Wednesday, April 27, 2022

أوراق بحثية فكرية وسياسية

 

الورقة الأولى: سلطان الأمة المغتصب أداة النفوذ السياسي للاستعمار

 

  21 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الجمعة, 22 نيسان/ابريل 2022مـ

في هذه الأيام من شهر رمضان الفضيل، تكون الأمة الإسلامية قد سلخت مائة وعاماً واحداً وهي بعيدة عن أنظمة الإسلام وأحكامه، تطبق عليها الحضارة الغربية الضالة المضلة المضللة، فالتضليل هو أخطر الأسلحة التي تستخدمها الحضارة الغربية، فبه يصبح الحق باطلاً، والباطل حقاً، والحسن قبيحاً، والقبيح حسنا!!

مائة عام وعام تعيشها الأمة وسلطانها مغتصب، فما المقصود بأن سلطان الأمة مغتصب؟ وكيف ذلك والانتخابات تعقد في كثير من بلاد المسلمين، والملايين يخرجون في الطرقات يستقبلون حكامهم، وآخرون من الحكام يزيفون إرادة الناس فيصنعون لهم من يسمونهم بأهل الحل والعقد، وأهل الشورى والزعامات الدينية والقبلية والمذهبية وغيرها، ثم يجعلون من هذه الصناعة أداة لهم للجلوس على كراسي الحكم، فهذه الزعامات المصنوعة تدعي الوصاية على الشعب، وقيادات العسكر والجيوش يزعمون أنهم أوصياء على الشعب!

إن سلطان الأمة يعني حقها في اختيار حاكمها، وتنصيبه حاكماً عليها، فهل حقيقة أن هؤلاء الحكام اختارتهم الأمة، ونصبتهم عليها، وهي لا ترضى عنهم بديلاً، أم أنهم جلسوا على كراسي الحكم بذهب المعز وسيفه؟ وإذا كانت جماهير الأمة هي من اختارتهم، إذن لماذا تتبخر هذه الجماهير فتصبح أثراً بعد عين عند الثورات الشعبية على الحكام؟! أضف إلى ذلك أننا الآن نشهد حالة من الصراع السياسي في بلدنا هذا، أوجدت أزمة سياسية متضخمة بين طرفين متناقضين من أدوات الاستعمار، كلهم يدعي أنه صاحب السلطان!

فقيادة الجيش؛ الحكام الفعليون للبلاد الآن يدعون الوصاية على الشعب، وما تقتضيه هذه الوصاية من أنهم يتصرفون في كل حقوق الشعب، ومنها سلطانه، وبذلك فهم يغتصبون السلطان. أما القوى السياسية والمدنية التي تمثل الطرف الآخر في الصراع، فإنها بإخراجها للآلاف، أو حتى عشرات الآلاف في المظاهرات من جملة أكثر من 40 مليوناً من أهل السودان، أيضاً يدعون أنهم يمثلون الشارع؛ أي الشعب، وأنهم الأحق بحكم البلاد، وهم في ذلك كما قيادة العسكر سواء بسواء كاذبون مضللون.

وحتى نبحث عن أفق للخروج من هذه الحلقات المفرغة، وهذا التضليل الكثيف، فلنرجع إلى التاريخ لنتبين منذ متى بدأ هذا الانحراف يحفه هذا التضليل؟

فمنذ أن هدمت الخلافة في 28 رجب 1342هـ، واستباح الكافر المستعمر بلاد المسلمين غنيمة له، فقسمها على أسس وطنية، ونصب عليها حكاماً عملاء له، يطبقون حضارته، ويعيقون الأمة حتى لا ترجع سيرتها الأولى، ويمكنونه؛ أي الكافر المستعمر، من ثروات الأمة ومقدساتها، ولا شك أن الغرب الكافر، وحتى يبقى انتصاره على الأمة الإسلامية أبدياً، لا بد أن يظل مغتصباً لسلطان الأمة.

أما الأدوات التي تركز اغتصابه لسلطان الأمة، وتفشل حركة جماهيرها فهي الآتي:

أولاً: قيادات الجيوش التي يمسك بها زمام الأمور في كثير من بلاد المسلمين، والتي صنعها الكافر المستعمر على عين بصيرة، ويؤهلها للحكم من خلال ترويضها بالسير في مشاريع الخيانة، وليس أدل على ذلك من مشروع التطبيع مع كيان يهود، والذي يصر البرهان وآل دقلو على السير فيه على حساب عقيدة أهل البلاد ومشاعرهم.

ثانياً: الأوساط السياسية المرتبطة بالسفارات، والتي تجتمع حول مواثيق أو إعلانات أو غيرها من التسميات التي يكون جوهرها هو حضارة الغرب الكافر (الحريات - الديمقراطية - المواثيق الدولية - حرية المرأة وغيرها).

ثالثاً: الإعلام التابع والمضلل والذي يحدد سقف مطالب الجماهير، ويصنع القيادات ويضلل الناس.

رابعاً: الضغط الدولي باستخدام المؤسسات الدولية، وقرارات مجلس الأمن وعقوباته، وضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها مما يستخدم في ترويض الحكام وإبقاء السيطرة عليهم.

إننا، أيها السادة ما زلنا مستعمرين، وسلطاننا مغتصب، فلا تنخدعوا بدعاوى الوطنية والاستقلال والسيادة وغيرها، ولن يكون سبيل التحرر إلا باسترداد سلطان الأمة المغتصب في بلد من بلاد المسلمين ليكون نواة لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، واقتلاع جذور الاستعمار، وتطبيق الإسلام، ورد الحق إلى أهله.

فالإسلام هو الفكرة السياسية الوحيدة القادرة على جمع الناس، أما العلمانية؛ أي فصل الدين عن الحياة، ومنها فصل الدين عن السياسة، سواء أكانت هذه العلمانية في ثياب عسكرية، أو في ثياب مدنية فإنها أس الداء وكل البلاء، فهي التي قسمت الناس وفرقتهم، وتنذر بدفع البلاد إلى الهاوية، فالعلمانية تعمق جذور الاستعمار في البلاد، وأداة العلمانيين بمختلف مشاربهم هي اغتصاب سلطان الأمة. أما أحاديث العلمانيين من قيادات العسكر والقوى السياسية والمدنية عن السيادة الوطنية فإنها محض كذب، فهؤلاء جميعهم يتنافسون في خدمة المستعمر؛ حفظ مصالحه وتمكينه من ثروات الأمة، والحيلولة بينها وبين أخذها بسبب تحررها، ألا وهو الإسلام العظيم.

إن الإسلام قد جعل السلطان للأمة لأنها تختار الحاكم وتنصبه بالبيعة، فالشرع قد جعل نصب الخليفة حقاً للأمة، وجعل الخليفة يأخذ السلطان ببيعة الأمة له.

أما جعل الشرع نصب الخليفة من الأمة فواضح في أحاديث البيعة، عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ» متفق عليه، وعن جرير بن عبد الله قال: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا» متفق عليه. فالبيعة من المسلمين للخليفة وليست من الخليفة للمسلمين، فهم الذين يبايعونه، أي يقيمونه حاكماً عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من الأمة، وما صاروا خلفاء إلا بواسطة بيعة الأمة لهم.

وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخلافة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أنه سمع رسول الله r يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» أخرجه مسلم، وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر سمعت رسول الله r يقول: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم، وعن ابن عباس عن رسول الله r: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْراً فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» متفق عليه وعن أبي هريرة عن النبي r قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» متفق عليه. فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنما أخذ السلطان بهذه البيعة، إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً... فَلْيُطِعْهُ. فهو قد أخذ الخلافة بالبيعة، ووجبت طاعته لأنه خليفة قد بويع، فيكون قد أخذ السلطان من الأمة ببيعتها له ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأمة. على أن الرسول r مع كونه رسولاً فإنه أخذ البيعة على الناس وهي بيعة على الحكم والسلطان وليست بيعة على النبوة، وأخذها على النساء والرجال ولم يأخـذهـا على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، فكون المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة ويبـايعـونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة، دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء.

إننا ندعوكم أيها الإخوة بدعاية حزب التحرير، أن أقيموا الخلافة ليصل الإسلام صافياً نقياً إلى سدة الحكم، فهو وحده الذي يحرركم من سيطرة الكفار المستعمرين، وعندها يحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالمين.

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

 كلمة ألقاها المهندس باسل مصطفى عضو حزب التحرير/ ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة، بالإضافة لشباب حزب التحرير.

قدمها: المهندس باسل مصطفى

 

الورقة الثانية: حضارة الغرب الكافر.. سراب يحسبه الظمآن ماء

 

  21 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الجمعة, 22 نيسان/ابريل 2022مـ

أكثر من مائة عام عاشتها الأمة الإسلامية في ظل حضارة الغرب الكافر، نشأت من خلالها أجيال لا تتصور الحياة إلا من خلال هذه الحضارة، رغم أن هذه الأجيال ظمأى للعيش الكريم، حيث يعيش الإنسان معززاً مكرماً كما أراد له الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.

لكن للآلة الإعلامية الضخمة والبريق الأخاذ للحضارة الغربية مفعول السحر في أعين كثير من الناس، لذلك نجد أن طرفي الصراع في السودان؛ دعاة مدنية الدولة يطالبون بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من مفاهيم الحضارة الغربية، وفي الوقت نفسه يؤكد قادة العسكر الذين انقلبوا عليهم أنهم مع الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من أفكار الغرب! وعندما يتبنى المتناقضان الأفكار السياسية الغربية نفسها، فإن ذلك يدل على زخم هذه الأفكار التي تم ضخها للناس بكثافة عبر مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، حتى أصبحت كأنها الأمل المرتجى، والعلاج الناجع لما يعيشه الناس من أزمات. فما هو أساس هذه الأفكار الغربية؟ وما هي حقيقتها؟ وما هي الثمار المرجوة من العيش في ظلها؟

إن أساس أفكار الحضارة الغربية؛ من ديمقراطية وحريات وغيرها، هو عقيدة فصل الدين عن الحياة، الذي ينتج عنه طبيعياً فصل الدين عن الدولة، وهذه العقيدة هي العلمانية، أو ما تسمى في الفضاءات الفرانكفونية (باللائكية)، وهي في جوهرها عبارة عن رؤية معرفية تقوم على فلسفة لا تقر بصلاحية الدين للحكم ورعاية الشئون، وهذه العقيدة باطلة لأنها لم تقم على أساس يقنع العقل ويوافق الفطرة، بل نشأت كحل وسط (توافقي) كتسوية للنزاع في الغرب بين الكنيسة والمفكرين والحكام، فهي ليست عقيدة قامت البراهين العقلية على صحتها، لذلك نجد أن مهد (اللائكية) العلمانية هو فرنسا التي تبنت هذه العقيدة من خلال التصويت عليها، فقد خضعت اللائكية للتصويت في مجلس النواب بتاريخ 1905/07/03م بـ341 صوتاً للائكية، مقابل 233 صوتاً ضدها ثم خضعت للتصويت في مجلس الشيوخ بتاريخ 1905/12/06 فكانت النتيجة 181 صوتا معها مقابل 102 صوتاً ضدها لتصبح قانوناً يلزم الناس بها.

لذلك فإن جوهر هذه العلمانية أنها تجربة منحرفة ضالة، لقوم ضالين، فكيف تكون العقيدة التي نشأت ثمرة لتنازل أطراف متنازعة عقيدة صحيحة؟! إن العقيدة العلمانية عقيدة باطلة لمخالفتها للعقل، لأنها لم تحسم أمرها في وجود مدبر للكون أو عدمه! ومناقضتها للفطرة، لأن الإنسان ناقص ومحتاج لجهة كاملة، وهو الخالق، بل إن الإنسان لم يعرف عقيدة باطلة، هشة الأسس، سطحية المبررات، متهافتة البنيان الفكري كالعقيدة العلمانية.

إن الديمقراطية كنظام للحكم يمكن تعريفها بمقولة أبراهام لنكولن 1865م الشهيرة بأن الديمقراطية هي (حكم الشعب نفسه، بنفسه، لنفسه) وهي فكرة انطلقت من فرضية خيالية لمفهوم السلطة عند الغرب، فحواها أن الإنسان انتقل من الحالة الطبيعية التي كان يعيش فيها إلى حالة التمدن عبر عقد اجتماعي تنازل فيه الأفراد عن جزء من إرادتهم لتشكيل إرادة جماعية هي الإرادة العامة التي تشكل السيادة.

والديمقراطية لا تنفصل عن فكرة الحريات، حسب ما هو موروث من الفلسفة اليونانية، ففي كتاب السياسة يقول أرسطو طاليس: "مبدأ الحكومة الديمقراطية إنما هو الحرية.. لأن الحرية هي الغرض الثابت لكل ديمقراطية"، أما أركان الديمقراطية التي لا تنفصل عنها فهي أفكار: "السيادة للشعب، وفصل السلطات، والحريات، وحقوق الإنسان، والمساواة، والتعددية، والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وحكم الأغلبية مع حفظ حق الأقلية".

والديمقراطية كانت وما زالت محل انتقاد من المفكرين الغربيين أنفسهم، وهو ما قرره جاك رانسيير في كتابه "كراهية الديمقراطية" بقوله: "ليست كراهية الديمقراطية جديدة بالتأكيد إنها قديمة قدم الديمقراطية"، وقد اقترح عالم السياسة والقانون الفرنسي موريس دوفرجيه في كتابه "الأحزاب السياسية" تغيير عبارة "حكم الشعب بالشعب" إلى عبارة: "حكم الشعب بصفوة من الشعب".

وقد كان محور نقد مفكري الغرب أنفسهم للديمقراطية يتلخص في الآتي:

أولاً: طغيان الأغلبية وضياع حقوق (الأقليات).

ثانياً: خطورة توسع سلطة الرأي العام التي يتحكم فيها أصحاب المصالح، وجماعات الضغط، ما يؤثر على الانتخابات والقرارات.

ثالثاً: قانون الأوليغاركية الحديدي، حيث تحتكر السلطة والتنظيم السياسي مجموعة قليلة من الرأسماليين.

رابعاً: تحول الديمقراطية مع مرور الوقت إلى بيروقراطية معقدة لتكون السلطة بيد المتخصصين فقط.

ورغم أن هذه الانتقادات منطبقة على واقع الديمقراطية، إلا أن هؤلاء المفكرين لا يتصورون بديلاً عنها، بل ينظرون إليها بوصفها أرقى، أو أمثل، أو أفضل أنظمة الحكم، كما اعتبرها فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ" بأنها المرحلة الأخيرة في تطور البشرية الأيديولوجي.

لقد سبقنا مفكرو الغرب إلى تحرير شهادة الوفاة للديمقراطية، غير أنهم جعلوا من الواقع مصدراً للتفكير، فانحرفوا وجعلوا من الديمقراطية معياراً لأنظمة الحكم بدل أن يجعلوها هي نفسها موضعاً للتفكير، لأنهم قسموا أنظمة الحكم التي عرفتها البشرية إلى قسمين، فإما أن يسلم النظام بأهلية الشعب للحكم فيكون ديمقراطياً، أو لا يسلم بذلك فيكون إما الميرتوغراطية؛ أي حكم الكفاءات، أو الأوليغاركية وهو حكم القلة من أجل مصالحها، أو الأرستقراطية؛ أي حكم النبلاء، أو الأوتوقراطية؛ أي حكم الفرد، أو الثيوقراطية وهو حكم النخبة الدينية.

وبالنظر إلى هذه الأشكال يتم تفضيل الديمقراطية. لكن هل الديمقراطية هي حكم الشعب فعلاً؟ الإجابة قطعاً أن الشعب لا يحكم، ولا تحكم أغلبيته، بل الذين يحكمون هم الحكام الذين تختارهم صفوة من الرأسماليين أصحاب الثروات والنفوذ الذين يمتلكون الإعلام والمال.

أما ركن النظام الديمقراطي الركين فهو الحرية، وهو أيضاً كذبة أخرى تضاف إلى كذبة (حكم الشعب)، فالحرية كمصطلح سياسي غربي تعني: "تبني العلمانية والعيش وفق النمط الغربي كما حدده بارونات المال والإعلام والجنس"، أما الحرية بمعنى الانعتاق من كل القيود، وأن يفعل الإنسان ما يشاء فهذه فكرة خيالية لا وجود لها أصلاً، لأن الإنسان كائن مجتمعي يعيش في جماعة، ويستحيل عليه عقلاً أن يتحرر من قيود النظام، أو القوانين المنظمة لعيشه مع غيره، أو كما قال مونتسكيو في كتابه "روح القوانين": "الحرية هي حق فعل كل ما تسمح به القوانين"، إذاً على الإنسان أن يختار فقط بين أن يعيش عبداً لقوانين شرعتها صفوة من الرأسماليين، أو أن يكون عبداً لله ينظم حياته بقوانين من لدن اللطيف الخبير.

أما التعددية الغربية فهي تعددية داخل المبدأ الرأسمالي نفسه، لذلك حارب الأحزاب الشيوعية سابقاً، وحارب، وما زال يحارب الإسلام السياسي، ويصفه بالتطرف والراديكالية والأصولية، إن التعددية الغربية يقصد بها اختلاف الآراء والمشاريع، والأفهام الفكرية والسياسية داخل المبدأ نفسه، وهذه لا تعتبر ميزة للحضارة الغربية، بل هذه التعددية موجودة في الإسلام الذي يسمح بوجود الأحزاب على أساس عقيدة الإسلام.

والغرب كاذب في ادعائه حفظ حقوق (الأقليات)، فعلى الرغم من أنه قسم المجتمع إلى مجالين عام وخاص، حسب تقسيمات علماء السياسة والاجتماع، واعتبر أن الديمقراطية متميزة في السماح بالخصوصية والتنوع في المجال الخاص، أما المجال العام فيلزم به الجميع، وكل ذلك محض كذب، فالدول الغربية الآن تفرض قيمها ومفاهيمها في المجال الخاص، وتراقب المسلمين في كل كبيرة وصغيرة، وتحاسبهم على كل فكرة، وتمتحنهم في ثقافتها وحضارتها لتجبرهم على الذوبان في حضارتها، وقد ذكرت إذاعة البي بي سي أن 95% من الأغلبية الذين تم استطلاعهم في الامتحان الذي يعطى للمهاجرين رسبوا فيه!! وذلك أبعد ما يكون عن التعددية المدعاة. ولا شك أن الناظر في الحضارات ليجد أن مفهوم الذمة الذي يقول به الإسلام فكراً وممارسة هو أرقى وأضمن للحقوق من مفهوم (الأقليات) الغربي.

أما الانتخابات كأسلوب لاختيار الحاكم، فموجودة في كل الحضارات، ومنها الإسلام، وهو ليس ميزة للديمقراطية، بل الناظر للديمقراطية الغربية يجد أن الانتخابات تقع تحت مؤثرات كثيرة تخرجها من النزاهة، وليس أدل على ذلك مما قاله وفعله ترامب عندما أعلن فوز بايدن.

أما ثمار العيش في ظل الديمقراطية الغربية، فسوف آخذ نموذجاً لإحصائيات مأخوذة من أمريكا وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وكندا، تصف واقع هذه المجتمعات أمنياً واجتماعياً واقتصادياً:

-     يُقتل في أمريكا شخص واحد كل 17 دقيقة بالسلاح.

-     من بين كل ألف أمريكي يوجد 9 في السجون.

-     سنوياً يتعرض 100 ألف أمريكي للضرب بالرصاص، يموت منهم يومياً 89 شخصاً.

-     ينتحر يومياً 53 شخصاً.

-     قتلت الشرطة الأمريكية بدوافع عنصرية 1143 شخصاً في العام 2014 وحده.

-     في بريطانيا في العام 2016، سجل 50% من المواليد غير شرعيين.

-     83 ألف طفل لقيط سنوياً في بريطانيا بحسب الديلي تلغراف.

-     نسبة الجناية الزوجية في ألمانيا 46% للرجال، و43% للنساء.

-     سجلت ألمانيا خلال عام 2010 أكبر عدد للأطفال المولودين خارج نطاق الزواج في تاريخها، فقد كشفت مصادر مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيزبادن الألمانية أن واحداً من بين كل ثلاثة أطفال ولدوا العام الماضي لأبوين غير متزوجين. وقدر المكتب إجمالي عدد هؤلاء الأطفال بـ225 ألف طفل "DW".

-     نسبة الجناية الزوجية في فرنسا 55% للرجال، و32% للنساء. و60% من المواليد خارج إطار الزوجية.

-     هناك 19.7 حالة حمل لقاصر لكل ألف في بريطانيا بحسب الغارديان، يعني 2%.

-     في أمريكا تعرضت 20 مليون امرأة للاغتصاب والاعتداءات الجسدية.

-     تقول صحيفة (Family Relation) إن امرأة من كل امرأتين تتعرض للظلم والعدوان من زوجها.

-     في كندا تتقاضى المرأة فقط 72% من أجور الرجال حين قيامها بالعمل نفسه وامتلاكها الخبرات نفسها، وهو تقرير صادر عن منظمة أوكسفام كندا.

-     اقتصادياً بحسب أوكسفام في كانون الثاني/يناير 2019 فإن 26 شخصاً من أصحاب المليارات يملكون نصف ثروات سكان المعمورة.

-     في العام 2017م عندما كان الدين العالمي 217 تريليون دولار، كان كل إنسان على سطح الأرض رجلاً كان أم امرأة، أم طفلا، مديناً بحوالي 29 ألف دولار "سكاي نيوز عربية"، وفي العام 2021 ارتفع الدين العالمي إلى 296 تريليون دولار.

إن نظام الحكم الذي يمكنه عملياً رعاية الشئون يقوم في أصله على الإجابة عن ثلاثة أسئلة هي: بم يحكم؟ ومن يحكم؟ وكيف يحكم؟

ولقد أجاب مبدأ الإسلام عن هذه الأسئلة بإجابات مبدئية، متسقة، منطبقة على واقع الحكم، ليست بينها أجوبة وهمية، أو كاذبة، أو غير منطبقة على الواقع.

فالحكم يكون بالمبدأ الذي ارتضاه مجموع الناس، وهو في حالتنا مبدأ الإسلام.

والذي يحكم هو الذي تختاره الأمة صاحبة السلطان، وتعقد له البيعة عقداً شرعياً.

وكيف يحكم، فإنه يحكم بما أنزل الله في كتابه، وما جاء في سنة نبيه ﷺ، متبنياً أحكاماً شرعية، إما باجتهاده، إن كان الخليفة مجتهداً، أو باجتهاد غيره إن لم يكن من أهل الاجتهاد، ويجعلها دستوراً وقوانين يسير بها الحكم والسلطان، فإنه في مرحلة الرأي تتسع الدائرة حسب شكل أجهزة الدولة شرعاً، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، وفي مرحلة اتخاذ القرار فإنه أمر فردي: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾.

هذا هو نظام الحكم في الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 كلمة ألقاها الأستاذ المحامي حاتم جعفر (أبو أواب) عضو حزب التحرير / ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة بالإضافة لشباب حزب التحرير.

قدمها: الأستاذ المحامي حاتم جعفر (أبو أواب)*

 

الورقة الثالثة: الخلافة.. بوابة الخروج الآمن من النفق المظلم

 

  21 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الجمعة, 22 نيسان/ابريل 2022مـ

رسماً للخط المستقيم أمام الخطوط المعوجة؛ أنظمة الحكم الغربية؛ من ديمقراطية رئاسية، أو برلمانية، أو إمبراطورية، أو ملكية دستورية أو غيرها، فإننا من خلال هذه الورقة نتحدث عن نظام الحكم في الإسلام الذي دلت عليه النصوص الشرعية، وعن انطباق أحكامه على واقع الحكم، بل وتميزه عن غيره من الأنظمة، ولولا عدو حاقد لئيم، ملك أمر المسلمين، فلم يأل جهداً، أو يدخر وسعاً للتضليل والتشويش على المسلمين، لولا هذا العدو ومكره الذي أفضى إلى غياب هذا النظام لأكثر من قرن، لولا ذلك لتهافت الناس من غير المسلمين في أرجاء المعمورة يطالبون بالعيش تحت ظل نظام الإسلام، وهم المظلومون والبؤساء والتعساء، وإن غداً لناظره قريب.

إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة؛ وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعا في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، على رأسها الخليفة الذي ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع، وحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، والخليفة إنما ينصبه المسلمون لأن واقعه أنه نائب عن الأمة، لأنها صاحبة السلطان، ويكون تنصيب الخليفة بالعقد الشرعي (عقد البيعة) بين الأمة أو من يمثلها من أهل الحل والعقد، وبين الخليفة، وتنعقد بيعة الانعقاد الشرعية بالرضا والاختيار.

وإقامة الخلافة فرض على المسلمين والتقصير في القيام بهذا الفرض معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب. والأدلة على ذلك مستفيضة نأخذ منها ما ورد في الكتاب من أمر الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، وخطاب الرسول ﷺ خطاب لأمته طالما لم يرد دليل التخصيص.

وفي السنة المطهرة ما رواه مسلم عن طريق نافع قال، قال ﷺ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

ومن ذلك أيضاً إجماع الصحابة على إقامة خليفة لرسول الله ﷺ، وخليفة من بعده لأبي بكر الصديق، ثم لعمر رضي الله عنهم أجمعين، بالإضافة إلى القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

والخلافة منصب دنيوي بشري، وهي ليست منصباً أخروياً، فالخليفة هو شخص من المسلمين، وظيفته أن يطبق الشرع على المسلمين، ويحمل الإسلام إلى العالمين، لذلك فإن الذين يتولون منصب الخلافة هم بشر وليسوا أنبياء، يجوز في حقهم ما يجوز في حق المسلمين من الخطأ والنسيان والمعصية، وفي ذلك قال رسول الله ﷺ فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ».

وفي ظل الخلافة لا توجد حصانات حتى لخليفة المسلمين، فهو يحاسب ويمثل أمام القضاء، ويعزل، وقد مثل سيدنا علي بن أبي طالب أمام القاضي شريح في القصة المشهورة، وكان لا يملك شهوداً إلا ابنيه الحسن والحسين، فحكم القاضي شريح لصالح الرجل اليهودي، وقال القاضي شريح لعلي كرم الله وجهه: "لم تجلب شهوداً مسبقاً وهذا الرجل أقسم بالله أن الدرع ملكه.. البينة على المدعي واليمين على من أنكر".

والخلافة دولة متميزة بشكلها وجهازها وأحكامها، وهي وحدها التي تشكل بوابة الخروج الآمن من نفق الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد للآتي:

أولاً: الخلافة هي الدولة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية، وتوصل الإسلام صافياً نقياً إلى سدة الحكم، بعيداً عن محاولات تطبيق بعض أحكام الإسلام في قوالب الدويلات الوطنية، والتي شكلت تجارب فاشلة، كانت حقيقتها وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم لكنهم عجزوا عن إيصال الإسلام إلى سدة الحكم.

أما الشريعة الإسلامية والتي لا تطبقها إلا الدولة التي دلت عليها النصوص الشرعية وهي دولة الخلافة، فإن هذه الشريعة هي نظام كامل للحياة؛ في الحكم والاقتصاد، والاجتماع وسياسة التعليم، والسياسة الخارجية، ولكل هذه المنظومة من الأحكام التي جاء بها الوحي العظيم، وهي من لدن حكيم خبير: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

وقد صاغ حزب التحرير باجتهاد صحيح هذه الأحكام في مشروع دستور ومنظومة تشريعية قابلة للتطبيق عند إقامة الخلافة متى يأذن الله لفجرها بالإشراق.

ثانياً: الخلافة هي دولة الرعاية، بل هي الدولة الوحيدة على مر التاريخ الإنساني التي ترعى شئون الرعية بالعدل والإحسان، وتنصر المستضعفين في أرجاء المعمورة، فالخلافة ترعى شئون رعيتها من المسلمين وغير المسلمين بلا مَن ولا أذى ولا مقابل مادي، يقول رسول الله ﷺ: «فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». والإمام الراعي هو الذي قال عنه الحسن البصري في وصيته للخليفة عمر بن عبد العزيز: (... والإمام العادل كالراعي الشفيق، والحازم الرفيق، الذي يرتاد لغنمه أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكفيها أذى الحر والقَر. والإمام العادل كالأب الحاني على ولده؛ يسعى لهم صغاراً، ويعلِّمهم كباراً، ويكسبهم في حياته، ويدخر لهم بعد وفاته. وكالأم الشفيقة، البرة الرفيقة، حملت ولدَها كُرهاً، ووضعته كُرهاً؛ تسهد إذا سهد، وتسكن إذا سكن، ترضعُه تارةً، وتُفطِمُه أخرى، تفرَحُ بعافيته، وتهتم بشكايته. والإمام العادل كوصي اليتامى، وخازن المساكين؛ يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العادل كالقلب بين الجوارح؛ تصلُحُ بصلاحه الجملة، وتفسد بفساده. والإمام العادل هو القائمُ بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله فيسمعهم، ويبصر آثار نعمة ربهم فيبصِّرهم، وينقاد إلى أوامر الله تعالى ويقودهم).

ثالثاً: لأن الخلافة هي الدولة الوحيدة التي تكرم، بأحكام الإسلام، غير المسلمين من رعايا الدولة، فلا يتعرضون لأي نوع من التمييز، ولا يجبرون على الذوبان في مجتمع المسلمين كما يفعل الغرب الكافر الدعي بالمسلمين الآن، لذلك ورد في المادة السادسة من مشروع دستور دولة الخلافة: "لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك"، لذلك كان عقد الذمة الذي يعطى لغير المسلمين من رعايا الدولة أكثر إنصافاً ورعاية من فكرة (الأقليات) الموجودة في الحضارة الغربية، لأنه وبموجب عهد الذمة، فإن أهل الذمة لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾.

رابعاً: الخلافة بتطبيقها للأحكام الشرعية تكرم المرأة، وترتفع بها إلى مستوى العبودية لله، بعيداً عن حضارة الغرب الزائفة، التي ما زالت تبحث عن كيفية إنصاف المرأة، واتخذت من مساواتها بالرجل طريقاً لزيادة شقائها، وهي تحسب أنها تحسن صنعاً.

خامساً: الخلافة هي الدولة الوحيدة القادرة عند إقامتها على اقتلاع نفوذ الغرب الكافر من بلاد المسلمين، وإغلاق سفارات الدول الاستعمارية الطامعة في بلادنا، وكنس الوسط السياسي الديمقراطي العلماني المتخابر مع سفارات الأعداء، وإيجاد وسط سياسي على أساس الإسلام.

سادساً: الخلافة دولة عالمية بعالمية مبدأ الإسلام العظيم، تعد القوة استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، فهي دولة تسعى لحمل الإسلام إلى العالم، لذلك فهي تأخذ بكل أسباب القوة لتكون الدولة الأولى في العالم كما كانت من قبل 13 قرناً من الزمان.

سابعاً: الخلافة هي الدولة الوحيدة القادرة على تغيير الشرعة الدولية، وهدم مؤسساتها الرأسمالية الظالمة التي كانت سبباً في شقاء الإنسانية، فالدولة الإسلامية عندما كانت الدولة الأولى في العالم، جلبت الخير والطمأنينة للإنسانية جمعاء.

ثامناً: الخلافة هي الدولة التي يعول المستضعفون في أرجاء المعمورة على نصرتها، لأن نصرة المستضعفين من أحكام الفكرة التي تقوم عليها الدولة: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾.

تاسعاً: حمل رسالة الإسلام إلى العالم، وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وسوق الناس، ولو بالسلاسل إلى جنة عرضها السماوات والأرض بالحجة والإقناع، وما يرون من عدل الإسلام فيدخلون في دين الله أفواجاً.

عاشراً: الخلافة هي التي تجمع شعث أمة الإسلام في دولة واحدة، وأمة واحدة، تحت راية واحدة، تعز المسلمين، وتذل الكافرين.

هذه عشرة كاملة كل واحدة منها كفيلة بأن تجعل المسلمين يدفعون الغالي والنفيس من أجل إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة اليوم قبل الغد، فكيف لو أن العشرة مجتمعة، وهي غيض من فيض الحياة في طاعة الله، ومعيته، ونصره، ثم رضوان من الله أكبر.

ومن هنا ندعو جميع إخواننا السياسيين، والإعلاميين، وكل المهتمين بأمر العامة أن ضعوا أيديكم على أيدينا في حزب التحرير لنعيد صرح الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهي وعد ربنا سبحانه، وبشرى نبينا ﷺ القائل: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فهي البوابة الوحيدة للخروج الآمن من النفق المظلم الذي تعيشه أمتنا.

 كلمة ألقاها الأستاذ إبراهيم عثمان (أبو خليل) الناطق الرسمي لحزب التحرير/ ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة، بالإضافة لشباب حزب التحرير.

قدمها: الأستاذ إبراهيم عثمان (أبو خليل)

الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

جريدة الراية: جواب سؤال: واقع الهدنة المؤقتة في اليمن وتشكيل المجلس وصلاحياته

 

جريدة الراية: جواب سؤال: واقع الهدنة المؤقتة في اليمن وتشكيل المجلس وصلاحياته

 

  26 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 نيسان/ابريل 2022مـ

السؤال: تم في السعودية تشكيل مجلس قيادة رئاسي يمني بدلاً من الرئيس هادي يوم 2022/4/7 حيث سلم صلاحياته كاملة لهذا المجلس. وكانت قبل ذلك في 2022/4/2 قد تمت موافقة الأطراف المتصارعة على هدنة في اليمن مدة شهرين...

والسؤال: هل كانت تلك الهدنة تمهيداً لهذا المجلس؟ وما الغرض منه؟ ثم لماذا يتمنّع الحوثيون عن تأييد المجلس مع أنهم وافقوا على الهدنة ووافقت إيران؟!

الجواب: لكي يتضح الجواب حول هذه التساؤلات نستعرض الأمور التالية:

أولاً: واقع الهدنة وتشكيل المجلس وصلاحياته:

1- (أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ أن هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد في اليمن دخلت حيز التنفيذ مساء السبت، 2022/4/2 أول أيام شهر رمضان. ورحبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة بالهدنة المفاجئة ودعيا إلى تمديدها. وشكر غروندبرغ الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا على العمل معه "بحسن نية ولتقديم التنازلات الضرورية للوصول إلى هذا الاتفاق". واعتبر أن "الهدنة ما هي إلا خطوة أولى آن أوانها بعد تأخر طويل". وأكد غروندبرغ أنه سيواصل العمل خلال شهرين "بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار"... من جهته رحب الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة بالهدنة في اليمن التي وصفها بأنها "متنفس انتظره الشعب اليمني طويلاً" لكنه اعتبرها "غير كافية" ورحب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بإعلان الجمعة وحضّ على "العمل من أجل حل سياسي دائم". وقال جونسون عبر تويتر "لدينا الآن فرصة سانحة لإحلال السلام أخيرا وإنهاء المعاناة الإنسانية"... فرانس24/ أ ف ب 2022/4/2)

2- وفي الوقت نفسه الذي كانت تجري فيه المحادثات حول الهدنة عقد مؤتمر في الرياض يوم 2022/3/30 واستمر أسبوعا ضم نحو 800 شخصية يمنية برعاية خليجية وممثلين أجانب من الأمم المتحدة وأمريكا وبريطانيا وغيرها، أعلن في نهايته الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المقيم بالرياض، أعلن يوم 2022/4/7 تشكيل مجلس قيادة رئاسي فوضه كامل صلاحياته المنوطة به، كما عزل نائبه علي محسن الأحمر. فبث التلفزيون اليمني إعلان هادي والذي قال فيه: ("ينشأ بموجب هذا الإعلان مجلس قيادة رئاسي لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية وأفوض مجلس القيادة الرئاسي بموجب هذا الإعلان تفويضا لا رجعة فيه بكامل صلاحياتي وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية" وكلفه أيضا "بالتفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام"). فالمجلس مكلف بالتفاوض مع الحوثيين لإيجاد حل نهائي...

3- تشمل صلاحيات المجلس الرئاسي ("إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا طوال المرحلة الانتقالية واعتماد سياسة خارجية متوازنة بما يحفظ سياسة الدولة وحدودها" وتشمل الصلاحيات الخاصة برئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي "القيادة العامة للقوات المسلحة وتمثيل الجمهورية في الداخل والخارج وتعيين محافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي وإنشاء البعثات الدبلوماسية وإعلان الطوارئ والتعبئة العامة"... العين الإخبارية 2022/4/11) ويضم هذا المجلس 8 أعضاء بمن فيهم رئيسه رشاد العليمي وزير الداخلية السابق ومستشار الرئيس اليمني، وعضوية كل من عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وهو مقرب من الإمارات، ومن طارق صالح نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي تولى قيادة الحرس الخاص للرئيس أثناء فترة علي صالح، ومن محافظ مأرب سلطان علي العرادة الموالي لحزب التجمع اليمني للإصلاح، ومن عبد الله العليمي باوزير الموالي لهذا الحزب ومدير مكتب الرئيس هادي، ومن القائد العام لألوية العمالقة عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي، ومحافظ حضرموت فرج البحسني، وعثمان مجلي ممثل محافظة صعدة ووزير في الحكومة الحالية بدرجة نائب. ويلاحظ أن كل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي من المدعومين إماراتيا ومن جماعة الرئيس هادي نفسه فيكون الرأي الفاعل في المجلس تابعا لبريطانيا. وقد جمع المجلس ممثلي القوى الجنوبية حتى يكونوا شركاء في المفاوضات وفي التوقيع على أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الحوثيين، فلا يبقى أحد يمكن أن يعترض في المستقبل. كما أعلن عن استمرار ولاية البرلمان وتجديد الثقة لحكومة الكفاءات. ويظهر أن المقصود هو توقيع كل الأطراف على أي اتفاق قادم ليكسب جماعة الحوثي مشروعية ويجعلها جزءا من التركيبة السياسية والأمنية في البلاد.

ثانياً: ردود الفعل الدولية والإقليمية:

1- رحبت السعودية بالهدنة وبهذا القرار وأعلنت عن تقديم مساعدات اقتصادية بمبلغ 3 مليارات دولار تتضمن ملياري دولار مناصفة بينها وبين الإمارات دعما للبنك المركزي. وقام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقب ذلك يوم 2022/4/7 ("واستقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وأعضاء المجلس وعبر عن دعمه له وتطلعه في أن يسهم تأسيسه في بداية صفحة جديدة في اليمن تنقله من الحرب إلى السلام والتنمية"... العربية 2022/4/7) وقال خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع على حسابه في موقع تويتر يوم 2022/4/9 ("الخطوة الشجاعة والتاريخية التي اتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في نقل السلطة لمجلس القيادة الرئاسي والتي أيدتها النخب والمكونات السياسية والمجتمعية اليمنية وأجمع على دعمها المجتمع الدولي تؤسس لمرحلة مهمة وحاسمة لتحقيق السلام والأمن والاستقرار لليمن والمنطقة" وقال: "نؤكد على استمرار تحالف دعم الشرعية في اليمن بدعم المجلس على كافة الأصعدة بما في ذلك الدعم العسكري لحين الوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة"). والسعودية تريد أن تتخلص من تبعات الحرب وقد كلفتها الكثير وقد أظهرتها ضعيفة عاجزة عن أن تحقق أهدافها. وهذا المجلس الذي شكله هادي وإن كان من الموالين لبريطانيا ولكن الهدف من تأسيسه التفاوض مع الحوثيين وتقديم التنازلات من أجل إنجاح المفاوضات.

2- أما الإمارات فقد (رحبت الإمارات العربية المتحدة بقرار الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي تشكيل مجلس القيادة الرئاسي لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية... معربة عن أملها في أن تساهم هذه الخطوة في الوصول إلى حل سياسي شامل بين الأطراف اليمنية، لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية والازدهار لليمن وشعبه الشقيق... ورحبت الإمارات بدعوة المملكة العربية السعودية الشقيقة مجلس القيادة الرئاسي إلى البدء في التفاوض مع الحوثيين تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن فترة انتقالية، مؤكدة على الدور المحوري الذي تقوم به المملكة في تحقيق الاستقرار والأمن لليمن... العربية 2022/4/8).

3- وأما جماعة الحوثي فقد كان موقفها موارباً! حيث وافقت على الهدنة وكانت عنصراً فاعلاً فيها، واستقبلت المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في صنعاء مدة 3 أيام التقى خلالها قيادة المجلس السياسي لجماعة أنصار الله الحوثيين وبحث تنفيذ وتثبيت الهدنة، إلا أن موقفها من مجلس القيادة اليمني الجديد كان مغايراً! فقد أعلنت جماعة الحوثي رفضها لقرارات هادي الأخيرة. فقال المتحدث باسمها محمد عبد السلام على حسابه في تليغرام عقب ذلك (هذه الإجراءات التي عملها تحالف العدوان لا علاقة لها باليمن ولا بمصالحة ولا تمت للسلام بأي صلة، وإنما تدفع إلى التصعيد من خلال إعادة تجميع مليشيات متناثرة متصارعة في إطار واحد يخدم مصالح الخارج ودول العدوان). وقد تم توجيه دعوة لجماعة الحوثي للمشاركة في المؤتمر فرفضت الحضور بسبب عقده في السعودية، وطلبت عقده في بلد محايد. ومعنى ذلك أن جماعة الحوثي ستشترك في مؤتمرات قادمة وتفاوض المجلس وإن هي الآن رفضت القرار المتعلق بتشكيل المجلس وأعضائه. فهذا التمنع منها يظهر أن هدفه تعزيز لموقفها في المفاوضات القادمة. وهي مرتبطة بإيران بصورة مباشرة التي تسير في فلك أمريكا. وقد وافقت على هدنة مع بداية شهر رمضان تستمر شهرين قابلة للتمديد، وهذه الهدنة صيغت كتمهيد لذلك المجلس ومقدمة للمفاوضات!

4- موقف ايران: (أكدت طهران ترحيبها بالهدنة وأهمية إجراء حوار يمني بعيدا عن التدخلات الخارجية. ومن جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن بلاده ترحب بوقف إطلاق النار في اليمن وتؤكد على ضرورة رفع الحصار عن اليمنيين وإطلاق حوار يمني يمني بعيدا عن التدخلات الأجنبية. وأضاف وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين أن بلاده تؤكد أهمية إجراء الحوار الإقليمي بين دول المنطقة... الجزيرة 2022/4/14) وتبعهم في ذلك الحوثيون..

5- موقف أمريكا: رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بالإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في اليمن:

أ- (جاء في بيان لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: "تدعم الولايات المتحدة تطلعات الشعب اليمني، إلى قيام حكومة فعالة وديمقراطية وشفّافة تضم أصواتاً متنوعة من السياسيين والمجتمع المدني"، مضيفاً أن الأهم في الأمر أن اليمنيين يستحقون حكومة تحمي الحقوق والحريات، جنباً إلى جنب مع تعزيز العدالة والمساءلة والمصالحة... 2022/04/08 https://sabq.org/)

ب- كتب متحدث وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس عبر تويتر يوم 2022/4/8 بيانا قال فيه: "ترحب الولايات المتحدة الأمريكية بالإعلان عن تشكيل مجلس قيادة رئاسي في اليمن".

ج- ألقى المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ كلمة افتتاحية في مؤتمر الرياض بشأن اليمن فقال: ("الولايات المتحدة تدعم توصل الأطراف اليمنية إلى حل سلمي شامل. وإن المشاورات اليمنية تمثل التزاما دوليا لجعل الأوضاع أكثر استقرارا"... د ب أ 2022/3/30) وقال المبعوث الأمريكي في ختام المؤتمر: ("إن الولايات المتحدة تتطلع إلى أن تلعب إيران دورا إيجابيا وتغيير نهجها في اليمن". وقال "ربما تكون هذه اللحظة الحاسمة التي وصلنا إليها هي تلك النقطة التي يمكن لإيران أن تظهر فيها وجها أفضل للمجتمع الدولي"... سي إن إن الأمريكية 2022/4/6).

وهكذا فإن أمريكا قد أيدت خطوة هادي بالتخلي عن صلاحياته للمجلس، وتركز على أن تلعب إيران دورا فاعلا في اليمن ومن ثم إشراك الحوثي في الحكم، فالحوثي لا يستطيع أن يصمد دون الدعم الإيراني.

6- موقف بريطانيا: (رحبت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، اليوم الجمعة، بإعلان الرئيس اليمني عبد ربه هادي تشكيل مجلس قيادة رئاسي يضم ممثلين عن مختلف القوى الاجتماعية والسياسية. وأعربت تروس كما أفادت قناة (اليمن) الفضائية عن ترحيبها بإعلان السعودية والإمارات عن مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار؛ لدعم الاقتصاد اليمني... 2022/04/08 https://alwafd.news/). (وأوضح ريتشارد أوبنهايم - السفير البريطاني في اليمن - في حوار خاص مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته اليوم الخميس، أن نتائج المشاورات اليمنية - اليمنية التي تختتم اليوم في مقر مجلس التعاون الخليجي بالرياض، من الممكن الاستفادة منها في المحادثات المستقبلية تحت رعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة... لافتاً في الوقت نفسه إلى أن نجاح الهدنة في أيدي الأطراف وليس المراقبين. وأكد أوبنهايم أن بلاده تشجع أي حوار يفضي إلى حل مشكلة اليمن، مشيراً إلى أن أي اتفاق بين السعودية والحوثيين سيكون أساساً للحل السياسي النهائي... 2022/04/07 https://www.dw.com/)

ثالثاً: بتدبر ما سبق يتبين ما يلي:

1- إن التدخل العسكري السعودي الذي بدأ عام 2015 كان هدفه كما خططت أمريكا تركيز الحوثيين وليس القضاء عليهم، وكذلك فإن مؤتمر ستوكهولم الذي عقد بإيعازات أمريكية عام 2018 منع الإمارات والقوى اليمنية التي تدعمها، منعها من السيطرة على الحديدة، وألزمها التراجع عن التقدم نحو صنعاء وتخليصها من الحوثيين كما كانت تخطط بريطانيا... فبدأت بريطانيا بالتفكير في حل (مؤقت) مع أمريكا، فدفعت عميلها هادي لاتخاذ هذه الخطوة، وهذا يظهر من كلام السفير البريطاني لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم الذي شارك في فعاليات المؤتمر حيث قال: ("إن الحوثيين مرحبون بالاشتراك في المناقشات والمشاورات تحت رعاية مجلس التعاون، وبأيديهم أن يأخذوا هذه الفرصة وستكون هناك فرصة في المستقبل تحت رعاية مجلس التعاون في مكان آخر في المنطقة وأيضا تحت رعاية المبعوث الأممي. يجب أن يكون الحوثيون جزءا من المفاوضات لأنهم جزء مهم من النطاق السياسي اليمني"... الشرق الأوسط 2022/4/7). فالسفير البريطاني الذي مثل بلاده في المؤتمر الذي عقد بالرياض يعلن عن التغيرات التي حصلت في الموقف البريطاني منذ عام 2016. فيظهر أنها مالت لإشراك الحوثيين إذ إنها لم تستطع القضاء عليهم أو إبعادهم عن صنعاء بواسطة عملائها الإمارات والقوى اليمنية التي تمولها.

2- وصل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ يوم 2022/4/11 لأول مرة إلى صنعاء منذ توليه منصبه قبل 8 شهور واجتمع مع مسؤولين في جماعة الحوثي. وقال بيان صادر عن مكتبه ("إن طائرة غروندبرغ هبطت في صنعاء بهدف حث قيادة الحوثيين على تنفيذ وتعزيز وقف لإطلاق نار مدته 60 يوما في الدولة التي دمرتها الحرب"... أب 2022/4/11) وفي اختتام زيارته قال: ("إنه بحث مع قيادات سياسية (حوثية) في صنعاء تطورات تنفيذ الهدنة بجميع عناصرها وسبل البناء عليها كخطوة نحو حل سياسي شامل للنزاع"... الأناضول 2022/4/13). فيكون المبعوث الأممي قد حمل للحوثيين قرارات المؤتمر الأخير لتهيئتهم للتفاوض بعد نزع الصلاحيات من الرئيس هادي وإعطائها لمجلس رئاسي. (وأعرب مجلس الأمن، في بيان أصدره بالإجماع (15 دولة)، عن الأمل في أن يمثل تشكيل المجلس "خطوة مهمة نحو الاستقرار وتسوية سياسية شاملة بقيادة يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة". ودعا جماعة الحوثي إلى "الانخراط والعمل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة (هانس غروندبرغ) في جهوده لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار والتفاوض على حل سياسي شامل"... aa.com.tr).

 3- أعضاء المجلس الرئاسي موالون لبريطانيا بمجملهم، ومؤتمر إقرار المجلس رعته السعودية الموالية لأمريكا وعقد عندها في الرياض، وعلى الرغم من أن الحوثيين لم يحضروه، إلا أن إيران والحوثيين الذين يسيرون في ركابها قد وافقوا على الهدنة التي كانت مقدمة لإقرار المجلس، ثم إن أمريكا وبريطانيا قد وافقتا على الهدنة والمجلس مع أنهما أدارا حرباً ليتفرد كل منهما بشئون اليمن، ولكنهما الآن هما وأدواتهما الإقليمية والمحلية قد وافقوا على الهدنة والمجلس! كل هذا يدل على أن أسباباً ذات شأن طرأت على الأوضاع دفعت كلاً من أمريكا وبريطانيا لترك تناقضهما في انفراد كل منهما في اليمن، ومن ثم التوجه نحو حل توافقي ولو "مؤقتاً" في هذه المرحلة... أما عن هذه الأسباب فيمكن إدراكها من المستجدات التي حدثت خلال الأسابيع أو الأشهر الأخيرة وهي على النحو التالي:

أ- الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على أمريكا ودول أوروبا خاصة إنجلترا، فقد جعلت هذه الدول معظم اهتمامها نحو تلك الحرب.

ب- استهداف قوات صنعاء للبنية التحتية للصناعة النفطية السعودية بصواريخ مجنّحة، وتداعياته على مستقبل إمدادات النفط العالمية، في الوقت الذي تعهدت فيه أمريكا للدول الأوروبية على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، تعهدت بتوفير بديل عن روسيا لمصادر الطاقة في أوروبا، وبما أن السعودية تستطيع ضخ كميات كبيرة من النفط فإنها تستطيع سد جزء كبير من الحاجة الأوروبية للنفط بديلاً عن النفط الروسي، ومن ناحية ثانية لا تقل أهمية فإن زيادة ضخ السعودية للنفط يعمل على كبح أسعاره في الأسواق بما يزيد من فرص انتخاب الحزب الديمقراطي في جولة التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر 2022: (وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية إن الرياض "لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها". فرانس 24، 2022/3/25)، كل هذا كان يدفع أمريكا إلى تهدئة الأوضاع بين الحوثيين والسعودية...

ج- انشغال الولايات المتحدة بالصراع مع الصين في الشرق الأقصى وبحر الصين الشرقي...

د- فشل هادي في فرض سلطته على اليمن الذي يمر بأزمات متعاقبة، منذ انتخابه عام 2012، وهو ما أثّر في أدائها...

ه- ثم استمرار هذه الحرب نحو سبع سنوات دون أن يستطيع أي من الأطراف المتصارعة بقيادة أمريكا وبريطانيا تحقيق أهدافه...

و- وأخيراً فإن ظروف أمريكا الحالية وكذلك ظروف بريطانيا دفعتهما إلى هذا التوافق:

- فأمريكا من ناحيتها تدرك قوة نفوذ الإنجليز في الوسط السياسي في اليمن، وتدرك نفوذها على بعض قبائل الشمال التي تجمعت وتقاتل الحوثيين بشراسة شديدة في مأرب فتمنعهم من إحكام السيطرة على شمال اليمن، وأن المليشيات التي تدعمها الإمارات قد نجحت في إحكام سيطرتها تقريباً على الجنوب، بمعنى أن أمريكا ترى أن الحوثيين غير قادرين على السيطرة على جميع اليمن، وهذا يجعل أمريكا تقبل باقتسام النفوذ في اليمن مع بريطانيا بعد أن لم يكن لها شيء معتبر في النفوذ قبل سنة 2014.

- وأما بريطانيا والتي خسرت النفوذ في السعودية بقدوم سلمان وابنه للحكم سنة 2015، وأخذت السعودية تعمل لصالح أمريكا، ومن ثم فإن أدوات بريطانيا الإقليمية قد ضعفت، وهذا الواقع الجديد يجعل بريطانيا وأمام هذه التغييرات الإقليمية الكبيرة، وخاصة إذا أضيف إليها توسيع أمريكا للدور الإيراني في المنطقة، يجعلها عاجزةً عن إعادة الأوضاع في اليمن تحت قبضتها، ومن ثم فتقبل هي الأخرى باقتسام النفوذ مع الأمريكان في اليمن. وهذه القناعة من الطرفين (أمريكا وبريطانيا) توجد مناخاً مناسباً للحل السياسي في اليمن.

4- وهكذا فإن الهدنة وهذا القرار وتشكيل المجلس، كل ذلك قد تم بتوافق أمريكي بريطاني، والعملاء والدائرون في الفلك تبع لهذا التوافق... غير أن هناك أمراً يجب أن لا يغيب عن البال فالدول المستعمرة عادة ما تحرص كل منها على أن يكون لها النفوذ وحدها في البلاد المستعمَرة، ولا تلجأ إلى التوافق إلا إذا اضطرت إليه فتلجأ إلى التوافق بشكل مؤقت ثم يعمل كل منها بوسائله الخبيثة لسحب البساط من تحت الآخر... ولذلك فهذا التوافق يكون استمراره متناسباً مع الأسباب المذكورة أعلاه، وفي جميع الحالات فهذا التوافق ليس دائماً تسير عليه أمريكا وبريطانيا بل سيستمر الصراع بينهما حتى وإن كان بأساليب غير ظاهرة، إلى أن تتغير الظروف التي دعت إلى هذا التوافق فيعلو صوت الصراع من جديد. فالخط العريض عند الدول الاستعمارية هو أنها تلعب لعبة الزمن فإن لم تستطع أن تحقق أهدافها في انفراد النفوذ لها وحدها في الحال فإنها تترك الأمر للزمن لتقوم بالمحاولات لتحقيق أهدافها...

5- إن اليمن هي محل صراع دولي بين أمريكا وبريطانيا وأدواتهما من القوى الإقليمية والمحلية. والمتضرر هم أهل اليمن فهم وقود هذا الصراع وضحيته، حيث تسبب في المجاعة والفقر وتردي الأحوال من كل جوانبها. ولا منقذ لهم إلا الرجوع إلى الله والاعتماد عليه ورفض كل هذه الأدوات وأسيادها، والعمل مع المخلصين لإقامة حكم الله متجسدا في خلافة راشدة على منهاج النبوة، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.

التاسع عشر من رمضان المبارك 1443هـ

2022/04/20م

جريدة الراية: قضية الأقصى قضية كل المسلمين

 

جريدة الراية: قضية الأقصى قضية كل المسلمين

 

  26 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 نيسان/ابريل 2022مـ

المسجد الأقصى قضية من قضايا الأمة المصيرية، ويمكن بلورة الجوانب التشريعية لآية الإسراء وحديث شد الرحال على شكل فهم سياسي واضح يُبيّن المعالجات الفقهية الخاصة بالمسجد الأقصى بكل وضوح، وذلك على النحو التالي:

1- قول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ يتناول علاقة الاقتران بين قدسية المسجد الحرام وقدسية المسجد الأقصى، والسؤال الأول المطروح هنا هو: ما الحكم الشرعي المفهوم من هذه العلاقة بين المسجدين؟

والجواب هو أنّه يُفهم من هذا الاقتران وجوب الدفاع عن المسجدين، لأنّ المكان المقدس يُدافع عنه وجوباً للحفاظ عليه، ويتساوى في هذه الآية الدفاع عن المسجد الأقصى والدفاع عن المسجد الحرام، ولأنّ قدسيتهما واحدة فالدفاع عنهما واحد، وهو حكم شرعي واجب على جميع المسلمين.

2- وأمّا دلالة قوله سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ فتعني مساحة المكان المقصود بالآية، وعند تحقيق مناط هذا المكان نجد غالبية المفسرين يقولون بأنّ الأراضي التي باركها الله سبحانه حول المسجد الأقصى تعني كل بلاد الشام، وحدود بلاد الشام الطبيعية المتعارف عليها في ذلك الوقت تمتد من العريش وتبوك جنوباً إلى حلب وأضنة شمالاً، ومن بحر الروم (المتوسط) غرباً إلى نهر الفرات شرقاً.

فكل البلاد الواقعة ضمن هذه الحدود هي بلاد مُباركة حول المسجد الأقصى، وينطبق عليها وصف: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، وحكم الدفاع عنها كحكم الدفاع عن المسجد الأقصى نفسه سواء بسواء، وكحكم الدفاع عن المسجد الحرام، فالدفاع عن القدس كالدفاع عن يافا وحيفا، والدفاع عن أي بلد في بلاد الشام كالدفاع عن مكة ذاتها.

3- أمّا السؤال الثاني المطروح هنا فهو: كيف يُدافع عن هذه الديار المباركة؟ وعلى من تقع أولوية الدفاع عنها؟

والجواب أنها تقع على عاتق الجيوش التي تمتلك إمكانيات الدفاع عن هذه الأراضي، لأنّ فيها مظنة وجود القدرة على فعل ذلك، وأمّا من هو المخوّل بالقيام بذلك فهو رئيس الدولة الإسلامية، الإمام الذي هو راع ومسؤول عن رعيته.

وإذا كان الإمام غير موجود فيجب العمل على إيجاده ليقوم هو برعاية شؤون رعيته، وأولها الدفاع عن هذه البلاد المباركة.

ولا يقال إنه في حال غياب الإمام تنتقل الرعاية إلى الناس العاديين الذين لا يملكون إمكانيات القتال والدفاع، لا يقال ذلك، بل يقال يجب العمل على إيجاد الإمام ومبايعته للقيام بهذا الواجب.

والإمام يعني ببساطة الدولة الإسلامية بما لديها من جيش واستخبارات وأجهزة حكم، وإيجاد الإمام كما هو واجب في ذاته، فهو أيضاً واجب من أجل تحرير الديار المباركة.

وإذا كان تخليص الديار المباركة واجب على المسلمين، وأنّ هذا الواجب لا يتم إلا من خلال إيجاد الإمام، فيكون إيجاد الإمام واجباً من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

4- حديث الرسول ﷺ المشهور: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»، يتضمن هذا الحديث حكم وجوب تمكين المسلمين من شد الرحال إلى المسجد الأقصى تماماً كشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي، فإذا وُجدت عوائق تحول دون تمكين المسلمين من شد الرحال إلى المسجد الأقصى كوجود الاحتلال فيجب عندها العمل على إزالة هذه العوائق، وإذا كانت هذه العوائق لا تُزال إلا بالقتال واستنفار الجيوش، فيجب عندها إقامة الإمام الذي يعمل بقيادته للدولة والجيش على إزالة هذا الاحتلال من أجل تطبيق الحكم الشرعي وهو: وجوب تمكين المسلمين من القيام بشد الرحال إلى المسجد الأقصى من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

فموضوع المسجد الأقصى باختصار هو موضوع آية الإسراء وحديث شد الرحال، والحكم الشرعي الذي دلت عليه الآية ودلّ عليه الحديث يوجب العمل لإقامة الإمام الذي يعني العمل لإقامة الخلافة التي يقوم جيشها بالدفاع عن الأرض المباركة كلها، كما يقوم في الوقت نفسه بإزالة العوائق التي تحول دون شد الرحال إلى الأقصى.

هذه هي الجوانب التشريعية للآية والحديث والتي تدل على وجوب تنصيب الخليفة ليقوم بهذه الأعمال العظيمة، وهذا يناقض ما يُروجه أصحاب الأفهام السقيمة التي تغفل عن هذه المعاني الواضحة، وتشغل الناس بالحديث عن التنبؤات والتوقعات والأماني بالتغيير من دون عمل، فتخدّر الناس وتحيلهم إلى قدريين غيبيين لا يحسنون سوى الانتظار والتعلق بالأوهام!

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: ما وراء دعوة البرهان للحوار الوطني في السودان؟

 

جريدة الراية: ما وراء دعوة البرهان للحوار الوطني في السودان؟

 

  26 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 نيسان/ابريل 2022مـ

أطلق رئيس مجلس السيادة في السودان، الفريق عبد الفتاح البرهان الدعوة لحوار وطني يجمع جميع الأطراف السياسية عدا المؤتمر الوطني، وقد أكد في دعوته بأن السودان يمر بمرحلة تقتضي الحوار والتنازل من أجل الوطن، فما حقيقة هذه الدعوة؟ وما هي الأهداف التي ترمي إليها؟ وهل الحوار يفضي لحلول سياسية لمشاكل البلاد؟ وهل لهذه الدعوة علاقة بالصراع الدولي على السودان؟

فبعد فشل مبادرات عديدة ومنها المبادرة الأممية الشهيرة بقيادة فولكر، تأتي هذه الدعوة في ظل تصاعد المظاهرات المناهضة للانقلاب، وفشل العسكر في إيجاد استقرار سياسي وإخماد الحراك، والأحزاب المناهضة للانقلاب أصبحت في نظر الناس والأوساط الدولية قتلة مرفوضة من الشعب. وقد أدانت أمريكا شرطة الاحتياطي المركزي في السودان، في طريقة تعاملها مع المسيرات، ووصفتها بأنها تستخدم القوة المفرطة، فعقب كل مسيرة يسقط قتيل أو أكثر، وكثير من الجرحى، لذلك تأتي هذه الدعوة لتلميع صورة العسكر لدى الأوساط السياسية والشعبية والدولية حتى يتم قبولهم، ويتناسى الناس تلك الجرائم التي ارتكبت في حق أهل السودان، وقد أكد البرهان بأنه على استعداد لرفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فقد أوردت صحف الخرطوم الصادرة في 2022/4/23م، أنه تم إطلاق سراح 25 من لجان المقاومة من سجن سوبا.

وقد أبدت بعض الأوساط السياسية الترحيب بالمبادرة، ووضعت بعض الأحزاب شروطاً للانخراط في عملية الحوار الوطني. هذه الدعوة ليست جديدة في السودان، أو في البلاد الإسلامية التي تعاني صراعات دولية غير محسومة لصالح طرف من الأطراف المتصارعة، فعند كل أزمة سياسية يتعرض لها الحزب الحاكم أو الفئة الحاكمة سواء من الشارع أو من الدول الكبرى تطلق مثل هذه الدعوات للحوار، فيأتي كل طرف بأجندته التي وضعها بعناية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية التي تمكنه من الانفراد بالسلطة، أو الإطاحة بخصومه، أو احتوائهم وإشراكهم في المناصب، أو إعطائهم جزءا من السلطة، لذلك لا تخرج دعوة البرهان هذه عن تلك الأجندات، ليمهد الطريق للحصول على تأييد شعبي، وقبول سياسي دولي وداخلي، ومن ثم تكون الحكومة في السودان مقبولة دولياً، ومسنودة سياسياً وشعبياً، فيعود السودان للمجتمع الدولي، وفك عضوية السودان المجمدة لدى الاتحاد الأفريقي، وكل ذلك بإيعاز من أمريكا لتمكين عملائها في الحكم، وقطع الطريق أمام عملاء أوروبا من المدنيين حتى لا يجدوا موطئ قدم لهم في السلطة والحكم في السودان، لأن أمريكا لا تملك رصيداً من السياسيين الموالين لها، فلم تتمكن حتى الآن من إيجاد رئيس لمجلس الوزراء عقب استقالة حمدوك.

أما أوروبا فهي لا تملك رصيداً في الجيش لإسناد عملائها من المدنيين، فأوروبا تحتاج لقوة تسند المدنيين الموالين لها، لكن غباء عملائها جعلهم يناصبون العسكر العداء بدل استمالتهم. فمن المستبعد أن تنجح دعوة البرهان للحوار الوطني لأن أطراف الحوار تتجاذبهم قوى دولية، وتدخّل صريح من سفارات أمريكا وبريطانيا وفرنسا، أضف إلى ذلك انعدام القاسم المشترك بين أطراف الحوار، أو المسلَّمات لدى المتحاورين التي يمكن الرجوع إليها، فهذا الحوار لمصلحة الأطراف الدولية وليس هو لمصلحة البلاد، فلا مخرج من مشاكلها السياسية والاقتصادية، إلا بتبني فكرة سياسية معينة للحكم، فالمتحاورون الآن ما إن يتفقون على وثيقة معينة ويتم التوقيع عليها، حتى يتم نقضها، قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، حيث يقوم كل طرف متى شعر بالقوة بالانقضاض على الاتفاق، وما الوثيقة الدستورية التي تم التوقيع عليها بين العسكر والمدنيين عنا ببعيدة، فعندما شعرت أمريكا بأن السلطة سوف تفلت من يد عملائها بتسليم المجلس السيادي للمدنيين، أوعزت لعميلها البرهان للقيام بانقلاب ووضع المدنيين في المعتقلات، ووصفهم بأبشع الأوصاف، وظنت أمريكا بهذه الخطوة أنها تستطيع إيجاد استقرار سياسي لها في السودان.

لكن رغم كل المحاولات التي قام بها المبعوث الأمريكي، والسفارة الأمريكية، والوفود الأمريكية، ولم يبق إلا أن يحضر الرئيس بايدن بنفسه إلى السودان، رغم هذه التدخلات، لا تزال الأزمة السياسية تتفاقم.

وللخروج من هذه الأزمات لا بد أن يتحقق الآتي:

1- أن يحذر قادة الجيش والمدنيين والأوساط السياسية من الأفراد والأحزاب الذين يسعون إلى السلطة، الوقوع في أحضان الدول المستعمرة، وعدم الجلوس مع المبعوثين، ومقاطعة السفارات وبخاصة البريطانية والفرنسية والأمريكية، وقطع كل الحبال معهم وعدم مناقشتهم في شئون السودان.

2- نبذ وطرح كل الأفكار الغربية المتعلقة بالحياة والدولة والمجتمع من جانب تلك الأحزاب والجماعات التي تسعى للحكم، وهي أفكار الحريات والمدنية والديمقراطية والتحرير الاقتصادي، فلا بد من رفض جميع الأفكار المبنية على العقيدة الرأسمالية أو غيرها من العقائد الوضعية.

3- تبني الإسلام وحده، فهو غني بالأفكار المتعلقة بالحكم والسياسة والاقتصاد والمجتمع وغيرها، والدعوة لهذه الأفكار، مثل الخلافة بوصفها نظاماً للحكم تكون السيادة فيها للشرع وليس للشعب، ويتم نصب خليفة واحد للأمة لتعطيه البيعة لتنفيد الإسلام وحمله للعالم بالدعوة والجهاد، وبالتالي تتم تنقية الوسط السياسي من أي فكرة غير مبنية على الإسلام العظيم، ويحرم الدعوة لها.

4- إذا حدث أي نزاع على الحكم والسلطة، فيجب حله بالفكرة فحسب وليس بالنزاع المسلح بين الفئات المتصارعة، ويجب رد الأمر إلى الله ورسوله، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾.

وبهذا يحصل الاستقرار السياسي في بلاد المسلمين، والدعوة تكون دعوة حق لتمكين الإسلام وأحكامه، وليس لتمكين نفوذ الكفار المستعمرين، وهذا لا يتحقق إلا بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي هي وعد ربنا سبحانه وبشرى نبينا ﷺ.

بقلم: الدكتور أحمد عبد الفضيل ولاية السودان

جريدة الراية: سياسات صندوق النقد الدولي مهلكة للشعوب باعتراف الخبراء

 

جريدة الراية: سياسات صندوق النقد الدولي مهلكة للشعوب باعتراف الخبراء

 

  26 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 27 نيسان/ابريل 2022مـ

دوندونو ذلك التاجر الجشع الذي لا يعرف الرحمة كما وصفه الأديب رابيليه بأنه يحتل أسوأ ما في هذا العصر وهو غياب الإنسانية، تشاجر مع بانوروج ذلك الرجل الخبيث الماكر، فقرر بانوروج أن ينتقم منه، فاشترى خروفا من خرافه التي كان يحملها على ظهر السفينة بسعر عال، وفي مشهد غريب أمسك بانوروج ذلك الخروف وألقى به في عرض المحيط، فما كان من الخراف الأخرى إلا أن اصطفت في طابور مهيب لتمارس دورها في القفز من السفينة، فجن جنون دوندونو وهو يحاول منع القطيع من القفز في الماء، ولكن محاولاته باءت بالفشل، فقد كان إيمان الخراف بما يفعلونه على قدر من الرسوخ أكبر من أن يقاوم، وبدافع قوي من الجشع حاول دوندونو الإمساك بآخر خروف آملاً في إنقاذه، إلا أن عزيمة الخروف أسقطتهما معا ليواجها ذلك المصير المحتوم.

هذه القصة رغم أنها من الأساطير الفرنسية إلا أنها وللأسف الشديد تحاكي الواقع المأساوي الذي تعيشه شعوب ما يسمى بالدول النامية، أو دول العالم الثالث. إن القروض التي يقدمها صندوق النقد والبنك الدوليان للحكام المتشبثين بالسلطة هي عين الصفقة التي تمت بين الخبيث الماكر بانوروج مع التاجر الجشع عديم الرحمة، فقد كان مصير الخراف هو عينه مصير تلك الشعوب المقهورة التي سقطت في أفواه حيتان الشركات الرأسمالية العابرة للقارات.

إن سياسات هذه المؤسسات المالية الكارثية الإجرامية لم تكن لتخفى على أحد، ولكن كتابتها على ورق شفاف موضوعة بعضها على بعض تمكن من الاطلاع عليها دفعة واحدة، علها تكون بمثابة حجر غليظ يلقى في بركة ساكنة من الاستسلام تحرك أمواجا متتالية من الإحساس بالظلم فتحدث تغييراً.

إن بشاعة تلك السياسات حركت مشاعر بعض خبراء الاقتصاد وهم في الأصل من ذوي العلاقات الوثيقة بتلك المؤسسات والذين طفح بهم الكيل، فنختار بعضاً من تصريحاتهم.

أشار ستغلتز، الذي شغل منصب نائب رئيس البنك الدولي ورئيس قسمه الاقتصادي، إلى أنّ الأركان الثلاثة لسياسات "توافق واشنطن"، التي اعُتبرت بمثابة الحلّ السحري للأزمات المالية والاقتصادية في دول الجنوب العالمي مهما اختلفت أنواعها وأسبابها، هي التقشّف في السياسات الإنفاقية والضرائبية، والخصخصة، ولبرلة أو انفتاح الأسواق المحلية وسوق المال بصورة خاصة، وقد حاجج ستغلتز في كتابه "خيبات العولمة" أنّ هذه السياسات أصبحت بمثابة مقدسات مطلقة لدى المؤسسات المالية الدولية في تلك الفترة، إذ طبقت كوصفات تلقائية من دون الاكتراث للسياق الاقتصادي أو لتداعياتها على أرض الواقع، ما أدى إلى نتائج كارثية في العديد من الدول النامية. فكان الصندوق يصرّ على الخصخصة في أسرع وقت ممكن كوسيلة لتحفيز القطاع الخاص، ما أدّى فعلياً إلى تبديد الثروات العامة وتركُّزها في أيدي فئات وشركات مقرّبة من الطبقات السياسية الحاكمة التي تدير عملية الخصخصة، أي من دون أن تنال الدولة شيئاً من الإفادة الموعودة من هذه العملية.

كتب لاري إليوت في صحيفة الجارديان، "وبالطبع لا يعترف البنك الدولي ولا صندوق النقد بأن سياساتهما هي المشكلة، حتى لو أثبت باحثون أن هذه المؤسسات الدولية هي في الواقع (أكبر صناع الفقر في أفريقيا). فمنذ سبعينات القرن الماضي، أصبحت المؤسستان اللتان تتخذان من واشنطن مقراً لهما، المهندس الرئيس للسياسات المسؤولة عن انعدام المساواة وتفاقم الفقر في العالم، خاصة في أفريقيا".

وصفت المسئولة السابقة في برنامج الأمم المتحدة للتنمية إيزابيل غرامبرغ السياسات التي يفرضها الصندوق على الدول الأعضاء، لا سيما النامية منها، والتي تؤدي في أكثر الأحيان إلى ارتفاع معدل البطالة وانخفاض في القدرة الشرائية، وتبعية خاصة غذائية، يضاف إليها تفكك للأنظمة الإنتاجية، وصفت هذه الأمور بالجريمة، معتبرة أن صندوق النقد الدولي ليس مشاركا فيها فقط بل إنه المايسترو الذي يدير نظاما شاملاً يسحب الأموال من الفقراء ليمول إنفاق أقلية غنية.

وكما وصفه الخبير الألماني أرنست غولف، أستاذ الفلسفة بجامعة بريتوريا في كتابه "صندوق النقد الدولي قوة عظمى في الساحة العالمية"، إن تدخلاته في الواقع أشبه ما تكون بغزوات جيوش متحاربة.

ذكر جون بيركينز في كتابه الاغتيال الاقتصادي للأمم "إن صندوق النقد الدولي هو أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتزعزع الدول وتنهب وتدمر اقتصاد الدول النامية".

لقد وصف هؤلاء الخبراء حجم المأساة التي تسببت فيها المؤسسات المالية، ولكن ما هو أصدق وصفا، وأقوى تعبيراً لرسم حجم المعاناة هو الحياة التي يعيشها الناس في كل ساعة وحين، والسودان خير مثال على الاستجابة المطلقة لإملاءات صندوق النقد الدولي القاسية، فقد رفعت الدولة يدها تماماً عن كل الخدمات، وتقديم أي نوع من الدعم للسلع الأساسية والخدمات فصارت الحياة قطعة من الجحيم المتصاعد لهيبه، ولم يبق إلا أن يأكل الناس بعضهم بعضاً! وهذا الأمر ليس قاصراً على السودان وأهله فحسب، بل هي سياسة عامة، ودونكم تقرير عن سياسات صندوق النقد الدولي في أفريقيا كتبه هربرت غلوشي: "كانت البلدان النامية غير قادرة على سداد فواتير القروض القديمة في عام 1980 بلغ مجموع ديون البلدان النامية 567 مليار دولار، وبين عامي 1980-1992 دفعت هذه الدول 1662 مليار دولار، ومع ذلك، وبسبب ارتفاع أسعار الفاتورة زادت الديون لـ1419 مليار دولار، على الرغم من أنها دفعت أكثر من ضعف الديون كسداد، بقي ضعفها أيضا دينا مستحق الدفع، وقد أجبرت هذه الدول على أخذ قروض جديدة لتدفع مستحقات الدين والحيلولة دون إعلان الإفلاس كما حدث في السودان ومؤخرا بما يسمى بالدين التجسيري".

إن كان بانوروج خبيثاً وماكراً حيث استخدم الحيلة للانتقام من شخص دوندونو، فإن صندوق النقد الدولي هو أشد مكراً وأكثر خبثاً، لأن برنامجه الاقتصادي الذي يفرض على الدولة نتائجه الكارثية يقع أثرها على الشعوب عامة وليس على الخراف، وإن كان تشبث التاجر الجشع أدى إلى هلاكه، فإن تشبث هؤلاء الحكام العملاء بالحكم أدى إلى هلاك شعوبهم.

إن سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها من المؤسسات المالية الدولية، هي عبارة عن واجهات اقتصادية للنظام الدولي الذي يسعى للسيطرة الكاملة على شعوب العالم، وإن هذه الدويلات القطرية تبقى عاجزة عن مجابهة هذا النظام الدولي المتوحش، وهي في أصلها إنما صنعت ليكون دورها وظيفياً لتنفيذ هذه السياسات والسير في ركاب النظام الدولي.

وحينها لم يبق أمامنا سوى خيارين لا ثالث لهما؛ إما الاستكانة للأمر الواقع والرضا بأن نكون لقمة سائغة في بطن الشركات الرأسمالية، فتهرسنا هرساً ثم تبتلعنا، أو الوقوف في وجه هذه السياسات. ومن حسن طالع المسلمين دون الشعوب الأخرى المقهورة أن لهم نظاما اقتصادياً يتميز بصحة معالجاته، ويملكون نظاما سياسيا يتمثل في الخلافة القادرة على الوقوف في وجه هذا النظام الدولي، وأن الله يدافع عنهم ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وضمن لهم النصر ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾، فلم يبق للمسلمين إلا التحرك بأقصى سرعة لإنقاذ أنفسهم بنصرة الإسلام.

بقلم: المهندس حسب الله النور ولاية السودان