Monday, January 30, 2017

العقدة الكبرى والعقد الصغرى ح4

العقدة الكبرى والعقد الصغرى ح4

إن العقد الصغرى تنشأ عند الإنسان من مظاهر الغرائز الثلاث والحاجات العضوية لديه،
- حين لا يشبعها،
- أو حين يشبعها إشباعاً خاطئاً،
- أو حين يشبعها إشباعاً شاذّاً
فهذه ثلاثة من الاحتمالات الممكنة عند كل إنسان، حينما يثور لديه أي مظهر من مظاهر الغرائز أو الحاجات العضوية. والاحتمال الرابع هو الإشباع الصحيح الموافق لحل العقدة الكبرى، فلا ينشأ عنه مشكلة أو قلق أو اضطراب، والاحتمال الأخير ألاّ تثورَ لديه فلا يحتاجَ لإشباعٍ، ولا تسببَ له مشكلة.
وربما قال قائلٌ: هذا شأن الذي ثارت لديه لم يشبع، فلماذا عممت على من أشبع إشباعاً خاطئاً، أو إشباعاً شاذّاً؟
والجواب: أن تركيب هذا الإنسان العجيبَ جعله لا يسعد إلا بالإشباع الصحيح الموافق لحل العقدة الكبرى الصحيح، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)، وغير ذلك من الآيات والنصوص الشرعية القطعية الدلالة على ما نقول.
ولربما قال قائل إن هذه الأدلة تستدلّ بها وتحتجّ بها على المسلم الذي يؤمن بهذه الأدلة، وبمصدرها، وأما غير المسلم فكيف تثبت له أنه يشقى سواء أشبع أم لم يشبع؟
والجواب هو في واقع هذه الغرائز والحاجات، فالمشاهد المحسوس أنها لا تتطلب مجرد الإشباع، وإنما تتطلب شيئاً آخر غير الإشباع، وبيان ذلك في أنه لا يمكن الشبع إلا بإحدى حالتين:
1- توقف قدرة الإنسان على الإشباع، كمن يأكل حتى لا يبقى لديه قدرة ليأكل أكثر مما أكل.
2- تسيير السلوك في الإشباع أو عدم الإشباع بحسب ما يقتضيه الحل الصحيح للعقدة الكبرى، فسواء تحقق الإشباع أم لم يتحقق فإن الرضا يتحقق عند الإنسان.
ونوضح أكثر بمثال آخر:
يسعى الإنسان لأن يمتلك مالاً، ويجدّ ويكدّ وينفق ليله ونهاره، وحين يمتلك هذا المال فإنه يحس بمتعة الحصول عليه وامتلاكه أول ما يحصل عليه، ولكن بعد ذلك يثور لديه إحساس يدفعه لأن يسأل نفسه: وماذا بعد؟ أو بالعامية: وبعدين؟ وهذه الحالة يجدها كل إنسان لم يحلّ العقدة الكبرى حلاً عقلياً صحيحاً، ودون ربط الإشباع بحل العقدة الكبرى، لارتباط الإشباعات عند الإنسان بما بعد الحياة الدنيا.
ويمكن أن نسميها بـ (البعدية) أو (البعدينية) التي تسبب الشقاء للإنسان، سواء أشبع أم لم يشبع، أشبع بشكل خاطئ، أم بشكل شاذّ، حتى لو أشبع إشباعاً صحيحاً دون ربطه بحل العقدة الكبرى لديه فإنه يحسّ بالإحساس نفسه.
ولذلك فإن الإشباعَ الوحيدَ المؤدّي إلى الاستقرار والرضا والطمأنينة لا يمكن أن يكونَ إلا بتحقيق الأمور الثلاثة التالية:
-الإشباع على هيئة معينة وكيفية معينة، وهو أن يكون بحسب أوامر اللهِ ونواهيه.
-ربط الإشباع على هذه الهيئة والكيفية بحلِّ العقدةِ الكبرى، وتمثّل أنّ هذا الإشباع بهذه الكيفية هو ما انبثق عن حل العقدة الكبرى.
-تمثُّل الغايةِ من الإشباع على هذه الهيئة وهذه الكيفية، وكون الغاية تحقيق رضوان اللهِ.
بهذه الأمور الثلاثة تتحقق الطمأنينة، ويتحقق الرضا النفسي المستمر عند الإنسان، ويتحقق هذا في حالتي الإنسان: الإشباع، وعدم الإشباع، فهو يحقق الرضا والطمأنينة حتى لو لم يشبع، كالصائم الذي يمتنع عن طعامه وشرابه، ويقرصُه الجوع، لكنه راض تمام الرضا، ومطمئنٌ كامل الطمأنينة، لأنه يسير إشباعه وعدم إشباعه بحسب أمر الله ونهيه، ويربط هذا الإشباع أو عدم الإشباع بحل العقدة الكبرى لديه، ويتمثلُ الغايةَ التي أشبع أو لم يشبع من أجلها، فيحقق رضوان الله تعالى، ويحقق الطمأنينة والرضا.
وعليه فلا بد من نظام كامل للإشباع، لإشباع الحاجات العضوية، ومظاهر الغرائز لدى الإنسان، نظام منبثق من حلّ العقدة الكبرى، يعطي صاحب هذا الحل كيفية محددة لإشباع كل حاجة وكل مظهر من مظاهر الغرائز لديه، فتنحلّ كل العقد الصغرى عنده.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو محمد – خليفة محمد - الأردن
3 من جمادى الأولى 1438هـ   الموافق   الثلاثاء, 31 كانون الثاني/يناير 2017مـ

No comments:

Post a Comment