Tuesday, October 31, 2017

جريدة الراية: وعد بلفور: قرن من السياسة الاستعمارية تحت خرقة "الشرعية الدولية"

جريدة الراية: وعد بلفور: قرن من السياسة الاستعمارية تحت خرقة "الشرعية الدولية"

  12 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2017مـ
هدد وزير خارجية السلطة الفلسطينية، رياض المالكي، برفع قضايا قانونية ضد بريطانيا، في حال أصرت على الاحتفال بمئوية «وعد بلفور»، مطالبا في الوقت نفسه باعتذار عن هذا الوعد الذي أعطاه وزير الخارجية البريطاني الأسبق، آرثر بلفور، في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1917، لزعيم الجالية اليهودية، آنذاك، ليونيل روتشيلد، يتعهد فيه بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قد طرح هذا الأمر على الجمعية العمومية في خطابه الشهر الماضي. وقال عباس لمستمعيه: «في خطابي أمام جمعيتكم في العام الماضي أيضا، طالبت الحكومة البريطانية العظمى بتصحيح خطأ فادح ارتكبته بحق الشعب الفلسطيني، عندما أصدرت وعد بلفور عام 1917، الذي يمنح اليهود وطنا قوميا لهم في فلسطين... لكن الحكومة البريطانية لم تحرك ساكنا حتى الآن، إزاء مطالبتنا لها بتصحيح خطئها التاريخي بحق شعبنا، وهو أن تعتذر عن الخطأ، وتقدم لنا التعويضات، وتعترف بدولة فلسطين، تحدثنا معهم طويلا، للآن لم يستجيبوا، والأنكى من ذلك والأسوأ من ذلك، أنهم يريدون في تشرين الثاني/نوفمبر أن يحتفلوا بمناسبة مائة سنة على جريمتهم هذه بحقنا».
فجاءهم الجواب بكل صفاقة على لسان رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي في معرض ردها على أسئلة النواب في مجلس العموم البريطاني، "سنحتفل حتما بالذكرى المئوية لوعد بلفور بكل فخر". مضيفة: "نفتخر لدورنا في تأسيس دولة (إسرائيل)". وهي في ذلك كررت تقريبا ما قاله ونستون تشرشل للجنة (بيل) التي فوضت بدراسة آراء أهل فلسطين نحو إقامة الوطن المزعوم لليهود سنة 1937: "أنا لا أقر بأن الكلب في الحظيرة (يقصد الشعب الفلسطيني) هو صاحب الحق في الحظيرة حتى ولو مضى على وجوده فيها زمن طويل. ولا أرى مطلقا أن الهنود الحمر لهم الحق في القول إن أمريكا لنا ولن نقبل بدخول المستوطنين الأوروبيين إلى هنا".
ما لا يدركه كثيرون أن بريطانيا، رأس الأفعى الاستعمارية، هي التي مكرت مكر الليل والنهار لتحطيم دولة الخلافة العثمانية أولا، ثم لفرض واقع سياسي يهدف إلى تفكيك وحدة المسلمين ويضمن بقاء التنازع والخصومة فيما بين الكيانات الهزيلة التي رسمت حدودها فوق الرمال بموجب اتفاقية سايكس بيكو متبعة سياسة "فرق تسد". فبدل أن يكون المسلمون أمة واحدة يعملون للخروج من طور الضعف والانحطاط لتعود أمة الإسلام كما كانت خير أمة أخرجت للناس تتسنم ركب قيادة البشرية لإخراجها من ظلمات الحضارة المادية الغربية المنحطة، فإن تفكيك وحدتهم إلى كيانات هزيلة يضمن بقاءهم في واقع التبعية والخضوع للهيمنة الغربية، حيث يتوسل كل حاكم منهم تدعيم أركان سلطته ببريطانيا ولية نعمته التي مكنته من الجلوس على كرسي الحكم المعوج.
وحيث إن "وعد بلفور" خالف بدهيات القانون الدولي إذ لم يسبق في التاريخ أن قامت دولة استعمارية بمنح أرض شعب (ليس تحت سلطتها أصلا وليس لها حق التصرف بأرضه) إلى شعب آخر بل إلى عصابات تجمعها من شذاذ الآفاق، فقد عمدت بريطانيا إلى تسخير شركائها في الجريمة الاستعمارية فيما سمي يومذاك "عصبة الأمم"، وعلى طريقة "تفرق الدم بين القبائل الاستعمارية"، التي منحت بريطانيا حق الانتداب على فلسطين. وقد أدرج وعد بلفور في صك الانتداب بحيث تصبح "مهمة" بريطانيا هي تنفيذ الوعد تحت شرعية "المجتمع الدولي" و"القرارات الأممية".
وهناك كذبة كبيرة يروج لها المبررون لبريطانيا جريمتها إذ يقولون إن بريطانيا كانت بحاجة لدعم يهود روسيا وأمريكا لحملهم البلدين على مشاركتها في مواجهة الخطر الألماني في الحرب العالمية الأولى. فهذا محض افتراء يكذبه تصريح ناحوم سولوكوف بأن مارك سايكس (نفسه الذي صاغ اتفاقية سايكس بيكو) هو الذي ظهر من لا شيء ليطلب الاجتماع مع القادة الصهيونيين (ضم إلى جانب سولوكوف وايزمان وروتشيلد وهيربرت صموئيل الذي عينه تشرشل لاحقا مندوبا ساميا حاكما لفلسطين) وبناء على طلبه عقد اللقاء في شباط 1917 حيث عرض عليهم سايكس موقف الحكومة البريطانية الداعي لإنشاء وطن لليهود في فلسطين. وأقر سولوكوف بأن سايكس هو الذي وجهه لمقابلة الفرنسيين وبابا الفاتيكان للحصول على موافقتهم على منح فلسطين لليهود. فبريطانيا هي صاحبة الجرم الأساس في هذا كله، ولا يشفع لها الاختباء وراء خرقة "المجتمع الدولي" والقرارات الأممية، بل هي صاغت تفاصيل الجريمة بكافة أركانها، والتي اكتملت بقيامها بفرض هذه الكيانات المصطنعة بقوة الحديد والنار والطيران البريطاني والمدفعية البريطانية، كما جاء في توجيه وزير المستعمرات تشرتشل إلى مندوبه في العراق كوكس (1921): "إن استعمال سلاح الطيران هو أمر مشروع لقمع أي قلاقل ضد السلطة البريطانية". فحين فشل زعماء بنو هاشم، تشرين الثاني/نوفمبر 1923، في قضاء السماوة-العراق في دفع الضرائب للحكومة البريطانية كان الجواب شن حملة من الغارات الجوية التي أدت إلى قتل 144 شهيدا.
نعم هذه هي السياسة التي فرضتها بريطانيا. ولكن العجب كل العجب من أمثال محمود عباس وصاحبه المالكي الذين يتوقعون من بريطانيا الاعتذار؟ ففي أي كوكب يعيش هؤلاء الخونة الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أجراء عند يهود يجتهدون في حمايتهم؟ والأعجب منهم من رفع يوما شعار الإسلام هو الحل فإذا بهم يتوسلون العودة إلى حضن حكومة أوسلو، ويأخذون بالأحضان مبعوثي سفاح رابعة العدوية ويرفعون صوره عاليا في ميادين غزة، ثم يصرح كبيرهم بأنهم عازمون على إقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة بحسب "المواثيق الدولية"!! ثم نسمع تصريحات لآخرين من فصائل الثورة في الشام يطالبون بالاحتكام إلى "قرارات جنيف"!! ألم يأن للجميع أن يدركوا حقيقة عداء الغرب للإسلام ومكره المتواصل ليل نهار ضد المسلمين؟ فكيف يرتضون لأنفسهم الخضوع لمرجعية ما يسمى "القرارات الأممية" و"المجتمع الدولي"؟ ألا يعلمون أن هذه القرارات وكل المنظمات الأممية إنما صنعتها الدول الاستعمارية بغية تحقيق أهدافها الاستعمارية تحت زعم "الشرعية الدولية"؟ وأنها تهدف لإحكام طوق العبودية في أعناق المسلمين والحيلولة دون تطبيق شريعة ربهم؟
نعم لقد أسفر الغرب الصليبي، وحلفاؤه في روسيا والصين، عن حقدهم على الإسلام والمسلمين، وسبيل النهضة للمسلمين لا يكمن في توسل تطبيق القرارات الأممية، وإنما يكون في نبذ الحكام أذناب الغرب ومبايعة إمام يحكم بشرع الله فيجمع شمل الأمة ويوحد طاقاتها ويقود جيوشها لتحرير ما احتل من أراضيها، وينشر راية الإسلام في العالم، فيقوم المسلمون بدور الشهادة على الأمم كما أمرهم رب السماوات والأرض.
بقلم: د. عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

جريدة الراية: جولة تيلرسون واستراتيجية الهيمنة

جريدة الراية: جولة تيلرسون واستراتيجية الهيمنة

  12 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2017مـ
أنهى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون جولة خارجية شملت عدة دول عربية وآسيوية ترجم من خلالها السياسات الخارجية الأمريكية التي اعتمدتها إدارة ترامب لمستقبل هذه الدول كان عُنوانها التدخل السافر في تلك الدول وفرض أجندتها عليها.
ومن تتبع المواقف والتصريحات التي أدلى بها تيلرسون في زيارته يمكن أنْ نستشف استراتيجية هيمنة واضحة تُباشرها أمريكا في الدول التي زارها.
فبالنسبة للأزمة الخليجية تبيّن أنّ الموقف الأمريكي بخصوصها يهدف إلى إطالتها وإشغال المنطقة بها لمدة غير محدودة بهدف ابتزاز تلك الدول بشكلٍ عام، وإضعاف تأثير نفوذ دولة قطر بشكلٍ خاص، وإشغالها بنفسها، وعدم تمكينها من التشويش على السياسات الأمريكية بتوجيه بريطانيا لها، لا سيما في مناطق الصراع الساخنة في المنطقة كليبيا ودارفور بالسودان وغيرهما.
فالمهم بالنسبة لأمريكا هو استمرار تعاون جميع هذه الدول في محاربة الإسلام وليس مهماً عندها استمرار الأزمة فيما بينها، فقال تيلرسون في ختام جولته: "إنّ جميع شركاء بلاده في الخليج يبذلون جهودا متجددة في مجال مكافحة (الإرهاب)"، وشدّد على: "ضرورة توسيع هذه الجهود عبر التعاون والتنسيق بشكل أكبر، فضلا عن تبادل المعلومات بين جميع الشركاء".
وكان تيلرسون قبيل الزيارة قد عبّر في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ الأمريكية عن تشاؤمه بشأن قرب حل الأزمة، وحمّل دول الحصار الأربع وهي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مسؤولية استمرارها، فقال: "إنّ الأمر الآن متوقّف على الدول الأربع، قطر كانت واضحة جداً بهذا الشأن، إنّها مستعدة للحوار"، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نويرت: "إن تيلرسون سيشجع الدول على الجلوس للتحاور"، ثمّ عقّبت بقولها: "لا يمكننا إجبارهم على شيء لا يريدون فعله".
وعندما وصل تيلرسون السعودية أكّد على موقفه المُسبق هذا فقال بأنّه: "لم يلحظ بعد اجتماعاته في الرياض وجود أي مؤشر قوي على أن الأطراف مستعدة للدخول في حوار لحل الأزمة الخليجية، وأنّ واشنطن لا يمكنها فرض حوار على أشخاص ليسوا مستعدين له"، وادّعى أنّ واشنطن لا تستطيع فرض حل للأزمة.
وبالإضافة إلى تعطيل المُصالحة سعى تيلرسون لتحقيق أمرين مُهمّين آخرين هما:
أولاً: ضخ أموال سعودية للعراق لمُساعدته في إعادة الإعمار بعد الانتهاء من قتال تنظيم الدولة، وذلك عبر آلية تشكيل مجلس تنسيق سياسي سعودي عراقي لمتابعة تطبيق السياسات الأمريكية، فقد حثّ تيلرسون السعودية بالفعل على تقديم المساعدة في إعادة إعمار العراق، فقال: "إنّ العراقيين يريدون اقتصادا آمنا ومستقرا ويريدون تطوير قدرات بلادهم لتلبية احتياجات مواطنيهم"، ورعى تيلرسون بنفسه لقاء الملك سلمان برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الرياض، وشارك الثلاثة في أول جلسة لمجلس التنسيق السعودي العراقي الجديد، وأعلنت السعودية على إثر تأسيس هذا المجلس عن خطط تشييد طرق برية جديدة بجنوب العراق لتسهيل حركة البضائع عبر الحدود، كما بدأت شركات سعودية تعمل بمجالات البتروكيميائيات والزراعة للاستثمار بالعراق.
ثانياً: دعا تيلرسون المليشيات العراقية المدعومة من إيران للعودة إلى ديارها، ومغادرة الأجانب البلاد وترك العراقيين يعيدون بناء بلدهم، وذلك في سعي منه لإبقاء حالة التوتر في العلاقات السعودية الإيرانية لتحقيق أقصى قدر من المصالح الأمريكية المستديمة في الخليج، والمُتمثّلة في استمرار جعل إيران فزّاعة دائمة لدول الخليج، ولتحذير الأوروبيين من جهة أخرى من الاستثمار في إيران، فقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن تيلرسون حذّر الأوروبيين من الاستثمار في قطاعات إيرانية محددة، في الوقت الذي بدأت فيه واشنطن بالتلويح بفكرة الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على إيران، وبمعنى آخر إعادة فرضها على الدول الأوروبية.
وبالرغم من أنّه هاجم المليشيات التي تدعمها إيران ودعاها للعودة إلى ديارها، وبالرغم من أنّه حرّض ضد إيران إلا أنّ تيلرسون اعترف بصراحة بدورها المحوري في المنطقة فقال: "يجب أن نكون واقعيين وندرك ونقر بأن العراق له حدود طويلة جدا مع إيران، وهناك علاقات بينهما ترجع إلى قرون، ولن نعمل على قطع كل العلاقات بين هاتين الدولتين، هناك علاقات مشروعة، اقتصادية وتجارية وأشياء مثل ذلك، يجب أن تستمر"، وهذا هو الموقف الأمريكي الحقيقي من إيران وهو تعاون العراق معها على نطاق واسع لخدمة استراتيجية أمريكا في المنطقة، بينما تصريحاته المغايِرة ما هي إلا لذر الرماد في العيون.
 وأمّا بخصوص المشكلة الكردية فأعاد تيلرسون طرح الرؤية الأمريكية المعروفة فقال: "الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة بغداد وأربيل لرسم مسار إيجابي لعراق فيدرالي موحد وديمقراطي بالوسائل السلمية، أدعو الطرفين إلى تجنب الاشتباكات بين القوات العراقية والبيشمركة، وأدعو رئيس الوزراء حيدر العبادي لقبول دعوة أربيل للحوار بناء على الدستور العراقي"، والحوار الذي يقصده هنا هو ذلك الحوار الذي يفضي إلى قيام دولة عراقية فدرالية وفقاً للدستور العراقي الذي وضعته أمريكا.
وفي أفغانستان التقى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بالرئيس الأفغاني أشرف غاني وبرئيس وزرائه عبد الله عبد الله وطمأنهما بأنّ إدارة ترامب لن تتخلى عن حماية نظامي حكمهما من هجمات حركة طالبان، وأنّ القوات الأمريكية ستبقى في أفغانستان، وأنّها لن تتخلّى عن عملائها، فقال: "من الواضح أنّ علينا مواصلة القتال ضد حركة طالبان وضد آخرين لكي يدركوا أنهم لن يحققوا أبدا انتصارا عسكريا".
وفي المحطّة الباكستانية التقى تيلرسون رئيس الوزراء شاهد خاقان عباسي وقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا، وأكّدت السفارة الأمريكية في إسلام أباد في بيان لها أنّ: "وزير الخارجية كرّر رسالة الرئيس ترامب أنه يتعين على باكستان زيادة جهودها للقضاء على (الإرهابيين) الذين يعيثون فسادا في البلاد"، وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد اتهم الدولة الباكستانية بأنها تمنح ملاذا (للإرهابيين)، وأعاد تيلرسون التأكيد على رؤية إدارة ترامب التي تطالب باكستان بفعل المزيد لمحاربة المنظمات (الإرهابية).
 لقد لوحظ من خلال جولة تيلرسون هذه أنّ أمريكا تتصرف مع البلدان الإسلامية بطريقة فرض الأوامر وكثرة الطلبات، واستمرار الاتهامات، فتُحوّل قادتها العملاء إلى مُجرد أجراء يقومون بأعمال وظيفية، بينما تتعامل مع غير المُسلمين من عُملائها باعتبارهم شركاء استراتيجيين كما فعلت مع الهند غريمة الباكستان وعدوّتها اللدود.
ففي محطته الأخيرة الهند التقى تيلرسون كبار المسؤولين فيها وشرح لهم الخطّة الأمريكية تجاه منطقة جنوب آسيا وبيّن لهم أنّ الهند ستلعب فيها دوراً إقليمياً محورياً في مواجهة الصين، وأكّد على عمق التعاون الأمريكي مع الهند، واعتبارها شريكاً مهماً في مواجهة النفوذ الصيني (السلبي) المُتصاعد في آسيا.
بقلم: أحمد الخطواني

جريدة الراية: ما بين دار الندوة ومجلس الأمن والأمم المتحدة

جريدة الراية: ما بين دار الندوة ومجلس الأمن والأمم المتحدة

  12 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2017مـ
تتحدث كتب السيرة عن محاولة إطفاء مشركي مكة نور الله بأفواههم واجتماعهم في مجلس أمنهم وأممهم المتحدة المُسمّى آنذاك دار الندوة؛ إذ ائتمروا وحضر معهم إبليس بهيئة شيخ نجدي، يبحثون كيفية القضاء على نور النبوة بقتل أشرف المرسلين وما تمخض عن المؤتمر من خطة فاجأت الشيطان نفسه ونالت إعجابه وتأييده، قال تعالى ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ ولا يعلم أولئك أنهم وإن أجلبوا بخيلهم ورجلهم فمكر الله أكبر من مكرهم، كيف لا وهو خير الماكرين.
فأتم الله نوره ونجّى نبيّه وخرج من بينهم سالماً، بل حتى إنّه نثر على وجوههم التراب وتابع طريقه حتى أقام حكم الإسلام بدولة سادت العالم لقرون.
وما بين الأمس واليوم، مع اختلاف الأدوات والوسائل والأساليب، تطلع علينا دار ندوة الكفر (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) بمؤتمراتها ومؤامراتها كأستانة وجنيف وغيرهما، هدفها الأساس هو القضاء على ثورة الشام لاستشعارهم بخطرها، لما اشتمّوا منها من رائحة المشروع الإسلامي وعودة المسلمين لسابق عزهم ومجدهم بإقامة حكم الإسلام بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فأجمعوا كيدهم ثم أتوا صفاً وجاؤوا بسحر عظيم؛ مال سياسي قذر أحرزوا لباطلهم جولة به فساقوا خلفهم قادة فصائل خرجوا من رحم الثورة ثم خرجوا عنها فباعوا دينهم بدنيا غيرهم وبعرض من الدنيا قليل!
ولتمام مكر المؤتمرين بل المتآمرين استعانوا بما يمكنهم من هزيمة ثورة الشام (بزعمهم) من شدّة قصفٍ على الحاضنة الشعبية لتخضع لحلهم السياسي الذي يضمن بقاء النظام المجرم، ومن هدن ومفاوضات جعلت الذئب يأكل الفريسة تلو الأخرى والبقيّة يتفرجون بانتظار دورهم، فنال المجرمون بهذه الهدن ما لم ينالوه بآلتهم الحربية، ومن فتن واصطفافات فصائلية تموج بهم وتجعلهم حصيداً خامدين أو يكادون، وصولاً لتدخل تركيا أردوغان بجيشها، وما رافقها من تسويق وتمهيد بل وحتى المساهمة بإدخالها من ألدّ أعدائها بالأمس (على الأقل ظاهراً) بدعوى المصلحة والمفسدة التي باتت عند البعض إلهاً يُعبد من دون الله، وفكرة تقاطع المصالح التي جاء بها مُفتون حسب الطلب والتي تستثمر الدول من خلالها الجماعات ثم تسوقها لحتفها بعد نفاد الحاجة إليها.
نقول: جاء التدخل التركي كآخر حلقة من حلقات المكر الأمريكي لترويض من يتم ترويضه وسحب السلاح والقضاء على من يُعاند لتسليم ما تبقى من الثورة في معقلها الأخير إدلب لأعدائنا روسيا وإيران والنظام، كصفقة تبادُل مع عفرين كما سلّمت حلب من قبل مُقابل الباب، فيعود المُجرمون للقتل والتشريد ويلهبون ظهور الأحرار بسياطهم ويسوقون حرائرنا للمعتقلات وتُطوى بذلك صفحة أعظم ثورة مرت في التاريخ...
من هذا المنطلق ومن إدراكنا لخطر المرحلة التي وصلت إليها الثورة كان لا بد من نذير عريان يصدق قومه ويبين لهم سبل السلام وطريق الخلاص وحبل النجاة فيتدارك أهل الشام ما فاتهم ويسيروا نحو عز الدنيا والآخرة، وهذا ما كان من حزب التحرير الذي شرفه الله بهذه المهمة لينير للأمة دربها وتتلمس خلاصها بما يحمله من وعي سياسي أنار بصيرته تجاه كشف خطط أعداء الأمة وما أكرمه الله به من مشروع سياسي مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ قادر على احتضان أهل الشام حوله؛ إذ كان لثورة الشام منذ بدايتها وحتى اللحظة الرائد الذي لا يكذب أهله فصدقهم في كل ما حذرهم منه؛ من مال سياسي قذر وما جره من هدن ومفاوضات ومن دور دول الخداع تركيا وقطر والسعودية والأردن وغيرها.
فإن أراد أهل الشام أن يُحققوا ما خرجوا لأجله ودفعوا الغالي والنفيس ثمناً له، فما عليهم إلا أن يضعوا أيديهم بهذه الأيدي المتوضئة ويسيروا مع حزب التحرير وخلف قيادته السياسية مرشداً ودليلاً ورُبّان سفينة فيستحقون بذلك بإذن الله وفضله الكفالة التي تكفلها الله لرسوله ﷺ، وتُقام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ينتصر بها للمسلمين في الشام والعراق وفلسطين وبورما وفي كل بقاع الأرض وتخسأ أمريكا وروسيا وكل من تجرأ على المسلمين في يوم من الأيام.
فإلى هذا ندعوكم يا أهلنا في الشام فهل من مجيب؟!
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾
بقلم: عامر سالم أبو عبيدة