Sunday, November 30, 2014

تلخيص كتاب التفكير جـ7



تلخيص كتاب التفكير جـ7

أما النصوص الشرعية ففهمها بحاجة إلى معرفة دلالة الألفاظ والتراكيب، ثم معاني الألفاظ والتراكيب، ثم استعمال معلومات معينة للوقوف على الفكر، فتجب معرفة اللغة ألفاظا وتراكيب، ومعرفة اصطلاحات معينة، ثم الوقوف على الأحكام. وإن كانت النصوص الأخرى يمكن قراءتها، ولكن النصوص التشريعية لا يجوز قراءتها من غير الإسلام؛ وذلك لأن القراءة إنما تكون من أجل الأخذ، ولا يجوز الأخذ من غير الإسلام، فإذا كانت الأفكار مبنية على العقيدة يكون ذلك مقياسا على صحتها، فالأحكام الشرعية تنبثق انبثاقا عن العقيدة، فالله سبحانه عندما قال اقرأ كان قد أباح القراءة، ولكنه سبحانه عندما حصر الأخذ بالأحكام الشرعية فقد جعل الإباحة خاصة بغير ما هو متعلق بالتشريع الإسلامي. والتفكير بالتشريع وإن كان يحتاج إلى معرفة باللغة العربية والأحكام الشرعية، إلا أنه يحتاج قبل ذلك إلى معرفة الواقع والحكم الشرعي ثم تطبيق الحكم الشرعي على الواقع، فإن انطبق عليه كان حكمه، وإلا فإنه يُبحث عن حكم آخر. والتفكير التشريعي يتطلب العناية بالألفاظ كالنصوص الأدبية، والمعاني والأفكار كالنصوص الفكرية، والوقائع والأحداث كالنصوص السياسية، فهو يتطلب العناية بكل ما تحتاجه النصوص الأخرى.
ويختلف التفكير بالنصوص الشرعية باختلاف الغاية، فالتفكير يكون لأخذ الحكم الشرعي أو استنباطه، أما أخذ الحكم الشرعي فيكفي فيه معرفة الألفاظ والتراكيب، وهي وإن احتاجت إلى معلومات سابقة عن الشرع إلا أنه يكفي فيها مجرد المعرفة الأولية، فلا تحتاج علوم البلاغة أو الفقه أو غيرها. فمثلاً إذا أراد الشخص معرفة حكم نوع من لحوم العلب فإنه يكفي أن يعرف أن لحم الميتة حرام وأن لحم العلب من هذا النوع لحم ميتة. أما التفكير لاستنباط الحكم الشرعي فإنه يحتاج إلى معرفة الألفاظ والتراكيب والأفكار الشرعية والواقع للفكر أي للحكم، فيجب أن يكون المُستنبِط عالما بالتفسير والأحاديث واللغة، وليس معنى كونه عالما هو أن يكون مجتهدا في هذه الأمور، بل أنه يستطيع أن يرجع إلى كتاب من كتب اللغة ليعرف إعراب كلمة، ويستطيع أن يسأل شخصا عالما بالأحاديث، فيكفي أن يكون ملما إلماما كافيا للاستنباط حتى يكون مجتهدا. لهذا فإن الاجتهاد خاصة هذه الأيام ميسور متوفر لكافة الناس، وهو وإن كان فرض كفاية، لكن تجدد الوقائع وتحريم الإسلام الأخذ من غيره يجعل فرض الكفاية هذا لا يقل لزوما عن فرض العين. ولكن يجب ألّا يؤخذ الحكم الشرعي بسهولة وخفة ودون تروٍ، بل المجتهد يجب عليه أن يكون دائم الملاحظة إلى ما تحتاجه النصوص من معرفة باللغة والأحكام الشرعية والواقع وانطباق الحكم الشرعي على الواقع، وإن كان هذا الأخير ليس من العلوم اللازمة للاستنباط، ولكنه نتيجة لصحة معرفة الأمور الثلاثة السابقة.
إن التفكير الشرعي هو لمعالجة مشاكل الناس، والتفكير السياسي هو لرعاية شئونهم، والتفكير السياسي يناقض التفكير الأدبي الذي يُعنى باللذة بالألفاظ والتراكيب. وأما بالنسبة للتفكير الفكري فإنه بحاجة لتفصيل، فهو إن كان تفكيرا في نصوص العلوم السياسية فإن التفكير السياسي والفكري يكادان يكونان نوعا واحدا، إلا أن التفكير الفكري يحتاج أن تكون المعلومات السابقة بمستوى الفكر، وإن كانت ليست من نوعه، فيكفي أن تكون متعلقة به، ولكن التفكير السياسي يحتاج إلى معلومات سابقة بمستوى الفكر ومن نوعه.
إن التفكير السياسي، كالتفكير بالأخبار والوقائع، هو أصعب أنواع التفكير؛ لعدم وجود أساس له يمكن السير عليه، لذلك فإنه يحير الباحث ويجعله عرضة للخطأ والأوهام إن لم يكن قد مر بالتجربة السياسية، ومتابعا للأحداث اليومية، ودائم اليقظة كذلك. وهو أعلى أنواع التفكير، وليس التفكير بالقاعدة الفكرية - مع أن جميع المعالجات تنبثق عنها - وذلك لأن القاعدة الفكرية نفسها هي فكر سياسي، وإلا فليست قاعدة صحيحة.
إن التفكير السياسي الحق هو التفكير بالأخبار، وإن كان يشمل التفكير بالأبحاث السياسية والعلوم السياسية، فهذان يجعلان الشخص عالما بالسياسة، أما الذي يجعل الشخص سياسيا فهو التفكير بالأخبار، على أن الإلمام بالعلوم السياسية ليس شرطا في التفكير السياسي فهي تساعد فقط في جلب نوع المعلومات عند الربط. على أن الغرب عندما نشأت عندهم فكرة فصل الدين عن الحياة والحل الوسط كانت الأبحاث السياسية قائمة على هذا الأساس، وعندما ظهرت الاشتراكية ظل أصحابها ملتحقين بالغرب؛ لذلك يجب الحذر عند قراءة هذه الأبحاث، لأنها تقوم على الحل الوسط.
إنّ العلوم السياسية كعلوم النفس، قائمة على الحدس، ومع أننا لا نفضل قراءة هذه الأبحاث لأنها من التشريع (كونها تحمل أفكار حكم)، إلا أنه نظراً لكونها نوعا من الأبحاث الفكرية فيها أبحاث سياسية فلا بأس بقراءتها من هذه الناحية.
ومن الأفكار السياسية التي تقوم على الحل الوسط عند الغرب هي فكرة القيادة الجماعية، ذلك أن القيادة كانت في الغرب فردية، فثار الناس وقالوا أن الشعب هو الذي يجب أن يحكم، فوضعوا حلا وسطا، وهو أن يقوم مجلس الوزراء بالقيادة، فهو ليس الشعب (بل الشعب يختار الحاكم)، وليس فردا، بذلك يكون قائماً على الحل الوسط. والواقع العملي يري أنه لا توجد فيه قيادة جماعية بل الذي يتولى القيادة هو رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء. كما أنهم قالوا بأن السيادة للشعب؛ لأنهم ضجوا من كون السيادة لحاكم يقرر ويملك الإرادة، فقاموا بإنشاء مجلس للنواب ينتخبه الشعب للتشريع، وهذا حل وسط؛ لأن الذي يشرع هو الحاكم وليس هذا المجلس، فوق هذا فإن واقع الحكم هو أن يختار الشعب الحاكم وتكون السيادة للقانون فلا سيادة للشعب ولا حكم للشعب. كذلك فإن الأمور العاطفية عندهم شيء والأمور الدينية شيء والحكم شيء، فهم عندما ثاروا على استبداد الحكام وتحكمهم بالكنيسة، فصلوا الأمور الخيرية والدينية عن الحكم، مع أن هذه الأمور هي من رعاية الشئون، والدولة هي التي تقوم بالإشراف عليها ولكن بأساليب خفية غير ظاهرة. هذا فيما يتعلق بالأبحاث السياسية فيما يتعلق بالأفكار، فكيف الأمر مع الوقائع والأحداث؟ والتي وإن كان فيها بعض الحقائق إلا أنها مملوءة بالمغالطات فيجب الحذر منها.
 09 من صـفر 1436
الموافق 2014/12/01م

No comments:

Post a Comment