Monday, November 24, 2014

تلخيص كتاب التفكير جـ 4



تلخيص كتاب التفكير جـ 4

أما التفكير في الكون والإنسان والحياة فهو ليس تفكيرا في الطبيعة؛ لأن الطبيعة أكبر من ذلك، وليست تفكيرا في العالم؛ لأن العالم كل ما سوّى الله تبارك وتعالى، وبحث العالم يشمل الشياطين فهو لا يعنيه، وبحث الطبيعة لا يغني الإنسان عن البحث في كونه وماهيته. إن الكون والإنسان والحياة هو مما يقع عليه الحس، وذلك أن الإنسان يدرك وجوده ويدرك الكون الذي يعيش فيه، فيبدأ بالتساؤل عما قبل هذا الكون وعما بعده، وتوجد عنده العقدة الكبرى، فهو إن لم يحلها حلا قطعيا تظل التساؤلات ترجع عنده. وهذا التفكير أمر حتمي، لأن الإحساس بالكون والإنسان والحياة أمر حتمي، ومن الناس من يتجاهل حل العقدة الكبرى ومنهم من يحلها، وبالعادة فإن الإنسان يقوم بطرح الأسئلة على أهله، ولثقته فيهم يوقن بأن إجابتهم هي الصواب، ولكن من الناس بعد البلوغ من لا يطمئن لهذه الإجابات فيحاول التوصل إلى الإجابة بنفسه. ذلك أن الحل إن لم يكن موافقا للفطرة تبقى التساؤلات تراود الإنسان، وإن حلها حلا لا يوافق الفطرة تبقى هذه التساؤلات تزعجه.
إن الشيوعية قد تجنبت التفكير في الكون والإنسان والحياة إلى التفكير في المادة، فأرجعت أصل هذه الثلاثة إلى المادة، والمادة جرتهم إلى المختبر، وأما الكون والإنسان والحياة فلا يخضع لها، فالتساؤلات تحتاج إلى تفكير عقلي وهم ينتقلون إلى التفكير العلمي، وبذلك يبقى الحل حلا لأفراد وليس لأمة، ولا دخل له بالحياة. إن حل العقدة الكبرى فيه جانب عقلي وجانب إشباع الطاقة الحيوية، والتفكير يجب أن يشبع الطاقة الحيوية، وإشباع الطاقة الحيوية لا بد أن يكون موافقا للعقل، وبهذا يكون الحل صحيحا وليس تخيلات، ولا بد أن يكون جازما حتى لا تعود التساؤلات للإنسان. صحيح أن الطاقة الحيوية تدفع الإنسان للإشباع وحل العقدة الكبرى، ولكن هذه الطريقة غير مأمونة العواقب، إذ قد تؤدي إلى الإشباع بالفروض والتخيلات، ولا يكون الحل صحيحا، فلا بد أن تحل العقدة الكبرى بالتفكير الذي يتوافق مع الغريزة.
أما إشباع الحاجات الأخرى فإنه يتطلب التفكير في العيش، ولكن هذا التفكير إن لم يكن مبنيا على النظرة إلى الحياة (لأن الإنسان يعيش في الحياة، فلا بد أن يكون تفكيره في العيش مبنيا على التفكير في الحياة)، فإنه لا يكون راقيا. صحيح أن التفكير في العيش يسبق التفكير في الكون والإنسان والحياة، ولكن حتى يكون الإشباع والتفكير في العيش راقيا لا بد أن يكون مبنيا على التفكير في الكون والإنسان والحياة. وصحيح أن ترك التفكير في العيش يؤدي بالإنسان من التفكير في عيش نفسه إلى عيش عائلته، ومن عيش عائلته إلى قومه ولكنه يبقى تفكيرا أنانيا لا راقيا. ولا بد أن يكون التفكير في العيش يؤدي الغاية من العيش، وأن يكون تفكيراً مسئولا، أي أن يفكر رب الأسرة مثلا في أهله، وبهذا يمكن أن يرتفع التفكير عن مستوى تفكير الحيوان، وهذا أقل ما يمكن اشتراطه وهو لا يعني بالضرورة أن يكون التفكير راقياً.
إن التفكير في العيش هو الذي يصوغ شكل الحياة، ونظرة إلى المبدأ الرأسمالي، الذي وإن صاغ تفكيره بالعيش بناء على الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وإن كان قد حقق نهضة للشعوب التي اعتنقته، إلا أنه جلب لهم الشقاء والبؤس، وجعلهم في حالة شقاق ونزاع على رغيف الخبز، فالرأسمالية تخلو من المسئولية ومن التفكير بشكل مسئول. أما الاشتراكية فهي وإن كانت قد جاءت لتوجد المسئولية، إلا أنها لم تصمد أمام الحياة وتحولت إلى الرأسمالية، فنظرة العيش حاليا رأسمالية غير مسئولة بحتة في كل العالم ولا بد من التحول عنها. صحيح أن التفكير بالعيش هو تفكير في إشباع الطاقة الحيوية، ولكن بدلاً من أن تكون هذه العلاقة بالرغيف بين الإنسان والإنسان هي علاقة أثرة، يجب أن تكون علاقة إيثار، فيفرح الإنسان عندما يعطي كما يفرح بالأخذ. وهذا لا يعني التفكير بإشباع الطاقة الحيوية للغير، ولكن يجب أن يتم التفكير بإشباع الطاقة الحيوية للنفس مع التفكير بالغير بشكل مسئول.
إن الحقيقة تعني مطابقة الفكر بواقع، فبعد نقل الواقع عن طريق الإحساس إلى الدماغ، وإصدار الحكم، إن كان الحكم مطابقا للواقع (مثل القول أن المجتمع مجموعة أفكار ومشاعر وأنظمة) كان هذا الحكم حقيقة، وإن كان غير مطابق للواقع (كالقول بأن المجتمع أفراد) فليس بحقيقة، بدليل أن مجموعة الأفراد في الباخرة لا يشكلون مجتمعا لعدم وجود علاقات بينهم، وعندما يكون الفكر مطابقا للواقع فإنه يكون متجاوبا مع الفطرة. ولا يقال أن الأشياء التي لا يقع عليها الحس لا يمكن الحكم عليها أنها حقيقة لأن شرط العملية العقلية هو الإحساس بواقع، لأن الإحساس بأثر الشيء يدل على وجوده ويكون حقيقة مثل وجود الله، ولكن ذات الله لا تقع تحت الحس وبالتالي لا نستطيع الحكم عليها.
يجب الانتباه إلى المغالطات في الحقائق، مثل محاولة طمس حقيقة بحقيقة أخرى، أو محاولة خلط فكر بحقيقة، أو التشكيك في حقيقة، مثلا أن اليهود أعداء للمسلمين حقيقة وأنهم أعداء لأهل فلسطين حقيقة، ولكن الحقيقة الثانية هي الظاهرة، فاتخذت أداة لطمس الحقيقة الأولى. هناك مغالطات تصرف عن الحقائق بإيجاد أعمال تصرف عن الحقيقة، فمثلا كون الأمة لا تنهض إلا بالفكر قام الغرب بصرف الناس عنها، بتشجيع الأعمال المادية مثل الإضرابات، وإيهامهم بأن النهضة تحصل بالأخلاق.
لا بد من التمسك بالحقائق والتمييز بينها وبين الوقائع، فهناك أمور أو آراء وليدة ظروف وهي خاصة بتلك الظروف، فلا يجب الخلط بينها وبين الوقائع، كحقيقة أن الساحل ثغرة ينفذ منها الغرب إلى البلاد الإسلامية، وكواقع أن الصليبيين قد هزموا المسلمين وقتها، فأهملت حقيقة أن الساحل ثغرة يجب سدها إلى واقع أن الصليبيين قد هزموا المسلمين. لا يصح تجريد الفكر من الظروف الخاصة به، ولكن الحقيقة لا يصح أن ينظر فيها إلى الظروف، لا سيما أن الحقائق تؤخذ بالطريقة العقلية وبالجانب اليقيني منها، وليس بالطريقة العلمية الظنية.
 03 من صـفر 1436
الموافق 2014/11/25م

No comments:

Post a Comment