Tuesday, October 24, 2017

جريدة الراية: ما الفرق بين عمل الحزب السياسي وعمل الدولة؟

جريدة الراية: ما الفرق بين عمل الحزب السياسي وعمل الدولة؟

  5 من صـفر الخير 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017مـ
تُواجهنا بعض التساؤلات من قبل الناس أثناء سيرنا في طريق حمل الدعوة، من مثل: ما هي إنجازاتكم، وماذا قدمتم؟ أين أنتم على الأرض؟...
وكثير من هذه التساؤلات التي يقصدُ السائل منها الأعمال المادية الملموسة، ويبدو أن من يُثير هذه التساؤلات لا يُفرّق بين عمل الحزب وعمل الدولة، لذلك سنُحاول أن نبين الفرق بينهما بما فتح الله به علينا.
نقول والله المستعان:
إنّ أي حزب سياسي جعل الإسلام مبدأ له لا يقوم بأيّ أعمال مادية (عسكرية) وإنّما يقتصر على الفكر والسياسة والإقناع، فيعمل على زرع الأفكار والمقاييس والقناعات الإسلامية في المجتمع ويصارع الأفكار الخاطئة، ويُكافح سياسياً الأنظمة الوضعية الموجودة في الواقع.
أمّا الدولة فهي كيان تنفيذي لمجموعة الأفكار والمقاييس والقناعات الإسلامية، التي سبق للحزب السياسي أن زرعها ووضعها في أذهان الناس، والدولة تسوسُ الناس حسب القاعدة الفكريّة التي أصبحت هي الظاهرة في المجتمع، وعندما نقول إن "الدولة كيان تنفيذي" أي أنّ هناك أعمالاً مادية تقوم بها الدولة كالجهاد وبناء المساجد والتصنيع ...الخ.
وكي يتّضح الفرق بين عمل الدولة وعمل الحزب سنضرب بعض الأمثلة من سيرة رسول الله ﷺ ونُبين بعض الأعمال التي قامت بها جماعة النبي ﷺ قبل وبعد إقامة الدولة.
نُلاحظ أنّ رسول الله ﷺ قبل إقامة الدولة اقتصر على العمل الفكري والسياسي، فلم يهدم الأصنام ولم يُقاتل المشركين المُعاندين له والمعادين لدعوته، بل عمل على هدم الأصنام من أذهان الناس أولاً وقتل الشرك في نفوسهم وحارب الأنظمة الجاهلية، فكان يتلو قوله تعالى: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾، وقوله: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ﴾. وقوله: ﴿كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾.
وقبل أن يبني دولته بنى رجال الدولة الذين وصفهم الله سبحانه: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾. فلم يسجدوا لغير الله ولم يطلبوا الفضل إلا منه سبحانه.
وعندما كان يُعذّب هؤلاء الأخيار في شعاب مكة ويُقلَّبون تحت الشمس الحارقة على رمالها الملتهبة، كان يكتفي بالدعاء لهم ويُبشرهم بما عند الله ويصف لهم نعيم الجنة ويخوفهم عذاب جهنم ولم يستخدم القوة لنصرتهم ولم يُقدّم لهم الطعام أو المال عندما كانت قريش تضيق عليهم.
أمّا بعد إقامة الدولة فقد قام ﷺ بأعمال مادية ملموسة إلى جانب الأعمال الفكرية والسياسية، فهدم الأصنام في مكة وقاتل قريشاً وكل من لم يقبل بحكم الله سبحانه وتعالى، وكان يحرك الجيوش نصرة للمسلمين إذا تعرّض أحدهم للأذى وكان يبشرهم بهزيمة كسرى وقيصر وفتح القسطنطينية وروما.
من خلال استقراء سيرة رسول الله ﷺ قبل إقامة الدولة يتبيّن أنّ عمل الحزب السياسي في هذا الواقع المرير الذي غاب فيه الإسلام عن الحياة وغابت أفكاره ومشاعره وأنظمته عن الحكم، بل وظهرت أفكار وأنظمة مخالفة للإسلام وظهرت دول تحكم بالكفر وتنشر ثقافتها بين الناس وتستعمر البلاد وتعيث في الأرض الفساد، فعمل الحزب في هذا الواقع هو محاربة هذه الأفكار الفاسدة التي نشرتها هذه الدول وتثبيت أفكار الإسلام الصحيحة في أذهان المسلمين، ومن المعروف أنّ مشاعر الإنسان مرتبطة بفكره.
فيجب توجيه مشاعر الناس فكرياً على الغضب وعدم الرضا عن هذه الأنظمة الوضعية، وأن نجعل المسلمين يتوقون للحياة في ظل نظام الإسلام، عندها يكون تحرك الأمة لإزالة هذه الأنظمة وتطبيق نظام الإسلام تحركاً فكرياً شعورياً.
وهذا ما فعله ﷺ، لذلك ضحّى المسلمون الأوائل بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولو أنّ النبي ﷺ هدم الأصنام عمليا قبل أن يهدمها في أذهان الناس، لجاءوا بأصنام أكبر منها، ولو أنّه ﷺ قاتل الناس قبل أن يُصارعهم فكريّاً ويُكافح أنظمتهم لأوجدوا أنظمة أشدّ بُغضاً وعداوة منها ولقاتلوه مرّات ومرّات.
ولولا أنّه جعل أفكار وقناعات وأنظمة الإسلام هي السائدة في المجتمع، لحارب العربي الأعجمي، ولما قَبِلَ السيد بمصافحة العبد، ولما جلست الحرة مع الجارية على مائدة واحدة، وهكذا... لكنّه الإسلام العظيم الذي إذا ما فهمناه وأحسنّا تطبيقه كانت عودته إلى واقع الحياة أسرع من ردّ الطرف.
بقيت مسألة وهي: أنّ الإنسان بطبيعته يميلُ إلى النتائج الماديّة الملموسة لذلك عندما رأى الناس تطبيق الإسلام بطريقة ملموسة لافتة للنظر دخلوا في دين الله أفواجاً، وكلنا يميل إلى رؤية الإسلام ودولته تصول وتجول العالم أجمع لمَ لا نميل؟ وهذا خباب بن الأرت رضي الله عنه بعد أن رأى الظلم والقهر والفساد الذي أوجدته الأنظمة الجاهلية، يذهب لرسول الله ﷺ ويسأله متى يكون النصر والتمكين لهذا الدين؟ وهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يذهب هو وأصحابه إلى النبي ﷺ فيقولون له: "كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنّا صرنا أذلّة!! فقال ﷺ: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلا تُقَاتِلُوا الْقَوْمَ».
وليس غريباً أن يطلب الناس اليوم من حزب التحرير تحرير فلسطين ونصرة الثورة السورية بالسلاح والمال وإنشاء معاهد وجامعات في لبنان وتركيا وتوزيع معونات على الفقراء!! لكن هذه الأعمال كما أسلفنا تحتاج إلى دولة وليس جماعة أو حزب.
لذلك فإنّ حزب التحرير يسعى لإيجاد هذه الدولة التي ترعى شؤون الناس بأحكام الإسلام وهذه الدولة يجب أن تكون على منهاج النبوة. أي أنها تحرك الجيوش نصرة للأقصى والشام والروهينجا وتنشر العلم وتبني المساجد والمعاهد والجامعات، وتستعيد حقوق الناس المسلوبة من قبل حكام الضرار، كما أنّها تنشر الخير والعدل والأمان في العالم أجمع.
فعلى المسلمين اليوم حتى يتخلصوا من هذا الواقع السيئ ويلمسوا نتائج مادية، عليهم العمل بجد واجتهاد من أجل إعادة الإسلام إلى واقع الحياة بعودة دولته المفقودة دولة الخلافة التي تكون على منهاج النبوة.
قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.
بقلم: عبد اللطيف الحريري (أبو جرير)

No comments:

Post a Comment