Wednesday, February 27, 2019

جريدة الراية: الأردن إلى أين؟ ج7

جريدة الراية: الأردن إلى أين؟ ج7

  22 من جمادى الثانية 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 27 شباط/فبراير 2019مـ
بعد أن تم استعراض الحل الأمريكي والإنجليزي لقضية فلسطين كان لا بد من استعراض دور الأدوات المنوط بهم
أما الصراع فهو أن أمريكا منذ أن خرجت من الحرب العالمية الثانية وهي تعمل لأن ترث المستعمرات من جميع المستعمرين الآخرين، ومن ذلك المستعمرات التي تحت يد الإنجليز، فكان من خططها في ذلك إقامة دولة يهودية في فلسطين كما سبق، وربط هذا الكيان بها وليس مجرد الحل لأن الحل جزء من استراتيجية كاملة تتعلق بالمنطقة.
أما إنجلترا فإنها وقد أدركت ذلك فأخذت تعد العدة للوقوف في وجه أمريكا وحلها لأنها كانت تدرك حقيقة الأمر بإخراجها من المنطقة، فكان من خططها أن لا تكون فلسطين دولة يهودية بل أن تبقى على السياسة التي رسمتها لها سنة 1939 في الكتاب الأبيض (الدولة العلمانية) الذي رفضه جميع العرب ومنهم أهل فلسطين في ذلك الوقت، فلما نجحت أمريكا في إقرار مشروع التقسيم ووُجد كيان يهود، تركت بريطانيا للزمن أن يثبت فشل الحل الأمريكي في فلسطين وأيضا بوضع العراقيل واستغلال كل الأدوات لديها، واتخذت من شرق الأردن الأداة الأقوى والتي ترتبط باليهود ارتباطا عضويا لعلها تستطيع أن تحبط مساعي أمريكا، وتنفذ بها مخططاتها بشأن فلسطين.
وظل الحال كذلك لفترة طويلة، إلا أنه لما نجحت أمريكا بأخذ مصر من الإنجليز، ونجحت في إيجاد عميل لها يتولى زعامة مصر وزعامة البلاد العربية بما تملك مصر من إمكانيات وقوى ودعاية، قوي الجانب الأمريكي وضعف الجانب الإنجليزي، فأدى ذلك إلى ضمور دور الأردن، وتحويل المنطقة إلى أمريكا عن طريق زعامة عميلها عبد الناصر. فأدى ذلك إلى نقل الصراع من صراع على المنطقة وحدها، وعلى فلسطين بالذات إلى صراع على مصر بالذات، فكان من جراء ذلك حرب 1956 وحرب 1967 ثم أزمة الشرق الأوسط التي يعتبر الصراع على مصر هو بيت القصيد فيها، وكان من جراء ذلك بالنسبة لقضية فلسطين إيجاد ما يسمى بالكيان الفلسطيني من أمريكا تتبناه مصر، وإيجاد ما يسمى الفدائيين والمقاومة الفلسطينية من الإنجليز تتبناه الأردن ومن ورائه الكويت والسعودية والإمارات وتونس وليبيا والجزائر والمغرب، فتبلور موضوع الصراع في مشروع إنجليزي هو مشروع الدولة العلمانية لكل فلسطين، ومشروع أمريكي هو الدولة الفلسطينية، فكانت مصر وحفنة من الفدائيين بجانب المشروع الأمريكي، وكان الأردن وكبرى منظمات المقاومة وهي فتح بجانب المشروع الإنجليزي.
إلا أن المشروع الأمريكي لم يكن يظهر منه إلا أنه للضفة الغربية وقطاع غزة وكان يحاول إخفاء واقعه على الناس حتى لا تحصل العراقيل. إلا أن الإنجليز كانوا على علم بتفاصيل المشروع، وأنه رسم جديد لخريطة المنطقة كلها، وخاصة فيما يتعلق بالأردن وكيان يهود؛ فالمشروع يقضي بإنشاء دولة يهودية تشمل قطاع غزة وقسما من الضفة الغربية، وإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الشرقية من الأردن حتى معان جنوبا والباقي من الضفة الغربية وقسم من هضبة الجولان والعرقوب في لبنان، هذا هو المشروع. فلما اتفقت الدول الأربع الكبرى على تنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر سنة 1967 ووافقت على ذلك دول المنطقة ومن يعنيهم الأمر، رأت الدول الكبرى أن الشعب المصري والجيش المصري ومنظمات الفدائيين ستحول دون التنفيذ، لذلك ترك الأمر لينفذ ببطء، وليعمل على إزالة العوائق وكذلك رفض يهود للحل، فكانت حرب الاستنزاف لإقناع وإخضاع الشعب المصري والجيش المصري، وكذلك تهيئة الأمر عند يهود العقبة الكبيرة في الأمر، فلما نجح عبد الناصر بإقناع المصريين وإخضاعهم بواسطة حرب الاستنزاف فكرت إنجلترا في ضرب عبد الناصر بإشعال حرب واسعة في المنطقة يدمر فيها الجيش المصري ويجري احتلال القاهرة ودمشق، لذلك رتبت حركة شباط في الأردن، فإن الإنجليز كانوا يعرفون أن عبد الناصر يهيئ قوة عسكرية من الجيش الأردني والفدائيين للإطاحة بالملك حسين وإقامة الدولة الفلسطينية وكان الصراع بين الأردن ومصر على أشده ومعلوما لدى الجميع، ولما كان كيان يهود كالأردن كلاهما بيد الإنجليز والحل الإنجليزي أفضل لليهود، حرك الأردن جماعته المندسين على مصر للقيام بمحاولة انقلاب وتأسيس الدولة الفلسطينية حتى تنال تأييد عبد الناصر فيؤدي ذلك إلى حرب واسعة يقوم فيها يهود بالتآمر مع سوريا والأردن بضرب مصر، ولكن عبد الناصر تنبه إلى هذا وأوعز إلى أتباعه أن لا يقوموا بشيء. فتوقفت المحاولة واكتفي من حركة شباط بما حصل من حشد ثلاثين ألف فدائي حول عمان، وإظهار قوة الفدائيين، فلما قبل عبد الناصر والملك حسين مبادرة روجرز اتخذت إنجلترا ذلك وسيلة لتحريك الفدائيين فتأزم الموقف في الأردن منذ أواخر تموز سنة 1970 واتخذت الترتيبات لتحريك الفدائيين ضد الملك حسين للقيام بانقلاب، ولتدخل سوريا في الأردن بحجة إنقاذ الفدائيين فيكون ذلك مبررا لقيام كيان يهود بحرب واسعة تشمل الأردن وسوريا وتنتقل إلى مصر، وبالفعل بدأت الأزمة، وبدأ الملك حسين يحصد في الفلسطينيين لا في الفدائيين فحسب كي لا يفكروا في البقاء في الأردن، فكان ما كان من أزمة أيلول الأسود، إلا أن أمريكا قد جن جنونها، وكذلك عميلها عبد الناصر، فأوقفوا المحاولة وحالوا دون الحرب الواسعة، واكتفى الملك حسين بمتابعة ضرب الفلسطينيين.
إلا أن أمريكا لم تسكت عن تنفيذ مشروعها وخشيت من قيام يهود بحرب واسعة، لذلك وضعت المخطط لأن تقوم هي عن طريق مصر بإيجاد الدولة الفلسطينية، وأن تضع حدا ليهود وتهديدهم بالحرب الواسعة، فكان ما جرى من أمريكا وزيارة وزير خارجيتها وتهديد موشي دايان من الحرب الواسعة وبدء الأعمال الجدية للسيطرة على تحركات يهود والعمل فيهم، وقد حملها على ذلك موت عبد الناصر، وفقدان الزعامة المؤثرة من مصر ورجلها القوي بمجيء رجل ضعيف وهو السادات والانتقال من الهجوم إلى الدفاع عن مصر، وتعرض مصر لخطر الانتقال إلى يد الإنجليز.
لقد أوجد هذا الجو في المنطقة حالة جديدة كان من جرائها تركيز الصراع على مصر، وجعل جميع التحركات من الإنجليز لأخذ مصر، وأما من الأمريكان فكان للدفاع عن مصر. فقد صارت إنجلترا تستهدف الوجود الروسي في مصر عن طريق الأعمال الدولية، وصار كيان يهود، يستهدف الوجود الروسي في مصر، لذلك صار عزم يهود على حرب واسعة ضد مصر وسوريا أمرا ظاهرا للعيان، وقامت أمريكا إلى جانب ذلك بمحاولات جادة في المنطقة فأخذت سوريا إلى جانبها، ونصبت حافظ أسد رئيسا عليها، وتحركت في العراق فوجدت جبهة من الشيوعيين والناصريين وجناح الشباب من حزب البعث، وصارت تحاول أخذ العراق وأخذت تعمل في الأردن لقلب نظام الحكم وإيجاد الدولة الفلسطينية، وبذلك توجد الجبهة الشرقية لتخويف كيان يهود من أن يقوم بحرب واسعة، ومنعه من الانتصار إذا ركب رأسه كما فعل سنة 1956 و1967.
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)

No comments:

Post a Comment