Tuesday, December 29, 2020

جريدة الراية: أي مصلحة وأي شرع في ظل أنظمة العار؟!

 جريدة الراية: أي مصلحة وأي شرع في ظل أنظمة العار؟!

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

ارتضت بعض الحركات الإسلامية الانخراط في الأنظمة القائمة التي تحكم بغير الإسلام، والتي تتحكم فيها قوى محلية ودولية معادية للإسلام، وأشاعت بين المسلمين استناد مشروعهم إلى رؤية تعتمد الإصلاح الجزئي في منهج لين متدرج، يتجنب الصدام مع المجتمع أو القوى المؤثرة فيه، ويتخفف من أحمال النصوص الشرعية بتأويلها عند الحاجة من خلال التقريب بين الواقع والنصوص مسايرة للظروف فيما عرف بفقه الواقع وفقه المصالح، بل منهم من انغمس في الواقع حتى صار الواقع دينه وديدنه.

وقد تبنى هذا التيار، الملقب بـ(الوسطي أو المعتدل) عملياً العلمانية لكن بشكلها الملتحي، فغاية هؤلاء هي تقديم مشروعهم من خلال شعارات إسلامية براقة، من مثل (الإسلام هو الحل)، وهو شعار فضفاض أعلن من رفعوه عندما وصلوا إلى الحكم أنه كان مجرد شعار عاطفي لشحن الجماهير، ولذلك فقد تخلوا عنه عندما وصلوا للحكم، فهم يرون أنه لا داعي للحديث عن تطبيق الشريعة بشكل كامل، بل لا بد من التدرج في تطبيقها. وهذا يعني وبشكل واضح أنه لا مشكلة لديهم في تطبيق أحكام الكفر، ورغم أن انغماسهم البشع في الواقع بكل ما فيه من بُعد عن أحكام الإسلام، وتنازلهم عن مبدأ الإسلام، لم يشفع لهم عند الغرب وأذنابه، إلا أنهم ما زالوا يرفعون شعار المرحلية والوسطية والاعتدال!

ومما لا شك فيه أن القول أينما تكون المصلحة فثم شرع الله قد حظي عند جماعات الإسلام المعتدل أو الوسطي بمكانة خاصة وتم من خلاله تجاوز الكثير من النصوص الشرعية برغم وضوح كونه قولاً مغلوطاً، فالثابت عن أكثر أهل العلم أنه: (أينما يكون الشرع فثمة المصلحة) ذلك أنَّ الشرع وحده هو الذي يصلح لكل زمان ومكان وهو الذي يحدد المصلحة والمفسدة، فَمَن خلقنا قد جعل لنا نظام حياة نسير عليه، وهو أعلم بمصلحتنا وبما يصلحنا أكثر من أنفسنا، فينبغي أن تدور مصالحنا وعلاقاتنا ومجتمعاتنا حيثما دار الشرع، وليس العكس، كما يحاول من يتغطى بهذا القول، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].

إن بعض الذين انبروا للدفاع عن الإسلام وشريعته أمام هجمات الكفار الكثيرة، قد وقعوا في أخطاء جسيمة، أشنعها قبولهم أن يكون الإسلام متهما، مما جعلهم يقلبون الأمور رأساً على عقب. فرددوا تلك المقولة ولجأوا إلى التأويل البعيد، وإلى ابتداع العلل العقلية للنصوص الشرعية تمهيداً لإلغاء عمل بعض النصوص. فأباح بعضهم المشاركة في الأنظمة القائمة، وأباح بعضهم الربا، وأباح بعضهم الاستعانة بالكفار لقتال المسلمين، بل وجعلوا العقل حكما على الشرع، ففتحوا بذلك الباب على مصراعيه أمام من يريد الانحراف بالمسلمين تحت حجة المصلحة وتغير الزمان ومجاراة العصر. وبرغم ما أصاب دعاة الإسلام الوسطي المعتدل من ويلات نتيجة سيرهم في هذا الطريق، والذي تبين للقاصي والداني فشله ومخالفته لطريقة التغيير الصحيحة، إلا أن أصحاب هذا المنهج ما زالوا يصرون على المضي قدما في طريقهم، وما زالوا يحاولون التودد للغرب عله يقبلهم في لعبته الديمقراطية، ولنا فيما أقدم عليه حزب العدالة والتنمية المغربي الذي لطالما أكد في أدبياته على رفض التطبيع مع كيان يهود، واعتباره فعلا مدانا، خير مثال على حالة التردي والانحطاط التي وصل إليها أصحاب هذا المنهج، فقد فاق في تبريره للتطبيع مع كيان يهود أشد الحركات والأحزاب علمانية، فبأي مصلحة يتحجج هؤلاء وهم شركاء سوء وشهود زور لأنظمة العار؟!

يحتج هؤلاء بأن هناك أشياء وردت في القرآن الكريم لا نستطيع أن نعمل بها الآن؛ لأن العمل بها ضار بمصلحة المسلمين ولم يعد ملائماً لهذا العصر، ولم يبق له ما يُسوغه، فهم يزعمون أنَّ ما أمرت به الشريعة من قطع يد السارق ليس فيه مصلحة؛ بل صار مفسدة وسبَّة علينا، وصار الغرب ينتقدنا.

ومشكلة هؤلاء أنهم لم يفهموا الإسلام، وتمكنت الهزيمة النفسية أمام الغرب منهم، وقبلوا أن يكون الإسلام متهما، فانبروا يحللون ويحرمون على هواهم بحجة المصلحة وتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان. والحقيقة أن هذه الطريقة في التفكير هي طريقة مخالفة للإسلام، فهي تجعل الواقع مصدراً للحكم، بينما المصدر هو ما ثبت شرعاً أنه مصدر.

ومصادر الشريعة الإسلامية هي القرآن والسنة ليس غير، وأما أدلتها ففي القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي. والإسلام من خلال أنظمته يقدم تصوراً معيناً لما يجب أن يكون عليه الواقع، ولكيفية المعاملات والمعالجات والعلاقات. وحين النظر في الواقع فإننا نرجع إلى أحكام الإسلام لكي نعيد بناء الواقع والمجتمع على أساسها، فهي وحدها الرحمة وفيها المصلحة. أما أن ننظر إلى الواقع على علاته ونرضى به بناء على عقليات بشرية رأت أنه مصلحة ويُسْر، ثم نلجأ إلى النصوص الشرعية فنلوي أعناقها ونضع لها قيوداً ليست من الشريعة، فهذا لا يقره الإسلام ولا يرضى به. وعليه فإنه من الخطأ الفادح أن يقرر بعض العلماء اختيار الأيسر على اعتبار أن الدين يسر. بل الصحيح هو معرفة حكم الشريعة والالتزام به وبعد ذلك نقرر أن هذا الحكم هو اليسر. وفي هذا السياق يمكن فهم الحديث الذي روته عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، فالتخيير بين يسرين يكون بين مباحين بدليل "ما لم يكن إثما".

فالحكم الشرعي هو ما يحقق المصلحة وإن كانت رؤيتنا البشرية عاجزة عن إدراك وجه المصلحة في ذلك الحكم. فالمفهوم الإسلامي الصحيح أن المسلم مأمور بالالتزام بأمر الله، وعليه ألا يحيد عنه، وأنه إذا التزمه كان في ذلك الصلاح والمصلحة ويتحقق بذلك اليسر والرحمة. ولا يضير في ذلك أن يعجز الإنسان أياً كان عن إدراك المصلحة في ذلك، قَالَ تَعَالَى: ﴿وِمَا كَانِ لِمُؤْمِنْ وَلَاَ مُؤْمِنَةِ إِذَاِ قَضَى اللَّهَ وَرَسُولِهُ أَمْرْا أَنَ يَكون لًهُمْ الْخِيَرَةً مِن أَمْرهم﴾ [الأحزاب: 36]. وليس للمجتهد أن يختار لنا حكماً بناء على ما يراه مصلحة، فهذا هو الحكم بالتشهي، بل يستنبط الحكم من بيان الشريعة التي هي تبيان لكل شيء.

بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز

جريدة الراية: ماذا يعني حذف السودان من القائمة السوداء للحريات الدينية؟

 جريدة الراية: ماذا يعني حذف السودان من القائمة السوداء للحريات الدينية؟

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

أدرجت أمريكا السودان عام 1999م على القائمة السوداء حول الحريات الدينية ضمن مجموعة من الدول، قبل أن تنقلها في 20 كانون أول/ديسمبر 2019م، إلى قائمة المراقبة. ثم أزالتها بشكل نهائي، بعد أن قامت الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس وزرائها عبد الله حمدوك بعدة تغييرات وتعديلات قانونية، منها حذف قانون الردة.

أعلن السفير الأمريكي لشؤون الحريات الدينية سام براونياك أن السودان هو أول بلد في العصر الحالي يلغي قانون الردة! وامتدح السفير الخطوات التي اتخذتها كل من السودان وأوزبيكستان في مجال الحريات الدينية، مما أدى إلى رفعهما من قائمة المراقبة، بعد وضعهما عليها سابقاً. وفي يوم الاثنين 6/12/2020م أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في تغريدة على تويتر، أنه تم حذف السودان وأوزبيكستان من قائمة المراقبة الخاصة، بناء على التقدم الكبير والملموس، الذي حققته حكومتا البلدين خلال العام الماضي. وفي يوم الثلاثاء 7/12/2020م رحب السودان بقرار الإدارة الأمريكية القاضي بشطب اسمه من قائمة المراقبة الخاصة بالحريات الدينية، جاء ذلك في تدوينة عبر فيسبوك كتبها وزير الشؤون الدينية نصر الدين مفرح "سعدت كثيراً بشطب اسم بلادي من قائمة المراقبة الخاصة بالحريات الدينية بناء على التقدم الذي أحرزناه في مجال الحريات"، وأضاف، "إنها القائمة التي تمثل وصمة عار كتبها النظام البائد في صحيفته السوداء في بلد التنوع الديني والثقافي والإثني لتضاف إلى سجله المظلم"، وأكد مفرح أن "الحريات الدينية مبدأ ديني وقيمي والتزام حكومتنا تجاه شعبها قبل أن يكون أحد أسباب شطبنا من قائمة الدول ذات القلق في الحريات".

فما هي حقيقة قانون الحريات الدينية الأمريكي، الذي تعمل أمريكا على فرضه على الدول؟

لقد انطلقت فكرة القيام بتحرك أمريكي رسمي للاهتمام بالحريات الدينية في العالم بحملة واسعة من أجل ما سمي إنقاذ نصارى العالم من الاضطهاد، وأطلقها المحامي أمريكي الجنسية يهودي الديانة مايكل هورفيتز، الذي كان يشغل منصباً رفيعاً في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، خلال مقالة له نشرت في وول ستريت جورنال بتاريخ 5 تموز/يوليو 1995م بعنوان: "التعصب الجديد بين الصليب والهلال". وقد أدت جهود المروجين لمزاعم الاضطهاد الديني إلى تحرك وزارة الخارجية الأمريكية، وكان الرئيس كلينتون نفسه الذي أوعز إلى وزير خارجيته وارن كرستوفر بتشكيل لجنة أطلق عليها اسم لجنة الشريط الأزرق، برئاسة جون شاتوك مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك في تشرين الثاني/نوفمبر 1996م، ثم أعلن كلينتون في 16 كانون الثاني/يناير 1997م ما سمي بـ"اليوم الوطني للحريات الدينية" حيث قال إن إدارته سوف تضع قضية حق ممارسة الحريات الدينية كأحد المعايير التي تحكم علاقات الولايات المتحدة بالدول الأخرى، وكانت قد بدأت الخارجية الأمريكية في إصدار تقرير نصف سنوي حول أوضاع الحريات الدينية في العالم، وأُصدر بالفعل تقريران في 30 كانون الثاني/يناير 1997م والثاني في 22 تموز/يوليو من العام نفسه، وقد أثمرت الحملة اليهودية، وبعض الطوائف البروتستانتية المتعصبة، في الضغط على الإدارة الأمريكية، وبدأت مرحلة أخرى هي المرحلة

التشريعية! وهذه المرحلة شهدت ثلاثة مشاريع:

1-                    مشروع قانون فرانك وولف.

2-                    مشروع آرلين سبكتور.

3-                    مشروع دون نيكلز.

وكان وزير الخارجية الأمريكي قد أنشأ عام 1998م مكتب الحريات الدينية الدولية، بناء على توصية لجنة الوزير الاستشارية لشؤون الحريات الدينية، ثم جاء قانون الحريات الدينية الدولية فوافق على إنشاء هذا المكتب الذي يرأسه سفير دون سفارة، وأنيطت بالمكتب مسؤولية إصدار التقرير السنوي حول وضع الحريات الدينية، والاضطهاد الديني، في كافة دول العالم في شهر أيلول/سبتمبر من كل عام، وتحدد وزارة الخارجية على أساس التقرير ما تسميه بالدول التي تثير قلقاً بسبب انتهاكات منهجية، ومستمرة، وفاضحة للحريات الدينية، والتي تتعرض لعقوبات أمريكية من ضمنها عقوبات اقتصادية.

إذاً هذا هو قانون الحريات الدينية الذي تستخدمه أمريكا سيفاً مسلطاً على الدول لتتدخل في شؤونها الداخلية، وبسط نفوذها، وبخاصة في بلاد المسلمين، حيث يأخذ بعداً آخر هو ردّنا عن عقيدتنا الإسلامية! وواضح من استعراض تطور هذا القانون، بأنه يأخذ صبغة دينية نصرانية يهودية، وبالتالي فهو قانون يشجع الارتداد عن الإسلام في البلاد الإسلامية، ويحمي المرتدين من أبناء المسلمين بإزالة قانون الردة الذي يؤدي إلى قتل المرتدين، قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾، وقال سبحانه: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

فأعمال الدول الاستعمارية جميعها، ومنها الولايات المتحدة، هي محو الإسلام بشتى الوسائل والسبل، سواء أكانت خشنة؛ حملات عسكرية بشن الحروب وإيجاد الدمار الذي تقوم به هذه الدول عبر الاحتلال بجيوشها، أو ناعمة متمثلة بالغزو الفكري، والثقافي، والسياسي، وإزالة الأحكام الشرعية، وتقنين الأحكام الوضعية، وهذا العمل هو في حقيقته ضد مصالح الأمة الحيوية في الحفاظ على عقيدتها، وهويتها، وحضارتها، وبالتالي نقول لوزير الشؤون الدينية السوداني نصر الدين مفرح، إن هذا العمل لا يفرح الأمة كما تزعم كذباً بأنه مطلوب الشعب والثورة في السودان، بل إنه يغضب أهل السودان، لأنه يغضب رب العباد لمخالفته ونقضه لأحكام الإسلام، قال : «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ» وقال : «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» أخرجه البخاري.

وبالتالي فإن هذه الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، سائرة في إرضاء الغرب الكافر المبغض للإسلام والمسلمين، والمحارب لدين الإسلام بشتى السبل والوسائل، والمنفذ لكل سياسات الغرب الكارثية، من تمزيق للبلاد وإثارة النعرات القبلية والعصبية، وإفقار البلاد بنهب الثروات، وتدمير الأسر عبر إقرار اتفاقية سيداو، وقانون الطفل الأفريقي، والآن إقرار الردة لقلع العقيدة والدين من قلوب أهل السودان.

إنه لا مخرج للأمة والأهل في السودان إلا بثورة على هذا النظام بشقيه العسكري والمدني، وإسقاطه، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحمي البلاد والعباد، وتحقق الكفاية، وتحافظ على هوية الأمة وعقيدتها، ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.

بقلم: الأستاذ عبد الله حسين

 منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: أمريكا تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق هل هذه نذر حرب باردة؟

 جريدة الراية: أمريكا تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق هل هذه نذر حرب باردة؟

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

تناقلت وسائل الإعلام منذ 14 كانون الأول/ديسمبر 2020م، أنباء عن اختراق غير مسبوق لأجهزة وأنظمة المعلومات التابعة لمؤسسات أمنية وحكومية مختلفة في الولايات المتحدة وأعلنت عن احتمال وصول الاختراق لإدارة ترسانة الأسلحة النووية.

لعل أهم ما يلفت النظر في الإعلان عن الهجمات السيبرانية على أمريكا واختراق أهم مؤسسات الحكم فيها بما فيها وزارات الدفاع والخارجية والمالية وإدارة الأسلحة النووية هو الأمور التالية:

الإعلان السريع بأن روسيا تقف وراء هذه الهجمات، ومطالبة الرئيس المنتخب بالعمل الجاد على مجابهة روسيا وعدم التساهل معها، لدرجة أن بايدن صرح بأنه سيتخذ عقوبات رادعة وشديدة على روسيا منذ اللحظة الأولى لاستلامه الحكم.

الإعلان أن الاختراق الروسي للأنظمة الأمريكية مستمر منذ آذار/مارس أي لمدة 9 شهور قبل أن يعلن عنه. ما يوحي بأن توقيته ونقله إعلاميا بهذه الصورة هو مقصود.

تغريدة ترامب بأن اتهام روسيا لا مبرر له وهو تضخيم مقصود من الإعلام الكاذب وأن الأنظار يجب أن تتجه للصين بدلا من روسيا.

تصريح بايدن خلال مؤتمر صحفي يوم 22/12/2020 بأنه لا يجدر به الحديث علنا عن رد فعل قاس على مستوى استخدام سلاح نووي ضد روسيا بسبب الهجمات الأخيرة.

الادعاء بأن أجهزة الرصد الأمريكي لم تتمكن من رصد ووقف الهجمات السيبرانية حتى الآن ولا تزال أمريكا وبعض الدول الأوروبية تحت تأثير الهجمات السيبرانية.

إن التدقيق بهذه المعطيات جميعها لا بد أن يخلص لنتيجة مهمة تتمثل بإدارة أمريكا لهذه الأزمة بشكل يخدم الإدارة الأمريكية الجديدة. فمن الناحية التقنية لا يمكن التصور أن اختراقاً أمنياً إلكترونياً يدوم أكثر من 9 شهور دون كشفه في دولة كأمريكا لديها من التقنية ما يفوق قدرة روسيا والصين واليابان. والأرجح أن يكون قد تم استدراج أجهزة الاستخبارات الروسية لغرض ما، أو ضخّم الحدث لغاية في نفس صاحبها كما أعرب عن ذلك ترامب في تغريدته اليتيمة حول العملية. إضافة إلى أن ترامب صرح بأنه لديه معلومات كافية وأن الأمر كله تحت السيطرة.

ومع ذلك فإن التصريح عن أمر بهذا الحجم هو جد خطير. فمجرد إعلان أمريكا أن ترسانتها النووية قد وصل لها عدو، يعني أن يقف العالم على أعصابه خشية مما هو أعظم وأخطر. فماذا لو تمكن المخترقون من السيطرة على الأسلحة النووية؟ وماذا لو عملوا على استخدامها وتوجيهها إلى الأعداء والأصدقاء، وإشعال حروب عجزت عنها فترة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي سابقا؟

لا شك أن مثل هذه التساؤلات تفرض نفسها على العالم برمته. ولا بد أن ينظر العالم وخاصة حلفاء أمريكا بالمسؤولية الكافية لحمايتهم وعدم تعرضهم لخطر. وما يزيد من حدة الأزمة ازدياد التصريحات من مسؤولين كبار في أمريكا والتي تلمح وأحيانا تصرح بأن ما قامت به روسيا يرقى إلى حالة حرب أو إعلان حرب من طرف واحد.  ولعل هذا هو عين ما تسعى له أمريكا من خلال إدارتها لأزمة الهجوم السيبراني. فقد انتهت رئاسة ترامب دون تحقيق اختراق في عملية إعادة صياغة نظام عالمي جديد خاصة بعد رفض الصين القاطع لكل محاولاته وضغوطه، وفشلت جميع المحاولات لجر الصين إلى حرب باردة. ولعل تصريح ترامب بأن الهجمات السيبرانية هي صينية وليست روسية توحي بأن البوصلة الآن توجه إلى روسيا بدل الصين، ولكن للغرض نفسه خاصة أن أمريكا كما بين بريجينسكي لا يمكن أن تهيمن على العالم دون وجود طرف تتخذه عدوا، وإن كان باتفاق مسبق كما حصل في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.

فهل تعاود أمريكا إدراج روسيا في لعبة الحرب الباردة للتمكن من استمرارها بالهيمنة على العالم؟ خاصة وأن روسيا عملت بجد لإعادة بناء بنيتها التحتية بطريقة تحاول بها العودة إلى المسرح العالمي؟ فقد قفزت من المرتبة 22 إلى المرتبة 11 بين أكبر الاقتصادات في العالم، كما أبدت اهتماماً بالأزمة في سوريا وليبيا بالتنسيق مع أمريكا.

نعود إلى هجمات الأمن السيبراني الأخيرة والتي تشير بقوة إلى وقوف روسيا وراءها، وإلى الطريقة العلنية التي تتعامل بها أمريكا والتي تتعارض مع جميع قواعد التجسس والعمليات السرية، والتي عادة ما يتم مواجهتها والانتقام منها في الخفاء. ولكن أمريكا اليوم ترفع صوتها عاليا بأن بنيتها التحتية العسكرية والنووية الأكثر حساسية قد تعرضت للخطر بالرغم من أن هذا يشوه صورتها، وأن قيادتها للعالم قد يصيبها انتكاس كبير. إن الشيء الوحيد المؤكد حاليا هو أن أمريكا تصعّد قضية هجمات الأمن السيبراني، وتزيد من خوف العالم من الانتقام ومن اصطدام بين أقوى دولتين نوويتين.

 إن هذه الحالة تشبه إلى حد ما أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 والتي من خلالها انخرط قادة أمريكا والاتحاد السوفيتي في مواجهة سياسية وعسكرية متوترة استمرت 13 يوماً في تشرين الأول/أكتوبر 1962 بسبب تركيب صواريخ سوفيتية مسلحة نووياً في كوبا. وكان رئيس أمريكا جون كينيدي قد قرر فرض حصار بحري حول كوبا وأوضح أن بلاده مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر لتحييد هذا التهديد المتصور لأمنها القومي، وعليه خشي الكثير أن يكون العالم على شفا حرب نووية. لقد أشعلت أزمة الصواريخ الكوبية حقبة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي ضمن قواعد وأهداف واتفاقيات محددة جيداً، أصبح العالم بعدها تحت مظلة أمريكا بشكل أساسي والاتحاد السوفيتي بشكل أقل.

فهل يمكن أن يؤدي الإعلان الصاخب عن الهجوم السيبراني إلى إحداث أزمة خانقة تنتهي بتحديد معالم نظام عالمي جديد تحكمه حرب باردة بين أمريكا وروسيا؟ هذا يعتمد على العديد من العوامل؛ أولاً رغبة روسيا وقدرتها على تكرار سيناريوهات ساهمت في انهيار الاتحاد السوفيتي. ثانياً، قدرة بايدن على إتقان اللعبة بكاريزما وأسلوب الرئيس كيندي. ثالثاً، قدرة أمريكا على تجنب الانكماش المالي والاقتصادي، الذي ما زال يطرق بابها منذ أمد طويل وحتى قبل جائحة كورونا. رابعاً، مواقف أوروبا والصين وإمكانية خضوعهم لخطة يمكن أن يكون لها تأثير خطير على استقرارهم ونموهم ورفاههم. أخيراً  ظهور دولة مبدئية تشكل تهديداً خطيراً للنظام العالمي الحالي برمته كما هو متوقع عند قيام دولة الخلافة، الذي بات وشيكاً بإذن الله، وهو العامل الأكثر احتمالية لزعزعة استقرار النظام العالمي الحالي، والأمل الوحيد المتبقي في التحرر الكامل من الفظائع والكوارث للهيمنة الحالية لأمريكا وأنظمتها العالمية.

﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

بقلم: د. محمد جيلاني

جريدة الراية: أسباب انخفاض سعر صرف الدولار

 جريدة الراية: أسباب انخفاض سعر صرف الدولار

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

هناك العديد من الأسباب المؤدية إلى التغير في أسعار صرف العملات صعوداً ونزولا، لا سيما في ظل نظام نقدي عالمي لا تعتمد العملات فيه على غطاء معدني من ذهب أو فضة، ويتلاعب فيه السياسيون والاقتصاديون بسعر العملات وفقاً للمصالح الاقتصادية والتجارية الخاصة لكل بلد.

وتختلف العملات الصعبة عن غيرها من العملات الأخرى بسبب ثقة العالم بها، إذ عادة ما يكون هامش التغير فيها أقل من سائر العملات، لذلك تحظى هذه العملات بثقة المدخرين بها بصورة تجعلها عملات مرغوبة وجاذبة، كونها تحافظ على ثبات قيمها بشكل أفضل من غيرها.

لكن ومع ذلك فإنّ هذه العملات الصعبة تتعرض بين الفينة والأخرى لحالات من التغيرات الحادة في أسعار صرفها خاصة عندما تمر البلاد بأزمات اقتصادية تؤدي إلى الركود الاقتصادي الذي يجتاح الكثير من الدول نتيجة لهزات اقتصادية أو بسبب انتشار الأمراض المعدية مثل فيروس كورونا.

وبالنسبة للدولار الأمريكي وبالرغم من أنّه عملة عالمية أولى إلا أنّه قد طرأ على سعر صرفه انخفاض حاد في الأشهر الأخيرة، أثار حالة من القلق الشديد لدى الكثير من المتعاملين به والمدخرين له، والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة في هذه المرحلة غالباً ما يتعلق بماهية أسباب ذلك الانخفاض؟

نستطيع حصر أهم أسباب انخفاض سعر صرف الدولار في هذه المرحلة بالأسباب الأربعة التالية:

1- ارتفاع نسبة التضخم لمستوى 2%:

قرر مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) في 27/8/2020 السماح بارتفاع نسبة التضخم لمستوى 2% مُعللاً ذلك بمواجهة الركود الناشئ عن كورونا لتمكين الاقتصاد من إيجاد فرص عمل للعاطلين بعد أنْ بلغت نسبة الانكماش 31.7 حسب إعلان وزارة التجارة الأمريكية.

وقال جيروم باول رئيس مجلس الاحتياط: "إنّ سوق عمل قوية لا يُمكن الحفاظ عليها دون التسبّب في زيادة التضخم غير المرحب بها"، فهو يعترف صراحة بأنّ زيادة التضخم هو إجراء غير مرحب به، لأنّه من المعلوم أنّه يؤدي إلى خفض قيمة العملة وإضعاف القوة الشرائية لها، وبالتالي يُقلل من الدخل الحقيقي للعاملين.

فالتضخم من شأنه أنْ يُخفّض من صرف العملة، واقتصادات الدول القوية عادة لا تلجأ إلى التضخم بنسبة تزيد عن النصف بالمائة لمعالجة سوق العمل فيها، لكنّ أمريكا لجأت إليه بسبب ترهل اقتصادها خاصة في ظل هذا الركود الاقتصادي.

2– الإبقاء على النسبة الربوية على الدولار في نطاق الصفر:

قرّر مجلس الاحتياط الفيدرالي في 6/11/2020 إبقاء نسبة الربا على الدولار الأمريكي بما لا يزيد عن 0.25% أي في نطاق الصفر، وهذا يسهم في تخفيض قيمة الدولار، إذ يجعل المستثمرين لا يتمسكون بالدولار، ولا يودعونه في البنوك، وذلك لانعدام الأرباح من إيداعه بسبب عدم وجود نسبة ربا عالية تزيد من أرباحهم، أو تُشجعهم على الاحتفاظ بدولاراتهم في البنوك، مما يؤدي إلى قلة الطلب على الدولار وانخفاض سعره.

صحيح أنّ تخفيض نسبة الربا قد يُنعش الاقتصاد ويزيد في نموه، لكن ذلك عادة ما يكون على حساب العملة التي تخسر من قيمتها بسبب عدم وجود غطاء معدني لها.

3– فترة قرب انتهاء ولاية رئيس وانتظار قدوم رئيس جديد:

في مثل هذه الفترة حيث تنتهي فترة ولاية ترامب، وتُنتظر فترة رئاسية جديدة لجو بايدن عادة ما تتوقف العمليات الاقتصادية الكبرى التي تقوم بها الدول، فلا توجد صفقات كبيرة ولا مشاريع ضخمة، فأعمال التصدير الكبرى تكون في حالة انتظار وترقب، وهو ما يتسبّب بانخفاض الطلب على الدولار ممّا يُؤدي إلى انخفاض سعره.

4– ازدياد قوة العملة الأوروبية (اليورو):

إنّ تماسك الوحدة النقدية الأوروبية، وتوافق الدول الأوروبية السبع والعشرين المنضوية في منظومة اليورو، وإسنادها له بقوة، والتزام هذه الدول بتثبيت سعر صرفه، وقيامها بضخ المليارات منه في المشاريع الضخمة كمشروع الاتفاق الأخضر الذي رُصد له أكثر من تريليون يورو، للحفاظ على البيئة النظيفة الخالية من انبعاثات الكربون، والاستثمار الواسع في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتطوّرة، كل ذلك ساهم في تقوية مكانة اليورو بالنسبة للدولار وللعملات الصعبة الأخرى بوصفه عملة صعبة مدعومة من كتلة أوروبية كبيرة، وهو ما ساهم في انخفاض قيمة الدولار.

إنّ اليورو حالياً هو أقوى مُنافس للدولار، لانّ قوته شبه حقيقية، إذ تعتمد على قوة اقتصاد المجموعة الأوروبية التي وإنْ كانت لا تمتلك قوة سياسية تتناسب مع حجمها الضخم، لكنّها تمتلك سوقاً داخلياً كبيراً ومُوحداً يشمل خمسمائة مليون نسمة، وتنضوي بداخله دول غنية ومُتطوّرة كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وغيرها، لذلك كانت عملة اليورو تؤثّر تأثيراً محسوساً في قوة الدولار أكثر من غيرها، لأنّها تعتمد على قوة دولها الاقتصادية ولا تعتمد على قوة الدولار، بينما هناك الكثير من عملات الدول الكبرى كالصين وروسيا فما زال اقتصادهما وتبادلاتهما التجارية يعتمدان على الدولار.

لذلك كله كان سعر صرف الدولار يتأثر إيجاباً وسلباً بتغير وثبات سعر صرف اليورو، بينما لا يتأثر صرف الدولار هذا بأي عملة أخرى غير اليورو من العملات الصعبة.

والخلاصة: إنّ الحل الوحيد لمنع انخفاض سعر العملات يكمن فقط في جعلها تمتلك قوة ذاتية من الذهب والفضة كما هو الحال في دولة الإسلام، أي جعلها مُغطاة بالكامل بالذهب والفضة، وبذلك فقط تكون العملة مُنفصلة تماماً عن الاقتصاد، وعن السياسة، ولا تتأثّر بهما بتاتاً، لأنّ قوتها ذاتية، وليست تابعة لقوة الدول أو ضعفها، ولا لتلاعب الخبراء ولا لأمزجة السياسيين.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: ثمانية مفاهيم خطيرة يجب التّصدي لها في اتفاقية إسطنبول ج1

 جريدة الراية: ثمانية مفاهيم خطيرة يجب التّصدي لها في اتفاقية إسطنبول ج1

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

المفهوم الأوّل: الجندر أو النوع (الاجتماعي):

ورد في الفقرتين "ج" و"د" من المادة 3 من الاتفاقية: "... يشير مصطلح "النوع" إلى الأدوار والتصرفات والأنشطة والاختصاصات المبنية اجتماعياً والتي يعتبرها مجتمع معيّن مناسبة للنساء والرجال".

الفقرة "د": "يشير تعبير "العنف ضد المرأة القائم على النوع" إلى كل عنف يمارس ضد المرأة لأنها امرأة أو يطال النساء بكيفية غير متناسبة...".

تهدف اتفاقية إسطنبول إلى مكافحة ما تُسمّيه "العنف القائم على النّوع الاجتماعي" الذي تتعرض له النساء فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنظرية النوع الاجتماعي.

تقوم هذه النّظريّة على أن "الجندر" لا يرتبط بالجنس البيولوجي أي ثنائية الذكر والأنثى بل يجب ترك حُرية الاختيار للأفراد لتحديد جنسهم وميولهم دون ضوابط.

كما ترى هذه النظرية المنحرفة أن الهويّة الجنسيّة لا يجب أن تتحدد بالولادة كون الشخص ولد ذكرا أو أنثى، واعتبرت أنه لا تولد الفتاة فتاة ولا الولد ولدا بل يصبحان كذلك بإجبار من المجتمع والثقافة السائدة، وهو ما تعتبره الاتفاقية انغلاقا ورفضا للاختلاف خاصة في حرية اختيار الإنسان لجنسه.

إن هذا التفكير الفاسد المضطرب هو نتاج طبيعي لحضارة مادية تفصل الدين عن الحياة، أما حضارة الإسلام فهي حضارة ربانية تستقي مفاهيمها من قرآنها الذي أخبرها عن ماهيّة الفطرة البشرية والتي تبسطها الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].

المفهوم الثاني: المغالطة بالربط الخبيث بين العنف ضد النساء وعدم المساواة بين الرجل والمرأة:

ورد في ديباجة الاتفاقية: "وإذ تقر أن الطبيعة البنيوية للعنف ضد المرأة قائمة على النوع، وأن العنف ضد المرأة آلية من الآليات التي تستبقى بواسطتها النساء في وضعية خضوع للرجال؛ الاجتماعية والسياسية".

تعتبر اتفاقية إسطنبول أن طبيعة العنف الذي تتعرض له المرأة من الذكور في البيت كالزوج أو الأخ... أو في الفضاء العام هو نتيجة لعقلية ونفسية مبنية عند الرجل على أساس أنه حين يُعنّفها فذلك لاعتقاد دفين عنده بأنها لا تفهم إلا بتلك الطريقة وأنه يحق له ذلك لأنه ذكر وهي أنثى.

لا شكّ أنّ هذا المفهوم المنحرف خطير جدا لأنه يفتح الباب للصراع والاقتتال بين الذكر والأنثى سواء في العائلة أو في الحياة العامة، مما يشق عصا المجتمع ويفتت الجماعة والتعاون بين النساء والرجال في الحياة العامة. يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

إنّ الأصل هو أن الذكر يحنو إلى السكينة والمودة عند الأنثى والعكس صحيح، وبالتالي جعل الاتفاقية الأصل هو الحقد والاستصغار والكراهية يتنافى وما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى عن الفطرة البشرية وطبيعتها.

المفهوم الثالث: تجريم الأديان واستهداف الإسلام:

ورد في ديباجة الاتفاقية: "وإذ تقر أن العنف ضد المرأة تجل لموازين القوى غير المتكافئة تاريخيا بين المرأة والرجل، والتي أدت إلى سيطرة الرجل على المرأة والتمييز ضدها، وحرمان النساء من الانعتاق الكامل".

يحصر هذا المفهوم علاقة الرجل بالمرأة من منظور الصراع لا غير أي أن جل مفاهيمها ومنطلقاتها تقوم على نظرة ترى أن هناك تنافسا تاريخيا بين النساء والرجال على التسلّط وأن هناك انتصارا تاريخيا للرجل على المرأة.

وهنا يحيلنا لفظ "تاريخي" على كلّ ما هو دين مع التركيز على الإسلام بشكل خاص، فمثلا بالنسبة للعالم الإسلامي يُقصد بموازين القوى غير المتكافئة تاريخيا: أحكام الإسلام.

ونجد تأييدا لما انتهينا إليه في كتاب عبد المجيد الشرفي "الإسلام والحداثة" ص 225 إذ جاء فيه حرفيا:

"الأفكار الشائعة في اعتبار منزلة المرأة الدونية في المجتمعات الإسلامية عموما والمجتمعات العربية على وجه الخصوص، تعود إلى ما اختص به الإسلام من تعاليم وأحكام عطلت مساهمتها في الحياة الاجتماعية وجعلتها تحت سلطة الرجل أبا كان أم زوجا حبسها في البيت لتكون أداة متعة وإنجاب وخدمة".

هذا القول ليس إلا ترديدا لما قاله المفكرون العلمانيون في الغرب حيث يرى كل هؤلاء أن الميزان المختل تاريخيا بين النساء والرجال سببه الأساسي هو الدين والعادات والممارسات الاجتماعية التاريخية التي تؤصل لدونية النساء وعبوديتهن.

وعلى هذا الأساس الفاسد تقوم اتفاقية إسطنبول التي تسعى النخب السياسية والأكاديمية العميلة في تونس لتمريرها لمزيد من تأصيل المفاهيم العلمانية في المجتمع.

المفهوم الرابع: تسليط الدولة لتنصيب محاكم التفتيش في عقائد المسلمين:

ورد في المادة 12 الفقرة 1 و5 من اتفاقية إسطنبول أنه "بالتغيير في أنماط السلوك الاجتماعية والثقافية عند النساء تتخذ الأطراف التدابير الضرورية للدفع والرجال من أجل استئصال الآراء المسبقة والعادات والتقاليد وكل ممارسة أخرى قائمة على فكرة دونية المرأة أو على دور نمطي للنساء والرجال...

...الفقرة 5: يضمن الأطراف أن الثقافة أو العادات أو الدين أو التقاليد أو ما يسمّى "الشرف" لا تعتبر مبررا لأعمال العنف التي يشملها نطاق هذه الاتفاقية.".

يتضح من هذه المادّة أنّ الاتفاقية تجنّد الدولة لتكون خادمة لمشروع علمنة المجتمع ونشر الشذوذ فيه وإن كان البلد مسلما كما هو الأمر بالنسبة لتونس.

إنّ هذه الاتفاقية تُحوّل الدّولة إلى جندي خدوم لمشروعها يحارب أحكام الإسلام في ترسيخ متجلّ لحقيقة الفكر الدّيمقراطي الرأسمالي الذي يدّعي أن الدولة يجب أن تكون محايدة عن أي أجندة أيديولوجية وتقف موقفا محايدا من جميع الأطراف لتحافظ على الحقوق والحريات، لتجعل هذه الاتفاقية من الدولة معادية بصفة صريحة للدين وعلى رأسه الإسلام.

فعن طريق الدولة تضطهد هذه الاتفاقية البشرية جمعاء وتقمع حاجاتها الفطرية لتوجهها قسرا نحو مجتمع جديد ونظام جديد هو نظام الشذوذ والشواذ، مما يبين الانهيار والسقوط الأخلاقي لهذه المنظومة الفكرية الذي تحركه قوى العولمة الاستعمارية.

بقلم: الأستاذة حنان الخميري

 الناطقة الرسمية للقسم النسائي لحزب التحرير في ولاية تونس

جريدة الراية: عقوبات أمريكا على تركيا بسبب منظومة إس400! هل ستتنازل تركيا لرفعها؟

 جريدة الراية:  عقوبات أمريكا على تركيا بسبب منظومة إس400! هل ستتنازل تركيا لرفعها؟

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

فرضت أمريكا يوم 14/12/2020 عقوبات على الصناعة العسكرية التركية؛ بسبب قرار أنقرة اقتناء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس400"، وأدرجت رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية وأربعة مسؤولين في المؤسسة إلى قائمة العقوبات. وقال وزير خارجيتها بومبيو "أمريكا ستطبق القانون الأمريكي بشكل كامل ولن تتساهل حيال أي صفقات كبيرة مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين".

فرد الرئيس التركي أردوغان يوم 16/12/2020 قائلا: "إنها المرة الأولى التي يتم فيها فرض عقوبات وفق قانون كاتسا الأمريكي على دولة عضو في الناتو، فالعقوبات الأمريكية تمثل هجوما صارخا على الحقوق السيادية التركية. منذ البداية اقترحت تركيا تشكيل مجموعة عمل فنية وإيجاد حل للمشكلة عن طريق الحوار والدبلوماسية في حال وجود مخاوف بشأن شراء أنقرة إس400".

إن أصل المسألة يعود لأمريكا وتسخيرها لتركيا، إذ دفعتها لشراء هذه المنظومة حتى تغري روسيا بالبقاء في سوريا لتواصل تقديم الخدمات للحفاظ على النفوذ الأمريكي هناك، ورأت أن روسيا إذا طالت الحرب وضاق المستنقع عليها قد تقوم بأعمال تستعجل الحسم على غير ما يوافق حساباتها، فأوعزت إلى تركيا لتقيم ما يشبه التحالف مع روسيا لتضبط هجماتها على المعارضة التي حشرت في إدلب إلى أن تتمكن من تطبيق الحل السياسي. وكانت روسيا عام 2017 تتحفز للهجوم على إدلب وإنهاء المعارضة حتى تخرج من مأزقها، فقامت تركيا في أيلول 2017 وعرضت على روسيا شراء منظومة إس400 بمبلغ 2,5 مليار دولار، وهو ثمن مغر لروسيا، وكانت تمر في أزمة اقتصادية وتطبق عليها عقوبات أمريكية وأوروبية. وبرر أردوغان الحاجة لشراء المنظومة بعدم وجود عدد كاف من الطيارين لقيادة طائرات إف16 بعدما سرح أو اعتقل الكثير منهم عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. فلم تبد أمريكا اعتراضا يذكر وإن أعلنت تحفظها على الصفقة. وبدأ شبه التحالف التركي الروسي بالعمل حتى حصل اتفاق سوتشي يوم 17/9/2018 حول إدلب، فأعلنت أمريكا تأييدها ودعمها للاتفاق، حتى قال ترامب إنه كان وراء عقده. فذهب احتمال شن هجوم روسي كاسح على إدلب وضمنت أمريكا بقاء الوضع على الحالة التي تريدها، حتى تستوي الطبخة، وتتمكن من تطبيق حلها. فصعدت حملتها على الصفقة وبدأت تلوح بالعقوبات وكان أولها وقف مشاركة تركيا في إنتاج قطع لطائرة إف35.

إن تركيا دولة تدور في فلك أمريكا تنفذ مشاريعها ومخططاتها لتحقق بعض مصالحها وليحصل رئيسها أردوغان على الدعم الأمريكي حتى يبقى في الحكم. ولهذا فإذا تجاوز الحد أو تلكأ في تلبية مطالبها فإنها تقوم وتفرض عليه عقوبات حتى يلبي ما تريد. وهذا ما حدث في موضوع القس الأمريكي برنسون الذي سجن بتهمة التجسس، فطالبه الرئيس الأمريكي ترامب عام 2018 بإطلاق سراحه بعدما قال أردوغان "لن أطلق سراحه ما دمت حيا". فقام ترامب وأعلن عقوبات اقتصادية على تركيا أوجعتها، فما كان من أردوغان إلا أن تراجع وأطلق سراحه بعد ثلاثة أشهر، فرفعت العقوبات.

هذا وقد أوعزت إليه ليشتري منظومة إس400، وعندما حققت أهدافها كما ذكرنا في موضوع سوريا، طلبت منه أن يوقف إتمام الصفقة، وقد دفع ثمنها فأصبح في وضع حرج، بدعوى أنها تضر بالحلف الأطلسي وتكشفه لروسيا، لأن الرادارات التابعة للمنظومة ستتعرف على الطائرات الأمريكية. سيما وأنها تفرض عقوبات على روسيا بسبب موضوع أوكرانيا وضم القرم، وللتضييق عليها وجعلها تتنازل في هذا الموضوع وغيره من المواضيع. وفي الوقت نفسه يسهل عليها استخدام روسيا التي تتوهم أن أمريكا ستتساهل معها إذا قدمت لها الخدمات كما حصل في سوريا، فحافظت على النظام السوري التابع لأمريكا، ولو أنها كانت تعقل وكان عندها بعد نظر، لتركت أمريكا تغرق في المستنقع، لتسنح لها فرصة للبروز عالميا بقوة وتتحدى أمريكا.

نفهم من تصريحات أردوغان أنه مستعد للحوار أي الاستعداد للتنازل حتى ترفع العقوبات كما حصل في موضوع القس الأمريكي، ويؤيد ذلك بيان وزارة خارجيته بالقول: "ندعو أمريكا إلى إعادة النظر في هذا القرار غير المنصف ونكرر استعدادنا لبحث القضية عبر الحوار والدبلوماسية انسجاما مع روح التحالف". مما يؤكد استعداد تركيا لتقديم التنازلات لأمريكا، مثل عدم استعمالها للمنظومة. وقد أبدى وزير الدفاع التركي أكار "استعداد تركيا لتبديد المخاوف الفنية لأمريكا بتوافق منظومة إس400 مع مقاتلات إف35"، وقال: "مثلما يستخدم بعض أعضاء الناتو (اليونان) إس300 داخل الحلف ستستخدم تركيا منظومة إس400 بنفس الشكل"، أي عدم استعمالها ميدانيا، فاليونان وضعت هذه الصواريخ في المخازن ولا تستعملها.

إن الدولة التابعة كالسعودية، يلبي حكامها طلبات الدول الكبرى مقابل المحافظة على كراسيهم ويخدمون مصالحها ولو على حساب مصالح بلادهم، فأعلن سلمان وابنه تقديم نحو 500 مليار دولار لأمريكا دعما لاقتصادها على حساب اقتصاد بلادهم، وهددهم ترامب بأن النظام السعودي لا يبقى أسبوعان بدون الحماية الأمريكية. والهالك الملك حسين تنازل عن الضفة الغربية بما فيها القدس وسلمها ليهود بناء على طلبات سيدته بريطانيا، ولم يهتم بمصالح الأردن، وابنه عبد الله يسير على نهجه في تقديم التنازلات ليهود حتى يبقى في الحكم. والبشير تنازل عن جنوب السودان للبقاء في الحكم ولرفع العقوبات، وخلفه حكام السودان الجدد سالكين مسلكه في التنازل والخيانة، وأخيرا اعترفوا بكيان يهود... وهكذا في كل نظام تابع، فمصيره ومصير القائمين عليه مرتبط بالمستعمر.

وأما الدولة التي تسير في الفلك فإنها تقامر بمصيرها، إذ تربط تحقيق مصالحها بدولة كبرى تبدأ بالتحكم فيها والتلاعب بها وتجعلها تحت الضغط والتهديد، وهذا ما حصل مع إيران فخدمت أمريكا في أفغانستان والعراق وذلك باعتراف حكامها أنفسهم، وحصل ما حصل معها هناك، ومن ثم في سوريا وبدأت تضغط عليها لتخرجها منها وتعطيها دورا ثانويا، وتلاعبت بها في موضوع الاتفاق النووي.

وتركيا كذلك ما انفكت عن تقديم الخدمات لأمريكا باعتراف أردوغان بمساعدتها في حرب كوريا وفي أزمة كوبا وفي أفغانستان وما زال يساعدها ويخدم مصالحها هناك، فقدم مذكرة تفويض يوم 16/12/2020 للبرلمان لتمديد مهمة القوات التركية في أفغانستان 18 شهرا اعتبارا من 6/1/2021 خدمة للمصالح الأمريكية هناك.

ولهذا وجب على المسلمين إسقاط كل هذه الأنظمة، وإقامة دولة تجمعهم كلهم، نابعة من دينهم، خلافة راشدة على منهاج النبوة، لا تتبع دولة كبرى ولا تدور في فلكها، بل ترعى شؤونهم حق الرعاية، وتحقق مصالحهم كاملة، وتقيم صناعة الأسلحة الثقيلة والمتقدمة بيدها، فلا تعتمد على الاستيراد، ولا تضع مصيرها تحت التهديد، فلا تجعل للكافرين عليها سبيلا.

بقلم: الأستاذ أسعد منصور

جريدة الراية: تونس: الأزمة المتوارثة ج2

 جريدة الراية: تونس: الأزمة المتوارثة ج2

 

  10 من جمادى الأولى 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 30 كانون الأول/ديسمبر 2020مـ

تحدثنا في الجزء الأول عن أصل الأزمة تاريخيا وكيف كان البايات عموما مع اختلاف في قوة وضعف الولاء وللباب العالي مع ما لهم من نوازع استقلالية وميول أوروبية خاصة لو نظرنا في الموضوع وراعينا السياق وهو سياق ثورة صناعية أوروبية أبهرت الأبصار وأدخلت ارتباكا على العملاق العثماني الذي يريد الجمع بين المبدئية والواقعية أو بين التجذر في الهوية والأصالة والعصرنة أو بين المحافظة على الصفة والمضامين الإسلامية من حيث إن الدولة العثمانية هي الممثل الوحيد للمسلمين في العالم ككيان سياسي وبين أخذ نصيب من الثورة الصناعية بشكل يليق بدولة تتصدر وتتحكم في الموقف الدولي.

كان الارتباك واضحا وظاهرا في التعامل مع هذا المستجد خاصة مع الضعف التشريعي وتسرب الضعف الفكري بحيث كان كل شيء دخيل وغربي يُصبغ بصبغة الإسلام فيوقع عليه شيخ الإسلام بحيث "ما لا يخالف الإسلام فهو من الإسلام"، فكان مفهوما أن يسيطر على البايات هاجس ما يسمى بالإصلاح والعصرنة والتنافس على إحداث ثورة إصلاحية من حيث المظاهر المدنية بعقلية تسهيل رعاية شؤون الناس ولكن لم يكن مقبولا ولا مبررا أن يميلوا كل الميل إلى حد أخذ قوانين غربية مؤشرة بطابع إسلامي وإعطاء الطامعين من بريطانيين وألمان وفرنسيين وإيطاليين ثقة وأن يكونوا محل إجلال وإكبار بحيث يشرفون على قطاعات حساسة من تكوين عسكريين وأساتذة ومعلمين وإداريين، وكلّ ذلك ما كان ليكون لو كان الإسلام مفهوما بشكل صحيح وسليم من حيث التفريق بين ما يؤخذ من الغرب وما يرد.

حتى لا نستغرق في قراءة الواقع قراءة نقدية نعود لنواصل من حيث انتهينا في المقالة السابقة للحديث عن أزمة تونس المتوارثة التي يحاول الفاعلون في المشهد السياسي اليوم تسطيحها وجعل المشاكل تقنية وإدارية ولكن الجذور عميقة متوارثة، واليوم نأتي على فترة مهمة من تاريخ البايات والتي فيها إحداث لجنة مالية دولية وإحداث دستور الأمان وتغريب البلاد حضاريا وتمكين الأجانب عن طريق امتيازات كبيرة مع إرهاق أهل البلد بضرائب كانت مقدمة لحراك وثورة علي بن غذاهم وكل ذلك كان موجوداً في عهد الباي محمد وأحمد باي ولكن تبلور وتدستر في عهد محمد الصادق باي ووزيره خير الدين التونسي أو خير الدين باشا.

محمد الصادق باي ( 1859 – 1882):

أبرز ما ميّز فترة هذا الباي الذي مدحه الكثير وانتقده آخرون هو إعلانه لدستور عهد الأمان سنة 1861 وهو الدستور الذي مثل مسخ الهوية الإسلامية للبلد وبداية تغريب لعينة لأهالي الإيالة التونسية فكان ترسيخ القيم الأوروبية حيث احتوت بنوده الثلاثة الأولى على دسترة الحريات الشخصية والضرائب المجحفة دون تمييز بين الأشخاص والأديان والسماح للأجانب بحرية امتلاك الأراضي العقارية بالإضافة إلى امتيازات التنقيب عن مختلف المعادن حيث كان معظمها من نصيب فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، وهذا ما يزيل الغرابة عن أزمة هذا البلد في علاقته بثرواته المنهوبة والتي فرط فيها البايات ولم تبال بها دولة ما يسمى الاستقلال، وتم استدعاء الإرهاب والاغتيالات السياسية من أجل أن يظل هذا البلد محروما من ثرواته محكوما بدستور لا يختلف إلا في شكليات عن دستور الأمان حيث ظلت الدساتير من دستور الأمان 1861 فدستور 1959 حتى دستور 2014 كلّها لا تراعي إلا شيئا واحدا وهو: مصالح المستعمرين وخدمهم من السياسيين ورجال المال والأعمال حتى يبقى هذا البلد تحت وصاية المستعمرين، فأصبحنا كقول الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق ظهورها محمول

هذا أبرز حدث في عهد الباي محمد الصادق باي الذي كان تتويجاً لمقدمات أحمد محمد باي إذ كرس دستور الأمان الشخصية الغربية الحضارية للبلد في محاولة من البايات في نقض عروة الانتماء الإسلامي للدولة العثمانية ومحاكاة للأوروبيين وخاصة الوزير خير الدين باشا الملقب بخير الدين التونسي الذي كان يبدو عليه محاولة للجمع بين الأصالة والمواكبة في نظرة توفيقية تفتقد التأصيل الشرعي الذي لا يشذ عن التوجه العثماني ككل، حيث كان يسعى هذا الوزير إلى توثيق الصلة مع الباب العالي وفي الوقت نفسه كان منبهرا بالثقافة الأوروبية، وهذا واضح حيث أقام هذا الوزير نظاما برلمانيا وأسس لمجلس تشريعي له سلطة واسعة منها التشريع وحتى خلع الأمير إذا خالف الدستور، كما أن خير الدين باشا هو مؤسس مدرسة الصادقية التي قوبلت باستياء كبير وواسع في الشعب حيث اعتبرت محاضن تكوين المثقفين ثقافة أوروبية تكوّن أعداء مستقبليّين للبلد.

نعم كان هذا التخبط الكبير والانبهار الذي أعمى الأبصار سببا في عكس أصل المشكل من كونه مشكل فهم صحيح للإسلام إلى مشكل مزيف غير واقعي وهو دستور للبلد كما للأوروبيين دساتير حتى نواكب العصر ونتطور كما تطوروا.

فكان كلّ هذا مقدمة لثورة علي بن غذاهم سنة 1864 التي كانت تعتمل بسبب بيع الباي البلد للأوروبيين ومحاولة تغريب البلد وإدخال قوانين كفر على البلد زائد إثقال كاهل الناس بالضرائب دون مراعاة لأي فارق أو طبقة مجتمعية فكانت تطال الجميع علماء وعسكر وطلبة وفلاحين ويهود حاضرة كل الناس عوض أن لا تكون ضرائب على الشعب لأنها محرمة شرعا وليست من الطرق التي يسمح بها الإسلام حيث يجيز الإسلام فقط ضرائب على الأغنياء وفي أزمات معينة وبقدر معين وبشروط معينة في حالة شغور خزينة الدولة مما يكفي. فكانت ثورة انتهت بسجن علي بن غذاهم ليموت مسمّما في الاعتقال وحيث نجح مصطفى خزندار المعروف بفساده ورهنه للبلد بزرع الفتنة القبلية والعروشية وسط الثوار فأفشل الثورة ودعم ركائز دستور الأمان.

وخلاصة القول إن فترة حكم الصادق الباي التي سبقت فترة الاستعمار المباشر كانت تتسم بتغيير ملامح البلد وتهيئتها لفك ارتباطها مع الباب العالي وتمكين الأجانب خاصة الفرنسيين منها ومن ثرواتها وإنشاء محاكم خاصة بهم بحيث يخضعون في بعض القضايا إلى أحكام قناصلهم عوضا عن الحكم العثماني، وبالتالي كانت تهيئة لوضع تونس تحت وصاية المستعمرين الذين تغلغلوا في البلد إلى حدّ كتابة هذه الأسطر بل وحيث حتى اللحظة نتوارث هذه الأزمة والكل حكاما ومحكومين منذ البايات وحتى دولة ما بعد الاستقلال بل حتى ما بعد الثورة - إلا من رحم الله - أقصى ما يفعله الحكام والوسط السياسي هو فقط تحسين شروط العبودية وتغيير صعيد المعركة من معركة ضد الاستعمار لاسترجاع تونس منهم إلى خفض السقف لتكون معركة ضد الدكتاتورية لإرساء نظام برلماني هو نفسه ما أرساه البايات قبل الحماية والاستعمار...

وما أشبه اليوم بالأمس!

بقلم: الأستاذ أحمد بن حسين – ولاية تونس