Wednesday, September 28, 2016

الانتخابات التشريعية حرامٌ وعبثيَّةٌ قاطعوا العبث ولا تنتخبوا البرلمان الذي يشرع من دون الله

الانتخابات التشريعية حرامٌ وعبثيَّةٌ قاطعوا العبث ولا تنتخبوا البرلمان الذي يشرع من دون الله

أعلن يوم السبت 09/24 عن افتتاح الحملة الانتخابية في المغرب لملء مقاعد البرلمان للولاية التشريعية 2016-2021. وككل مرة، ينشغل الناس بالحملات الانتخابية، وتتعالى أصوات الدعايات، كلٌّ يمدح نفسه وحزبه ويقدم الوعود المغرية للجماهير ويُصوِّر برنامجه على أنه الخلاص أو على الأقل أحسن الموجود، ويذمُّ منافسيه ويُصوِّرهم على أنهم أساس البلايا وأسباب المشاكل التي تعاني منها البلاد. ثم تُقام الانتخابات وما إن تظهر النتائج حتى تبدأ بورصة التحالفات، فيختصم الحلفاء ويتحالف الخصوم وتختفي عداوات وتظهر أخرى!
ومرةً بعد أخرى، ما إن تُسلَّم الحكومة ما يراد لها أن تتسلَّم من زمام الأمور، حتى تبدأ الوعود الانتخابية في التبخر شيئاً فشيئاً، فتستمر الأمور على ما كانت عليه: الحكام الحقيقيون يستأثرون بعظائم الصفقات ويوجهون دفة الدولة سياسياً وقانونياً واقتصادياً لما يخدم مصالحهم، و"صغار" المسئولين يحاول كل منهم أن يستغل منصبه لتحقيق ما يستطيع من مصالح شخصية.
لقد أدرك الناس في المغرب وفي العالم واقع الانتخابات في الأنظمة الرأسمالية الديمقراطية، وأدركوا أنها لا تُسمن ولا تغني من جوع، فهي في بلاد الغرب الديمقراطيَّةِ تعكس إرادة أصحاب رؤوس الأموال فهم الحكام الحقيقيون، وأما في غيرها من البلاد وخاصة في بلاد المسلمين فالانتخابات إطالة لعمر الفئات الحاكمة المستبدة والفاسدة، وأن المنتخَبين مهما كانوا صالحين فإنهم لا يملكون من الأمر شيئاً ولا يستطيعون إيجاد أي تغيير جذري حقيقي، لذلك طفت على السطح ظاهرة ما يسمى "العزوف الانتخابي"، وقد حاولت الدولة في المغرب في كل مرةٍ إظهار هذا العزوف وكأنه هامشي وغير ذي بال، إلا أنه بدا واضحاً في الانتخابات الجماعية لسنة 2015، حيث أعلنت الجهات الرسمية حينها أن نسبة المشاركة قد بلغت 53.67%، إلا أن ما لم يركز عليه الإعلام حينها هو أن هذه النسبة قد احتُسبت من المسجلين مسبقاً في اللوائح الانتخابية (وعددهم يقارب 15 مليوناً)، لا من عموم من يحق لهم التصويت وعددهم يقارب 26 مليون شخص. فإذا حُسبت النسبة ممن يحق لهم التصويت عموماً، فستكون نسبة المشاركة الحقيقية في الانتخابات هي حوالي 31% فقط، أي أن أكثر من ثلثي من يحق لهم التصويت قد قاطعوا هذه الانتخابات.
والأمر نفسه يقال عن انتخابات 2011 و2007 حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة من المسجلين 46%، و37%.
إن العقلاء لا يمكن إلا أن يدعوا إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية لسببين: أولاً لأنها عبثية حيث لا يملك الفائز أي صلاحيات حقيقية، وثانيها أنها تمنح شرعية لاستمرار نظامٍ ظالمٍ بدعوى أنه يقيم انتخابات ويسلم السلطة للشعب ويسمح بالتداول على السلطة. إن الغاية من الانتخابات البرلمانية في المغرب بكل وضوحٍ هي:
تعيين حكومة تُسند إليها مهمة تهيئة الأجواء "ديمقراطياً" للحكام الحقيقيين (القصر وحاشيته) لاستمرار سطوتهم على كل مناحي الحياة،
تحمل مسئولية المظالم الواقعة وتشكيل درع يقي القصر انتقادات الشعب.
إلا أن الأمر ورغم وضوحه، فإنه لا يجوز أن يُكتفى بالنظر إليه من هذه الزاوية فقط، ولكن يجب أن يُبحث أيضاً من زاويةٍ شرعية، أي أنه يجب طرح سؤال: ما حكم الانتخابات شرعاً، وما حكم المشاركة فيها ترشحاً ودعاية وتصويتاً؟
والتدقيق في واقع الانتخابات البرلمانية يُرينا أنها وجهٌ من وجوه الوكالة، فتصويت الناخب لمرشح ما هو بمثابة توكيل له للتحدث نيابةً عنه في البرلمان، وعليه فبحث موضوع الانتخابات يجب أن ينصبَّ على بحث مدى صحة عقد الوكالة. يقوم عقد الوكالة على خمسة أركان هي: الإيجاب والقبول، والموكِّل، والوكيل، والأمر الذي يُوَكَّل فيه، وصيغة التوكيل. فأما الأركان الأول والثاني والثالث والخامس فواضحة ولا تستحق عميق بحث في موضوعنا، ويبقى الركن الرابع وهو موضوع الوكالة، وبحثه يقتضي بحث عمل البرلمان وصلاحياته.
بحسب الدستور الحالي، يقوم البرلمان بأعمال رئيسية هي:
1. التشريع (الفصل 70 من الدستور)،
2. التصويت على القوانين ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية (الفصل 70 من الدستور)،
3. منح الثقة للحكومة (الفصل 88 من الدستور).
1/ أما التشريع فهو عملٌ لا يجوز للمسلم أن يمارسه لا تشريعاً ولا تصويتاً على تشريع، لا بسلبٍ ولا بإيجابٍ حتى وإن وافق هذا التشريع الشرع الإسلامي الحنيف، لأن مصداقية التشريع ومرجعيته في الإسلام تكمن في كونه استُنبط من دليل من الشرع، أي كونه انبثق من العقيدة الإسلامية وأتى به الوحي، سواء أوافق الشعب عليه أم لم يوافق، صوت عليه البرلمان وأقره أم لم يفعل، فالتشريع لله وحده ولا يحقُّ لأحدٍ أن يشارك الله تعالى فيه، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾ [الأنعام: 57]، وقال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: 116]. وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ»، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: 31] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قُلتُ: بَلَى، قَالَ: «فَتِلكَ عِبَادَتُهُمْ» [رواه الترمذي في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم، وحسّنه الألباني].
2/ وأما منح الثقة لحكومةٍ علمانيةٍ أو حاكم لا يحكم بما أنزل الله، فمن البدهي أنه محرم، ومن يفعل ذلك فإنه سيكون شريكاً للحاكم في الإثم.
3/ وأما محاسبة الحكومة والحكام وتقييم السياسات وتقويمها فهو واجب شـرعي، وهـو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو واجب على المسلمين، وهو في حق النائب أوجب. إلا أن الانخراط في البرلمان، في ظل نظام يحكم بغير ما أنزل الله، سيكون مسايرة للظلمة ومشاركة لهم في ظلمهم إلا إذا استوفى المرشح الشروط التالية:
أن يعلن على الملأ رفضه النظام الديمقراطي الغربي،
أن يعلن أنه يعمل لتغيير الأنظمة المخالفة للإسلام وإيجاد الإسلام مكانها وأنه سيستخدم البرلمان منبراً لذلك،
أن يأخذ برنامجه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تكون محاسبته للحكومة والحكام بناء على الأحكام الشرعية،
ألا يشترك في حزب أو قائمة مرشحين علمانيين أو يتعاون معهم،
وعليه فأعمال البرلمان ثلاثة، اثنان منها محرمة، والثالث مقيد بشروط لا يتصور التقيد بها في ظل الأوضاع الحالية. فيكون عمل البرلمان محرماً وتكون الوكالة في التصويت قد وقعت على الحرام، ومن المعروف أن الوكالة على الحرام حرام، وأن ما يحرم فعله يحرم توكيل أحدٍ للقيام به. ومنه نقول إنه يحرم المشاركة في الانتخابات البرلمانية التشريعية ترشحاً ودعاية وتصويتاً، وكل مرشح يكون آثماً ولا يجوز للمسلمين أن يساعدوه ولا أن ينتخبوه ولا أن يهنئوه إذا نجح.
إن الدعوة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية هي دعوة لمقاطعة التشريع من دون الله وهي ليست دعوةً إلى العزلة والانسحاب من العمل السياسي، فالإسلام حثَّ المسلمين على خوض غمار السياسة لكن ليس على أساس الديمقراطية الغربية، وإنما على شروط الإسلام وأحكامه. إن المشاركة في الحياة السياسية وفق الشروط التي تفرضها الدول القائمة هو مطلبٌ وغايةٌ غربيةٌ، لذا يتم تصويره وكأنه السبيل الوحيد لخوض غمار السياسة حتى يُساق له الجميع سوقاً. لقد أصبح واضحاً أن الجهة الوحيدة التي كانت تتمنع من المشاركة السياسية هي الحركات الإسلامية، وقد بذل الغرب وأتباعه جهداً كبيراً لإقناعهم بالعدول عن موقفهم، وقد نجحوا في ذلك في عدد من الدول مثل العراق وفلسطين ومصر وتونس والجزائر والمغرب، وكانت النتائج كارثية للحركات الإسلامية ما بين تقتيل كما حدث في مصر والجزائر، وتهميش وإقصاء كما حدث في العراق وتونس وفلسطين. أما في المغرب، فقد تم استغلال الإسلاميين كما هو معروف كطوق نجاةٍ للقصر من أحداث الربيع العربي دون أن يُعطَوْا أيَّ صلاحياتٍ حقيقية، ولا تزال محاولات إشراك البقية القاصية منهم قائمةً، وتجلّت في السماح بترشح بعض السلفيين، الذين كانوا على اللائحة السوداء، بعد أن قاموا بالمراجعات المطلوبة وتحولوا من معارضين للنظام إلى مسبِّحين بحمده!
إن الإسلام قد فرض علينا العيش بأحكامه في دولة الخلافة، وفرض علينا حين غياب الخلافة العمل لإقامتها ومحاسبة الحكام والتغيير عليهم بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، بالصراع الفكري والكفاح السياسي، وإلا ازداد حالنا سوءاً وعاقَبنا اللّهُ في الدنيا والآخرة. إن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة من خلال تكتل سياسي يتبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في التغيير أي بالصراع الفكري والكفاح السياسي هو العمل السياسي الواجب على المسلمين اليوم لتغيير أوضاعهم والارتقاء بأحوالهم. وإن تصوير أن التغيير لا يمكن أن يكون إلا من خلال البرلمانات العبثية التي تشرع من دون الله في مقابل التغيير بالعنف والأعمال المادية أو العزلة هو تصوير مقصود لتوجيه اختيارات الناس حسب مقتضى الحال، وهو صرف للمسلمين عن الطريق السياسي السلمي في التغيير؛ طريق الرسول صلى الله عليه وسلم. إن تغيير هذه الأوضاع على نهج طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بمستحيل كما يحاول تصويره الجهلاء أو الجبناء أو المضللون، بل هو ضمن استطاعة الأمة الإسلامية إذا توكلت على الله وقامت بما أوجبه عليها. فلا يدفعنكم اليأس والقنوط إلى السكوت عن أنظمة الجور أو مجاراتها، ولا تَلفتَـنّكم الأمور الجانبية عن العمل للتغيير ولاستئناف الحياة الإسلامية، وحمل الإسلام رسالةً إلى العالم من خلال دولة الخـلافـة الراشدة على منهاج النبوة التي ستوحد المسلمين إن شاء الله على قلب رجلٍ واحدٍ وتحت رايةٍ واحدةٍ، وتزيل هذه الدويلات المتناثرة في بلاد المسلمين، وتخرجنا من جور هذه الأنظمة الفاسدة إلى عدل الإسلام، ومن ثـَمَّ تكون لنا دولةٌ واحدةٌ، الخـلافـة الراشدة على منهاج النبوة، تطبق الإسلام وتظهره على الدين كله ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله
26 من ذي الحجة 1437هـ   الموافق   الأربعاء, 28 أيلول/سبتمبر 2016مـ

No comments:

Post a Comment