بدل أن يُقال غلبة أو ظفرًا
أو ما شابههما من الكلمات التي تفيد هذا المعنى.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وهيئ لنا من ينصر دينك… اللهم هيئ لنا
نصرة كما هيَّأتها لمصعب بن عمير… اللهم اجعل ثلة من أنصارك تهوي أفئدتهم لدعوتنا،
واجعلهم يهتدون إلينا، وانصرنا بهم… اللهم افتح قلوب المسلمين وعلمائهم ووجهائهم
وأهل القوة فيهم لدعوتنا وحزبنا واجعلهم ينصروننا، وأعمِ بصر وبصيرة المخابرات
والأنظمة وأهل السوء عنا… اللهم قلِّلنا في أعينهم، وقلِّلهم في أعيننا، وأبرم
لهذه الأمة خلافة راشدة تعزُّ بها الإسلام وأهله، وتذلُّ بها الكفر وأهله… اللهم
آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
No comments:
Post a Comment