Wednesday, March 29, 2023

جواب سؤال: الصراع السياسي في السودان

 

جواب سؤال: الصراع السياسي في السودان

 

  7 من رمــضان المبارك 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 29 آذار/مارس 2023مـ

السؤال: نشرت الجزيرة على موقعها في 2023/3/19: (قال مجلس السيادة الانتقالي في السودان السبت إن "الأطراف غير الموقعة على الاتفاق الإطاري أبدت رغبتها في التوصل لاتفاق سياسي ينهي الأزمة في البلاد"، وذلك في أعقاب اجتماع عقده نائب رئيس المجلس محمد حمدان حميدتي مع هذه الأطراف. يشار إلى أن مجلس السيادة السوداني ومكونات مدنية أبرزها قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، وقعوا في 5 كانون الأول/ديسمبر 2022 "الاتفاق الإطاري" لتدشين مرحلة انتقالية جديدة في البلاد. غير أن قوى أخرى رفضت توقيع الاتفاق، بينها قوى إعلان الحرية والتغيير - الكتلة الديمقراطية...) وكانت العربي الجديد قد نشرت على موقعها الخميس 2023/3/16: (شاركت الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري في أعمال مؤتمر "العدالة والعدالة الانتقالية" في الخرطوم، يوم الخميس، ضمن أعمال المرحلة النهائية للعملية السياسية...) فهل فعلاً أن المرحلة النهائية قد اقتربت؟ علماً بأن أنباء قد شاعت عن وجود خلافات بين قائد الجيش رئيس المجلس السيادي البرهان وبين نائبه في المجلس قائد الدعم السريع دقلو. فهل هذه الخلافات حقيقية بترتيب من أمريكا ليستقل حميدتي بدارفور وفصلها كما صنعت في جنوب السودان خاصة وأن حميدتي له ثقل في دارفور؟ أم هي خلافات مختلقة لتنفيذ الأدوار؟ ثم ما دلالة الزيارات المتبادلة بين الخرطوم والإمارات في هذا الوقت بالذات؟ وأخيراً هل محاولات البرهان التطبيع مع كيان يهود لها علاقة بهذه الصراعات؟ والمعذرة على تعدد هذه الأسئلة... وجزاك الله خيرا.

الجواب:

لقد كان الأفضل أن لا تجمع هذه التساؤلات المتعددة مرة واحدة. على كل لا بأس، ولإجابتها نستعرض الأمور التالية:

1- قرأ الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية العميد نبيل عبد الله بيانا مصورا تناقلته وسائل الإعلام يوم 2023/3/11 يخاطب فيه الشعب قائلا: (تؤكد قواتكم المسلحة التزامها بمجريات العملية السياسية الجارية، والتنفيذ الصارم والتام بما تم التوافق عليه في الاتفاق الإطاري الذي يفضي إلى توحيد المنظومة العسكرية وقيام حكومة بقيادة مدنية فيما تبقى من المرحلة الانتقالية لحين قيام الانتخابات بنهايتها). وقد أظهرت قوى المعارضة ترحيبها بهذا الإعلان بعد الشكوك التي ساورتها بأن الجيش سوف لا يلتزم بالاتفاق وأنه يعمل على التنصل منه أو إسقاطه أو الالتفاف عليه ويضع شروطا لتنفيذه...

2- يأتي بيان القوات المسلحة كذلك بعد يوم من تردد أخبار تتحدث عن دخول شاحنات تحمل مجموعات مسلحة تابعة للدعم السريع قادمة إلى الخرطوم من إقليم دارفور فقام الجيش بنشر قوات عسكرية كبيرة في عدد من أنحاء العاصمة واعتبرتها بعض الدوائر استعدادات لمعركة وشيكة بين قوات الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة دقلو ناتجة عن تصاعد حدة الخلافات بين قائدي القوتين. فقال الناطق باسم الجيش نبيل عبد الله (إن الأوضاع في البلاد تحت السيطرة وإن ما يتردد في بعض وسائط التواصل الاجتماعي عن دخول مجموعات مسلحة إلى الخرطوم غير صحيح... صحيفة اليوم التالي 2023/3/10) ولكن مكتب الناطق باسم القوات المسلحة قال في بيان إنه (لم يصدر تصريحات تنفي دخول مجموعات مسلحة لولاية الخرطوم لأية جهة إعلامية. وإن قيادة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في البلاد تتابع الحالة الأمنية في البلاد بحكمة وصبر حرصا على أمن الوطن والمواطن... الشرق الأوسط 2023/3/11). فهذا التأكيد والنفي من مكتب الناطق باسم الجيش يدل على أنه أريد التلاعب بأعصاب الناس، وأن من أهدافه تخويف المعارضة، وتهيئة الجو للقاء البرهان مع دقلو للتصالح بزعم أن بينهما خلافات وملاسنات!

3- على إثر ذلك أعلن عن عقد اجتماع بين البرهان ودقلو وقوى موقعة على الاتفاق الإطاري بالسودان مساء يوم 2023/3/11، وصدر بيان عن مجلس السيادة السوداني ورد فيه أن البرهان ودقلو (بحثا سير العملية السياسية وضرورة المضي قدما في الترتيبات المتفق عليها، وأنهما أقرا المضي فيما وصف بالترتيبات المتفق عليها بشأن العملية السياسية). وفي ختام المشاورات التي بحثت الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد قررا (تكوين لجنة أمنية مشتركة من القوات النظامية وأجهزة الدولة ذات الصلة وحركات الكفاح المسلح لمتابعة الأوضاع الأمنية في البلاد... سودان تربيون، الجزيرة 2023/3/11) وذلك لإظهار كأن هناك صراعا بين البرهان ودقلو وكأن الجيش كان على وشك أن يصطدم مع قوات الدعم السريع، وأن الأوضاع قد هدأت الآن مؤقتاً بعد هذه الاجتماعات.

4- وكان دقلو "حميدتي" قد أعلن قبل ذلك (أن مشاركته في انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 كانت خطأ وأضاف انقلاب 25 أكتوبر أصبح بوابة لعودة النظام البائد... الجزيرة 2023/2/19). علما أنه كان المدافع القوي عما قام به مع قيادة الجيش ضد الحكومة السابقة، فلا يمكن أن يكون رأيه قد تغير وأنه يعلن الندم، وإنما كل ذلك ليخدع المعارضة لتسير وراءه أو تقترب منه. ولهذا صرح بعد إعلانه المذكور قائلا: (الاتفاق حزمة واحدة يجب أن تنفذ كلها دون تجزئة... عربي بوست 2023/2/21). ثم صعّد حميدتي حملته وظهر كأنه معارض لقيادة الجيش فقال: (لن نقبل بأي شخص يريد أن يصبح دكتاتورا لحكم البلاد. بطوعنا وإرادتنا اتفقنا على تسليم السلطة لحكومة مدنية كاملة الدسم... إن الخلاف الرئيسي في البلاد يتركز بين المكرّسين للسلطة وبين من يريدون تسليمها للمدنيين. إنه لا توجد مشكلة بين الدعم السريع والجيش وإن الخلاف مع من يتخذون الجيش شماعة. إن مبدأ تشكيل حكومة مدنية قد تم بالاتفاق بين الجيش والدعم السريع وإخواننا في مجلس السيادة... الشرق الأوسط 2023/3/8)، فيظهر أنه يريد أن يلعب دورا على أنه مع المكون المدني وحريص جدا على تنفيذ الاتفاق الإطاري بتمامه. في المقابل كان البرهان يلمح إلى أن الاتفاق الإطاري غير ملزم للجيش لأنه لا يضم كل القوى السياسية.. ثم رهن البرهان أيضا استمرار الجيش بتنفيذ الاتفاق الإطاري بدمج الدعم السريع والحركات المسلحة بالجيش، فقال: (إذا كان هناك حديث واضح عن دمج الدعم السريع والحركات المسلحة في القوات المسلحة سنمضي في الاتفاق الإطاري، أي كلام غير هذا لن يكون مقبولا... الشرق الأوسط 2023/3/8) وكل هذا ليبين كأن خلافاً بين البرهان وحميدتي بالنسبة لتنفيذ الاتفاق الإطاري مع أن كليهما مشارك في إقراره!

5- لقد ذكرنا في جواب سؤال بتاريخ 2022/12/11 حول الاتفاق الإطاري الموقع يوم 2022/12/5 (فهذا الاتفاق ينقذ القيادة العسكرية برئاسة البرهان ونائبه ومن معهما من ورطتهم إذ بات الناس يرفضون حكمهم فلا يوجد لهم سند داخلي، ويؤمِّن للقيادة العسكرية حصانة وحماية لهم من الملاحقة القضائية على ما ارتكبوه من جرائم ويفلتون من العقاب، وقد عجزوا عن إدارة شؤون البلاد وفشلوا في حل مشاكلها وكل ما قاموا فيه أنهم حافظوا على النفوذ الأمريكي... علماً بأن الطرف الآخر مما يسمى بقوى الحرية والتغيير والأحزاب التي شكلت الحكومة، هم أيضا فشلوا في إدارة شؤون البلاد ومعالجة مشاكلها وتأمين أدنى مقومات الحياة للناس، وكل ما قاموا فيه هو المحافظة على النفوذ الإنجليزي في البلاد...)، وقلنا: (أما عن التساؤلات هل هذا الاتفاق سيدوم ويطبق؟ فهذا أمر مشكوك فيه. وهل سينقذ البلاد؟ فذلك مستبعد، لأنه مبني على باطل، فالتدخل الأجنبي ظاهر للجميع حيث كان الأجانب موجودين عند توقيعه في القصر الجمهوري، بل الذي صاغ الاتفاق هو أجنبي، وهو مبعوث الأمم المتحدة بإشراف مباشر من الأمريكان والإنجليز طرفي الصراع الدولي في السودان باسم الرباعية وباسم الترويكا). ولعرقلة تنفيذ الاتفاق تقوم القيادة العسكرية بطرفيها الجيش بقيادة البرهان والدعم السريع بقيادة دقلو باختلاق أو بافتعال الصراع بينهما، فتبقى الأنظار مسلطة على اتفاق الطرفين أو اختلافهما في أية لحظة، وأن الحل مركز على ذلك وليس بين المكون العسكري والمدني...

6- أما زيارة البرهان إلى الإمارات المركز المهم لبريطانيا في شباط الماضي، وزيارة الشيخ شخبوط وزير الدولة الإماراتي للسودان بعد زيارة البرهان وتسليمه رسالة سرية للبرهان، فإن هذه الزيارات لا تقدم ولا تؤخر فلم يجدّ أي تغير ملحوظ من البرهان في مواقفه وتصريحاته وتصرفاته، بل هي منسجمة مع ما تريده أمريكا حذو القذَّة بالقذة... ويبدو أن الدافع للزيارة هو "التجسس" على بعضهما، فيحاول كل طرف معرفة رد فعل الطرف الآخر على ما يتخذه كل منهما من خطوات... بحجة محاولة كل طرف تهدئة الأوضاع... وكأن المكون المدني قد خُدع بهذا التنازع بين البرهان وحميدتي وظنه تنازعاً حقيقياً، وهكذا فقد نجح المكون العسكري في دفع المكون المدني لمحاولة التدخل لحل النزاع بينهما بحجة تهدئة الأوضاع.. قال القيادي في الحرية والتغيير، محمد عصمت، لـلشرق الأوسط، (إن هنالك جهوداً متواصلة من قوى التغيير والانتقال المدني لتهدئة الأوضاع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، لتجنب أي صدام بينهما سيقود البلاد إلى مهاوي الضياع... صحيفة الشرق الأوسط، 06 آذار/مارس 2023). ثم تبع ذلك أن توجه مساء الأربعاء، 08 آذار/مارس 2023م وفد رفيع من قادة الائتلاف الحاكم السابق في السودان، قوى الحرية والتغيير، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة... لدعم الوصول إلى الاتفاق النهائي لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد. (ويضم الوفد رئيس لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية، رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، ورئيس المكتب التنفيذي لـلتجمع الاتحادي، بابكر فيصل، والأمين العام لـحزب الأمة القومي، الواثق البرير، وممثل تجمع المهنيين في قوى التغيير، طه عثمان. وقال التحالف في بيان إن الوفد سيلتقي القادة الإماراتيين لمناقشة استكمال الترتيبات النهائية للعملية السياسية المبنية على الاتفاق السياسي الإطاري... صحيفة الشرق الأوسط، 09 آذار/مارس 2023). وكل هذا يدل على أن المكون المدني قد وُضع في الزاوية، وأن المسألة أصبح يتحكم بها المكون السياسي وحده! أي أن أمريكا قد نقلت الصراعَ السياسي في السودان إلى ساحة جديدة، هي ساحة صراع خادعة بين عملائها تطغى على غيرها من الصراعات وتجبر القوى التابعة للأوروبيين على التقارب مع حميدتي، خاصةً وأنه يعلن مناصرته للحكم المدني!

7- وأما موضوع التطبيع فإن البرهان يسعى لحماية نفسه من السقوط ولتعزيز سلطته بالتنازل لأمريكا في كل ما تريد، ومنه التطبيع مع كيان يهود. وهذا التطبيع لا يفيد إلا كيان يهود وأمريكا وشخص البرهان فقط ومن معه، ولا يفيد السودان بشيء، بل يضره، وهو محرَّم شرعاً لأنه اعتراف بمغتصب لفلسطين إحدى أعز ديار المسلمين عليهم ويعتدي على أهلها ليل نهار ويهدم بيوتهم ويقتل أبناءهم ويصادر ممتلكاتهم. ومع ذلك فقد [أعلن المجلس السيادي السوداني أن رئيسه عبد الفتاح البرهان (التقى كوهين في الخرطوم وبحثا تعزيز آفاق التعاون المشترك لا سيما في المجالات الأمنية والعسكرية)، وذكرت الخارجية السودانية أن الطرفين (اتفقا على المضي قدما في سبيل تطبيع العلاقات بين الطرفين... وكالة الأنباء السودانية 2023/2/2)] وذكرت الإذاعة الرسمية لكيان يهود يوم 2023/2/8 أن وفدا خاصا من المجلس السيادي في السودان قام هذا اليوم بزيارة كيان يهود سراً... وهكذا فلم يعد النظام السوداني يستحيي من ارتكاب الخيانة بالتطبيع مع كيان يهود وذلك في سبيل البقاء في الحكم لتأمين دعم أمريكا له!

والخلاصة:

1- لا يوجد خلاف حقيقي بين البرهان وحميدتي بل كل منهما عميل لأمريكا، وقد أوصلت أمريكا البرهان إلى منصبه الحالي من خلال حميدتي. (وصلت العلاقة بين البرهان وحميدتي للتحالف الحالي، بعد الإطاحة بوزير الدفاع عبد الرحمن بن عوف الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، حيث أصبح البرهان رئيساً لمجلس السيادة وقائداً للجيش، رغم أنه لم يكن قائد صف أول في القوات المسلحة، ولذا يعتقد أن ذلك بدعم من حميدتي ودعم إقليمي، فيما أصبح حمدان نائب رئيس مجلس السيادة، وتحالف الرجلان ضد القوى المدنية... عربي بوست 2023/2/21) وهكذا فإن الخلاف مصطنع وليس حقيقيا، بل من باب تقسيم الأدوار.

2- أما لماذا لا يكون الخلاف حقيقياً لتمكين حميدتي من الاستقلال بدارفور وفصلها بترتيب من أمريكا كما صنعت في جنوب السودان، خاصة وحميدتي له ثقل عسكري ومالي في دارفور (وتسيطر قوات حميدتي على معظم ثروات الإقليم بما في ذلك مناجم الذهب التي يصدر منها لدولة الإمارات ما قيمته 16 مليار دولار... موقع مصر 360، 2022/5/12)، فليس هناك أية مؤشرات حول ذلك في الوقت الحاضر.. بل إن أمريكا الآن تركز على هيمنة عملائها على حكم السودان وعدم تمكين عملاء الإنجليز من أدوار فاعلة في الحكم بل إشغالهم في الإصلاح بين البرهان وحميدتي بدلاً من مصارعتهما! ولكنه لا يستبعد عن أمريكا تجزئة بلاد المسلمين إن استطاعت، فهذا شأن الدول الكافرة المستعمرة.

3- إن البرهان يريد توسيع المشاركة في الاتفاق، ويلمّح إلى تعنّت القوى الموقعة عليه، وذلك من باب المماطلة في تنفيذه، وقد سعى لعقد لقاءات مع الأطراف غير الموقعة كما ذكر في بداية السؤال ما يوجد تنازعاً بين الموقِّعين وغير الموقِّعين وخاصة بين الحرية والتغيير "المجلس المركزي" الموقِّعة، وبين الحرية والتغيير "الكتلة الديمقراطية" غير الموقِّعة، وهذا يطيل وقت الموافقة النهائية... وعبّر عن موقف البرهان بوضوح أكبر، عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي الذي صرح مطلع الشهر الجاري (بأن الجيش لن يمضيَ في الاتفاق الإطاري من دون توافق سياسي، وأن القوى الموقعة ليست كافية لحل الأزمة السياسية بالبلاد، وأن الجيش لن يحمي دستوراً غير موافق عليه... الجزيرة مباشر 2023/2/20) فالجيش يحاول أن يتملص من الاتفاق الإطاري أو أن يتحايل عليه بطريقة أو أخرى، تارة بتوسيع المشاركة فيه، وتارة باشتراط دمج الدعم السريع والحركات المسلحة بالقوات المسلحة أي بالجيش، وهذه يتحكم بها البرهان مع حميدتي في طولها أو قصرها وفق رغبة أمريكا!

4- لقد نجحت أمريكا في نقل الصراع السياسي في السودان إلى ساحة جديدة، هي ساحة صراع مزعوم بين عملائها تطغى على غيرها من الصراعات وتجبر القوى التابعة للأوروبيين على تأجيل التركيز على تنفيذ الاتفاق الإطاري، وتنشغل بدلاً من ذلك بالإصلاح بين البرهان وحميدتي ظناً منها أن الخلاف بينهما حقيقي! ومن ثم يتحكم المكون العسكري (البرهان وحميدتي) في تأجيل التنفيذ بحجة عدم اتفاقهما على الدمج، وذلك إلى أن تصبح الشروط والأجواء مناسبة لتعديل الاتفاق وتنقيته من أي تأثير فعلي فيه للمكون المدني، وهذا معنى (قريبا) الواردة في قول البرهان (إن البلاد تسير في طريق تأسيس الحكم المدني، مرجحاً تشكيل الحكومة المدنية قريباً... الاتحاد 2023/03/19م)، فينفذ الاتفاق الإطاري وفق متطلبات المكون العسكري ومن ثم يكون (قريباً) سواء أقرب موعد التنفيذ أم بعد! وإن لم يتأت لهم ذلك، فلا يستبعد محاولة إلغاء الاتفاق الإطاري باصطناع صعوبة دمج الدعم السريع مع الجيش لعدم توافق البرهان وحميدتي أي إعادة سيناريو إلغاء الوثيقة الدستورية مع أسلوب جديد للإخراج... فقد وقعت هذه الوثيقة بين المكون العسكري والمكون المدني في 21 آب/أغسطس 2019، وقد كان مقررا أن يترأس العسكريون المجلس الرئاسي في البداية... ثم يبدأ المدنيون في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 برئاسة المجلس، ولمنعهم من ذلك فقد أعلن وزير الدفاع السوداني، الفريق الركن ياسين إبراهيم 2021/9/21، أي قبل شهرين من موعد تولي المدنيين، أعلن عن إحباط محاولة انقلاب.. ثم علت المطالبات بحل الحكومة، وقد حلت فعلاً وانتهت الوثيقة الدستورية، وقد وضحنا ذلك في حينه بجواب سؤال في 2021/10/25 ... ولا يستبعد الآن أن يكرر السيناريو نفسه ولكن بافتعال الصراع مع عنصر بارز من رجال أمريكا "حميدتي"!

4- وفي الختام فإننا نؤكد مرة أخرى أن السودان لن يرى بصيص أمل ما دام هناك عملاء يعملون لحساب هذا المستعمر أو لذلك المستعمر وهما متصارعان على بلد إسلامي لا يهمهما نهضة البلد وحل مشاكله وإطعام شعبه وتأمين احتياجاتهم. ولا سبيل للناس إلا التخلص من العملاء وعدم السير وراءهم أو اتباع سبيلهم الضال، وإنما عليهم اتباع سبيل من أناب ودعا إلى الله وعمل على تطبيق حكمه وعلى توحيد المسلمين والنهضة بهم. ﴿وَمَنْ أَحسَنُ قَوْلاً مِّمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَّقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏﴾.

في السابع والعشرين من شعبان 1444هـ

2023/3/19م

Monday, March 20, 2023

كتاب أهالي ووجهاء فلسطين إلى وزارة التربية والتعليم في فلسطين حول مناهج التعليم

 

نص الكتاب الذي سلمه وفد من أهالي البلد ووجهائها اليوم إلى رئاسة الوزراء برام الله، حول ما تقوم به وزارة التربية والتعليم بحق الطلاب ومناهج التعليم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس؛ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، شهداء الله على الناس، نقول الحق ولا نخشى في الله لومة لائم، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،

حضرة وزير التربية والتعليم الدكتور مروان عورتاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نبدأ بقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا ‌تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، ثم بقول رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ ‌يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» رواه مسلم، فتدبر أمر نفسك جيداً فإن مردَّك إلى الله القوي العزيز.

يا حضرة الوزير

نحن من أمة محمد ﷺ خير أمة أخرجت للناس، والإسلام هو قضيتنا، فالإسلام هو ما نريد تنشئة أبنائنا عليه، نريد تنشئتهم على هدي النبوة ليكونوا مشاعل هداية للناس، نريدهم أن ينهجوا نهج الصحابة الكرام في حمل الإسلام لتكون أمتنا في صدارة الأمم قوة وعلماً وصناعة، تنشر الخير والعدل ويأوي إليها كل مظلوم لتنصره، وإن تحرير المسجد الأقصى والأرض المباركة من الغاصبين المحتلين لا يكون إلا بتنشئة أبنائنا على الإسلام، ولكن أعداءنا يدركون خطر الإسلام عليهم وعلى مصالحهم، فوضعوا المشاريع والبرامج لهدم أسرنا وتمييع أبنائنا وسلخهم عن أمتهم ودينهم ليعيشوا بلا قضية ولا هدف، تسيطر عليهم الشهوات والملذات، لتبقى بلادنا مستباحة لكيان يهود والدول الغربية.

وإنَّ النَّهج الذي تسير عليه السلطة الفلسطينية ومنها وزارة التربية والتعليم هو تنفيذ لسياسة أعدائنا تجاه أبنائنا، وهذا واضح في التعديلات التي أدخلتها على المنهاج، وعلى النشاطات والبرامج التي تعمل الوزارة على تنفيذها في المدارس، ونُجمل بعضها فيما يلي:

1- دليل مناهضة تزويج الطفلات الذي أعده مركز الدراسات النسوية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بدعم وتمويل من الدول الغربية، حمل في ثناياه الدعوة للتمرد على الدين والأهل والأخلاق السوية، وفيه ترويجٌ للتفكير الشاذ، والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها:

1- أكَّد الدليل من صفحة 33-36: على الأخذ بمفهوم النوع الاجتماعي والهوية الجندرية، وأن الأدوار والسلوكيات والقيم التي تترتب على مفهوم النوع الاجتماعي، متغيرة وغير ثابتة، واعتبار الجنس (ذكراً أو أنثى) نوعاً من الحظ لكل فرد لأنه لم يكن باختياره، وبالتالي لا يجب أن يرضى بهذا التوزيع مدى الحياة بل عليه البحث عن طرق توزيع أكثر عدالة تُعطي من يستحق ما يستحق. فتحت عنوان (عرض الجلسة - التمرين الأول) عرضوا تمريناً مُضلِّلاً يُراد منه التحريض على الإسلام والتمرد على فطرة الله، إذ يقترح التمرين توزيع أوراق ملونة بلونين على الطلبة بشكل عشوائي، ثم إعلان أن من حصل على لون معين فاز في المشاركة في رحلة إلى مصر مجاناً، وأن الذين حصلوا على اللون الآخر لن يُشاركوا في الرحلة، ومن ثم سؤال الطلاب عن عدالة التوزيع، وأننا أحياناً نتلقى حظوظاً في الحياة لسنا مسئولين عنها، ويتساءلون (فمن منا اختار جنسه ومن منا اختار اسمه أو جنسيته، ولكنها فُرضت علينا، وبعد ذلك أُعطينا حظوظاً أو حُرمنا منها، والسؤال الذي يطرح نفسه هل سنرضى بهذا التوزيع مدى الحياة أم علينا أن نبحث عن طرق توزيع أكثر عدالة). ويضيفون (حُرمنا من الرحلة مرة ولكن علينا أن نفكر بأمور كثيرة تُحرّمْ علينا طوال حياتنا، لمجرد خُلقنا بنات أو أولاد. وليس هناك ما يُبرر هذه الفروقات سوى بعض المعتقدات، التي آن الأوان أن نُعيد تقييمها، لكي نكون أكثر عدالة مع أنفسنا ومع الآخرين)..

واضح من خلال هذا التمرين، وجود دعوة للكفر والتمرُّد على قضاء الله، واعتبار أن ما خلقنا الله عليه من كوننا ذكوراً أو إناثاً هو حظ لا يجب أن نستسلم له، وأن أحكام الله التي أعطت ومنعت، إنما هي حرمان من حقوق لنا، وأن الإنسان هو من يحدد حقوقه وميوله وعليه أن يتمسك بها ولا يتخلى عنها بسبب بعض المعتقدات، ثم يدْعون إلى إعادة تقييم المعتقدات للوصول إلى العدالة! فهل لنا عقيدة غير عقيدة الإسلام، وأي عدالة تلك التي يريدونها؟!

2- ص57-60 موضوع احتياجات النوع الاجتماعي العملية والاستراتيجية (هكذا يسمون الاحتياجات)، تضمن تدريباً ص 60 للتفريق بين الاحتياجات العملية والاستراتيجية، وفي التدريب وضعوا مطالب عدة واعتبروها احتياجات ويطلب من الطالب أن يميز المطلب الذي لا يقبله المجتمع، ومن المطالب التي يذكرونها: إنشاء ملعب كرة قدم لكل من البنين والبنات. إقامة مخيمات صيفية مع المبيت للبنات، تشكيل فرقة دبكة مختلطة (البنين والبنات معا).

والجواب المتوقع عند حل التدريب أن هذه من الاحتياجات الاستراتيجية. وهنا نسألك يا حضرة الوزير، هل حقا هذه من احتياجات أبنائنا وبناتنا الاستراتيجية؟! ثم تتم مناقشة سبب عدم قبول المجتمع لهذه الاحتياجات، وكيف يمكن طرحها بحيث تكون مقبولة، ثم اختتمت الفقرة بالقول "تلبية الحاجات الاستراتيجية تحتاج إلى وقت لإقناع المجتمع بها" وفي هذا إيحاء بوجوب المداومة على المطالبة بها والتحايل على المجتمع لتلبيتها.

3- ص 51-52: قصة خراف خليل والصورة الملحقة بها مع التساؤلات التي أثيرت ومناقشتها تتكون منها عند الطلاب حالة ذهنية خبيثة يجري تسريبها إلى عقول أبنائنا، حيث المطلوب - في كل الأحوال - كسر الحواجز والقيود الأسرية والاجتماعية والدينية وإن اختلف الأسلوب. المهم عدم القبول بوجود هذه الحواجز والقيود والتفلت منها بكل الطرق الممكنة.

4- وللتَّرويج لثقافة النوع الاجتماعي (الجندر)، يتعمَّد الدليل الخلط بخُبث، بين دور الرجل في الحياة خارج المنزل (العمل والنفقة على البيت والأسرة)، وهو ما يُطلقون عليه "بالدور الإنتاجي"، وبين دور المرأة في الحياة داخل المنزل (رعاية شؤون البيت والأسرة)، وهو ما يُطلقون عليه "بالدور الإنجابي"، ويركز على إبراز الدور الإنتاجي للمرأة ويجعل له الأهمية والتقليل من أهمية دورها كأم وربة بيت، فما هو الهدف من جعل دور المرأة الإنتاجي أكثر أهمية من دورها كأم وربة بيت؟.

5- ص 74-78 موضوع (الصعوبات التي تعيق القرارات)، فيه دعوة "للطالب" أن يتخذ قرارات جريئة وممارسة الحرية في التصرف حتى لو كان فيها مخالفة للشرع أو رغبة الوالدين، مثل: ص 74-75 دعوة للطالب الذي تشكلت هويته بتأثير من والديه وبيئته أن يفكر في تغيير هويته الجنسية والدينية خلال فترة المراهقة حيث تتبلور هويته الخاصة مع نضجه. وهي دعوة صريحة للردة وتغيير الدين والشذوذ والتحول الجنسي واعتبار ذلك أمراً طبيعياً فلا يجد الشاب أو الفتاة في نفسه حرجاً منه لأنه يملك الحق في اتخاذ القرار حسب رغباته وميوله.

6- حثّ الدليل في مناقشة (حالة حنان) صفحة 79، على اتخاذ قرارات تخالف رغبة الأب ما يعني التمرد عليه، وملخصها: أن حنان بنت من أسرة فقيرة تدرس في الصف الثامن وتُحب الرسم ولا خيار لها سوى الالتحاق بالنادي الوحيد في الحي، حيث يمكنها تعلم الفنون فيه على يد معلم متخصص يعطي دورات الرسم. أُمّها لا تُمانع من مشاركة ابنتها في الدورة ولكن أباها اعترض على ذلك لأن الدورة تبدأ في ساعة متأخرة.

أبرز الكتاب "الدليل" أن الأم في موقف متساهل يسمح لابنتها القيام بهذا العمل المخالف لقيمنا، بينما يُظهر الأب في موقف المتشدِّد. ويُثيرون بعض الأسئلة: (ما الصعوبات التي تواجهها حنان في اتخاذ قرارها للتسجيل بالدورة؟ وماذا كنتم ستفعلون لو كنتم مكانها؟) انتهى

فإلى ماذا يهدف هذا التمرين؟! وما هي الرسالة التي تريدون تقديمها لأبنائنا عن آبائهم وأمهاتهم؟

هذه بعض النماذج مما جاء في "الدليل"، الذي اتخذ من موضوع زواج من هم أقل من 18 سنة غطاء لبث هذه السموم، أليس ما جاء في هذا الدليل هو تنفيذ لسياسات أعداء الإسلام وتقويض للأسرة ونشر للقيم الفاسدة بين أبنائنا؟

2- فتح الباب على مصراعيه للمؤسسات الهدامة والمراكز السيداوية المموَّلة من الغرب للعبث في المناهج والوصول إلى الطلاب مباشرة، ومن أخطرها: مؤسسة جذور، ومؤسسة تامر، ومؤسسة أدوار، ومؤسسة إنجاز فلسطين، وجمعية تنظيم وحماية الأسرة، التي تعمل بشكل إجرامي لسلخ أبنائنا عن دينهم وتدمير القيم والأخلاق، وهذا عليه شواهد عدة ونذكر منها ما قامت به مؤسسة إنجاز من عقد محاضرات لطلاب في الجامعات والمدارس إذ أعطت الطلاب كتيباً بعنوان (أخلاقيات العمل) ومن ضمن أبوابه (البطل، القدوة، الموجه) ثم في صفحة 30 تحت عنوان (تحدي أبطال والقدوة والموجهين) وضعوا قائمة أسماء على رأسها فادي غندور، واغنيس غونسكا، ومايكل فوكس،...ثم إيلي صعب... والأخوين رحباني... وذكروا 35 اسماً، وعند الرقم 32 ذكروا النبي محمد ﷺ، وإمعاناً منهم في التقليل من شأن النبي ﷺ أنظروا ماذا قالوا في وصفه (هو الشخصية المحورية في الإسلام، وهو بالنسبة للمسلمين آخر الأنبياء ورسول الله، يعتبرونه مصلح العقيدة التوحيدية الأصلية، عقيدة آدم وإبراهيم وغيرهم، وهو بالنسبة إلى المسلمين خاتم الأنبياء وأعظمهم، وكان شخصاً فاعلاً كدبلوماسي وتاجر وفيلسوف، وخطيب ومشرع، ومصلح) انتهى. فهل هكذا يقدم رسول الله ﷺ لأبنائنا؟! كدبلوماسي وتاجر وفيلسوف وخطيب ومشرع...، وكأن كاتب هذه العبارة ليس من المسلمين، وما هي الرسالة التي تحملها هذه المؤسسة لأبنائنا وشبابنا عند تقديم رسول الله ﷺ وإمام الأنبياء ورحمة الله للعالمين في ذيل قائمة يتصدَّرها ممثلون وملحِّنون ومصمِّمو أزياء...إلخ، هل هذه هي أخلاقيات العمل؟ وهل خلت الأمة الإسلامية من القادة والأبطال لتذكروا لهم لكع العالم؟!

وفي موضع آخر من الكتيب صفحة 48 تحت عنوان (الأخلاقيات المهنية والمسؤوليات الاجتماعية في الإسلام) النص التالي:

(في البداية: تحليل قول مأثور

اختر الأقوال المأثورة وأبد رأيك به في الفراغ المخصص للكتابة. يمكنك أن تسند تحليلك إلى معنى القول أو سبب موافقتك أو اعتراضك عليه أو تبدي تعليق آخر.

1- ولا تزر وازرة وزر أخرى - القرآن الكريم (53: 38-9)

2- واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم. – القرآن الكريم 2: 282

3- واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين. سورة البقرة 2:45

4- ...الخ ) انتهى، هكذا هو النص في الكتيب!!

فهل أصبح كلام الله قولاً مأثوراً يا حضرة الوزير! وإمعاناً في الضلال مطلوب من الطالب أن يبدي رأيه وسبب موافقته واعتراضه على كلام الله عز وجل، فأي كفر هذا الذي تعلمونه لأبنائنا؟ وهل هكذا تعلمون أبناءنا الأخلاقيات المهنية والمسؤوليات الاجتماعية في الإسلام؟! أخبرنا يا حضرة الوزير كيف تدخل هذه المؤسسة إلى مدارسنا وجامعاتنا؟ أم هي أعمال مقصودة تهدف إلى هدم العقيدة الإسلامية وجعل كلام الله عز وجل وحديث رسول الله ﷺ محل نقد واعتراض خلافاً لقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ ‌الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

وهذا غيض من فيض الإجرام الذي تقوم به هذه المؤسسات في بلادنا.

3- إخضاع العملية التعليمية كاملة (المناهج، النشاطات اللامنهجية، الدورات والورشات وتدريب المعلمين) للاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى ترسيخ العلمانية وتدمير الأسرة وإفساد الشباب والشابات، وعلى رأس هذه الاتفاقيات، اتفاقية سيداو، وخطة التنمية المستدامة 2030، واتفاقية حقوق الطفل، ووزارتكم تذكُر في خططها الاستراتيجية ذلك بشكلٍ صريح، حيث قدَّمت تقاريرها للِّجان الأجنبية عن تقدمها في تنفيذ تلك الاتفاقيات.

4- وفيما يتعلق بالمناهج، فإنَّ التعديلات السابقة التي تمَّت استجابة لتعليمات الإدارة الأمريكية وكيان يهود بحجة منع "التطرف" أو التحريض ضدّ كيان يهود، يعرفها القاصي والداني، وما يحدث من تعديلات على المناهج وما يجري التحضير له هذه الأيام هو استجابة للاتفاقيات الدولية، وهذه التعديلات تهدف إلى طمس مفاهيم الإسلام وعلمنة المناهج ووضع أفكار هدَّامة وخطيرة بحسب المعايير والمفاهيم الغربية، كفكرة النوع الاجتماعي "الجندر" - التي تؤسس للشذوذ الجنسي - وما يسمى بالصحة الجنسية والإنجابية، و"حقوق الإنسان"...إلخ، وإن طمس مفاهيم الإسلام، وإبراز الأفكار والمفاهيم الغربية في المناهج المدرسية ليس له معنى إلا محاربة الإسلام وإفساد أبنائنا وسلخهم عن دينهم وأمتهم.

وقد صرَّح الوكيل المساعد في وزارة التربية والتعليم ثروت زيد أمام لجنة حقوق الطفل بتاريخ 28/1/2020 بالقول: (اللجنة الفنية التي راجعت المناهج هي مؤسسات NGOs الفلسطينية ومؤسسات المانحين GFA وممثل عن USAID وممثل عن British council وجميع الدول المانحة التي تعمل في فلسطين شاركت في هذا ومدعوم من المانحين وبالذات الإيرلنديين)، وهذه الجهات المشرفة والممولة للمناهج كلها جهات غربية معادية للإسلام والمسلمين!

5- العمل على جعل التعليم مختلطاً، وقد بدأ ذلك بالفعل في الصفوف الابتدائية في كثير من المدارس، وقد ذكر المجدلاني ذلك بشكل صريح أمام لجنة حقوق الطفل بتاريخ 28/1/2020 واعتبرها البداية فقط، حيث قال (ولكن بصفة عامة عندنا نهج الآن في أن تكون المدارس مختلطة وقد بدأ بالفعل التعليم المختلط في الصفوف الابتدائية الأولى وهو يعمم الآن في كل المدن والقرى الفلسطينية). وللعلم التعليم المختلط هو متطلب للبند ج من المادة 10 في اتفاقية سيداو.

6- العمل على تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، والتي من نتائجها الملموسة سلب وسائل التربية من أيدي المعلمين والمديرين ما أدى إلى حالات الفلتان والفوضى في المدارس، ونشرُ تلك الثقافة الخاطئة هو سبب رئيس في إضعاف المعلم وإفقاده هيبته، ما أثر سلباً على جودة التعليم وانضباطه بل حصلت تجاوزات تعرَّض فيها بعض المعلمين للاعتداء، فهل هذا ما تهدف إليه وزارة التربية والتعليم؟!

ومن توصيات اتفاقية حقوق الطفل إدماج مواضيع الصحة الجنسية والإنجابية وحرية المعتقد في التعليم. وتركز الاتفاقية على حرية الطفل من أجل إبعاده عن الإسلام وسلخه عن أمته وليس حمايته، وهي لا تُعنى بتربيته على مكارم الأخلاق ولا تقيم وزناً لتربيته تربية صالحة.

والمقصود بالصحة الجنسية والإنجابية هو إدخال الثقافة الجنسية إلى المدارس، وتعني بالمختصر تنبيه الطلاب إلى الممارسات الجنسية التي يسمونها آمنة، أي دون مرض أو حمل.

وأمام لجنة حقوق الطفل الأجنبية وأثناء مساءلة وفد السلطة الفلسطينية الذي ترأسه مجدلاني وكان فريق وزارة التربية الحاضر الرئيسي، سأل عضو اللجنة الأجنبية عن مدى استخدام موانع الحمل وعن التربية الجنسية وأبعادها، فرد ثروت زيد مدير عام المناهج: (هناك مصفوفة مفاهيم من الأول حتى الـ12 تتوافق مع المرحلة العمرية من خلال الحوار والمناقشة، بالإضافة إلى الأنشطة مع مؤسسات المجتمع المحلي مثل مؤسسة جذور) انتهى، وأضاف مجدلاني على السؤال نفسه: (الصحة الإنجابية دمجت مع التربية الجنسية، ليكون مفهوم الجنس عند الأطفال حسب العمر، وأريد أن أوضح العلاقات ما بين المراهقين في فلسطين كما هو الحال في كل بلاد العالم تبدأ كما هو بين كل الشباب والشابات ولكن بفعل العلاقات القيمية والأخلاقية نادراً ما يكون هناك اتصال جنسي وربما قد يحدث، لكن لا توزع في المدارس لا واقيات ولا حبوب منع حمل ولا تشجع هذه الظاهرة،... ولكن بصفة عامة عندنا نهج الآن في أن تكون المدارس مختلطة وقد بدأ بالفعل التعليم المختلط في الصفوف الابتدائية الأولى وهو يعمم الآن في كل المدن والقرى الفلسطينية) انتهى، واضح أن مجدلاني يقول لا نحتاج الآن إلى موانع حمل ولكن لدينا نهج لجعل التعليم مختلطا!! لفتح الباب على مصراعيه للعلاقات الجنسية بين الطلاب، وتوفير الحماية لهم.

أخبرنا يا حضرة الوزير، هل مواءمة المناهج وتعديلها بما يخدم مشاريع الدول الغربية وكيان يهود أصبح هدفاً من أهداف وزارة التربية والتعليم؟ لماذا حُذفت آيات الجهاد وسِيَر الصحابة من المنهاج؟ لماذا طمست مفاهيم الإسلام وأبرزت المفاهيم التي تؤسِّس للشُّذوذ واتفاقية سيداو والنوع الاجتماعي؟ وهل هذه الأفكار العفنة تتفق مع الأسس التربوية الصحيحة لأبنائنا وبناتنا في المدارس؟ ولماذا تفتح أبواب المدارس والجامعات لأفكار اللِّجان الأجنبية والجمعيات المموَّلة من الغرب؟ فهل تستطيع الإجابة على هذا؟!

وفي الختام: إن ما تقوم به السلطة الفلسطينية يهدف إلى إغراق أهل فلسطين في مستنقع الرذيلة والشذوذ والمخدرات على غرار المجتمعات الغربية التي تتفشى فيها الجريمة والأبناء غير الشرعيين، وتحويل المرأة إلى أداة للدعاية وسلعة سهلة المنال، والمؤسف أن أعداءنا ينفذون جرائمهم في بلادنا بأدوات محلية قَبِلت أن تبيع نفسها لأعداء الإسلام بثمن بخس، فأصبحت الأموال التي تتلقاها السلطة الفلسطينية والمؤسسات الإفسادية مرهونة بتنفيذ تلك البرامج الافسادية، ومطلوب منها تقديم تقارير دورية عن سيرها ومدى تقدمها في تنفيذ تلك البرامج، وأملنا بالله عظيم أن تكون أموالهم عليهم حسرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ‌لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.

لقد أضحى واضحاً أن وزارة التربية والتعليم منحازة إلى الغرب وأعداء الإسلام، وتعمل لصالحهم في إفساد الأجيال الناشئة، وهدم قيم الإسلام في نفوسهم، وإن المستفيد الوحيد من إفساد أبنائنا وهدم أسرنا هو كيان يهود وأعداء الإسلام، فإلى أين أنتم ذاهبون؟ وإلى أي وادٍ سحيق تدفعون بأبنائنا وأسرنا؟

إن أبناءنا ليسوا بحاجة إلى ثقافة الجندر الشاذة، أبناؤنا بحاجة إلى مفاهيم الإسلام وقيمه التي تعلمهم الطهارة والنقاء، وحُسن الخلق، أبناؤنا بحاجة إلى تعليمهم مفاهيم الجهاد في سبيل الله ليكونوا مجاهدين حاملين لرسالة الإسلام، أبناؤنا بحاجة إلى مفاهيم الإسلام التي تعزز ارتباطهم بأمتهم ومقدساتهم وتغرس فيهم الثبات والقوة في مواجهة أعدائهم.

بناتنا لسن بحاجة لتعليمهن أن الفتاة عندما تبلغ ثمانية عشر عاماً لا تحتاج إلى إذن أبيها للخروج من المنزل، وليس له أن يلزمها بالجلباب فلها أن تلبس ما تشاء، وليس له أن يمنعها من إقامة العلاقات مع زملائها في الدراسة أو العمل...الخ، وأن هويتها الجندرية هي من تحددها بغض النظر عن الأهل أو الإسلام، فهذه ليست حقوقاً يا حضرة الوزير، وإنما هي دعوة لهدم الأسر وإفساد الأبناء، وإن بناتنا أعراضنا نذود عنهن بدمائنا صيانةً لهن وحمايةً لهن، بناتنا هن أمهات المستقبل نريد تنشئتهن على التقوى والعفة والحياء ليكنَّ أمهات صالحات ينجبن الأبطال الذين يصنعون البطولات والانتصارات لتكون أمتهم أمة عزيزة.

لكل ما سبق نحن أهل الأرض المباركة فلسطين، وجهاء وفعاليات وأولياء أمور نؤكد على ما يلي:

1. نحذر السلطة الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم من التعدي على أحكام الإسلام أشد التحذير، واعلموا أن أهل فلسطين سيدافعون عن دينهم وأبنائهم وبناتهم ولن يتركوهم لقمةً سائغةً لعملاء الغرب وشذَّاذ الآفاق، ولا لثقافتهم المنحرفة المناقضة للفطرة التي تهدف إلى تدمير قيمنا الرفيعة وتؤسس لشيوع الفاحشة وفوضوية الأخلاق.

2.

كفُّوا المؤسسات العميلة المموَّلة من الغرب "أعداء الإسلام" عن أبنائنا، مثل مؤسسة إنجاز أو جذور أو مؤسسة تامر أو الجمعيات النسوية التي تعمل على إفساد بناتنا وأبنائنا أو تلك التي تروج للشذوذ أو التمرد على أحكام الإسلام، فإنا لا نريد أن نرى لها أثراً في مدارسنا، لا نريد لقذارات الغرب أن تروج بين أبنائنا.

3. إن أهل فلسطين أعزاء بدينهم، ولا يقبلون بالإملاءات الغربية في صياغة المناهج لتكون وفق المفاهيم الغربية العلمانية.

4. إن أهل فلسطين لا يقبلون بالتحايل أو التجميد المؤقت، أو التعديلات الشكلية للبرامج الإفسادية، بل يجب إيقافها كاملة، وإزالة آثارها المدمرة لأبنائنا، ونخص بالذكر مفهوم الجندر الذي يؤسس للشذوذ.

نصرة لدين الله تعالى، وحماية لأسرنا وأبنائنا من الهجمة الغربية المعادية لديننا وأمتنا نقدم هذا الكتاب إلى وزارة التربية والتعليم ممهوراً بتوقيعنا، فاتقوا الله في أبنائنا، اتقوا غضب الله تعالى واحذروا نكاله وعذابه، اتقوا غضب أمة محمد ﷺ الذي سيكون بإذن الله تعالى طوفاناً جارفاً يقتلع العملاء وأعداء الإسلام، ولعل ذلك يكون قريباً، وعندها نتلوا قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ ‌جَاءَ ‌الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾.

حرر في 13 جمادى الأولى 1444ه الموافق 7/12/2022 م

------------------------

الموقعون على هذا الخطاب نخبة من أهل الأرض المباركة فلسطين من العلماء والقضاة وأئمة المساجد ووجهاء العائلات والعشائر، ورؤساء بلديات ومجالس قروية وأعضاء مجالس بلدية وقروية، وأساتذة الجامعات، ومحامون، ورجال أعمال وتجار وحشد من أعضاء مجالس أولياء الأمور في المدارس

Tuesday, March 14, 2023

جواب سؤال: أهداف زيارات المسؤولين العسكريين الأمريكان رفيعي المستوى لكيان يهود

 

جواب سؤال: أهداف زيارات المسؤولين العسكريين الأمريكان رفيعي المستوى لكيان يهود

 

  23 من شـعبان 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 15 آذار/مارس 2023مـ

السؤال: نشرت صدى البلد على موقعها الخميس 09 آذار/مارس 2023 (أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، اليوم الخميس، أن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، اتفق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على زيادة التعاون لمواجهة العدوان الإيراني...) وكان مكان الاجتماع قد نقل من وزارة الدفاع إلى مطار تل أبيب بسبب موجة الاحتجاجات: (وقالت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" إن اجتماعات أوستن نُقلت من وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى قرب مطار تل أبيب. ونظم عشرات الآلاف احتجاجات في شوارع المدن الإسرائيلية للأسبوع التاسع على التوالي يوم السبت ضد خطة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة لتعديل النظام القضائي... رويترز 2023/3/8) وتأتي زيارة أوستن بعد زيارة مفاجئة (أجراها رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي الجمعة إلى "إسرائيل". وكالة الأناضول 2023/3/4). فما هو الهدف من زيارة هؤلاء المسؤولين العسكريين الأمريكيين مرتفعي الرتبة لكيان يهود؟ فهل لها علاقة ذات شأن بالحرب الروسية على أوكرانيا؟ أو هل هي لتبريد الساحة الفلسطينية؟ أو أن هذه الزيارات مختلفة ولها أهداف أخرى؟ وجزاكم الله خيرا.

الجواب:

لكي تتضح الإجابة نستعرض ما يلي:

أولاً: من المستبعد أن تكون هذه الزيارات لمنع دولة يهود من (مهادنة) روسيا في حربها على أوكرانيا وعدم اتخاذ موقف عدائي مثل أمريكا وذلك تفادياً لإغضاب روسيا التي تسمح لدولة يهود بقصف أهداف داخل سوريا دون إعاقة من أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها في سوريا، خاصة وأن حكومة الكيان غارقة في معركة داخلية مع المعارضة، ومن ثم فلا تعتبر اللحاق بالدول الغربية في دعمها للجيش الأوكراني أولوية لها، وعليه فيستبعد أن يكون الموضوع الأوكراني سبباً لزيارات المسؤولين الأمريكان...

وكذلك فمن المستبعد أن تكون تلك الزيارات لتهدئة الأوضاع في الساحة الفلسطينية، ورغم سخونتها وحساسيتها وكونها الموضوع الرئيس لزيارات المسؤولين الأمريكان السابقين (وزير الخارجية ومدير المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومي) إلا أنها لا يمكن أن تكون سبباً لزيارات مسؤولين عسكريين بحجم رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع على الرغم من حساسيتها ولكن طبيعتها ليست حربية لتحشد لها أمريكا طاقات مسؤوليها العسكريين الكبار.

ثانياً: ولكن يبدو أن الزيارة هي لدوافع أخرى.. ويمكن فهمها من العوامل التالية:

1- كان نتنياهو صديقاً مقرباً للحزب الجمهوري الأمريكي، ووقف ضد الرئيس الديمقراطي أوباما حين وقع اتفاقاً نووياً مع إيران سنة 2015 وأزعج أوباما كثيراً خاصة خطابه في الكونغرس الأمريكي ضد الاتفاق النووي، وكانت علاقته مع أمريكا حميمية للغاية إبان إدارة ترامب التي كافأت نتنياهو بنقل سفارتها للقدس واعترفت بضمه للجولان وأعطته صفقة القرن في الضفة الغربية، والتي لم تكتمل.

 2- وبعد أن جاء الرئيس الأمريكي الديمقراطي الجديد بايدن فقد عمل على دعم تحالف أحزاب "لابيد" و"بينت" ونجح في ذلك ومن ثم انهزم نتنياهو في انتخابات آذار/مارس 2021 واستلم بعدها تحالف جديد من أحزاب "لابيد" و"بينت" الحكم في كيان يهود.. ولكن هذا النجاح لم يطل، بل تعاون نتنياهو مع الأحزاب اليمينية المتشددة وفاز في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر2022.

3- أصر نتنياهو على تشكيل الوزارة بالتحالف مع أحزاب يمينية متشددة وأدار ظهره لرغبات إدارة بايدن بتشكيل حكومة تضم الجماعة الموالية لإدارة بايدن (لابيد وغانتس خاصة)، وبإعلان مواقف هذه الحكومة الجديدة انهالت عليها الانتقادات الأمريكية الشديدة وغير المعتادة، مثل وجوب الحفاظ على حل الدولتين، ورفض التعامل مع وزراء وصفوا بالتشدد في حكومته، وثالثة الأثافي انتقاد سياسات نتنياهو بخصوص تغيير وضع القضاء لدى كيان يهود، وهي قضايا في العادة تعتبر داخلية إلا أن أمريكا انتقدت سياسته هذه في العلن وشجعت الأحزاب الموالية لها على مناهضة خطوات نتنياهو في الهيمنة على سلك القضاء.

4- لم تمهل المعارضة اليهودية نتنياهو كثيراً وشقت الاحتجاجات الواسعة طريقها ضده بسرعة كبيرة وبقوة غير مألوفة لدى كيان يهود، وبرز الصراع على الحكم بشكل يشبه كسر العظم، وارتسمت صورة جديدة في كيان يهود لم تكن موجودة أبداً بهذا الحجم: مظاهرات بعشرات الآلاف ضد الحكومة وضد إجراءاتها لجعل القضاء بيد الحكومة، وحصار المتظاهرين لمنازل المسؤولين الحكوميين، وإغلاق الشوارع وإشعال إطارت السيارات فيها، وقنابل مسيلة للدموع وقنابل صوت تطلقها شرطة يهود ضد يهود، وأخذت الأمور تتطور أكثر فأكثر. فبعض مسؤولي الشرطة يعصون الأوامر لتفريق المتظاهرين بالقوة، واحتدم الخلاف بين الحكومة والمعارضة وانقسم يهود إلى معسكرين متضادين، وأخذت رؤوس الأموال تشق طريقها للهرب من كيان يهود، وغادرت 50 شركة كبيرة، وأعلن ضباط احتياط عدم قدرتهم على الانصياع لأوامر هذه الحكومة... وتوترت الأجواء بقوة بين أنصار الحكومة وأنصار المعارضة على كافة المستويات، وكانت المواقف الصادرة عن إدارة بايدن تفوح منها رائحة مناصرة المعارضة اليهودية ضد نتنياهو.

ثالثاً: وأمام هذه الحالة القريبة من الفوضى حاول نتنياهو جمع صفوف اليهود خلفه واندفع يصب الزيت على النار الملتهبة أصلاً في الساحة الفلسطينية، وبدأ ذلك برفع وتيرة اقتحامات يهود للمسجد الأقصى وتنفيذ مجازر جديدة في جنين ونابلس، وكان نتنياهو يريد أن يُري يهود صلابة موقفه ضد الفلسطينيين على أمل تهدئة الأوضاع الداخلية بما يمكنه من تغيير سلك القضاء لصالحه فتتراجع عنه كل تهم الفساد في محاكم يهود، وهي سيف مسلط على رقبته منذ فترة طويلة، إلا أن ذلك لم يحصل. ولكن التصعيد مع الفلسطينيين ارتد عليه، فقد قوبلت مجزرة مخيم جنين فوراً بقتل ثمانية يهود في القدس، وقوبلت مجزرة نابلس بعمليتي حوارة وأريحا، ومن ثم أصبح نتنياهو في وضع أكثر حرجاً، وخاصة أنه قد قوبل بمزيد من التهاب المعارضة داخل كيان يهود، والتي زاودت عليه باتهامه بالفشل الأمني وأن سياساته تعرض اليهود لمزيد من الضربات الفلسطينية، وهنا كان لا بد أن يجد نتنياهو حلاً آخر.

رابعاً: وبناء عليه فقد أخذ نتنياهو بتعديل خطته وبسرعة باتجاه ضرب إيران باعتبار ذلك طريقة لرص صفوف يهود خلفه وضمان احتفاظه بالحكم. وذلك لأسباب عدة أبرزها ما يلي:

1- فيما يرد الفلسطينيون على كيان يهود ضربة بضربة فإن حكومات الدول المحيطة والقريبة خانعة ولا ترد رداً مؤثراً، فسوريا لا ترد على ضربات يهود وكذلك العراق، بل وإيران التي تعرضت أخيراً لضربة بطائرات مسيرة على مصانع عسكرية في أصفهان واتهمت كيان يهود، فكان ردها بعد أسبوعين بهجوم باهت بطائرة مسيرة على سفينة في بحر العرب يملكها يهودي ولم تؤد تلك الضربة لأي إصابات، بل أضرار خفيفة في السفينة، وقبل ذلك اتهمت إيران كيان يهود بتخريب منشآت نووية قال عنها الرئيس السابق إنها تسببت بخسارة بمقدار 10 مليار دولار، ولم ترد إيران، وهكذا... أي أن نتنياهو يقدِّر بأن رد إيران على أي هجوم سيكون رداً صغيراً، فيكسب نتنياهو الجولة حسب توقعاته وهذا يشجعه على الاستمرار في عدوانه.

2- وفي المسألة النووية الإيرانية فإن إيران تتعرض لانتقادات دولية كبيرة ومستمرة ولم تفلح المفاوضات في إعادة الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، ولأن كيان يهود يعلن أنه لا يمكن أن يسمح لإيران بالوصول إلى العتبة النووية فإن ذلك يشكل مبرراً كبيراً له لشن ضربات ضد منشآت إيران النووية. وفي هذا السياق فإن إيران متهمة غربياً بخرق الخطوط الحمراء وزيادة درجة تخصيب اليورانيوم: (يمكن لإيران إنتاج ما يكفي من المواد المستخدمة في صنع الأسلحة لصنع قنبلة نووية في غضون 12 يوماً فقط، ويمكن أن تنتج أربع قنابل أخرى في غضون شهر وفقاً لمعهد العلوم والأمن الدولي. تقرير للمعهد أشار إلى أنه يمكن للنظام الإيراني تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لتصنيع ما مجموعه سبعة أسلحة نووية في ثلاثة أشهر وفقا للمعهد في تقرير حلل فيه المعلومات التي قدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. العربية نت، 2023/3/5).

خامساً: وبالتدقيق نجد أن نتنياهو ركز على هذه الأمور واستغلها بمحاولة المبادرة لشن هجمات قوية ضد إيران تؤدي إلى رص صفوف يهود حول حكمه، وتنهي الفوضى الداخلية التي يمكنها أن تضعف حكمه إذا ما استسلم لها ولم يقم بأي عمل كبير وعلى ساحة أخرى يعيد له وهج القوة والجبروت ويقلب المعادلة الداخلية لصالحه. والظاهر أن هذه النوايا والخطط لدى حكومة نتنياهو قد وصلت أخبارها لواشنطن والتي أخذت تسارع الخطا لمنع حكومة نتنياهو من القيام بمثل هكذا خطوة، فاهتمام أمريكا وفق مصالحها في الظروف الحالية هو موجه نحو حرب روسيا مع أوكرانيا بالإضافة إلى موضوع الصين، ولا تريد الانشغال بحرب في المنطقة بين إيران ودولة يهود، وقد رأت أمريكا أن نتنياهو لحل مشاكله الداخلية يفكر بجد لافتعال حرب مع إيران فيحرج بايدن بالتدخل لأن أمريكا تعلن في تصريحاتها الكثيرة أنها ملتزمة بأمن دولة يهود وكما ذكرنا آنفاً فأمريكا الآن منشغلة بحروب أخرى.

سادساً: لهذا كانت زيارات هؤلاء المسؤولين العسكريين الأمريكان رفيعي المستوى لكيان يهود لثني نتنياهو عن هذه الحرب حتى لا يحرج بايدن بالتدخل في وقت لا تريد أمريكا الانشغال فيه بغير الصين والحرب الروسية على أوكرانيا. وقد صاحب هذه الزيارات عاملان لتحقيق مصالح أمريكا وفق المبين أعلاه:

الأول: دفعت أمريكا مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية لتخفيف التصريحات النووية وتلطيفها مع إيران، حيث زارها رئيس هذه الوكالة واجتمع مع مسؤولين إيرانيين كبار في فترة زيارات المسؤولين الأمريكان نفسها للمنطقة، وأعلن عن انفراجة كبيرة وصرح: (أن إيران وافقت على إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في عدة مواقع نووية وزيادة وتيرة عمليات التفتيش"... آر تي، 2023/3/4). ثم كان تصريح مدير الوكالة اللافت للنظر، فوفق الجزيرة نت، 2023/3/5 (وقال غروسي خلال زيارته إلى طهران أمس السبت إن "أي هجوم عسكري على المنشآت النووية محظور". فرد عليه نتنياهو قائلاً: "إن رفائيل غروسي أدلى بتصريحات غير مناسبة").

والثاني: كثافة الاحتجاجات الداخلية ضد نتنياهو. فإن أمريكا فوق كونها لا تريد أن يشعل كيان يهود حرباً ضد إيران حالياً فإنها تريد لنتنياهو أن يبقى غارقاً في الفوضى الداخلية وأن تبقى حالة الاحتجاج قوية وذات زخم على أمل أن تطيح هذه الحالة بحكومة نتنياهو فيعود أتباع أمريكا، أي مؤيدو الحزب الديمقراطي، للسلطة من جديد في كيان يهود.. خاصة أن أمريكا لها تأثير كبير داخل كيان يهود في الوسط السياسي والعسكري.

سابعاً: ويبدو مما سبق أن أمريكا على الأرجح ستتمكن من منع نتنياهو من بدء حرب هجومية على إيران خاصة أن كيان يهود أجبن من أن يقوم بمثل هذه الحرب دون دعم أمريكا ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ وحبل الله قد انقطع بعد أنبيائهم، وحبل الناس هو واقعهم، هذا من ناحية.. ومن ناحية ثانية فإن نتنياهو إذا انقطع أمله من تنفيذ مثل هذا الهجوم على إيران، فإنه سيستمر وبالتناصح مع أسياده في الحزب الجمهوري الأمريكي على القيام بأي خطوة هجومية أخرى من شأنها أن تفقد تحركات المعارضة ضده زخمها، وقد لا يجد أمامه سوى العودة لمزيد من تسخين الساحة الفلسطينية أو توجيه ضربات لقطاع غزة أو لبنان، فهو مسكون بهاجس البقاء في السلطة ولا يتصور أن يغادرها بعد أن جمع حوله ائتلافاً من أحزاب اليمين واليمين الديني اليهودي وهم متعطشون أكثر منه لإراقة دماء المسلمين في أي مكان. وهذا ما بدأ يظهر فقد نشرت "سما الإخبارية" الخميس 09 آذار/مارس 2023: (استشهد ثلاثة فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال التي اغتالتهم صباح اليوم في بلدة جبع قضاء جنين. وتسللت قوات خاصة إسرائيلية إلى بلدة جبع جنوب جنين، وقامت بإطلاق النار صوب مركبة كان يستقلها أربعة شبان أسفرت عن استشهاد ثلاثة شبان.. ووصلت تعزيزات عسكرية إلى البلدة، وسط اشتباكات مع مجموعات المقاومة، قبل أن تنسحب تلك القوات.) وكذلك نشرت فرانس 24 في 2023/03/10م: (القدس أ ف ب قتل فلسطيني الجمعة برصاص مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وفق ما أعلن الجيش الإسرائيلي ووزارة الصحة الفلسطينية، وذلك غداة يوم جديد في دوامة العنف شهد مقتل أربعة فلسطينيين أحدهم منفذ هجوم مسلح في تل أبيب أسفر عن ثلاثة جرحى.. وأطلق فلسطيني الخميس النار في شارع ديزنغوف في وسط تل أبيب وجرح ثلاثة أشخاص، قبل أن يُقتل بدوره برصاص الشرطة. وذكرت مصادر طبية إسرائيلية أن حالة أحد الجرحى "حرجة" اليوم.. من جهة أخرى قالت الشرطة الإسرائيلية إنها اعتقلت اثنين.. أحدهما من مدينة الرملة جنوب تل أبيب والآخر من مدينة كسيفة في النقب (جنوب)، "بشبهة نقل الإرهابي" منفذ عملية ديزنغوف..)

وواضح أن دولة يهود تقتل وتعتقل وهي في مأمن من حكام المسلمين حولها!

ثامناً: وأخيراً فإن هذا الكيان الذي يعيش في المنطقة كالورم الخبيث لا يجد من حكام المنطقة من يسعى لاستئصاله أو حتى يردعه، بل يسارعون للتطبيع معه! لذلك تجده يفكر وبشكل دائم في التمدد والقضاء على أي خطر يظن أنه يتهدد وجوده.. وليس هو الذي يقضي عليه وحده بل بالتعاون مع أولئك الحكام أو بصمتهم! إن هذا الكيان قائم على أرض الإسلام، الأرض المباركة فلسطين، والعلاقة معه يجب أن تكون علاقة حرب، فالتطبيع معه جريمة كبرى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ هذا هو الحكم الشرعي الواجب تنفيذه، وهذا الحكم وإن كان الحكام في بلاد المسلمين لا يريدون تطبيقه، أو لا يأذن لهم أسيادهم المستعمرون بتطبيقه، إلا أن هذه الأمة هي أمة حية لن تسكت طويلا على ضيم، وهي وإن هدأت فما هي إلا هدأة الرئبال قبل نفاره، فتستأنف حياتها الإسلامية من جديد، وتقيم الخلافة الراشدة بإذن الله، فيجمع خليفتها الأمة خلفه ويقود جيش الإسلام ليسوء وجوه يهود ويدخل المسجد كما دخله المسلمون أول مرة ويتبر ما علا يهود تتبيراً. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.

الثامن عشر من شعبان 1444هـ

2023/3/10م

Sunday, March 12, 2023

جواب سؤال: الصين ومقترح السلام في أوكرانيا

 

جواب سؤال: الصين ومقترح السلام في أوكرانيا

 

  16 من شـعبان 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 08 آذار/مارس 2023مـ

السؤال: جاء في موقع العربية في 2023/2/27 (الكرملين: نرحب بخطة السلام الصينية لكن التسوية بعيدة)، وكذلك جاء في موقع قناة اليوم 2023/2/27 (قال الكرملين إنّ روسيا تنظر باهتمامٍ إلى خطة السلام الصينية في أوكرانيا، مشيراً إلى أن تفاصيلَ المقترح بحاجةٍ لتحليلٍ وحسابات دقيقةٍ على حدِّ وصفه). وكان بوتين في 2023/2/21 قد أعلن ("أن روسيا علقت مشاركتها في معاهدة نيو ستارت الموقعة مع الولايات المتحدة"... الأناضول، 2023/2/21). وقد جاءت هذه التصريحات بعد زيارة بايدن إلى كييف في 2023/2/20 والتقائه الرئيس الأوكراني زيلينسكي حيث قال بايدن (إن أوكرانيا ستحصل على حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 500 مليون دولار يُعلن عنها الثلاثاء... سكاي نيوز عربية 2023/2/20). وقد سبق هذه التصريحات إعلان وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" أثناء مؤتمر ميونخ للأمن بأن الصين لديها مبادرة للسلام في أوكرانيا، وقال ("هذه الحرب لا يمكن أن تستمر في الاشتعال"... CNN عربية، 2023/2/18).

والسؤال: هل الصين قادرة على إيقاف الحرب في أوكرانيا؟ ولماذا تتقدم الصين بهذه المبادرة بعد مرور عام على اندلاع الحرب؟ ثم لماذا ترحب روسيا بالخطة ثم تقول التسوية بعيدة؟ وما حظها من النجاح؟

الجواب:

حتى يتضح الجواب على التساؤلات أعلاه نستعرض الأمور التالية:

أولاً: الدول ذات التأثير بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية:

1- أمريكا: لقد نجحت أمريكا بقيادة الرئيس بايدن بإزالة الشكوك الأوروبية حول القيادة الأمريكية للعالم الغربي، فقامت إدارة بايدن بتوحيد الجهود الغربية لتقديم المساعدات العسكرية وغير العسكرية لأوكرانيا حتى تصمد في وجه الهجوم الروسي، ووحدت الغرب في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ونجحت في تقطيع شرايين الطاقة الروسية عن أوروبا، بل وضمت دولاً بعيدة عن أوروبا للعقوبات التي تفرضها على روسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وأعادت الحياة لحلف الناتو بعد أن أصبح محل شك إبان إدارة ترامب السابقة، وأخذت إدارة بايدن تزيد من السلاح لأوكرانيا، وأعلنت بأن هدفها هو هزيمة روسيا في أوكرانيا.

2- الدول الكبرى في أوروبا: فيما لم يعد ممكناً تمييز المواقف البريطانية عن المواقف الأمريكية ضد روسيا، فإن ألمانيا وفرنسا قد لحقتا بتلك المواقف بعد ذلك، فمع كل قطع لشرايين الطاقة الروسية عن أوروبا كانت ألمانيا تزيد من مواقفها المناهضة لروسيا، حتى إن وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك قد قالت في معرض جهودها لتوحيد المواقف الأوروبية بخصوص تزويد أوكرانيا بالدبابات: (نحن نخوض حربا ضد روسيا وليس ضد بعضنا البعض... الشروق، 2023/1/24) ليصفها الرئيس الروسي السابق مديفيدف بـ"الحمقاء المفيدة" (الأناضول، 2023/1/29)، أي أنها تعترف بأن أوروبا طرف في النزاع الأوكراني. وأما فرنسا التي واجهت انتقادات حلفائها بسبب اتصالات رئيسها بالرئيس الروسي فقد أخذت أخيراً تركب القطار نفسه الذي ركبته قبلها الدول الأوروبية خلف المقطورة الأمريكية ضد روسيا، فقال رئيسها ماكرون أثناء عودته من مؤتمر ميونخ بحسب سكاي نيوز عربية، 2023/2/19: (أريد أن تهزم روسيا في أوكرانيا وأريد أن تتمكن أوكرانيا من الدفاع عن موقفها).

3- روسيا: بعد هالة القوة التي كانت تغطي الجيش الروسي دولياً فقد كشفت الحرب في أوكرانيا نقاط ضعف خطيرة أنزلت من مرتبة الجيش الروسي الذي انهزم حول كييف، وفي خاركييف، وأخيراً في خيرسون، وبعد أن كان الجيش الروسي عماد عظمة روسيا فإنه لم يتبق منه إلا قوة روسيا النووية فقط كركيزة دولية لعظمتها، وأما الاقتصاد الروسي فهو أصلاً ضعيف.. وسياسياً فإن أمريكا وأوروبا قد نجحتا إلى حد كبير في فرض عزلة دولية حول روسيا، هذا فضلاً عن افتقار روسيا للإجماع الداخلي حول الحرب فلما فرضت التجنيد الإجباري هرب الكثير من الروس للخارج!

 ثانياً: تأثير كل هذه المتغيرات الدولية على الصين:

1- تدرك الصين بأنها نفسها على رأس قائمة الأولويات الأمريكية، أي قبل روسيا، فأمريكا تتحدى الصين بخصوص تايوان وتحرجها بذلك، وتتحداها عبر المناورات العسكرية غير المسبوقة مع كوريا الجنوبية، وتتحداها إن هي أقدمت على تعويض روسيا خسائرها بسبب العقوبات المفروضة على موسكو، وتتحداها إن هي أقدمت على تقديم دعم عسكري فتاك لروسيا، ثم حصار اقتصادها حصاراً خفياً كما في الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على شركة هواوي الصينية وباقي شركات التكنولوجيا، بل وعلناً حين قطعت عنها الرقائق الإلكترونية بحجة استخداماتها العسكرية وأن الصين تهدد الأمن القومي الأمريكي، وترى الصين تسليح أمريكا لليابان وجعلها وجعاً في خاصرتها، هذا إن لم تطورها أمريكا لتكون وجعاً في قلب الصين، وكذلك التحالفات العسكرية الأخرى التي تقيمها أمريكا في آسيا مثل "أوكوس" و"كواد"، وكل هذا يفرض تحديات هائلة على الصين وجيشها.

2- وأما الدول الأوروبية والتي تشكل شريكاً اقتصادياً كبيراً للصين مثلها مثل أمريكا فإنها، أي الدول الأوروبية، قد انصاعت لرغبات واشنطن بالتنسيق المشترك، هذا التنسيق المشترك الذي دبت فيه الحياة بعد إشعال روسيا للحرب في أوكرانيا وبروز حاجة أوروبا الملحة للمظلة الأمنية الأمريكية لحماية القارة من التهديدات الروسية. وقد شاهدت الصين بأن القيادة الأمريكية للدول الأوروبية والتي أعيدت لها الحياة على وقع حرب روسيا في أوكرانيا قد أخذت تجر الدول الأوروبية لتبني المواقف الأمريكية ضد الصين، وبرز اصطلاح الدول "ذوات التفكير المتشابه" في إشارة للدول الرأسمالية ومعها أتباعها "المتغربنون" شرقي آسيا، بل ويروج حديث عن دور لحلف "الناتو" شرقي آسيا، وهذا تهديد خطر للصين بأن أمريكا قادرة على جر الكثير من الدول ضد بكين.

3- وأما روسيا، فإن ضعفها يقودها لتكون شريكاً أصغر للصين خاصة وأن الساحة الدولية تضيق عليها شيئاً فشيئاً، فأوروبا تخلت عن نفطها وغازها، ولم يبق منه إلا اليسير بعد أن كانت روسيا تمسك بعصب الطاقة في أوروبا، وفيما تغلق أوروبا وأمريكا أبوابهما أمام روسيا فإنهما تلاحقانها على عتبات الدول الأخرى مطالبةً تلك الدول بالالتزام بسقف أسعار النفط المفروض على روسيا، وهذا كله يجعل روسيا تنظر للصين بوصفها الباب شبه الوحيد الذي يمكنها عبره تصريف مصادر طاقتها وخاماتها، وهو ما يسميه الغرب بـ"التوسل التجاري الروسي أمام الصين"، وهذه الحال تشكل حرجاً للصين مع أمريكا وأوروبا اللتين تمثلان الوجهات الأهم لتجارتها.

4- وأما الصين نفسها ورغم استمرار غموض مواقفها المعلنة من الحرب في أوكرانيا إلا أنها لا بد ترى بأن ما ينتج عن تلك الحرب لا يسر بالها، فقد وقعت الصين وثيقة "تحالف غير محدود" مع روسيا قبيل إشعالها للحرب في أوكرانيا، ولما طالبت أمريكا والدول الأوروبية الصين باتخاذ موقف مناهض للعدوان الروسي على أوكرانيا كانت مواقف الصين غامضة، فمن ناحية لم تصرح بتأييدها للحرب الروسية ولا تصرح بتقديم الدعم لحليفتها روسيا وكانت تكتفي بتحميل أمريكا المسؤولية عن اندلاعها لأنها لم توافق على إعطاء روسيا ضمانات أمنية، وكأن الصين كانت تنتظر أن تفرض روسيا أمراً واقعاً جديداً في أوكرانيا، ويستتب لها الأمن داخل أوكرانيا فتجبر الدول الغربية على الاعتراف بمكانة دولية جديدة لروسيا، وهذا قد يدغدغ مشاعر الصينيين بأنه ضمناً يعتبر مكانة دولية أفضل للصين، وخاصة في تايوان، ومع بروز ضعف الجيش الروسي والهزائم التي تلقاها على جبهات القتال في أوكرانيا فإن مواقف الصين قد سادتها حالة من التذبذب وكأنها تتراجع عن تحالفها مع روسيا.

5- كل هذه المواقف الغربية التي تشتم منها رائحة العداء للصين لم تدفع الصين لتبني مواقف مماثلة ضد أمريكا والدول الأوروبية، ولم تبد الصين دعمها لروسيا، ذلك أن الصعود الصيني ومكانة الصين الجديدة كلها تعتمد على تجارتها الخارجية حيث تمثل أسواق أمريكا والدول الأوروبية شرياناً أصيلاً لعظمة الصين، وهذا يختلف عن روسيا الذي يمثل إرثها العسكري عن الاتحاد السوفييتي، وليس الاقتصاد والتجارة الدولية، أساس مكانتها الدولية.. ولكن الصين من زاويةٍ أخرى بقيت تقيم المناورات العسكرية المشتركة مع روسيا في أعالي البحار في آسيا وخارج آسيا، ولعلها كانت تريد أن تكون في المنتصف فلا تخسر روسيا التي تحتاجها إن وقعت الواقعة بينها وبين أمريكا، ولا تريد أن تخسر الدول الغربية التي تمثل تجارتها معها شريان اقتصادها...

ثالثاً: وهكذا فقد جعلت هذه المواقف الصين تفكر بما يشبه الوسيط الذي يحمل مبادرة لحل الأزمة بين الطرفين حتى وإن لم تكن علاقات الصين بالجانبين متوازنة. ومعنى كل ذلك أن الصين تشاهد أن الكثير من الغيوم السوداء تتلبد في سمائها بعد إشعال روسيا للحرب على أوكرانيا، وهذه الغيوم كلها تشكل الشق الأول، أو الشق الصيني للمبادرة الصينية للسلام في أوكرانيا، ولكن هذا الشق لم يكن ليثمر أي مبادرة جدية إلا بالتحامه بالشق الثاني، أي الشق الروسي. وبالتدقيق في هذا الشق نجد:

1- أن روسيا وإن أعلنت التعبئة وجندت قرابة نصف مليون جندي جديد، وكذلك وإن عادت للهجوم كما هو الحال اليوم حول مدينة باخموت في دونباس إلا أنها قد صارت تدرك استحالة كسبها للحرب، ذلك أنها تقف ليس في مواجهة جيش أوكرانيا فحسب، بل وفق تسميتها "في وجه قدرات حلف الناتو" الذي يزود أوكرانيا بشكل صريح بدعم عسكري فتاك وبهدف صريح هو هزيمة روسيا في أوكرانيا، والظاهر أن روسيا قد أدركت أنها في مواجهة إرادة أمريكية صلبة بهزيمتها في أوكرانيا، بل ودولياً، ففنلندا والسويد على وشك أن تصبحا أعضاء جددا في حلف الناتو، وهما أقرب الدول جغرافياً لروسيا، وألمانيا عدوة روسيا اللدودة عبر التاريخ قد أصبحت تتعسكر بشكل متسارع، وفي الشرق فإن الجيش الياباني قد يصبح تهديداً كبيراً لروسيا قريباً خاصة وأن اليابان تطالب روسيا بجزر الكوريل التي احتلتها روسيا إبان الحرب العالمية الثانية، وكل هذه التطورات الأوكرانية والدولية تفرض أعباء أمنية كبيرة على روسيا وتكشف المزيد من ضعفها، خاصة وأن عليها عقوبات اقتصادية غير مسبوقة...

2- إن إشارات الضعف الروسي هذه، والتي تمثل اعترافاً روسيا جديداً بمآلات حربها في أوكرانيا، والبحث عن سبيل لوقف تدهور جيشها واقتصادها ووقف تدهور الظروف الدولية حولها، كل ذلك هو الشق الثاني الروسي الذي لا يقل أهمية عن الشق الأول الصيني لمبادرة السلام الصينية، بمعنى أن روسيا تريد أن توقف الحرب في أوكرانيا ولكنها تريد أن يُحفظ لها ماء وجهها...

لذلك فإن اجتماع الشقين (التأثيرات السلبية الدولية للحرب على الصين، ويأس روسيا من الانتصار في أوكرانيا) هو ما أثمر هذه المبادرة الصينية للسلام في أوكرانيا. وهذه الحالة لم تكن قبل عام عند بداية الحرب فيبدو أن الصين كانت تتوقع أن تحسم روسيا الحرب لصالحها بسرعة لهذا تريثت الصين في بدايات الحرب أن تعرض مبادرة لكنها الآن بعد شبه اليأس في روسيا من الانتصار وظهور ميل روسيا للمفاوضات مع حفظ ماء وجهها، بعد ذلك قامت الصين بهذه المبادرة.

هذه هي حقيقة مبادرة الصين للسلام في أوكرانيا، وهذا ما يفسر توقيتها، وخاصة ما ظهر في المبادرة من النص على احترام سيادة الدول لإغراء الغرب وأوكرانيا، فقد أعلن وزير خارجية الصين في المبادرة الدعم لسيادة أوكرانيا، فقال (إن وحدة أراضي وسيادة جميع الدول سيتم احترامها في اقتراح الصين. CNN عربية، 2023/2/18)، وذلك كمدخل مغرٍ للغرب في المفاوضات...

رابعاً: وأما السؤال عن قابلية هذه المبادرة الصينية للنجاح، أي إنهاء الحرب في أوكرانيا، فهذا يتوقف على عوامل عدة مؤثرة:

1- تعتمد بالدرجة الأولى على موقف أمريكا والتي تتبعها مواقف الدول الأوروبية الداعمة لأوكرانيا، تلك المواقف التي ينطق بحالها الموقف المتشدد الذي يصدر عن العاصمة الأوكرانية كييف وعن الرئيس الأوكراني زيلينسكي. وتتلخص هذه المواقف الأوكرانية والغربية بضرورة انسحاب الجيش الروسي من كامل الأراضي المحتلة في أوكرانيا بما فيها جزيرة القرم كشرط لمفاوضات السلام، أي أن التفاوض مع روسيا سيكون ليس على الأراضي، بل على التعويضات وعلى تقديم مجرمي الحرب لمحكمة دولية، وهذه الشروط مرفوضة من قبل روسيا التي تلمح إلى الواقع على الأرض، أي وقف إطلاق النار عند الخطوط الحالية للجبهات، ثم التفاوض، وبالتأكيد فإن روسيا تريد تقديم التنازلات بعد وقف إطلاق النار بما يحفظ ماء وجهها من ناحية، ومن ناحية أخرى بما يعطيها بعض المكاسب الأرضية حتى وإن كانت رمزية بالإضافة إلى رفع العقوبات والإفراج عن أموالها المحتجزة...

2- والظاهر اليوم أن الدول الغربية غير مهتمة بالمبادرة الصينية وأنها تخطط لهزيمة كاملة لروسيا في أوكرانيا وتنتظرها، فقد قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: (نحن بحاجة إلى مزيد من الأدلة على أن الصين لا تعمل مع روسيا، ونحن لا نرى ذلك الآن. CNN عربية، 2023/2/18)، واتهم وزير خارجية أمريكا الصين بأنها تدعم روسيا: (وقال بلينكن في مقابلة أذيعت يوم الأحد إن الصين "تفكر بقوة" في إرسال ذخيرة وأسلحة لروسيا مع وصول حربها على أوكرانيا إلى عام واحد. القدس العربي، 2023/2/20)، وهذه إشارات كافية بأن الغرب ماضٍ في دعم أوكرانيا من أجل هزيمة روسيا.

3- لكل ذلك فإن المبادرة الصينية للسلام في أوكرانيا، ورغم إيحائها باحترام وحدة أراضي الدول، أي أنه يمكن انسحاب روسيا.. إلا أن هذه المبادرة ووفق الظروف اليوم غير مقبولة لأمريكا وأتباعها في أوروبا وكذلك أوكرانيا التي لا تملك من أمرها صرفاً ولا عدلاً، ذلك أن أمريكا تدعم أوكرانيا بشكل ثابت ومتزايد ومتدحرج في نوعية الأسلحة المقدمة وتعلن على لسان رئيسها بايدن بأن الرئيس الروسي لن ينتصر في أوكرانيا، وهذه الإرادة الأمريكية الصلبة تتبعها إرادة مماثلة في بريطانيا وكذلك دول شرقي القارة الأوروبية كبولندا ودول البلطيق التي تكنّ كرهاً عميقاً لروسيا.. بمعنى أن مبادرة السلام الصينية لا تلقى قبولاً ولا ترحيباً لدى أمريكا... ويبدو أن هذه المواقف قد أحرجت روسيا فبدأت تصريحاتها حول المبادرة مبطنة بالقبول دون إظهارها علناً، أي تقدم رِجلاً وتؤخر أخرى.. فقد نقلت سكاي نيوز العربية يوم 2023/2/27 على موقعها الإخباري: [الكرملين يقول بالنسبة لمبادرة الصين: (إن الظروف غير مواتية للسلام في أوكرانيا) ولكنه عاد وقال: (روسيا تعرب عن تقديرها لخطة السلام الصينية..)] وكذلك جاء في موقع قناة اليوم 2023/2/27 (قال الكرملين إنّ روسيا تنظر باهتمامٍ إلى خطة السلام الصينية في أوكرانيا، مشيراً إلى أن تفاصيلَ المقترح بحاجةٍ لتحليلٍ وحسابات دقيقةٍ على حدِّ وصفه). وكأن روسيا تضع لنفسها خط رجعة...

خامساً: والخلاصة أن الفترة القادمة ستشهد تطوراً جديداً يكون عنوانه مبادرة الصين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهذه الجهود الصينية قد أصبحت بعد عام على اندلاع تلك الحرب أملاً لروسيا بالخروج من مستنقع أوكرانيا شديد الخطورة على مكانتها الدولية فضلاً عن كون تلك الجهود مصلحةً صينية بالأساس، إلا أن أمريكا وأوروبا وحلف الناتو وكذلك أوكرانيا ترفض هذه المبادرة وتتشكك فيها، لذلك تبدو حظوظ هذه المبادرة من النجاح في أدنى مستوياتها إلا إذا تغيرت الظروف الدولية أو برهنت روسيا على أنها قادرة على شن هجوم كبير ومؤثر في أوكرانيا، وهو أمر مرجوح في المدى المنظور في ظل تربص أمريكا ودول حلف الناتو بروسيا ووقوف هذه الدول على أهبة الاستعداد لمد أوكرانيا بكل شرايين القتال لمنع انتصار روسيا.

وفي الختام فإن هذه الدول الكافرة المستعمرة المسماة كبرى في عالم اليوم تتصارع في ما بينها ليس لخير العالم وإنما للشر والضُر، فروسيا تعتدي على أوكرانيا لقتل كل أوكراني يتحرك، وأمريكا والغرب يقاتلون العدوان بكل أوكراني وليس بجنودهم! فالطرفان يتصارعان في أوكرانيا لقتل كل أوكراني... هكذا هي هذه الدول التي تبغي الفساد في الأرض لا تقيم وزناً لكثافة الدماء المسفوكة ما دامت تحقق لها مصالحها، بل شيئاً من مصالحها... وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما كانت دولتا الفرس والروم تتصارعان، فيغلب هذا ويهزم ذاك وهكذا دواليك... وكل منهما يتصرف كآلة تمتص دماء الناس لتحقيق مصالحه هو... واستمر ذلك إلى أن أكرم الله أهل الحق والعدل، الأمة الإسلامية، بالنصر والفتح المبين، فَعَز الإسلام والمسلمون، وذل الكفر والكافرون، وإن هذا لكائن من جديد بإذن الله، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

التاسع من شعبان 1444هـ

2023/3/1م

Tuesday, February 21, 2023

جريدة الراية: كلمة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

جريدة الراية: كلمة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة

بمناسبة الذكرى الــ102 لهدم دولة الخلافة

 

  2 من شـعبان 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 22 شباط/فبراير 2023مـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،

إلى الأمة الإسلامية بعامة.. وإلى حملة الدعوة لإعادة الخلافة الراشدة بخاصة..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في مثل هذا اليوم الثامن والعشرين من رجب سنة 1342هـ الموافق للثالث من آذار سنة 1924م أي قبل مئة سنة واثنتين هجرية تمكـن الكفار المستعمرون بزعامة بريطانيا آنذاك، وبالتعاون مع خونة العرب والترك من القضاء على دولة الخـلافة، وارتكب مصطفى كمال جريمة الكفر البواح بإلغاء الخـلافة في إسطنبول ومحاصرةِ الخليفة وإخراجه في سَحر ذلك اليوم، وهكذا كان، حيث حدث هذا المصاب الأليم في بلاد المسلمين بالقضاء على الخـلافة... لقد كان الواجب على الأمة أن تقاتل مرتكبَ الكفر البواح بالسيف كما جاء في حديث الرسول ﷺ المتفق عليه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه «وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» ولكن الأمة لم تقم بما يؤزُّ ذلك المجرم وأعوانَه أزّاً تقلبه وأعوانه خاسرين، بل كان الرد ضعيفاً لا يرقى إلى ذلك!

ومن ثم أظلم تاريخُ الأمة، فبعد أن كانت الخلافة هي دولتَها بالحق والعدل أصبحت دولها الآن فوق خمسين مزقة، وبأس حكامها بينهم شديد، حتى إن زلزال سوريا وتركيا على شدته منتصف هذا الشهر لم يستطع أن يزيل فرقتهم ويعيد وحدتهم في دولة واحدة، بل استمروا في مزقهم قبل الزلزال وبعده لا يذَّكرون! ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون﴾.

ومع ذلك فقد كشف الزلزال أن الإسلام مستقر في أعماق عامة المسلمين، فقد كانوا وهم ينقذون إخوانهم من تحت الركام يكبِّرون خاصة وهم ينقذون طفلاً ولدته أمه وتوفيت تحت الركام.. أو الذي يغطيه الركام ويده ظاهرة تحمل مسبحة كان يسبح بها الله.. أو وهم يحاولون إخراج امرأة من تحت البناء المهدم فتطلب قبل إخراجها غطاء لرأسها حتى لا ينكشف شعرها.. أو ذاك الذي ينادونه من تحت الأنقاض ليخرجوه فيطلب أولا الماء للوضوء والصلاة حتى لا يفوته الوقت.. ثم الذي يحاولون إنقاذه من بين الهدم فيجدونه يتلو القرآن من سورة البقرة.. أو تلك الفتاة التي وهم يحاولون إخراجها تبدي حزنها لأنها لم تستطع صلاة ذلك اليوم.. وخلال كل ذلك يصدع التكبير.. الله أكبر.. هؤلاء هم المسلمون، فرحم الله كل مسلم توفي خلال الزلزال وعسى أن يكون من شهداء الآخرة بإذن الله، وشفى الله الجرحى شفاء لا يغادر سقما.. وأعان الله كل مسلم نجا، وكتب الله له حياة طيبة يقضيها في طاعة الله سبحانه وطاعة رسوله ﷺ..

هؤلاء هم المسلمون وأولئك هم الحكام في بلاد المسلمين، وبينهما بعد المشرقين، وكل هذا التباين حدث خلال هذه السنين المئة واثنتين منذ المصاب الجلل بالقضاء على الخلافة! ثم بعد ذلك أضاف الكفار المستعمرون مستغلين زوال الخلافة، أضافوا مصاباً أليماً آخر، فأعطوا يهود دولةً في الأرض المباركة، مسرى رسول الله ﷺ ومعراجِه، وزودوها بأسباب البقاء. وأول تلك الأسباب حماية أمنها بواسطة الحكام العملاء المحيطين بها، فكانوا ينهزمون أمام يهود في كل حرب تنشب حتى أَعْطَوْا دولة يهود صورةً غير صورتها التي وصفهم الله بها ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَة﴾.. ولم يكتف الحكام بذلك، بل بذلوا الوسع في نقل القضية من إزالة كيان يهود إلى التفاوض معه لعله ينسحب من شيء مما احتله سنة 1967!

ثم إن دولة يهود كانت وما زالت تمارس أبشع الجرائم في فلسطين، ومجزرة بل ملحمة جنين في 2023/1/26 شاهدة على ذلك، فقد قام جيش كيان يهود وبقوات كبيرة مدججة باقتحام مخيم جنين، وتنفيذ مجزرة استشهد خلالها تسعة شهداء، وأقدم خلالها على استعمال أقصى الجرائم بالقتل وهدم السور على الجرحى والدهس بالجرافات. ثم استمر بعدوانه على نابلس، واقتحم مخيم عقبة جبر وقَتل وجَرح، فكان الشهداء والجرحى.. وكل ذلك يحدث دون أن يتحرك الحكام في بلاد المسلمين لنجدتهم، بل كان أمثلهم طريقة من أعلن وساطته بين المجرم ومن وقعت عليه الجريمة قاتلهم الله أنى يؤفكون! وكيف يفعلون فوق ذلك وهم يهرولون لعقد جريمة التطبيع مع يهود، فبعد أن قاد حكام مصر مسيرة الذل والهوان هذه تبعتها المنظمة وحكام كل من الأردن ثم الإمارات والبحرين والمغرب.. وها هو السودان يلحقهم بالجريمة فقد استقبل البرهان رئيس السودان وزير خارجية يهود إيلي كوهين في الخرطوم 2023/2/2 لبحث تطبيع العلاقات!! وكلهم لا يعبأ بالصَّغار الذي يلفهم ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾.

والعجيب أنه مع كل تصعيد أو كل جريمة يقوم بها كيان يهود فإن قادته يكونون، في أمسهم أو في يومهم، في أحضان حكام العرب أو في زيارة لهم، حيث كان نتنياهو قبيل جريمة جنين ضيفا في قصر النظام الأردني!.. وخلال جريمة جنين كانت السلطة تنسق أمنياً مع يهود وباعترافها لأنها زعمت أنها ستوقف التنسيق الأمني بعد الجريمة، وإذن هو كان! ولكن الأعجب والأغرب هو أنه عندما يقوم بطل من أبطال فلسطين يدافع عن بلده وأهله فيقتل في عملية القدس سبعة من يهود بعد تلك المجزرة، فإن الحكام في بلاد المسلمين يسارعون بالتنديد! فقد أدانت وزارات الخارجية في تركيا والإمارات والأردن ومصر في بيانات صحفية عملية القدس!!

ثم ليست فلسطين وحدها هي من طعنها هؤلاء الحكام، بل كذلك استسلموا أو سلَّموا بقاعاً أخرى طاهرة من أرض الإسلام، فكشمير ضمها المشركون الهندوس إلى دولتهم وحكام باكستان صامتون.. والمسلمون الروهينجا يذبحون في ميانمار "بورما" وحكام بنغلادش كأنهم نائمون لا يبصرون.. ثم تركستان الشرقية التي ترتكب الصين المجازر فيها، والدول القائمة في بلاد المسلمين صامتة صمت القبور فإذا نطقت قالت عن المجازر إنها مسألة داخلية للصين! ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾...

ثم لم يكتف الكفار المستعمرون بالهوان الذي ألحقوه بالأمة، بل تطاولوا على عقيدتها فقام المتطرف بالُودَان بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام مبنى السفارة التركية في ستوكهولم السبت 2023/1/21م، بعد سماح السلطات السويدية بذلك.. ثم تتابعت جرائمهم في حرق المصحف في لاهاي وفي كوبنهاجن الجمعة 2023/1/27.. بعد ذلك طالعنا الأزهر عبر مرصده ببيان شديد اللهجة يدين ويطالب بالوقوف في وجه محاولات العبث بالمقدسات الدينية.. ولا شك أن علماء الأزهر يعلمون أن الرد على إحراق المصحف لا يكون بالإدانة اللفظية، بل يجب أن تتحرك الجيوش نصرة لكتاب الله ودينه، فحرق المصحف هو إعلان حرب على الأمة الإسلامية وعقيدتها، فالرد يكون بحرب تشرد بهم من خلفهم ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون﴾.

أيها المسلمون: إن العدوان على المسلمين لا يجابه بكلمات منمقة المظهر فارغة المخبر لا تسمن ولا تغني من جوع، بل يُرد العدوان بحد السيف، بضربات تنسي العدو وساوس الشيطان.. هذا ما كان عليه المسلمون عندما كانت لهم خلافة، ومجريات الأحداث في عهودهم تنطق بذلك، وهذا أمر ثابت لا ينكره صاحب بصر وبصيرة.. فأمثلته قائمة في تاريخ المسلمين تناقلتها (البداية والنهاية لابن كثير، وفتوح البلدان للبَلاَذُري، وتاريخ ابن خلدون، وتاريخ الإسلام للذهبي، ومصادر أخرى)، وأنقل لكم منها:

(- ثم دخلت سنة 87 للهجرة... وفيها غزا قتيبة بن مسلم بيكند، وهي من أعمال بخارى... فما انتصف النهار حتى أنزل الله عليهم النصر... وكان الذي ألب على المسلمين رجل أعور منهم، فأُسر فقال أنا أفتدي نفسي بخمسة آلاف أثواب صينية قيمتها ألف ألف، فأشار الأمراء على قتيبة بقبول ذلك منه، فقال قتيبة: لا والله لا أروع بك مسلما مرة ثانية، وأمر به فضربت عنقه.).

(ثم دخلت سنة 90 من الهجرة... وفيها اعتدى داهر حاكم السند على سفينة فيها مسلمات وأخذهن أسيرات، فأرسل الخليفة إلى واليه بأن يقتص من ذلك الظالم، فقاد محمد بن القاسم جيشاً وأنقذ المسلمات واقتص من ذلك الحاكم الطاغية وفتح بلاد السند.)

(ثم دخلت سنة 223 للهجرة فخرج ملك الروم إلى بلاد المسلمين فأوقع بأهل زبطرة قتلاً وسبياً.. وصاحت امرأة وا معتصماه فبلغ ذلك الخليفة المعتصم فأجاب لبيك وقاد جيشاً وانتقم للمرأة.. وسأل أي بلاد الروم أعظم فقيل له عمورية "قرب أنقرة" ففتحها.)

(- ثم دخلت سنة 582 للهجرة... وفيها غدر أرناط صاحب الكرك فقطع الطريق على قافلةٍ كبيرة "الحجيج" جاءت من مصر، فقَتل وأسر، فتجهز السّلطان صلاح الدّين لحربه، وطلب العساكر من البلاد، ونذر إن ظَفَرَ به ليقتلنّه، فأظفره اللَّه به سنة 583هـ في وقعة حطين منتصف ربيع الآخر، ومن ثم قتله صلاح الدين بيده جزاء غدره وقطعه الطرق. ثم كان تحرير الأقصى في 27 رجب 583هـ.)

(- ثم في 1307هـ عام 1890م فإن مؤلف رواية افترى فيها على رسول الله ﷺ، حاول عرضها في أحد المسارح في باريس، فلما علم الخليفة عبد الحميد استدعى سفير فرنسا في إسطنبول وتعمد مقابلته باللباس العسكري، ثم هدده بأنها إذا عرضت ستعلن الدولة العثمانية قطع العلاقات مع فرنسا كحالة حرب، وخاطبه بلهجة شديدة "أنا خليفة المسلمين.. سأقلب الدنيا على رؤوسكم إذا لم توقفوا تلك المسرحية" فاستجابت فرنسا ومنعت عرض المسرحية..)

إن الكفار المستعمرين كانوا يدركون حينها أن أي انتهاك لحرمات الإسلام والمسلمين سيقابل بقطع الألسنة وكسر الأقدام... واليوم يُعتدى على القرآن الكريم وعلى الرسول ﷺ، وعلى بلاد المسلمين ولا يُردّ العدوان! وما ذلك إلا لعدم وجود الإمام، الخليفة الراشد الذي يقي الأمة شر الأعداء.. جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ».

وفي الختام فإني أكرر التوجه إليكم يا أهل القوة والمنعة.. إنكم أنتم فقط من يستطيع شفاء صدر الأمة من أعدائها أعداء دينكم، أنتم فقط من يستطيع كسر الهوان الذي وصل إليه المسلمون في بلادهم.. فقوموا إلى واجبكم بارك الله بكم، قوموا إلى نصرتنا، نصرةِ حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة، فهي ليست طريقَ النصر فحسب من باب وصف الواقع، بل لأنها في الدرجة الأولى فرضٌ عظيم، ومن لا يعمل وهو قادر لإقامة الخلافةِ وإيجاد الخليفةِ الذي يستحق البيعة، فإثمه عظيم كأنه مات ميتة جاهلية للدلالة على شدة الإثم كما قال ﷺ «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، وأما الثانية فقد شَرَع المسلمون ببيعة الخليفة قبل أن يشرعوا بتجهيز رسول الله وأداء فرض دفنه ﷺ، وكل ذلك لأهمية الخلافة.. والثالثة أن عمر رضي الله عنه يوم وفاته قد جعل أمداً لانتخاب الخليفة من الستة المبشرين بالجنة ثلاثة أيام لا تزيد، وإذا لم يتفق على الخليفة خلالها فليقتل المخالف، وكان ذلك على ملأ من الصحابة ولم ينقل عنهم منكر، فكان إجماعاً من الصحابة، ونحن قد مضى علينا "جمعٌ من الثلاثات"! وهكذا فإن إقامة الخلافة هي أمر عظيم.

يا جند الله: إننا ندرك أنه لن تنزل ملائكةٌ من السماء تقيم لنا خلافة، وإنما يُنزل الله ملائكةً تساعدنا إذا عملنا بجد لإقامة الخلافة، وهي وعد مصدوق في كتاب الله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.. وبشرى عز في حديث رسول الله بعد هذا الملك الجبري، يقول ﷺ: «...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» ثُمَّ سَكَتَ ﷺ. أخرجه أحمد.. وإننا ندرك كذلك أن أعداء الإسلام سيعدّون إقامة الخلافة من جديد مُحالاً، ويرددون مقولة أشياعهم من قبل مستهزئين، ﴿غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ﴾، ولكن كما كانت تلك المقولة وبالاً على قائليها، وأعز الله دينه ونصر أهله، فكذلك اليوم هي عليهم وبال، فالله العزيز الحكيم مع عباده المخلصين الذين يعملون بجد، دون أن يفارق قلوبَهم وجوارحَهم قولُه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾، هؤلاء مع كل يوم يمر يقتربون من هذا "القدْر" بإذن الله.. ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الثامن والعشرين من رجب 1444هـ                                      أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

الموافق 2023/2/19م                                                              أمير حزب التحرير

المصدر: جريدة الراية