Wednesday, October 31, 2018

جريدة الراية: حملة "الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية"

جريدة الراية: حملة "الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية"
تختتم أعمالها بمؤتمر نسائي عالمي في تونس

(الجزء الرابع والأخير)
  22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
وصلنا قراءنا الكرام إلى المحطة الأخيرة في قطار حملة الأسرة التي نظمها القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير، وصلنا إلى المؤتمر، والذي يأتي بعد ثلاثة أسابيع من الحملة العالمية المكثفة المتعلقة بالأزمة العالمية التي يمر بها الزواج والتي تتعرض لها الحياة الأسرية اليوم، والتي تناولت أسباب الأزمة وقدمت المعالجات الإسلامية لكثير من المشاكل التي تمس وئام الأسرة ووحدتها. وقد كان هناك تفاعل مع المجتمعات والمنظمات والمؤثِّرات ووسائل الإعلام، وتضمنت أيضا حملة نشطة على وسائل التواصل الإلكتروني حظيت بدعم عالمي واسع النطاق..
وها نحن مع تتويج ذلك كله بمؤتمر نسائي عالمي مهم استضافه حزب التحرير/ ولاية تونس يوم السبت 27 تشرين الأول/أكتوبر تحت عنوان الحملة نفسه "الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية"، وذلك لمعالجة الأزمة التي تؤثر على الألفة والوئام في الزواج والحياة الأسرية في المجتمعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلاد الإسلامية. وتم بثه مباشرةً للجمهور في العالم بلغات مختلفة.
جمع هذا المؤتمر نساء مختارات من تونس وبلدان أخرى ممن لديهن خبرة في هذا الشأن. وقد سبقه مؤتمر صحفي مهم أجابت فيه المشتركات عن أسئلة الصحافة والمهتمين.. وكذلك دار نقاشان مهمان مباشران أحدهما بالعربية والآخر بالإنجليزية حدهما بالربية والآخر بالانجليزيةأعلى صفحة التواصل الإلكتروني المرأة والشريعة باللغتين العربية والإنجليزية..
وألقت كلمات المؤتمر متحدثات من حزب التحرير من الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وأفريقيا وآسيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا.
وقد ابتدأ المؤتمر بكلمة ترحيبية ثم آيات عطرة من القرآن الكريم، تلته الكلمة الافتتاحية من الناطقة الرسمية للقسم النسائي لحزب التحرير/ ولاية تونس، والتي أعلنت فيها رسميا افتتاح المؤتمر.
ثم توالت الأخوات المتحدثات، حيث كانت الكلمة الأولى من تونس بعنوان الأزمات في وحدة الأسرة: أسبابها وعواقبها. تلتها كلمة هولندا والتي شرحت فيها الأخت كيف ظلمت المساواة بين الجنسين الأسرة. أما كلمة باكستان فقد انصبّت على دور الإعلام في تقويض الزواج والحياة الأسرية. ثم قدمت زهرة من تونس قصيدة شعرية بعنوان: "أماه! ويل لمن يضنيك!".
ثم عدنا مع كلمة تونس التي كانت عن أمر مهم يؤثر على العلاقات الأسرية وهو العنف الأسري: الأسباب وسبل الوقاية من منظور إسلامي. تلته كلمة لبنان ووضحت فيه الأخت كيفية التصدّي للأجندات الدّوليّة والوطنيّة لمناهضة قوانين الأسرة الإسلاميّة.
وتخلل تلك الجلسة عرض فيديوهات مؤثرة مثل فيديو تقديمي للمؤتمر، وفيديو على لسان أطفالنا اطلعنا من خلاله على الأسرة في عيون أبنائنا: بين الواقع والمطلوب.
وانتهى القسم الأول من المؤتمر بجلسة سؤال وجواب أجابت فيه الأخوات المتحدثات عن أسئلة الجمهور المتنوعة.
نعود مع الجزء الثاني بكلمة تركيا التي أرشدتنا إلى كيفية إنقاذ الأسرة من خلال النظام الاجتماعي الإسلامي. تلتها كلمة إندونيسيا التي ركزت على دور المرأة الأساسي وهو الأمومة، حيث كان محور الكلمة كيفية إصلاح مفهوم الأمومة: أهمية الدور الأساسي للمرأة كزوجة وأمّ. ثم أدت بعض الزهرات مشهدا مسرحيا هادفا بعنوان: "أنقذوا عائلاتنا!". لنصل بعدها للكلمة الثامنة وكانت لمنطقة الخليج العربي عن وجهة النظر الإسلامية لقوامة الرجل على المرأة في الإسلام.
خرجت الأخوات بعد ذلك في استراحة تجولن فيها في معرض للكتاب أقيم على هامش المؤتمر وكان بعنوان "الارتهان والاستعمار معولان لهدم الأسرة". وقد غطى هذا المعرض بكتبه ومنشوراته وملصقاته مواضيع عدة تهم المرأة والمجتمع عالميا مثل الأسرة في ظل النظام الرأسمالي الجذور والنتائج، وانتشار النسوية في العالم العربي، والصحوة الإسلامية في الثورة ومطالبة النساء بالخلافة، والإملاءات الغربية وصندوق النقد الدولي الذي أدى إلى وضع قوانين علمانية، وكذلك عن اتفاقية سيداو، والعديد من الكتب المهمة للأمة الإسلامية والعالم أجمع لأنها تحتوي على حل لكثير من القضايا مثل أزمة الحكم والنظام الاجتماعي والتعليم والأسرة، كتاب نقض القانون المدني ونقد مجلة الأحوال الشخصية، مشروع لجنة الحريات الفردية والمساواة.. مجلة مختارات عن الأسرة ومعالجات مشاكل الأسرة من منظور إسلامي.. وغيرها.
وقد كان الإقبال على المعرض جيدا، ولم تكن بعض الأخوات يعرفن عن كتب الحزب وما فيها من معالجات لكل هموم الأمة.
وبعد عرض مشكلات الأسرة وأسبابها، وشرح وضع المرأة والأسرة في غياب الإسلام، ودور الحكومات العلمانية والغرب في تغييب مفاهيم الإسلام، جاء الحل في الجزء الثالث والأخير من المؤتمر. حيث استمعنا لكلمة الأرض المباركة - فلسطين والتي وضحت لنا ماهيّة الحياة الزوجية في الإسلام.. تلاه عرض فيديو عن الحياة الزوجية للنبي محمد  ليرسم صورة واقعية حقيقية في ظل أحكام الإسلام.
وكان مسك ختام الكلمات هو كلمة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير على لسان مديرة القسم النسائي فيه - الدكتورة نسرين نواز - والتي كان فيها شرح الحل لكل ما تعيشه الأسرة والمرأة من أزمة ومشاكل وكانت بعنوان.. الخلافة: حصن الأسرة.
فقد وضحت الأخت كيف ستعمل الخلافة على منهاج النبوة على إقامة أسر قوية، فإنها ستغذي التقوى في المجتمع والذي هو العامل الأساسي لحماية الأسرة، وستعمل على تنظيم المجتمع بناءً على النظرة الصحيحة للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تحقق التعاون بين الجنسين والوحدة الأسرية، وستدعم أنظمة الخلافة أداء الأدوار والحقوق والواجبات الإسلامية في الحياة الأسرية من أجل تحقيق الهدوء في الزواج والانسجام في هيكل الأسرة... لتخلُص إلى أن دولة الخلافة هي وحدها القلعة الحقيقية للأسرة.
وبعد ذلك كانت هناك جلسة سؤال وجواب ثانية أجابت فيها الأخوات عن أسئلة الجمهور المتعددة. تلته الكلمة الختامية للمؤتمر والتي ألقتها مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الدكتورة نسرين نواز. ثم عُرض فيديو مؤثر بعنوان أنقذوا الأسرة بإقامة الخلافة. وفي الختام كان هناك دعاء مؤثر من إحدى الأخوات..
نسأل الله تعالى أن يجزي القائمين على هذه الحملة والمؤتمر العالميين خير الجزاء، ويعجل بالخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستحل أزمة الأسرة ومشاكلها بسن القوانين التي تحمي المرأة والطفل وكل أفرادها بإذن الله تعالى.
بقلم: الأستاذة مسلمة الشامي (أم صهيب)

جريدة الراية: الملك عبد الله يأبى أن يلغي اتفاقية وادي عربة ويكتفي بالإنهاء القابل للتجديد

جريدة الراية: الملك عبد الله يأبى أن يلغي اتفاقية وادي عربة ويكتفي بالإنهاء القابل للتجديد

  22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
أعلن ملك الأردن عبد الله الثاني عن إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية وادي عربة الموقعة مع كيان يهود عام 1994. وقال الملك يوم الأحد الموافق 21/10/2018 إنه تم إبلاغ تل أبيب بقراره، مشددا على أن أراضي منطقتي الباقورة والغمر أردنية خالصة، وستظل أردنية، ويمارس الأردن سيادته عليها بالكامل، حسب قوله. كما أوضح في تغريدته على تويتر والتي قال فيها "وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام انطلاقا من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل مصلحة الأردن والأردنيين".
وبالرجوع إلى اتفاقية وادي عربة والملحق الخاص بمنطقتي الباقورة (ملحق 1 ب) والغمر (ملحق 1 ج) يتبين أن الأردن قد تخلى فعليا عن السيادة على هاتين المنطقتين منذ عام 1994. حيث ورد في الاتفاقية ما نصه في المادة 2 "اعترافا بأن هذه المنطقة تقع تحت السيادة الأردنية وفيها حقوق ملكية أراض خاصة ومصالح مملوكة (إسرائيلية) (المتصرفون بالأرض) في الأرض التي تتكون منها المنطقة"؛ ما يعني أن الأردن يعترف أن لكيان يهود ملكية أرضٍ خاصة لم يحدد مساحتها ومصالح مملوكة في الباقورة. بينما في الملحق الخاص بقرية الغمر ذكر في المادة 2 (الملحق ج) ما نصه "حقوق استعمال (إسرائيلية) خاصة تتعلق بالأرض"؛ فقد ميزت الاتفاقية بين حق الاستعمال في الغمر والملكية الخاصة والمصالح المملوكة التي تخول يهود التصرف في أرض الباقورة.
لذا فإن السيادة التي تدعيها الاتفاقية هي سيادة وهمية وليس لها أي معنى، حيث إن نصوص الاتفاقية قد نزعت التصرف السيادي على أرض الباقورة فيما يخص يهود حيث ورد في المادة 2(أ) "يتعهد الأردن أن يمنح، دون استيفاء رسوم، حرية غير مقيدة للمتصرفين بالأرض وضيوفهم أو مستخدميهم، بالدخول إليها والخروج منها واستعمالها والحركة ضمن حدودها وأن يسمح للمتصرفين بالأرض بالتخلي بحرية عن حقوقهم بالتصرف بالأرض وفق القانون الأردني المعمول به". فأين السيادة على هذه الأرض إذا كان يهود يصولون ويجولون كما يشاؤون دون خضوعهم لأي قانون مالي أو غيره، ويملكون حق التخلي عن حقوقهم بالتصرف لأي جهة أخرى؟ كما ورد في الاتفاقية في المادة 2(ب) "يتعهد الأردن ألا يفرض ضرائب تمييزية أو رسوماً تمييزية على الأرض أو الأنشطة ضمنها"، في الوقت الذي يفرض ضرائب على كل شرائح أهل الأردن، فأين السيادة هنا؟ ولم تقف الاتفاقية عند هذا الحد حتى رفعت سيادة الأردن القانونية نهائيا عن هذه المناطق حيث ورد في المادة 4(ج) ما نصه "بالنظر إلى هذا الملحق، لا يطبق الأردن قوانينه الجنائية على الأنشطة في المنطقة المحصورة بأشخاص من التابعية (الإسرائيلية)". ليس هناك شك أن السيادة على أرض الباقورة والغمر هي سيادة وهمية لا واقع لها، اللهم إلا إذا نظرنا في المادة 3(ج) والتي ورد فيها "تتعهد (إسرائيل) بعدم السماح بإلقاء الفضلات من خارج المنطقة إلى داخلها"!! فالسيادة على أرض الباقورة والغمر وهمية منذ أن تم توقيع الاتفاقية وهي مسلوبة أصلا منذ احتلالهما سنة 1950 الباقورة وسنة 1968 الغمر.
أما تصريح الملك بإبلاغ كيان يهود نية الأردن إنهاء العمل بالاتفاقية فقد جاء هذا الإعلان بناء على ما ورد في الاتفاقية في البند رقم 6 ما نصه "دون المساس بالحقوق الخاصة بالتصرف بالأرض في المنطقة يستمر هذا الملحق نافذ المفعول لمدة خمس وعشرين سنة، ويجدد تلقائيا لفترات مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيته بإنهاء العمل بهذا الملحق قبل سنة من انتهائه وفي هذه الحالة يدخل الطرفان في مشاورات حيالها بناء على طلب أي منهما." فالملك تصرف بناء على هذا النص وقدمت الحكومة الأردنية للطرف الآخر مذكرة تفيد بنية الأردن إنهاء العمل بالملحق 1(أ) المتعلق بالباقورة والملحق 1(ب) المتعلق بالغمر، وقد رد رئيس وزراء يهود بأن كيانه ينوي الدخول في مفاوضات مع الأردن وذلك أيضا حسب الاتفاقية. فالاتفاقية لا تتيح للأردن إلغاء الاتفاقية نصا وروحا، وكل ما تتيحه هو الدخول في مفاوضات جديدة حول الملحق بالاتفاقية، والأردن لم يخرج عن نص الاتفاقية ولم يتعدّ بنودها مطلقا. فقد عمل بموجبها تماما. ثم إن المادة 6 والخاصة بموضوع إنهاء العمل بالملحق أكدت على أن أيا ما كانت نتيجة المفاوضات فإنه لا يجوز المساس بالحقوق الخاصة بالتصرف بالأراضي في المنطقة، أي بحقوق يهود الذين استولوا على الأرض أثناء احتلالها.
 لا بد من الإشارة هنا أن الملك استخدم لفظ "إنهاء" وأصر عليه في تصريحه للصحافة وفي تغريدته بقوله "وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام". وإن لفظ "إنهاء" ليس مرادفا للفظ "إلغاء" كما توهم بعض الصحفيين والمراقبين ولا يدل مطلقا على إلغاء الاتفاقية، بل إنه يدل فقط على أن فترة الاتفاقية قد انتهت ويجب الدخول في مشاورات حيالها أي حول شروطها وبنودها، إما لإقرارها كما هي أو لتعديلها أو تعديل بعض بنودها. أما عملية الإلغاء فهي غير واردة مطلقا. وقد علق على هذه المسألة مروان المعشر أحد شهود معاهدة وادي عربة داعيا إلى "ضرورة التسلح وإعداد العدة للمفاوضات المقبلة مع يهود وفقا لنصوص المعاهدة متوقعا مفاوضات شاقة ومطالبا بالتسلح بالخبرات القانونية الكبيرة". ما يدل على أن المسألة في حقيقتها هي مسألة مفاوضات جديدة حول الاتفاقية، فإذا فرط الأردن بما فرط فيه سنة 1994 فما الذي يستطيع كسبه الآن؟ ولو كان الملك جادا في استعادة السيادة على جزء من أرضه فكان أجدى به أن يلغي هذا الملحق بل والمعاهدة كلها جملة وتفصيلا. وأنى له ذلك وقد خطا على مسار أبيه الذي رسمته بريطانيا منذ إنشاء الأردن قبل ما يقرب من 100 عام؟!
وأما السيادة التي تحدث عنها الملك فهي السيادة نفسها التي تحدثت عنها الاتفاقية وهي سيادة وهمية تماما، تعطي كافة الصلاحيات ليهود دون أن يكون للأردن أدنى سيادة حتى على الجرائم التي تقع هناك! ومن الواضح أن صياغة الاتفاقية كانت محكمة من حيث ما يتعلق بديمومة الاتفاقية، فقد جعلها لمدة 25 سنة وجعل توقيتها إنهاء لا إلغاء والفرق بينهما واضح جدا. ومن المفيد هنا التذكير بما قام به الملك السابق حسين حين أعلن عن نيته إنهاء معاهدة الحماية والانتداب البريطاني على الأردن عام 1956 حيث نصت المعاهدة على انتهاء وقتها بتاريخ معين والسماح للطرفين الدخول بمفاوضات تجديد المعاهدة بشروط جديدة. فظن الكثيرون أن حسيناً أصبح سيدا وانعتق من عبوديته للإنجليز، في الوقت الذي استعمل صيغة الإنهاء لتجديد وتثبيت التبعية لبريطانيا ولم يستعمل لفظ الإلغاء بالرغم من مطالبته بذلك.
وعلى نهج أبيه، ومستعملا الألفاظ نفسها، والأسلوب نفسه وللغاية نفسها، قام الملك عبد الله بالطلب من كيان يهود التفاوض حول الاتفاقية لا لإلغائها بل لأن مدتها القانونية انتهت، وعليه إعلام يهود قبل سنة من ذلك للتفاوض على شروطها. أما داخل الأردن فلِيظهر الملك من جديد بالمظهر الحريص على السيادة التي فرط بها أبوه وسار على نهجه 24 عاما، والآن جاء دوره ليؤكد استمراره على النهج نفسه.
وكما قال الأستاذ الكبير أحمد الداعور رحمه الله في مجلس الأمة مخاطبا الحكومة الأردنية "أتحدى أن تغير الحكومة لفظ إنهاء المعاهدة وتستبدل به إلغاء"، ونحن نقول اليوم نتحدى الملك عبد الله أن يطلب إلغاء المعاهدة ولا يكتفي بالإنهاء.
وليتذكر هو ومن حوله من أعوانه ومن دونهم الشعب في الأردن أن الله تعالى قال: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، فلا تجعلوا أنتم سبيلاً ليهود على أرض الباقورة والغمر وهي تحت سلطانكم كما تدعون، بل يجب أن لا يكون سلطان ليهود على أي شبر من أراضي المسلمين في فلسطين، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
بقلم: الدكتور محمد الجيلاني

جريدة الراية: الموقف الأوروبي من مقتل خاشقجي أرْبَك الإدارة الأمريكية

جريدة الراية: الموقف الأوروبي من مقتل خاشقجي أرْبَك الإدارة الأمريكية

  22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
أثارت حادثة اغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول اهتماماً كبيراً من قبل الدول الأوروبية، وتحوّل هذا الاهتمام إلى فرصةٍ ثمينةٍ لأوروبا لزعزعة النفوذ الأمريكي في السعودية، ولإثبات دورها في منطقة الشرق الأوسط، فاستغل الأوروبيون الحادثة إلى أبعد حد، وراحت الصحف الأوروبية تنفخ في وسائل إعلامها رأياً عاماً كاسحاً يُطالب بمعاقبة السعودية على جريمتها، ويرفض التستر على الجريمة، ويُركّز على تحميل القيادة السعودية المسؤولية عنها، فطالبت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا السعودية بإجابات "مفصلة وفورية" عن مقتل خاشقجي، وتوالت ردود الفعل الأوروبية المندّدة بشدّة بالرواية السعودية بشأن ما جرى، وتعالت الأصوات داخل أوروبا للمطالبة بالمزيد من التحرك لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه السعودية، فكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أسرع القادة الأوروبيين تحركاً في هذا الشأن، فأوقفت كل صادرات السلاح الألمانية للسعودية، وأكّدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أنها أبلغت الملك سلمان بأن تفسير السعودية لمقتل خاشقجي "يفتقد المصداقية"، وكانت ماي قد أكّدت من قبل أمام مجلس العموم البريطاني بأنّ حكومتها ستمتنع عن المشاركة في منتدى "دافوس الصحراء" بالسعودية، وأعلن عدد من أقطاب التجارة والإعلام البريطانيين انسحابهم من المُنتدى احتجاجاً على مقتل خاشقجي، وعلى رأسهم الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون الذي علّق كل نشاطاته التجارية مع السعودية، بما في ذلك استثمارات بقيمة مليار دولار في شركة فيرجين أتلانتيك، ولعلّ هذا الانسحاب البريطاني المُبكر من المُنتدى كان الدافع لسائر الدول الأخرى لمُقاطعته، واتخذ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت تدابير ضد المشتبه بهم لمنعهم من دخول بريطانيا، وقال: "العالم ما زال في انتظار الأجوبة بشأن مقتل جمال خاشقجي".
وأمّا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد عبّر في اتصال له مع الملك سلمان عن غضبه الشديد إزاء مقتل خاشقجي، وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان لها إنّ ماكرون دعا إلى كشف ملابسات القضية كاملة، ونقلت قوله إن باريس "لن تتردد في تنفيذ عقوبات دولية على المسؤولين عن مقتل خاشقجي عبر التنسيق مع الشركاء".
فالدول الأوروبية الثلاث الكبرى بريطانيا وفرنسا وألمانيا كانت ومُنذ بداية ظهور الجريمة قد طالبت بــ"رد تفصيلي وكامل" عليها، وشدّد البيان الصادر بعد اجتماعها على "ضرورة وجود تحقيق موثوق لكشف حقيقة ما حدث، وتحديد المسؤولين عن اختفاء خاشقجي ومحاسبتهم".
وأمّا على مُستوى الاتحاد الأوروبي فقد حذّر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك دول الاتحاد الأوروبي من مغبة السقوط فيما أسماه بــ"دائرة النفاق" في ملف مقتل خاشقجي، مؤكدا أنه يتوقع من دول الاتحاد ومؤسساته تجنب أي "لعبة مُريبة"، في إشارة منه إلى مخاوفه من تغليب المصالح الاقتصادية على المصالح الحقيقية، وتحدّث توسك لأعضاء المجلس الأوروبي فقال: "إنّ أي مجاملات في الحديث عن هذه القضية يمثل مصدر خزي لنا"، وأضاف: "ليس دوري أن أتحدث عن أولئك الذين يريدون حماية مصالحهم، لكني أعرف شيئاً واحداً، وهو أن المصلحة الأوروبية الوحيدة هي كشف ملابسات هذه القضية بغض النظر عن المسؤولين عنها ومن يقف وراءهم"، كما دعت مسودة قرار للبرلمان الأوروبي إلى إجراء "تحقيق دولي ومحايد في قضية خاشقجي"، وطالبت بــ"التعليق الفوري لعضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، وبإنشاء "لائحة خاشقجي" التي تتضمن كل المتورطين في الجريمة لفرض عقوبات عليهم، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية فيدريكا موغريني إنّ "قتل صحفي واحد هو اعتداء على حرية التعبير وهجوم علينا جميعا".
واتخذت أيضاً دول أوروبية أصغر حجماً مواقف مُتشددة نسبياً من السعودية، فسحبت التشيك أحد دبلوماسييها من الرياض بعدما استدعت السفير السعودي لديها، واستدعت الخارجية الدنماركية السفير السعودي لديها، وألغت هولندا كل أنشطتها الحكومية المشتركة مع السعودية، وتسعى النمسا التي تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي لوقف كافة صادرات الأسلحة من الاتحاد الأوروبي للسعودية.
وأمّا في مجال الصحافة الأوروبية وخاصّةً البريطانية فقد اتخذت من مقتل خاشقجي قضيتها الأولى، وأصبحت الشغل الشاغل لها في الفترة الأخيرة، وركّزت هجومها على شخص محمد بن سلمان تحديداً، وحمّلته المسؤولية الكاملة، وطالبت بإزاحته عن ولاية العهد.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فالنموذج التالي من جريدة التايمز البريطانية هو مُجرد نموذج صحفي واحد من فيض صحفي هائل عجّت به الصحافة البريطانية والأوروبية يدل على هذا المعنى، فقد عنونت صحيفة التايمز اللندنية افتتاحيتها بـ"الأمير المزعج" وقالت: "إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أضحى مركز الدراما التي تشكل خطورة بأن تتصاعد لتصبح أزمة جيوسياسية"، وأضافت: "إن تسريبات وسائل الإعلام التركية لا تترك أي شك بأن محمد بن سلمان أمر بقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي"، وختمت بالقول: "إن المخرج من هذه الأزمة يتمثل بتنحي ولي العهد السعودي من منصبه"، وتحت عنوان "هل ينجو ولي العهد السعودي؟" كتب ريتشارد سبينسر في التايمز يقول: "إن الأضواء تتسلط على دولة واحدة ورجل واحد في حادث خاشقجي، فالدولة هي السعودية حليفة الولايات المتحدة وبريطانيا، والرجل هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".
 وهكذا يحتدم الصراع بين أمريكا التي تُحاول التستر على الجريمة التي تحوم فيها كل الشبهات على رجلها الأوّل في السعودية، بل وفي الشرق الأوسط كله، محمد بن سلمان، وبين بريطانيا وأوروبا التي تسعى بكل قوة لإضعاف النفوذ الأمريكي في السعودية من خلال الإطاحة بابن سلمان أو إضعاف نفوذه.
وتُحاول أمريكا جاهدةً صدّ الحملة الإعلامية الأوروبية الشعواء ضد ابن سلمان، من خلال الدفاع عنه بكل الطرق والأساليب المُتاحة، فتارةً تجعل صحفها تتماشى مع الموجة الإعلامية الأوروبية، وتارةً تتهم أشخاصاً (مارقين) دون تحديد بضلوعهم في الجريمة، وطوراً تدّعي بأنّ الجريمة تُعتبر أكبر جريمة في التاريخ يتم التستر عليها، ولكنّها لا تُوضّح من يقف وراءها، وتارةً تقول بأنّها ستعمل على كشف مُرتكبيها ومُعاقبتهم، ولكنّها في كل الأحوال لا تتهم ابن سلمان، ولا تُريد إدخاله في دائرة الاتهام بأي شكلٍ من الأشكال.
فالمسألة إذاً ليست موضوع شخص ابن سلمان، وإنْ كان محل الصراع، ولا المسألة تتعلّق بالاعتداء على حرية الصحافة والصحفيين كما يشيعون، بل المسألة في حقيقتها تتمثّل في صراع وتطاحن على النفوذ في أهم وأخطر منطقة في العالم مُغلف بجريمة اغتيال.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني

جريدة الراية: مصيبة ليبيا هل هي التدخلات الأجنبية أم العملاء؟!

جريدة الراية: مصيبة ليبيا هل هي التدخلات الأجنبية أم العملاء؟!

  22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
قال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة لصحيفة "الشرق الأوسط" نشر يوم 14/10/2018: "هناك دول تتبنى هذا الطرف أو ذاك في ليبيا، ونحن نعلم ذلك، ولكن هناك أيضا مجلس الأمن واضح، ويصدر تقريرا نصف سنوي يشير إلى التدخلات الخارجية ويندد بها، ويدعو إلى احترام حظر السلاح أو المشاركة العسكرية في ليبيا". علما أن دول مجلس الأمن الدائمة العضوية هي التي تتدخل!
وقال: "هناك تنافس بين إيطاليا وفرنسا، كان حادا، ولم يعد بنفس الحدة الآن". علما أن إيطاليا تتحرك في ليبيا بدعم من أمريكا. والدليل على ذلك هو قيام وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي بمهمة رسمية خلال زيارته لواشنطن في بداية الشهر الثاني من هذه السنة وعقده اجتماعات مع مسؤولين هناك نتج عنها التوصل إلى "استعداد واشنطن منح تفويض لإيطاليا في ليبيا بهدف تحقيق الاستقرار هناك" كما نقل موقع "بوابة ليبيا" عن صحيفة "لاستامبا" الإيطالية يوم 4/2/2018 وقال: "أمريكا يمكنها متابعة تحركات تنظيم الدولة بدقة وإنها تملك كنزا من المعلومات ويمكن توظيفها بشكل مشترك..". فإيطاليا دولة استعمارية قديمة استعمرت ليبيا، وهي تريد أن تعود للاستعمار، وتدعمها أمريكا ضد المستعمر الفرنسي في محاولة من أمريكا ضرب المستعمرين الأوروبيين ببعضهم بعضا حتى تتفرد هي بليبيا وتصبح صاحبة النفوذ وتتمكن من استعمارها ونهب ثرواتها بدلا من الأوروبيين.
ونقل الموقع الليبي عن عضو البرلمان الليبي صالح فحيمة قوله: "إن إيطاليا تأمل في القسم الأكبر من "الكعكة" الليبية كونها المستعمر القديم ونواياها لا تخفى على العالم فضلا عن الليبيين أنفسهم لكن مسألة التفويض الأمريكي فهو بمثابة "عطاء من لا يملك لمن لا يستحق". نعم ذلك صحيح، ولكن الأطراف الداخلية هي التي تستعين بمن لا يملك ليعطي لمن لا يستحق ليصبح هو صاحب الملك في البلد"!
فمبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يعلن بكل صراحة أن موضوع ليبيا هو منحصر في التدخلات الخارجية وأن الأطراف الداخلية مرتبطة بهذا الطرف الأجنبي أو ذاك. فهذا هو سبب الأزمة الليبية؛ التدخل الأجنبي وارتباط الأطراف الداخلية به.
ونقلت صحيفة "ذا صن" البريطانية يوم 9/10/2018 عن مصدر حكومي رفيع بأن "الاستخبارات البريطانية أبلغت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بأن بوتين يريد تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة واستخدام قواته هناك للتأثير على الغرب.. وإن العشرات من ضباط وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية وعناصر من قوات "سبيتسناز" وهي وحدة القوات الخاصة التابعة للجيش الروسي موجودون بالفعل في شرق ليبيا ويقومون بمهام تدريب ومراقبة، وهناك قاعدتان عسكريتان روسيتان تعملان في مدينتي بنغازي وطبرق تحت غطاء شركة روسية عسكرية خاصة تسمى "فاغنر" لها مقرات في ليبيا". فنقلت وكالة سبوتنيك الروسية في اليوم نفسه الرد الروسي على لسان ألكسندر كرامارينكو مدير التطوير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية متهما بريطانيا بقيامها بحملة تستهدف الوجود الروسي في ليبيا وواصفا ذلك "بالمزاعم والحملة المدبرة التي تستهدف القوات المسلحة الروسية.. بالطبع لا يمكن أن يقبل الأنجلوسكسونيون أعني البريطانيين والأمريكيين ونخبهم أنهم يواجهون حقيقة أننا قادرون بذكاء استعراض القوة العسكرية أي بإظهار الاعتدال وإجراء عمل دبلوماسي متعدد الأوجه في الوقت نفسه مع جميع اللاعبين".
فبريطانيا تفضح الدور الروسي وتعرف أن أمريكا هي التي تدفع روسيا لتلعب دورا ضد النفوذ الأوروبي. فروسيا مطية أمريكا في الشرق الأوسط، ولا تستطيع أن تتدخل في بلد من بلدان الشرق الأوسط إلا بإيعاز أمريكي. وكأن الروس ملتزمون من طرفهم باتفاقية فينّا عام 1961 بين رئيسهم السابق خرتشوف ونظيره الأمريكي كنيدي على أن الشرق الأوسط منطقة أمريكية، ولا تتدخل فيها روسيا إلا بإذن أمريكي، ويتعاونان ضد النفوذ الأوروبي. وقد رأينا مثل ذلك في سوريا، فلم يجرؤ الروس على التدخل فيها مع مرور سنوات على اندلاع الثورة فيها ضد حليفهم النظام السوري إلا بعدما أوعزت أمريكا لهم عندما اجتمع الرئيس الأمريكي السابق أوباما مع رئيسهم بوتين يوم 29/9/2015 في نيويورك وناقش معه موضوع سوريا فما إن عاد بوتين من هناك حتى استصدر من مجلس الدوما موافقة على التدخل في سوريا، وأعلن عن البدء به في اليوم التالي وظل التنسيق الأمريكي الروسي مستمرا حتى اليوم. 
وهكذا دفعت أمريكا عميلها حفتر للاتصال بروسيا ليقوم بزيارتها مرتين عام 2016 حتى تعينه على الاستيلاء على المناطق الأخرى وخاصة بنغازي والتي تمكن من السيطرة عليها في شهر تموز عام 2017 ومن ثم محاولته للسيطرة على طرابلس حتى يستولي على الحكم لتأمين النفوذ الأمريكي هناك مقابل أن يصبح رئيسا لليبيا. فهو يرتبط بأمريكا ويطلب مساعدة روسيا لتحقيق مآربه الشخصية على شاكلة كافة العملاء.
هذا واقع ليبيا: تدخل خارجي من قبل الطامعين من المستعمرين الأوروبيين إلى المستعمر الأمريكي الذي يسعى للحلول محلهم إلى روسيا الطامعة بتحقيق وجود لها في ليبيا والتي تدفعها أمريكا لتلعب دورا ضد الأوروبيين.
فأمريكا تدرك مطامع الإيطاليين لحاجتهم إلى ثروات ليبيا من النفط والغاز والثروة السمكية لدعم اقتصادهم المتردي، وفرنسا بحاجة إلى ذلك، كما أن بريطانيا بحاجة إلى ذلك، وأمريكا تريد أن تحول دونهم وهذه الثروات حتى تستحوذ هي على النصيب الأكبر منها.
وهذه هي المصيبة: دول استعمارية متكالبة علينا وعملاء يتبعون هذه الدول الاستعمارية.
ولكن هذه الدول الاستعمارية مهما كانت قوية لا تنال خيرا لو كانت أمتنا محصنة من العملاء الذين يوالون الكفار. فكل همهم هو تحقيق مآربهم الشخصية، فلا يضيرهم موالاة الكفار كما كان يفعل مرضى النفوس من المنافقين والمرجفين وأصحاب الذمم الرخيصة على عهد رسول الله  r، ولهذا أنزل الله سبحانه وتعالى آيات عديدة بتحريم ذلك والحذر منهم وإبعادهم عن مركز القرار والتأثير وفضح تعاملهم مع الكفار.
وتحصين جسم الأمة من الفيروسات العملاء طريقه هو النشاط الدؤوب للمخلصين الواعين بنشر الأفكار الإسلامية الصافية في الأمة وخاصة التي تتعلق بالحكم والسياسة، وضرب الأفكار الدخيلة من علمانية وديمقراطية وحريات، وفضح خطط المستعمرين وعملائهم وارتباطاتهم والعمل على إسقاطهم، والعمل على قيادة الأمة والانطلاق بها ومعها بكل عزم وثبات لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والتي ستكسر أرجل المستعمرين والطامعين فتمنعهم من التدخل في بلادنا وتقطع أيديهم فتمنعهم من سرقة ثروات شعوبنا.
بقلم: الأستاذ أسعد منصور

جريدة الراية: العين تكسر المخرز إذا كانت بمعية الله

جريدة الراية: العين تكسر المخرز إذا كانت بمعية الله

  22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
أحداث سياسية متزاحمة على شاشات التلفزيون وماكينة إعلامية لا تفتر عن نقل الحدث وتحليله بل وتصنع الأحداث كذلك، يضاف إليها شعور الأمة بظلام المصير تحت طغمة الحكم الجبري، كل هذا وذاك جعل كثيراً من المسلمين يتابعون بنَهَمٍ ما يحدث من أخطار وما يستجد من أخبار. إلا أنهم في متابعتهم قد لا يميزون بين الحقائق والمغالطات فينهلون مما يسمعون غثه وسمينه، وتتشبث بآذانهم أفكار الغرب المستعمر وثقافته وتتسرب إليهم ضلالاته وافتراءاته وتنتشر في أوساطهم مغالطات وأوهام، حتى بات الكثير منهم يضعون الحقائق السياسية موضع النقاش وإبداء الرأي، فكل خبر يسمعونه أو حدث يعيشونه تراهم بين مؤيد له ومعارض، وكل موقف دولي يراه البعض يصب في مصلحتهم بينما البعض الآخر يراه مهلكة.
فبالحديث عن الأمم المتحدة وانتظار الحل والخلاص منها يضيع الكثير في مغالطة: أن الأمم المتحدة تحرص على حفظ السلام والأمان وأنها لا تريد لبلادنا الأزمات والشر، متغافلين عن حقيقة أقرها الله في كتابه غير قابلة للنقاش ولا لإبداء الرأي قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: 105] 
وبالحديث عن نظام الأسد وقوة الدول التي تسانده يذهب البعض إلى أنه لا يمكن لأهل الشام أن يقفوا في وجه العالم بأسره فلن تكون لأهل الشام غلبة على أعدائهم ضمن هذه المعطيات، متجاهلين حقيقة أقرها الله في كتابه غير قابلة للنقاش قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: 12]
وبالنظر لفارق القوة المادية بين المسلمين المستضعفين وبين حكومات الطغيان تتردد كلمات اليأس والقنوط؛ أنى للعين أن تقاوم المخرز وأنى للسلاح الخفيف أن يفعل مع الطائرات والصواريخ والبوارج والمدرعات، متناسين حقيقة قرآنية كذلك قال تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴾ [الأنفال: 59]
ليس هذا فحسب بل وتتعالى صرخات الاستغاثة وطلب الدعم من دول الديمقراطية والحريات كما يسميها أصحابها ومنظمات العالم حتى يفيضوا على بلادنا المنكوبة بالأموال، والله عز وجل يحذرنا في حقيقة قرآنية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال: 36-37]
وبسماع خبر هدنة أو اتفاق خفض تصعيد يستبشر كثيرون بحقن الدماء وقلة الدمار وأن الهدنة خير ورحمة، ولو رجعنا إلى قرآننا لوجدنا الحقيقة ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 8]
فالفهم السياسي لأي خبر والتعامل مع أي حدث يجب أن يكون مبنياً على ثوابت وحقائق حتى يكون صحيحاً لا يعتريه الوهم والحذر من المغالطات التي تصرف عن الحقائق، وهذه المغالطات تحصل بإيجاد أعمال تصرف عن الحقائق أو إيجاد أفكار تصرف عن الحقائق؛ فمثلاً كون الأمة لا عز لها ولا تمكين إلا بدولة من جنس عقيدتها هذه حقيقة، ولكن لصرف المسلمين عن هذه الحقيقة أوجدت أفكار (أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرض الواقع) وشغلت المسلمين بالوعظ والإرشاد وكثرة حفظة القرآن والقربات الفردية...
ومثلاً كون حكام المسلمين يتبعون للمنظومة الدولية التي تقوم بكل رموزها وأركانها وجنودها على مبدأ إبعاد حكم الله عن الأرض وفصل الدين عن الحياة هذه حقيقة، ولكن لصرف المسلمين عن هذه الحقيقة أوجدت لهم حكاماً كذبة يدعون الدفاع عن مصالح الأمة وراحت عدسات الإعلام تلاحقهم عند دخولهم المسجد أو حملهم لطفل مشرد أو قراءتهم لآية من القرآن بصوت رخيم بينما تعتّم على جرائمهم وانتهاكهم لحدود الله.
وهكذا تجري المغالطات لصرف الناس عن الوصول إلى الحقائق.
ولذلك لا بد من الانتباه للمغالطات ولا بد من التمسك بالحقائق والقبض على الحقيقة بيد من حديد، ولا بد من العمق في الفكر والإخلاص في التفكير للوصول إلى الحقائق.
ومن أخطر ما يحصل لعدم الانتفاع بالحقائق هو إهمال حقائق التاريخ؛
فالتاريخ يقول: إنه عندما كان للمسلمين دولة كانوا في منعة من أعدائهم ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله.
والتاريخ يقول أيضاً: إن المسلمين ما غلبوا أعداءهم يوماً بكثرة عدد أو قوة عدة إنما النصر يكون لهم دائماً بدين الله كما قال الشيخ أبو النصر البخاري للقائد ألب أرسلان: يا بني إنك تقاتل عن دينٍ وَعَدَ الله بنصره فامض على بركة الله.
والتاريخ يقول: إن ملة الكفر واحدة لا عهد لهم ولا ميثاق... وما جرى بين تيمورلنك والقاضي ابن مفلح يوضح ذلك كله.
فمن لم يعتبر بحقائق التاريخ لن ينجو من مهالك الواقع أو المستقبل...
وكما يقول الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله في كتابه التفكير: "حقائق التاريخ هي أغلى ما لدى الإنسان، وأعلى أنواع الأفكار".
والله عز وجل يذكرنا بحقائق التاريخ كما ذكّر الصحابة والمؤمنين يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26]
فالعين تكسر المخرز إذا كانت بمعية الله.
بقلم: الأستاذ أحمد حاج محمد

جريدة الراية: النداء والنهضة بين البحث عن الطلاق والالتزام بالتوافق

جريدة الراية: النداء والنهضة بين البحث عن الطلاق والالتزام بالتوافق
رحلة من التبعيّة والتخلّي عن المبدئيّة

   22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في حوار بثّه تلفزيون الحوار التونسي يوم 24 أيلول/سبتمبر 2018 أن التوافق السياسي القائم منذ 5 سنوات بينه وبين حركة النهضة انتهى بطلب منها.
كما قال السبسي: "منذ الأسبوع الفارط قررنا الانقطاع بطلب من النهضة... هي تريد التوافق مع الحكومة التي يرأسها يوسف الشاهد... العلاقات بين الباجي قائد السبسي والنهضة انقطعت".
وتابع السبسي: "لم يعد هناك توافق للتواصل بين الباجي والنهضة، بسعي منها، النهضة نفضت يدها من الباجي واختارت طريقا آخر، إن شاء الله يكون موفقاً، لكن لا أظن ذلك".
وتفاعلاً مع خطاب السبسي أعلنت حركة النهضة في بلاغ إعلامي لها يوم 25 أيلول/سبتمبر 2018 "التزامها بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية... وأن خيار التوافق يعود له الفضل في نسج الاستثناء التونسي ويبقى الأرضيّة المثلى لاستقرار بلادنا وإدارة الاختلاف في كنف المسؤولية الوطنية والاحترام المتبادل".
كما أكدت حركة النهضة أن "الاختلاف في وجهات النظر حول عدد من القضايا التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها الاستقرار الحكومي لا يعني تنكر النهضة للعلاقة المتينة التي تربطنا بفخامة رئيس الجمهورية، بل هو من صميم الحياة الديمقراطية ومن متطلبات دقة المرحلة وجسامة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الرأي العام الوطني".
إن انتهاء التوافق من عدمه بين الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي، يخفي من ورائه سعي الطرفين لإبراز ما التزاما به للجهات الغربية الراعية لهذا التوافق، وإبراز أن كلاً منهما ما زال على العهد ولكن الطرف الآخر هو من أخلّ بالميثاق، ويتجلّى هذا خاصة في تأكيد السبسي في حواره على أن الانقطاع بطلب من النهضة في حين إن النهضة تنفي قطعاً ذلك بل وتلتزم بمسار التوافق.
إن الأحزاب السياسية الحاكمة اليوم في تونس تعمل ليلاً نهاراً، لإرضاء المسؤول الكبير، على حدّ قول السبسي، وكسب مودّته ولو كان ذلك على حساب ما تتبناه من مبدأ ومفاهيم، فهذه الأحزاب لا ترى الحكم إلا من منظور الغرب وأفكار الغرب ولا ترى سبيلا للوصول للحكم إلا بالتمسح والتذلل على أعتاب السفارات والخنوع والخضوع بين يدي المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إن إصرار حركة النهضة على الالتزام بسياسة التوافق مع هذه الأحزاب العلمانية وإصرارها بالدخول معها ومشاركتها الحكم والتماهي معها في أطروحاتها وبرامجها هو في حد ذاته إقرار بالتنازل عن مبدأ الإسلام وعن أفكار الإسلام لصالح الفكر العلماني ولصالح عقيدة فصل الدين عن الحياة التي يتبناها النظام الرأسمالي.
إن سياسة التوافق بين الحركات الإسلامية والأحزاب العلمانية، طبعا برعاية الغرب الكافر، تعمل على ترويج فكرة أن الإسلام السياسي غير قادر على الحكم بمفرده وغير قادر على رعاية شؤون الناس وأن الإسلام لا يملك الحلول والبرامج لمعالجة المشاكل السياسية والاقتصادية والمجتمعية...
هذه السياسة، تُفقد الحركات الإسلامية جانبها المبدئي وتجعل منها حركات براغماتية، تُغلّب المصلحة الحزبية والمنافع الشخصيّة على مقياس الحلال والحرام، إلى حد الوصول بالقول على لسان راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة: "ليس في برنامجنا تطبيق الشريعة، فأولويتنا هي إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يضمن الحريات لجميع المواطنين من دون تمييز على أي أساس".
إن الإصرار على تشكيل حكومات ائتلافية توافقيّة بين أحزاب تدَّعي تمثيل الإسلام وإقامة الإسلام والحكم به مع قوى علمانية تعتبر حكم الإسلام تخلّفاً ورجعية هو من باب ترويج نموذج أو تيّار "الإسلام المعتدل" الذي بات تسويقه وفرض هيمنته على الساحة الإسلامية غاية غربية معلنة على الملأ.
ومن ثم فإن تزاوج الإسلام والعلمانية يعني بصفة مباشرة تعطيل الإسلام وأفكار الإسلام ومفاهيم الإسلام ونمط عيش الإسلام. حتى إن ما يؤخذ منه في أضيق المجالات كالأحوال الشخصية والعبادات إنما يأتي من باب الحرية الشخصية التي تنبثق عن وجهة نظر الغرب العلماني وليس كونها أحكاماً شرعية يفرضها الإسلام.
إن اعتماد الحكومة الائتلافية كنموذج يفضي عملياً إلى صرف الأمة بعيداً عن المثال المطلوب، فإحلال إسلام شكلي يهدئ من غليان الأمة وينفس رغباتها ويفقدها حماستها، ويوهمها بأن هذا هو جل ما يمكن أن يقدمه الإسلام، ما يعني التحايل على مشاعر الناس مع استمرار النظم الوضعية كما هي بثوب إسلامي، ناهيك عن احتمال ارتداده إلى الصورة العلمانية الصرفة لاحقاً بذريعة إخفاق المشروع الإسلامي. وفي حقيقة الأمر فإن الفشل الحاصل اليوم وعكس ما يزعمون راجع بالأساس إلى سياسة الائتلاف المسموم، وهي خلط للإسلام بغيره من الأفكار والمعالجات. فالإسلام مبدأ قائم بذاته والخلط يفقده صبغته، وبالتالي لا يكون المشروع إسلامياً، ولا يمكن تنسيب الفشل لمشروع الإسلام بل الفشل لأصحاب هذه المناهج والنماذج الائتلافية التوافقيّة.
بقلم: الأستاذ ممدوح بوعزيز

جريدة الراية: قانون الضمان الاجتماعي شُرّع لخدمة السلطة وسرقة أموال الناس وإفقارهم

جريدة الراية: قانون الضمان الاجتماعي شُرّع لخدمة السلطة وسرقة أموال الناس وإفقارهم

  22 من صـفر الخير 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 31 تشرين الأول/أكتوبر 2018مـ
أعلنت السلطة الفلسطينية عن عزمها تطبيق قانون الضمان الاجتماعي مطلع الشهر القادم، فتعالت الأصوات المعارضة وخرجت المسيرات الرافضة وتعاظمت الاحتجاجات ضد القانون وما زالت السلطة مصرةً على تطبيقه، فما هو قانون الضمان الاجتماعي هذا؟ ومن أين جاء؟ ولماذا تصر السلطة على فرضه بالقوة؟ ولماذا هذه الاحتجاجات رغم أن السلطة تدّعي أن هذا القانون هو إنجاز تاريخي وانحياز للعمال والطبقة الكادحة؟ وفي مصلحة من يصب هذا القانون ومن هي الجهة المستفيدة منه؟ وما هو أخطر شيء في هذا القانون؟
قانون الضمان الاجتماعي في الأصل هو قانون وضع لترقيع عيوب النظام الرأسمالي الذي جعل المنفعة والقيمة المادية أساس كل شيء وجعل رعاية الشؤون وفق هذه النظرة، والإنسان بطبيعته بعد سنٍّ معينة أو نتيجة إصابة أو مرض معين لا يستطيع القيام بالعمل والإنتاج فيصبح شخصا لا قيمة له حسب النظرة الرأسمالية، مما سبب لها مشكلة حسب نظرتها فلا هي قادرة على التخلص منه بوصفه عالة ولا هي تريد الإنفاق عليه فتخسر المال، فجاء هذا القانون للتعامل مع هذه الفئة من الناس ورعاية شؤونهم من قبل مؤسسة تجمع أموال المشتركين والعمال خلال فترة عملهم لتنفق عليهم عند الشيخوخة أو الإصابة "رعاية الدفع المسبق". أما في الإسلام فهنالك أحكام شرعية تنظم النفقة على هذه الفئة ممن تجب عليهم النفقة إن كانوا قادرين، مثل إنفاق الأبناء على آبائهم فإن لم يوجد من تجب عليه النفقة أو كان غير قادر انتقل وجوب النفقة إلى الدولة، أما التأمين فلا حاجة له لأن الدولة ملزمة بتوفير التطبيب لرعاياها جميعا.
لماذا تصر السلطة على هذا القانون رغم الاحتجاجات والمسيرات الرافضة له؟
ذلك لأن السلطة لم يوجدها الاستعمار لرعاية شؤون أهل فلسطين، وإنما لتنفيذ أجندات سياسية لتصفية قضية فلسطين، وهو ما يجعل السلطة تعمل جاهدة للتخلص قدر الإمكان من أي التزام تجاه أهل فلسطين يندرج تحت رعاية الشؤون، من مثل إعالة المحتاج والمعدم ومن مثل التطبيب، وقد وجدت السلطة في هذا القانون ضالتها حيث سوف تنقل هذه المسؤوليات من السلطة إلى مؤسسة الضمان "مؤسسة رعاية الدفع المسبق". وأمر آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول هو أن هذه المؤسسة سوف تجمع أموالا طائلة حيث يقدر عدد من سيجبرون على المشاركة في هذه المؤسسة بأكثر من مليون شخص، ولو فرضنا أنهم مليون وبمتوسط دخل 700 دولار في الشهر فإن أول شهر سوف تجمع هذه المؤسسة ما يقرب 50 مليون دولار من العمال وما يقارب 70 مليون دولار من أصحاب العمل، أي ما مجموعه 120 مليون دولار في أول شهر فقط، وللعلم فإن أول راتب سوف يدفع بعد تطبيق القانون سيكون بعد عشر سنين، أي أن هذا القانون يجني للسلطة أموالا طائلة وثروة لا تنضب لاستثمارها وسرقتها وشراء الذمم وإبقاء المرتزقة، وهو ما يفسر إصرار السلطة على تطبيقه رغم كل الاحتجاجات والأصوات المعارضة.
ولا يقال إن هذه المؤسسة بحسب قانونها هي مؤسسة مستقلة ولا تدخل أموالها خزينة السلطة، فهذا تدليس وخداع يكذبه الواقع، فالسلطة تسيطر على هذه المؤسسة من خلال السيطرة على مجلس إدارتها الذي يرأسه وزير العمل ويصادق على بقية أعضائه مجلس الوزراء.
لماذا هذا الاعتراض من أهل فلسطين على القانون رغم أن السلطة تدّعي أنه لخدمتهم وحماية أموالهم؟
-     إن أهل الأرض المباركة قد أثقلت كاهلهم كثرةُ الضرائب من قبل السلطة فجاء هذا القانون ليكون القشة التي تقصم ظهر الناس الذي انحنى بفعل الضرائب والجمارك؛ حيث يقوم القانون على اقتطاع 7.2% من راتب العامل مما أثار غضب العامل الذي يكاد يكفيه الراتب دون اقتطاع، وأيضاً ينص القانون على أن يدفع صاحب العمل 10.9% عن كل عامل وهو إذا ما أضيف للضرائب الأخرى التي يدفعها أصحاب المصانع والمشاريع التي تشغل العمال فإنه يمثل الحال التي عبر عنها أحد أصحاب هذه المشاريع بالقول "سوف نغلق المصانع ونجمع المفاتيح لنسلمها للسلطة" ولسان حاله يقول لقد أصبحت هذه المصانع تعمل للسلطة!
-     إن الراتب الذي يوفره هذا القانون للشخص إذا استحق الراتب بعد تحقيق شروطه الصعبة، كأن يكون مشتركاً لمدة 15 عاما وبلغ سن الستين سيكون من خلال المعادلة التالية (2% مضروب بعدد السنوات مضروب بمتوسط آخر ثلاثة رواتب) والناتج هو راتب سخيف لا يكفي لتوفير أدنى متطلبات الحياة، وقد رفع في الاحتجاجات شعار "الضمان للإفقار، يسقط يسقط الضمان".
-     إن أهل فلسطين لا يقبلون بالسلطة ضامناً لهذا الصندوق، فالسلطة بنظر أهل فلسطين لا ضامن لها بل هي تمثل الجهة التي تسرق وتنهب الشعب، وقد هتفوا في الاحتجاجات "هيّ هيّ شلة حرامية".
والخلاصة أن الاعتراض على هذا القانون نابع من إدراك أهل فلسطين لخطورته وأنه يهدف إلى سرقة أموالهم وتصديرها للخارج تحت مسمى الاستثمار الخارجي، وما شعارات السلطة وترويجها للقانون على أنه إنجاز تاريخي لخدمة العمال إلا دعابة سمجة على أناس فقدوا ثقتهم في السلطة ومشاريعها.
في مصلحة من يصب هذا القانون ومن المستفيد منه؟
من خلال ما سبق ومواد القانون الأخرى التي لا يتسع المقام لذكرها يتبين أن الجهة الوحيدة المستفيدة من القانون هي السلطة عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي التي ضمنت السيطرة عليها من خلال مجلس إدارتها، وكذلك رجالات السلطة وحفنة الرأسماليين الكبار (القطط السمان) الذين يساعدون السلطة ويشاركونها سرقتها وهم منها وهي منهم.
أخطر ما في القانون:
أنه حرام شرعاً؛ فالسلطة تريد أن تأخذ أموال الناس بالغصب والرسول   يقول: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»، ومن ثم يتم استثمار هذا المال في المؤسسات الربوية ما يستجلب غضب الله والعياذ بالله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ وبذلك تجبر السلطة كل من يخشى الله ويرفض أن يضع درهماً واحداً في حساب ربوي أن يكون له مال يشغل في المؤسسات الربوية وأن تطعم فتات هذا المال الذي استثمرته في الربا للناس بعد فترة من الزمن!! فحسبنا الله ونعم الوكيل.
د. إبراهيم التميمي
 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين