Wednesday, December 28, 2022

جريدة الراية: جواب سؤال: الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لليابان

 

جريدة الراية: جواب سؤال: الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لليابان

 

  4 من جمادى الثانية 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

السؤال: قامت اليابان بتبني استراتيجية دفاعية جديدة أعلنتها قبل أيام، وتتضمن هذه الاستراتيجية الجديدة زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري، فهل يعني ذلك أن اليابان أخذت تستعيد قوتها العسكرية كما كانت قبيل الحرب العالمية الثانية؟ وما هي أهدافها من ذلك؟ وهل هي قرارات ذاتية أم أنها تحت تأثير خارجي خاصة من أمريكا؟

الجواب:

نعم، تبنت الحكومة اليابانية استراتيجية جديدة للدفاع وأقرت تعديلات قانونية حيث صادقت حكومة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا 2022/12/16 على ثلاث وثائق دفاعية؛ الأولى هي "استراتيجة الأمن القومي لليابان" والثانية "استراتيجية الدفاع الوطني" وثالثة هي "برنامج بناء الدفاع"، وأقل ما يقال فيها إن اليابان تطوي صفحة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتقوم بهدم حالة الانهزام التي عاشتها لسبعة عقود وها هي تطلق العنان لإعادة بعث قوتها العسكرية، وحتى تُفهم المرامي الحقيقية نستعرض ما يلي:

أولاً: من بنود هذه الاستراتيجية:

1- بموجب هذه الاستراتيجية فقد أعلنت اليابان إنهاء العمل ببنود الدستور الياباني الذي وضعته أمريكا أثناء احتلالها لليابان وصار سارياً منذ سنة 1947، ذلك الدستور الذي كان يقضي بحرمان اليابان من القوة العسكرية ومنعها من أي عمل عسكري خارج حدودها.. وعلى الرغم من أن الاستراتيجية الجديدة لليابان تتحدث فقط عن هجوم ياباني "مضاد" ومشروط وتستثني الحرب الاستباقية إلا أنها المرة الأولى التي تنفض فيها اليابان عن كاهلها حرمة الأعمال العسكرية الخارجية.. وتتضمن هذه الاستراتيجية مضاعفة حجم إنفاق اليابان العسكري من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو السقف السابق، إلى 2% (المماثل لإنفاق دول حلف الأطلسي) بحلول سنة 2027، وهذا يمثل 10% من الإنفاق الحكومي (الجزيرة نت، 2022/12/16)، وبالتالي فإن اليابان تضع نفسها كثالث دولة عالمياً من حيث الإنفاق العسكري بعد أمريكا والصين.

2- كما أن هذه الاستراتيجية تطالب بالاستعداد "لأسوأ سيناريو" في ظل ما أسمته "البيئة الأمنية الأشد والأكثر تعقيدا" منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومواجهة التهديدات الخارجية، وهذا يتطلب شراء عدد كبير من الصواريخ الأمريكية (500) العابرة للقارات من طراز "توماهوك" و"إس.م-6" لتكون اليابان جاهزة للرد على أي اعتداء يأتيها من مسافات بعيدة.

3- كانت المادة التاسعة من الدستور الياباني تنص على أن "الشعب الياباني يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة وعن القيام بأية أعمال عدوان أو تهديد بواسطة العنف كوسيلة لحل النزاعات الدولية. ومن أجل تحقيق ذلك لا يتم امتلاك قوات برية أو بحرية أو جوية أو غيرها من القوات العسكرية، ولا تعترف الدولة بحقها في خوض الحروب". وهذه المادة قد جرى إسقاطها لتقف اليابان أمام سياسة حربية جديدة تقتضي تحولات داخلية واسعة من إنفاق حربي وتصنيع عسكري وبناء جيش حقيقي يعيد للأذهان القوة العسكرية الساحقة لليابان في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية.

4- إنهاء سياسة التعايش السلمي التي تبنتها اليابان مع جيرانها ومع القوى الدولية الأخرى، فتضمنت التعديلات الجديدة حق القوات اليابانية بشن "ضربات مضادة" ضد دول تعتبرها معادية، وتضمنت الاستراتيجية الجديدة ما يشبه التصدي لـ"ثالوث الشر" وإن لم تسمه هكذا، والمتمثل بالصين أولاً والتي أسمتها بـ"أكبر تحدّ استراتيجي لليابان" وثانياً بكوريا الشمالية والتي أسمتها بـ"تهديداً خطيراً ووشيكاً لليابان اليوم"، وثالثاً روسيا والتي وجهت لها انتقادات لاذعة بسبب (استعدادها لاستخدام القوة لتحقيق أهدافها الأمنية الخاصة كما هو الحال في أوكرانيا.. ونشاطاتها العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وكذلك تعاونها الاستراتيجي مع الصين.. وهذا "يشكل مصدر قلق كبير في مجال الأمن". فرانس 24، 2022/12/16).

ثانياً: وبالنظر إلى المواقف الدولية من هذه الاستراتيجية يتبين ما يلي:

1- لقد عارضتها الصين بقوة واحتجت عليها رسمياً، (وأثارت الاستراتيجية اليابانية الجديدة حتى قبل إعلانها الرسمي استياء بكين التي تتحدث باستمرار عن النزعة العسكرية اليابانية الوحشية في النصف الأول من القرن العشرين، التي كانت الصين من ضحاياها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين الجمعة إن "اليابان تتجاهل الحقائق وتبتعد عن التفاهمات المشتركة وعن التزامها بعلاقات ثنائية جيدة، وتشوه سمعة الصين. نحن نعارض ذلك بشدة". فرانس 24، 2022/12/16).

2- ونددت كوريا الشمالية بحدة بالخطة اليابانية، (وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الشمالية "اليابان تخلق أزمة أمنية خطيرة.. باعتمادها استراتيجية أمنية جديدة تضفي عمليا طابعا رسميا على امتلاكها قدرات لشن ضربات وقائية ضد دول أخرى"،...، إن "إضفاء طابع رسمي على خط العدوان الياباني الجديد قد غير جذريا البيئة الأمنية في شرق آسيا". وحذر المتحدث من أن طوكيو ستدرك أن هذا "الخيار خطير وسيئ للغاية. سكاي نيوز عربي، 2022/12/20).

3- وأما أمريكا فقد (رحبت واشنطن بهذه الاستراتيجية. وقال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك ساليفان إن "هدف اليابان المتمثل في زيادة استثماراتها الدفاعية بشكل كبير سيعزز التحالف الأمريكي الياباني ويحدّثه" فرانس 24، 2022/12/16)، وكذلك أعرب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن ترحيبه بإصدار اليابان وثائق استراتيجيتها المحدثة. وأكد أوستن على (التوافق المهم بين استراتيجية الدفاع الوطني اليابانية والرؤية والأولويات المحددة في استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية. الشرق الأوسط، 2022/12/17)، و(قال الرئيس جو بايدن إن بلاده تقف إلى "جانب اليابان في هذه اللحظة الحرجة، وتحالفنا أساسي في منطقة المحيطين الهندي والهادي"، واعتبر البيت الأبيض أن الخطة الدفاعية الجديدة لليابان تهدف إلى تعزيز التحالف العسكري مع الولايات المتحدة. الجزيرة نت، 2022/12/16).

ثالثاً: هذه هي الخطة الاستراتيجية الجديدة للدفاع الياباني، وبالتدقيق فيها نجد ما يلي:

1- إن تبني اليابان لاستراتيجية دفاعية جديدة والتي أعلن عنها في 2022/12/16 لم يكن مفاجئاً وإن كان حدثاً كبيراً ينهي ما يزيد عن سبعة عقود من حالة الضعف اليابانية، وذلك أن وزارة الدفاع اليابانية كانت قد نشرت يوم 2022/7/22 ما سمي بـ"الكتاب الأبيض" والذي بين السياسات الدفاعية الواجب اتباعها للاستجابة للتحديات الدولية، فأنهت وثيقة "الكتاب الأبيض" تلك الحالة عندما عرضت رؤية اليابان للتهديدات التي تواجهها، كالقوة العسكرية المتعاظمة للصين ومخاطر شن الأخيرة حرباً على تايوان، ومخاطر التعاون العسكري الصيني مع روسيا، ومخاطر إشعال الصين وروسيا وكوريا الشمالية حرباً في آسيا، وتأكيد كتاب وزارة الدفاع هذا على أهمية زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة هذه التهديدات والاستثمار في التكنولوجيا العسكرية وضرورة بناء قوة عسكرية متعددة الأبعاد تشمل الفضاء ما يدل على أن طموحات اليابان عالية وقد ترقى لأن تنفض عن نفسها غبار الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، وضرورة لحاق اليابان بالمنافسة في منطقة المحيط الهادئ ومنه بحر الصين الجنوبي حيث الجزر المتنازع عليها بين الصين واليابان.

2- وقبل ذلك فقد كان رئيس وزراء اليابان السابق "شينزو آبي" مهندساً رئيسياً وراء مبادرة اليابان للتوصل لاستراتيجية يابانية أمريكية مشتركة، تركز على المحيطين الهندي والهادي معاً، لمواجهة تصاعد النفوذ الصيني. وما تضمنته تلك المبادرة التي تبنتها أمريكا من تعاون أمريكي ياباني وكذلك مع باقي الحلفاء في التجارة والاستثمارات والتعاون المشترك من أجل الأمن الملاحي في المحيطين الهادي والهندي، وإشراك كل من أستراليا والهند في تلك المبادرة. (العربية، 2017/11/8).

3- وهكذا يتبين من هذه الاستراتيجية اليابانية الجديدة وما قبلها بأن اليابان آخذة منذ اليوم في استعادة قوتها العسكرية ونفض غبار الماضي والاستعداد للقتال في آسيا، وعلى الرغم من أن اليابان كانت دائماً دولة كبرى ولها اعتبارها خاصة في آسيا، وكانت الدولة المهيمنة على المنطقة أثناء السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية، فكانت تكتسح الصين وكوريا والجزر في المحيط وغيرها في آسيا تماماً كما كانت جيوش ألمانيا تكتسح في أوروبا قبل أن ينهزم الطرفان وتتلقى اليابان ضربة نووية هي الوحيدة حتى اليوم عندما أسقطت الطائرات الأمريكية قنبلتين نوويتين على هيروشيما ونكازاكي في آب/أغسطس 1945 وقتلت أكثر من مئتي ألف شخص على الفور، ثم أعلنت اليابان 1945/8/15 استسلامها بعد إلقاء هذه القنابل بأسبوع ودخل الحلفاء بقيادة أمريكا اليابان واحتلتها.

4- وبالنظر إلى التاريخ الإمبراطوري العريق لليابان فإن استعادة العسكرية اليابانية تدغدغ مشاعر العظمة عند اليابانيين وتلقى ترحيباً واسعاً عند الشعب الياباني، لكن طول فترة الابتعاد عن العسكرية في اليابان ووجود قواعد عسكرية كبيرة لأمريكا فيها بعد انسحاب الحلفاء من اليابان سنة 1952 وحتى اليوم، كل ذلك يجعل دوافع اليابان لاستعادة قوتها العسكرية ليست ذاتية بالكامل.

5- ولعل التصريحات الأمريكية الفورية والمؤيدة لتبني اليابان سياسةً جديدةً لجيشها وتحالفاتها العسكرية ونظرتها للمخاطر الإقليمية تدل بما لا يدع مجالاً للشك بأن عسكرة اليابان إنما هي حجر الزاوية في استراتيجية الولايات المتحدة للتصدي للمخاطر الصينية خاصةً، فأمريكا تنقل جيوشها لمحيط الصين وتثير الاضطراب والاستفزاز حول تايوان وتتأهب للحرب مع الصين، وهو ما أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن لدى سؤاله إن كانت أمريكا ستشارك مباشرةً في الحرب إذا شنت الصين هجوماً على تايوان، فقال: نعم.

6- وكذلك ما لوحظ من استفزاز إدارة الرئيس السابق ترامب لكوريا الشمالية، بالإضافة إلى التحريض على بعث العسكرية اليابانية حيث خاطب الرئيس الأمريكي اليابانيين بـ"الأمة المحاربة"، وذلك قبيل زيارته لليابان سنة 2017: (...وكان ترامب يتحدث قبل أن يبدأ الجمعة جولته الأولى الطويلة والحساسة إلى آسيا بصفته رئيساً. ويهيمن على الزيارة التي تشمل خصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية، ملف التهديد النووي الكوري الشمالي.. وقال ترامب لشبكة فوكس نيوز، إن "اليابان أمة محاربة، وأقول للصين، وأقول لأي بلد آخر... ستواجه مشكلة كبيرة مع اليابان في القريب العاجل، إذا ما تركتم ذلك يستمر مع كوريا الشمالية"... مرصد نيوز - الشأن الدولي - الجمعة - 03 تشرين الثاني/نوفمبر 2017) أي هو يهدد الصين بأن اليابان يمكن أن تتحرك عسكرياً ضد كوريا الشمالية وكأنه ينطق باسمها! وكذلك فإن إعادة عسكرة اليابان وعلى الرغم من كونها حاجةً يابانية في ظل الظروف الجديدة في شرق آسيا إلا أنها تعتبر خطةً أمريكيةً مكتملة المعالم، فقد أضحت اليابان الدولة المركزية في الرؤية الأمريكية لمواجهة الصين.

رابعاً: والآن يمكننا إلقاء الضوء على جواب الجزء الأخير من السؤال، أي: هل هي قرارات ذاتية من اليابان أو أنها تحت تأثير خارجي خاصة من أمريكا؟ وبتدبر ما سبق يتبين ما يلي:

1- إن اليابان لها تاريخ طويل من الانتصارات مع الصين، فقد كانت الصين تمثل الأفق الواسع للاستعمار الياباني قبل أن تمنعها عنها أمريكا وباقي الدول الاستعمارية الأوروبية، بمعنى أن بعض رواسب ذلك التاريخ الياباني الحافل بالانتصارات لا تزال حيةً إلى اليوم وتتمثل في مطالبات صينية من اليابان بالاعتذار والتعويض عن جرائم عبر التاريخ، ومن ناحية لا تقل أهمية أن الاقتصاد الياباني، وهو الثالث عالمياً بعد أمريكا والصين، قادر على الإنفاق على سياسة مواجهة شاملة مع الصين، ومن ذلك القدرات اليابانية الضخمة في الصناعة والتكنولوجيا ما يجعل اليابان قادرةً حتى بمفردها على مواجهة الصين إذا ما أعادت قوتها العسكرية.

 2- ولكن أمريكا تريد منها ذلك في إطار تحالف تقوده أمريكا بحيث تبقى السياسة اليابانية جزءاً من الخطة الأمريكية الشاملة ولا تتحرك نزعة القوة في اليابان لتعيد ذاكرتها إلى مرحلة العداوة مع أمريكا وخاصة عندما هاجمتها أمريكا نووياً، فإن لليابان تاريخاً طويلاً في الصراع مع أمريكا.. ولكل ذلك فإن أمريكا تريد أن تكون مسيطرة على كل تفاصيل الاستراتيجية اليابانية الجديدة حين تقوم طوكيو بإعادة عسكرة نفسها حتى تبقى هذه الاستراتيجية في مواجهة الصين دون أن تتجاوزها إلى تذكر هجوم أمريكا النووي عليها! وهذه النظرة الأمريكية لإحياء العسكرية اليابانية باعتبارها حجر الزاوية في مواجهة الصين في آسيا هي شبيهة باستراتيجية مماثلة تقودها أمريكا لإحياء العسكرية الألمانية لوضعها في مواجهة روسيا في شرقي أوروبا.

3- ومع كل هذا وذاك فإن اليابان قد تأخرت في استعادة عسكريتها مثلها مثل ألمانيا.. صحيح أن هذه الشعوب هي شعوب حية ولكنها قد استمرأت الرفاهية حين تحكمت التجارة والمال في أذهانهم وتراجعت العزة والكرامة لديهم وغابت عن قادتهم همم الحرب والنفوذ حتى صارت اليابان وكذلك ألمانيا تدوران مع أمريكا وأوروبا لا تختلفان كثيراً عن التوابع! وهكذا تأخرت اليابان (وكذلك ألمانيا) في بعث عسكريتهما سبعة عقود أو يزيد حتى قامت أمريكا بدفعهما لذلك دفعاً.. لكن ولأن هذه الشعوب فيها قدر معتبر من الحيوية فإن بناء هذه الدول لقوتها العسكرية والتي يمكن أن تتحول إلى قوة نووية بشكل سريع سيجعل هذه الدول في المستقبل غير البعيد تشعر بقوتها وعظمتها من جديد، الأمر الذي سيخلق مشاكل حتى لأمريكا نفسها، فيصبح بأسهم بينهم شديداً، ولذلك فإن أمريكا تتابع هذه الاستراتيجية العسكرية في اليابان وألمانيا بعيون لا تُغلق نحوها!

خامساً: إن المتدبر لواقع الدول التي يسمونها كبرى اليوم يجد أنها لا تقيم وزناً للخير أو العدل، فالخير عندها ما يرضي رغباتها حتى وإن كان ذلك شراً على الآخرين، والعدل عندها ما يجعلها تكسب قضايا الآخرين وتهيمن عليها حتى إذا كانت ظلماً فاحشاً لهم، فموازين القيم عندهم بعيدة عن الخير والعدل، وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما كان الفرس والروم يتحكمون في العالم دونما خير ولا عدل، فجاء الإسلام بحقيقة الخير والعدل، فكانت المحجة البيضاء ليلها كنهارها تضيء العالم، وهكذا جاء الحق وزهق الباطل.. والأمر اليوم كالأمر بالأمس لا يصلح إلا بما صلح به أوله بإقامة الخلافة على منهاج النبوة من جديد، ولعل هذا كائن قريباً بإذن الله بعد هذا الملك الجبري كما قال ﷺ: «...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَة عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» ثُمَّ سَكَتَ. أخرجه أحمد والطيالسي. وصدق القوي العزيز ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

في الثلاثين من جمادى الأولى 1444هـ

2022/12/24م

جريدة الراية: ألمانيا واليمين المتطرف

 

جريدة الراية: ألمانيا واليمين المتطرف

 

  4 من جمادى الثانية 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

أعلنت السلطات الألمانية، في 7 كانون الأول/ديسمبر 2022، عن تفكيك شبكة من أنصار جماعة يمينية متطرفة كانت تهدف للاستيلاء على السلطة عبر تنفيذ هجوم مسلح على مبنى البرلمان الألماني والسيطرة عليه، مؤكدة أنها عملية يتم التخطيط لها منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وأعرب الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، عن قلقه البالغ من وصول أفكار المتطرفين إلى هذا المستوى غير المسبوق داخلياً. فيما وصفت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، النشطاء الذين كانوا وراء هذا العمل بأنهم "متحدون في كراهيتهم للديمقراطية وللدولة الألمانية". وقد أُلقي القبض على 25 من أصل 52 مطلوباً من اليمينيين المتطرفين في عملية تمشيط واسعة شملت جميع أنحاء ألمانيا.

وقد أعلن المدعي العام الاتحادي الألماني، بيتر فرانك، أن المشاركين في عملية التخطيط للانقلاب هم من أتباع الأفكار الأيديولوجية لمجموعة "كيو أنون" التي تؤمن بنظرية المؤامرة، وهم من المنتمين إلى تيار "مواطني الرايخ"، وهو تيار ظهر في الثمانينات ولا يعترف بشرعية الدولة الألمانية الحالية، ويرفض أنصاره دفع الضرائب أو الانصياع للشرطة، ويُقدر عددهم الإجمالي بحوالي 20 ألفاً، من بينهم مجموعة صغيرة تُقدر بحوالي ألف شخص أصبحت منظمة للغاية منذ نهاية عام 2021، حيث تمتلك هيكلاً تنظيمياً مركزياً وجناحاً عسكرياً لدى أعضائه تراخيص بامتلاك الأسلحة. وقد ضمّت هذه الشبكة نبلاء وجنود نخبة سابقين وامرأة روسية ونائبة سابقة من اليمين المتطرّف.

وأضاف مدير مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية لشبكة "آ ار دي" الإعلامية العامة إن المجموعة "تتكون من مزيج خطير من الأشخاص الذين يتبنون معتقدات غير عقلانية، بعضهم لديه الكثير من المال، والبعض الآخر يمتلك أسلحة ولديهم خطة أرادوا تنفيذها... وهذا هو سبب الخطورة ولذلك تدخلنا". من جهته، قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إنه "قلق للغاية" بشأن المؤامرة واعتبر أن الموضوع وصل إلى "مستوى جديد".

وقد شارك في العمليات التي نُفذت في ساعة مبكرة صباح الأربعاء أكثر من ثلاثة آلاف عنصر بينهم وحدات النخبة لمكافحة الإرهاب، قاموا خلالها بتفتيش أكثر من 130 عقاراً، قالت بشأنها وسائل إعلام ألمانية إنها واحدة من أكبر عمليات الشرطة التي شهدتها البلاد.

ولا زالت الكثير من القضايا طي البحث والكتمان إذ تتعلق هذه القضية بالأمن القومي وتتجاوز آثارها حدود ألمانيا فلا زال الحديث حول بعض النقاط سابقا لأوانه، ولكن هناك نقاط يمكن إلقاء الضوء عليها:

أولا: أثبتت هذه الحادثة أن الأفكار لا تموت إلا من خلال العملية الفكرية ببيان فسادها وخطئها ولا يكون التغيير من خلال الخوف والاعتقالات كما تفعل الدول حاليا فهذه الأفكار بحاجة إلى معالجة وصراع فكريين ويتطلب أيضا وجود فكرة بديلة صحيحة يُراد إيجادها عند الآخرين خاصة وأن هذه الأفكار هي متجذرة في عقلية الألمان وتفوّق العنصر الآري والنظرة النازية التي سببت الحروب العالمية وتحمل نظرة إكبار في عقلية هؤلاء لذا كان تغيير سلوك الإنسان متعلقاً بتغيير مفاهيمه وأفكاره وإيجاد مفاهيم أخرى بديلة له. ورد في كتاب نظام الإسلام (والطريقُ الوحيدُ لتغييِر المفاهيمِ هُوَ إيجادُ الفكرِ عَنِ الحياةِ الدنيا حتَّى تُوجَدَ بواسطتِهِ المفاهيمُ الصحيحةُ عَنْهَا. والفكرُ عَنِ الحياةِ الدنيا لا يتركَّزُ تَرَكُّزاً مُنْتِجاً إِلاّ بعدَ أَنْ يُوجَدَ الفكرُ عَنِ الكونِ والإنسانِ والحياةِ، وعمَّا قبلَ الحياةِ الدنيا وعمَّا بعدَها، وعَنْ عَلاقتِها بما قبلَهَا وما بعدَهَا، وذَلِكَ بإِعطاءِ الفكرةِ الكُلِّيَةِ عمَّا وراءَ هذَا الكونِ والإنسانِ والحياةِ. لأنَّها القاعدةُ الفكريةُ التي تُبْنَى عليْهَا جَميعُ الأفكارِ عَنِ الحياةِ. وإِعطاءُ الفكرةِ الكليةِ عَنْ هذِهِ الأَشْيَاءِ هُوَ حَلُّ العُقْدَةِ الكُبْرى عِندَ الإنسانِ. ومتى حُلَّتْ هذه العقدةُ حُلَّت باقِي العُقَدِ، لأنها جزئيةٌ بالنِسْبَةِ لَهَا، أَوْ فُروعٌ عَنْها. لَكِنَّ هذا الحلَّ لا يُوصِلُ إِلى النَّهضةِ الصحيحةِ إلا إذا كانَ حلاً صحيحاً يوافِقُ فِطْرَةَ الإنسانِ، ويُقْنِعُ العقلَ، فَيَمْلأُ القَلبَ طُمَأْنِينَةً.)

ثانيا: ما حدث في ألمانيا أمر خطير جدا لأن هذه الأفكار مفاهيم أعماق تثور وتطفو إلى السطح بشكل كبير إذا أثيرت من خلال الأحداث أو إثارتها مع الناس بالحديث، فالقضية ليست في كم عدد أفراد هذه المنظمات وإنما القضية هي وجود هذه الأفكار في حاضنة مجتمعية قابلة لها، بل بنمو اليمين المتطرف في كل أوروبا، فالحاضنة ليست داخل ألمانيا بل داخل أوروبا قاطبة صاحبة فكرة الدولة القومية، ومن تربتها نشأت تلك الأفكار المنحطة والروابط الفاسدة، فكيف إذا كانت هذه الأفكار لم تعالج فكريا ولها عمق تاريخي في وجدان بعض الشعوب ولها من يثيرها بشكل واضح وكبير فضلا عن الأحداث السياسية وتداعياتها على أوروبا والعالم كله، فأحداث روسيا وحرب أوكرانيا زادت من أثرها على تنامي اليمين المتطرف، وأحداث ضعف كيان الدول الأوروبية وانكشاف عورتها وضعفها والوضع الاقتصادي المتردي ونسب البطالة والوضع المعيشي الصعب والخطير وكلفة المعيشة، كلها جعلت من هذه الأفكار لها أذن في الشعوب الأوروبية.

والأمر الأخطر من هذا كله هو انعدام السياسيين والمفكرين وانعدام وجود فكرة مبدئية إنسانية جامعة بل الأفكار القومية ذات الصراع المرير والحروب والطائفية العرقية، وتاريخ أوروبا شاهد على كل هذا؛ فأوروبا هي والعالم كله لا تملك فكرة مبدئية صحيحة تستطيع أن تجتث الأفكار القومية والعرقية والأنانية وتعظيم الذات لشعب دون شعب ونظرة الفوقية اللهم إلا الإسلام المبدأ الرباني الصحيح الذي آخى بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وحمزة العربي وسلمان الفارسي، لذا كانت معضلة أوروبا ومنها ألمانيا خطيرة وكبيرة وإن استطاعت ألمانيا بالاعتقالات والخوف تخفيف حدة الآثار لكن المستقبل القريب لا يبشر لها بخير طالما أن هذه الأفكار متجذرة في قلوب الألمان وطالما الوضع السياسي القاسي واضطرار ألمانيا لمحاولة وقف الرعب الروسي متناغمة مع أهداف أمريكا لكبح جماح روسيا لا بد لليمين من استحضار التاريخ القريب ولا بد من إثارة القوميات والنعرات والتي أثيرت فعلا وخرجت من جحورها، وما تنتظره ألمانيا وأوروبا من مستقبل غامض ومخيف لا قدرة لهم على آثاره لذا كانت هذه الأحداث لا تقرأ بمعزل عن محيطها وتاريخها وأثرها وتأثرها بما يثيرها وهي كثيرة.

والخلاصة، إن البشرية لن تنعم بالأمان والسلام إلا من خلال مبدأ إنساني صحيح رباني المصدر ليخرج البشر من ذواتهم إلى عدالة السماء، وهذا لن يكون إلا بالإسلام ممثلا بدولته دولة الخلافة الراشدة.

بقلم: الأستاذ حسن حمدان

جريدة الراية: معركة دساتير السودان في ميزان الإسلام

 

جريدة الراية: معركة دساتير السودان في ميزان الإسلام

 

  4 من جمادى الثانية 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

يعرف الدستور بأنه القانون الأساسي للدولة، والذي يحدد نظام الحكم، وشكله، وأجهزته، كما يحدد الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، لذلك كان لا بد للمسلمين، خاصة بعد هدم الخلافة، أن يوجدوا دستورا يعيد الحياة الإسلامية إلى الأمة، بعد أن تغير نظام الحكم فيها من نظام الخلافة إلى النظام الرأسمالي بأشكاله؛ ملكي، أو ديمقراطي، أو عسكري، حيث يلاحظ أن الكافر المستعمر يحرص على إشغال الأمة بدساتير فاسدة، لكل بلد من بلاد المسلمين، يركز من خلالها، ويكرس بقاء النظام الرأسمالي وأحكامه وأنظمته، حتى يضمن بقاء الأمة بعيدة عن نظام الإسلام وأحكامه في حياة إسلامية كريمة، وهذا بالتحديد ما يجري في السودان الآن قبل وعقب الإطاحة بنظام الإنقاذ البائد.

وما يهمنا الآن هو الأخذ والرد، بل التشاكس والتناطح بين الأطراف المتصارعة، من عسكر ومدنيين، حيث جاؤوا بالوثيقة الدستورية في العام 2019م، التي لم تقو على البقاء، فكفر بها أصحابها، فانقلب البرهان على منافسيه المدنيين وأعلن عما سماه بالإصلاح، وعدل في وثيقتهم تلك، ثم أعاد عبدَ الله حمدوك مرة أخرى وعينه رئيساً للوزراء، ثم انفضت الشراكة بينهما مرة أخرى في كانون الثاني/يناير 2022م، فانفرد البرهان بالسلطة، متحكما في مفاصل الثروة كذلك، هو ورجاله من العسكر، وهو يحاول منذ انقلابه أن يعيد حمدوك والأخير يرفض التسوية.

ولما كان الدستور هو أحد الأسلحة في الصراع بين العسكر والمدنيين، فقد اتخذه حمدوك عصا غليظة ليغير بها من هيكلة الجيش، وللسيطرة على القرار السياسي فينفرد بالحكم لصالح أسياده الإنجليز، ويقصى العسكر الموالين لأمريكا، فأدت خطواته تلك إلى الانقلاب عليه.

وعقب انقلاب البرهان الأخير، تطورت الأمور فقدمت لجان المقاومة ما يعرف بـ(ميثاق تأسيس سلطة الشعب) في كانون الثاني/يناير، تعديل آذار/مارس 2022م، فلم يجد أذنا صاغية.

ثم قامت نقابة تسييرية المحامين، ومن ورائهم قوى الحرية والتغيير بطرح وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2022م من 77 مادة، أبرز ما فيها أنهم حددوا السودان دولة ديمقراطية فيدرالية وأنها دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان و(كريم) المعتقدات، أشاد به سفراء الدول الاستعمارية وبخاصة أمريكا وبريطانيا.

ثم قام أتباع البرهان باسم نداء أهل السودان وطرحوا مشروع دستور السودان الانتقالي للعام 2022 من 108 مادة، حددوا فيه طبيعة الدولة بأنها جمهورية لا مركزية الحكم، وقالوا في باب مصادر التشريع إن الشريعة الإسلامية وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده الكريمة مصدر للتشريع.

فكلا الدستورين يتفقان على فيدرالية الدولة مقرونا بالتأكيد على اتفاقية جوبا للسلام التي تنص على جعل قضايا الناس جهوية عبر مساراتها الخمسة مع تقسيم أهل البلد على أنهم شعوب متعددة الأعراق والثقافات (رغم أن 98% منهم مسلمون)، جعلوا لكل إقليم مساراً منفصلاً عن الآخر، لا باعتبار إنسانيتهم، ولا أنهم أهل بلد واحد، تمهيدا للفيدرالية التي تؤدي حتما للانفصال عن بعض، كما حصل في حكومة الإنقاذ التي فصلت جنوب السودان.

يقر الدستوران بإقامة انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية لإيجاد رئيس يكون فرعوناً جديداً له صلاحية التشريع ومجلس تشريعي، بصلاحيات رب العزة التي اختص بها ذاته العلية، حيث قال جل من قائل: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وذلك لإرضاء سادتهم سفراء أمريكا وبريطانيا ومن لف لفهم.

كما تؤكد هاتان المسودتان على الانصياع الكامل لصندوق النقد والبنك الدوليين؛ أداتي الاستعمار، للهيمنة على ثروات السودان والسيطرة على أنظمة الاقتصاد، ومن ثم تبعيتها السياسية، في موقف لا يقدم عليه إلا خائن عميل بعدما تكشفت للناس نتيجة تطبيق إملاءات الصندوق والبنك الدوليين.

وخلاصة القول، إن الدساتير المقدمة لمعالجة قضايا السودان هي في حقيقتها لتحقيق أهداف المستعمر وخططه المرسومة للسودان، وهي كما يلي:

أولاً: يصارع كل فريق (المدنيون والعسكر)، ويسعى من خلال الدستور، لتثبيت نفوذ أسياده، وتمكينهم من استعمار السودان، والهيمنة على ثرواته لصالح الشركات العابرة للقارات.

ثانياً: يحرص كل فريق على تبني النظام الرأسمالي الديمقراطي، ولا يخرج من الخط المرسوم لمحاربة الإسلام وأحكامه وتشريعاته في كافة مناحي الحياة.

ثالثاً: يحرص كل فريق أن يؤكد لسيده حرصه على السير في مخطط تفتيت السودان إلى دويلات فيدرالية تسهل السيطرة عليها وتسخير أهلها خدماً فيما بعد لصالح شركات النهب الرأسمالية الكبرى.

وختاماً أقول، يا أهل السودان، إن مشروع دستور الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، مشروع الدولة الإسلامية، الذي يقدمه حزب التحرير، لهو البلسم الشافي لجراحات الأمة، وهو الطريق للتخلص من التبعية للغرب الكافر، وهو طريق العزة والكرامة للحفاظ على أعراض المسلمين، وصون كرامتهم، وهو الكفيل برد الأمر والحكم لله ورسوله ﷺ صدقا وعدلاً لا كذبا وتلبيسا، إذ ينص على جعل العقيدة الإسلامية وحدها أساساً للحكم والدولة والدستور والحقوق والواجبات، بحيث لا يتأتى وجود شيء في الدولة إلا على أساسها، وفصل ذلك في 191 مادة يجد فيها السائل والطالب الجواب الشافي، وعرض أدلة كل مادة والأسباب الموجبة لها في مقدمة تشرح ذلك، وقد بذل ذلك للمسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، فهل بعد ذلك من عذر للدعوة لأنظمة الكفر ديمقراطية كانت أو عسكرية؟!

بقلم: الأستاذ ناصر رضا

رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان

جريدة الراية: حمل الإسلام إلى العالم فرض غائب

 

جريدة الراية: حمل الإسلام إلى العالم فرض غائب

 

  4 من جمادى الثانية 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

قبل وبعد انطلاق مونديال قطر 2022، ادعى المدعون أن هذا الاجتماع الهائل للمشجعين والسواح من شتى بلاد العالم بما فيها الفرق بلاعبيها وطواقمها الفنية والإدارية، لهو فرصة عظيمة لعرض الإسلام على غير المسلمين منهم.

إن الدولة القطرية صرفت 220 ملياراً من الدولارات في هذا اللهو المنظم، وأوضحت التقارير أن العائد المتوقع هو فقط 9 مليار دولار، فهكذا تهدر أموال الأمة، عندما يبعد الإسلام عن الحكم. ولم تكتف قطر بذلك بل التزمت بمعايير السياحة العالمية، والمعلوم أن الكفار غير ملتزمين بدين بل هم أهل لكل أنواع الفجور. وأين ذلك؟ في بلد إسلامي حكمه الصحابة الكرام ورفعت فيه راية الحق! وكم كان الوضع مخالفا لفطرة الإسلام عندما استاء صبي مسلم في قطر من الوضع قائلا، "اللي يجي هنا يدخل جهنم سبّاحي"، وما كان تعليقه هذا إلا تعبيرا عن إيمان الأمة العميق الذي يمنع الفجور، بل يعمل على نشر الطاعة والتقوى، فلا زنا ولا شذوذ أكرمكم الله ولا تعري ولا خمور ولا اختلاط، ولا غيرها من المنكرات.

هذه الكيفية التي ادعى فيها المدعون بأنها تساعد على نشر الإسلام بسماع غير المسلمين للأذان والقرآن وللدعاة، هو قول هراء، بل هو سلب على فهمهم للإسلام الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، لأن الذي أمرنا به الإسلام والكيفية الصحيحة هو أن نجعلهم يعيشون في كنف الإسلام وعدله وطهره ونقائه حتى يكون العيش طيبا لا خبيثا كما يحدث في قطر، ففكرة أن يكون الفجور إلى جانب الطاعة، والمسجد بجوار الكنيسة، والباطل مجاورا للحق بل مسنودا بالقانون، هي فكرة غربية، فكرة كفر، وليست فكرة إسلامية. بل هي التي يدعو لها الغرب الكافر، وتتبجح بها أنظمة الحكم في بلاد المسلمين من تركيا شمالا ومرورا بلبنان ووصولا إلى قطر وغيرها.

إن إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام فرض غاب عن أمتنا سنين طوالا، وله كيفية شرعية لا يجوز تعديها، فقد قال الله عز وحل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ وقال ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

إن فرضية حمل الإسلام رسالة إلى العالم قام بها رسول الله ﷺ ومعه الصحابة الكرام على سبيل الوجوب. فقد منح الله عز وجل هذه الأمة فضلا عظيما بأن جعلها شاهدة على الأمم، وحتى تقوم بهذه المهمة جعلها الله أمة عدلا خيارا، حتى يتسنى لنا الشهادة على الناس، فالشاهد لا بد أن يكون عدلا، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. وكان من خيرية هذه الأمة أن بعض الأنبياء السابقين لم يكن لهم شهود أنهم أبلغوا أقوامهم بدعوة الإسلام فتشهد أمتنا، أمة محمد ﷺ، لهم أنهم بلغوا الرسالة، لأننا جزمنا بالقرآن وبأن الأنبياء أبلغوا رسالات ربهم، وبعد هذه الشهادة تستحق هذه الأمم التي كذبت العذاب والعقاب. وهذا منتهى العدل، فلا بد من بينة لتثبيت العقوبة، يقول سبحانه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾. إن الرسول عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم، وبعده فإن مهمة تبليغ الرسالة مستمرة فنحن داخلون في قوله تعالى، ﴿حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ فالامر واجب أن يستمر بعد انتقال الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، ولنتفكر في قول ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد جيوش الفرس، عندما سأل من أنتم وما الذي أتى بكم؟، فرد قائلا: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

فنحن أمة مبعوثة من الله عز وجل لنشر الإسلام، فمن استجاب فهو خير له، ومن لم يستجب فهو خزي له ونحن شهود عليه معتمدون من الله عز وجل، ولكن، لقد جعل الشرع القيام بهذه المهمة أمرا منضبطا ودقيقا لا تجوز مخالفته، وذلك أننا مأمورون أن نفتح هذه البلاد وأن نحكم أهلها بعدل الإسلام حتى يروا الإسلام وشعائره وعدله وخيره فيدخل الناس في دين الله أفواجا.

نعم لقد كان رسول الله يحزن لموت الكفار إذا لم يدخلوا في الإسلام، بل قال جل في علاه عن همّ المصطفى عليه السلام في سورة الكهف: ﴿فلعلك باخع نفسك على اثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا﴾. يكاد رسولنا عليه الصلاة والسلام أن يقتل نفسه من شدة الهم على الذين لم يؤمنوا، هذه النفسية والعقلية يجب أن تكون نفسيتنا وعقليتنا، فالآن يوجد في العالم 6 مليار كافر يجب أن ندعوهم إلى الإسلام بشكل لافت، ويجب أن تكون قضيتنا في الحياة هذه القضية، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾، ومن الطبيعي أن تقوم الدول المبدئية بنشر مبدئها، فهذا الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون عندما تولى الحكم قال "رسالتي نشر الرأسمالية والديمقراطية في العالم"، وجورج بوش الابن عندما بدأ حرب احتلال أفغانستان، قال "إنهم يريدون تغيير طريقتنا في العيش"، إذن فهم لهم رسالة ولكنها في الباطل، أما عملنا إلى العالم فهو فرض ولكنه غائب!

وسبب الغياب هو أن كل الأنظمة الحالية في بلاد المسلمين ليست قضيتها نشر الإسلام بل نشر الرأسمالية والعلمانية، ولننظر إلى هذا الحدث قبل سنوات عدة؛ مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر عندما قامت المذيعات في القناة بارتداء الزي الشرعي تم فصله من إدارة القناة، وما زالت القناة تنشر العلمانية وتطبع مع كيان يهود وتبث سموم الغرب بإعلامها الزائف من قطر تعطي الطاقة المحركة لكيان يهود لضرب المسلمين، ومن قاعدة السيلية ضربت العراق وغيرها، وهذا ينسحب إلى كل بلاد المسلمين حيث توالي الأنظمة الكافر المستعمر ولا تحمل الإسلام إلى العالم. ومن ذلك ما قاله ملك السعودية الأسبق عبد الله "إن رسالة آل سعود هي تحقيق الرفاه للشعب السعودي"!!

إن هذا الفرض غاب لغياب الدولة التي تطبقه وتحمله، والقاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فهذه الأنظمة ليست رسالتها الإسلام، وإنما الدولة التي رسالتها حمل الإسلام بعد تطبيقه ليست هي دولة أميرية ولا ملكية ولا ديمقراطية جمهورية ولا ديكتاتورية عسكرية، بل دولة هدمها الكافر المستعمر بعد تأسيس الرسول عليه الصلاة والسلام لها مع الصحابة الكرام، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا»، وقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».

بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن تنديلي ولاية السودان

جريدة الراية: متفرقات الراية – العدد 423

 

جريدة الراية: متفرقات الراية العدد 423

 

  4 من جمادى الثانية 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

أصبح الواجب على أهل الشام بعد إدراكهم حقيقة نظام تركيا أردوغان، وحقيقة مساعيه الرامية لإجهاض ثورتهم المباركة، أن يعملوا جاهدين لتوحيد جهودهم وتركيزها للتخلص من تبعيته وسيطرته على القرار السياسي والعسكري للثورة؛ لأنه قطعا يقودها نحو الهاوية، كما يجب عليهم أن لا يسمحوا لأحد بالمتاجرة بتضحياتهم فثورة الشام ليست ثورة فصائلية وتضحيات أهلها ليست للبيع، وأهل الشام هم الوحيدون الذين سيدفعون ثمن سكوتهم وصمتهم عن عملية إجهاض الثورة.

===

المنظمات غير الحكومية وتآمرها على المسلمين

كشف وزير الداخلية اللبنانية السابق محمد فهمي في مقابلة على قناة الجديد ضمن برنامج "الرئاسة"، وفي خبر منقول على الموقع الإلكتروني للقناة في 2022/11/13 ونقلته مواقع إخبارية عدة "أنَّ الساحة اللبنانية مخترقةٌ من أجهزة مخابرات دولية من خلال بعض المنظمات غير الحكومية التي يربو عددها في لبنان حولي 11500 جمعية! نصفهم يعمل تحت أجنحة أجهزة مخابرات دولية، ضد لبنان... هذه معلومات مؤكدة".

وعليه قال بيان صحفي للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان: لبنان منذ أسسته فرنسا وفصلته عن الأمة لم يعرف الاستقلال ولا السيادة ولا الحرية بل الاحتلال والاستعباد والحروب؛ فها هو أضحى من البلاد الغنية بالنفط والغاز لكن ينتظر أمريكا للسماح له باستخراجه! وفي الوقت ذاته ينهار اقتصادياً وينتظر الحلول الغربية عبر ثعبان صندوق النقد والبنك الدوليين، وفيه شغورٌ رئاسيٌّ وينتظر التعيين من الخارج، بل من أمريكا وسفارتها في لبنان!

وأضاف البيان: مفهوم الدولة في لبنان معدومٌ في كل شيء إلا في إنجاز ترسيم الحدود مع كيان يهود، والتنازل له عن ربع ثروة لبنان المائية 2500كم2، وعن مليارات الأمتار المكعبة من الغاز، وعِلاوةً على ذلك حماية أدعياء المقاومة لحدوده، ليس من اليوم بل منذ حرب تموز 2006 وتوقيع اتفاق 1701؛ ومفهوم الدولة معدومٌ في كل شيء إلا في حربها ضد المسلمين والزج بهم في السجون بدون محاكمات وبتهم باطلة لسنوات وسنوات، وفي فرض الضرائب على الناس ورفع رسوم المعاملات، وفي ترك حاكم المصرف يرفع ويخفض العملة ليس بقوانين ومراسيم بل بمجرد تعميمات، وفي ملاحقة المسلمين من أهل سوريا، والسكوت عن التعدي على أطفالهم وعائلاتهم الذين لجؤوا إلى أشقائهم في لبنان فراراً من نظام أسد المجرم.

وتابع البيان مخاطبا المسلمين في لبنان: إنَّ هذه الجمعيات المشبوهة والخبيثة هي جزءٌ من الحرب على الإسلام وأحكامه، والهجمة الآن شرسةٌ على دينكم وأعراضكم وأُسركم، فكونوا حيث أمركم الله عز وجل وقفوا بوجه الباطل وأزهقوه، بقيادة حملات الفضح والتوعية والتحدي السافر لهذه الجمعيات وتوجهاتها. إنَّ هذه الجمعيات تدعو للرذيلة والفواحش كفاحشة قوم لوط، والشذوذ المسمى مثليةً جنسيةً، والزواج المدني، وتستغل ضائقتكم الاقتصادية لتشتري ذممكم بالعملة الصعبة، خاصةً بين الشباب والشابات والفعاليات المؤثرة، فلا تغرنكم أموالهم ولا شعاراتهم الكاذبة الزائفة كحقوق المرأة والطفل، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحرية والديمقراطية وغيرها التي أورثت بلادهم ما ترون. وتنبهوا لمصطلحاتهم الخبيثة مثل الجندرة والنوع (الاجتماعي) والتنميط والأنماط الأسرية، التي تريد أن توجد أنواعاً غير التي جعلها الله تعالى، ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾، فهم يعملون على فرض طريقة عيشهم عليكم، وجلب مصائبهم إلى بيوتكم، ثم انتهاك أعز ما عندكم من أعراض وحرمات؛ فلا تنخدعوا بهم وقفوا بوجههم معنا وافضحوهم للرأي العام حتى يندحروا من بيننا.

وختم البيان الصحفي: ونبشركم أنَّ دولتكم القائمة قريبا بإذن الله؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ستريكم الاستقلال الحقيقي والسيادة العليا والانعتاق من أية تبعية إلا لله تعالى ورسوله ﷺ، وتريكم معنى الدولة الحقيقية بمعالجة مشاكلكم ورعاية شؤونكم بغض النظر عن الدين والعرق والمذهب، وستجعل تلك الجمعيات المخابراتية الدخيلة السرطانية أثراً بعد عين وعبرةً لأولي الأبصار؛ فكونوا مع الحريصين عليكم وعلى دينكم وأعراضكم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

===

الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قائمة قريبا بإذن الله

وسيخسر هنالك المبطلون

إن أمر الخلافة أمر كبير، وشأنها شأن عظيم، ومقامها مقام سامٍ؛ لذا حاولت أمريكا والغرب معها تشويه صورتها من خلال استغلال ممارسات بعض الجماعات التي لا علاقة لها بالإسلام، حتى ينفض المسلمون عن العاملين المخلصين لإقامة الخلافة، ولكن هيهات هيهات، فالخلافة وعد الله تبارك وتعالى، وبشرى رسوله ﷺ. حيث قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِ‌كُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ‌ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وروى الإمام أحمد عن النعمان بن البشير رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضاً، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثمَّ سَكَتَ».

===

كتلة الوعي في جامعة أبو ديس تنظم نقطة حوار

قامت كتلة الوعي في جامعة القدس - أبو ديس - يوم الثلاثاء 2022/12/13م، بعقد نقطة حوار بعنوان "العلمانية والليبرالية هي التي تحط من شأن المرأة وقدرها"، تخلل ذلك تعليق راية النبي ﷺ في أرجاء الجامعة وكذلك توزيع مجموعة من الكتب على الطلاب مثل كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام، الديمقراطية نظام كفر، نقض الفكر الغربي الرأسمالي.

وقد ناقشت الكتلة مع الطلاب أفكاراً كثيرة منها:

١- أن المرأة هي الأم والأخت والابنة التي يجب أن نحافظ عليها.

٢- لماذا يتم استغلال المرأة في الترويج للمنتجات التجارية؟!

٣- سبب شقاء الإنسان والمرأة هو العلمانية والديمقراطية.

٤- لماذا يصرون على قوانين مشبوهة ومدعومة من المستعمرين، مثل قانون حماية المرأة واتفاقية سيداو؟

٦- الإسلام بتطبيق أحكامه في دولة الخلافة هو الحل لكافة المشاكل التي تواجه المرأة بل والبشرية جمعاء.

===

بعثات الاتحاد الأوروبي في السودان

تعمل على صناعة عملاء يحملون فكر الغرب ومفاهيمه

أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم عن تقديم حزمة بقيمة 15 مليون يورو يخصص منها 5 ملايين يورو لدعم الشباب العاملين في التحول الديمقراطي والسلام، مطالباً السودان بإظهار التزامه بحقوق المرأة من خلال التوقيع على اتفاقية (سيداو)، وفي هذا الصدد، قال بيان صحفي للناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان الأستاذ إبراهيم عثمان (أبو خليل): إن بعثات الاتحاد الأوروبي هي إحدى المؤسسات الاستعمارية التي تعمل في السودان وغيرها من بلاد المسلمين، من أجل صناعة عملاء يحملون فكر الغرب ومفاهيمه، لذلك يركزون على الشباب وبخاصة النساء؛ لأن الشباب دائماً هم القوة الدافعة للتغيير. وحتى يحكموا قبضتهم على بلادنا، ويحولوا بين الشباب وبين التغيير الحقيقي فهم يعملون بجد ويدفعون الأموال من أجل صرفهم عن جادة الطريق، ليسيروا على طريق الضلال الغربي، ويساعدهم في ذلك حكام رويبضات، باعوا دينهم مقابل دولارات ويوروهات، وفتحوا البلاد على مصراعيها لمثل هذه البعثات لتعبث بشباب ونساء هذه الأمة. وأكد البيان: إن هذه البعثة الخبيثة تطالب الحكومة بالالتزام والتوقيع على سيداو، اتفاقية العهر والشذوذ، الاتفاقية التي تريد للأسر المسلمة أن تتفكك كما تفككت أسرهم في الغرب. وهي كذلك تدفع المال للشباب لتجعلهم أسرى لمنظومة الغرب التي تجعل فصل الدين عن الحياة عقيدة لهم، فتسلخهم عن إسلامهم ليكونوا هم حكام المستقبل لهذا البلد. ولكن هيهات هيهات، فكما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.

===

درعا تنتفض رفضاً للمصالحات

والفصائل في المحرر مشغولة بتدشين الملاعب والساحات!

وفقا لنشرة الأخبار ليوم السبت من إذاعة حزب التحرير/ ولاية سوريا 2022/12/24م خرج الأهالي في مدينتي جاسم وداعل بريف درعا، يوم الجمعة، بمظاهرات طالبت بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين. وقالت مصادر محلية، إن العشرات من أبناء مدينة جاسم شمالي درعا خرجوا بمظاهرة عقب صلاة الجمعة، هتفوا بإسقاط نظام أسد وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين من سجون النظام، وطرد المليشيات الإيرانية. وأضافت المصادر أن عناصر الأمن العسكري في المركز الثقافي، أطلقوا النار في محاولة لتفريق المظاهرة. وأكدت المصادر خروج العشرات في مدينة داعل بريف درعا الأوسط، بمظاهرة نادت بإسقاط النظام وطالبت بالإفراج عن المعتقلين، كما نددت بانتهاكات جهاز المخابرات الجوية في المنطقة. وفي الوقت الذي تنتفض فيه درعا رفضاً للمصالحات وتطالب بإسقاط النظام وتحرير المعتقلين والمعتقلات؛ فإن المنظومة الفصائلية في إدلب والمحرر تتجهز للمصالحة مع النظام من خلال مهادنته وفتح المعابر معه ومنع أي معركة عليه وسجن كل ثائر وناشط ومجاهد ومهاجر يريد إسقاطه، وإلهاء الناس بالتدشينات اليومية من دوارات وساحات وملاعب؛ في الوقت الذي لا يجد أهل المحرر قوت يومهم بسبب غلاء الأسعار والاحتكار والضرائب والمكوس المفروضة عليهم من قبل حكومات الأمر الواقع.

===

حكام المغرب يكافئون يهود على جرائمهم

بمزيد من اتفاقيات التطبيع!

وافق مجلس المستشارين المغربي بالأغلبية على اتفاقيتين مع كيان يهود حظيتا بتأييد 167 عضوا، فيما عارضهما 15. وتهدف الاتفاقية الأولى إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين المغرب وكيان يهود، واتخاذ جميع الخطوات اللازمة من أجل ذلك، كما نصت على إزالة جميع الحواجز أمام العلاقات الاقتصادية الطبيعية بين الطرفين، بما يشمل القوانين أو الأنظمة أو الإجراءات التمييزية. وتهدف اتفاقية الخدمات الجوية بين المغرب وكيان يهود إلى تنظيم عمليات الرحلات الجوية بين الطرفين.

عقب على ذلك تعليق صحفي نشره المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين على مواقعه بقوله: من الواضح أن حكام المغرب والوسط السياسي العفن، عملاء الإنجليز، مصرون على تقديم قرابين الولاء والمحبة لأعداء الأمة دونما اكتراث بحرمة ذلك ورفض الأمة لذلك وهو ما بدا جليا واضحا رصده مراسلو القنوات العبرية في قطر إبان فترة المونديال.

وتابع التعليق: فحكام المسلمين في المغرب وتركيا وقطر والإمارات والأردن والسودان والبحرين ومصر وغيرها يواصلون تقديم الخدمات ونسج العلاقات مع كيان يهود رغم حالة الاستنكار الظاهرة والعارمة من الأمة، ورغم مشاهدة الحكام لطغيان يهود وتماديهم في المزيد من الجرائم اليومية بحق أهل فلسطين، نساء وأطفالا وشيوخا، وبحق الأقصى ومقدسات فلسطين. وكأن هؤلاء الحكام يكافئون يهود وقادتهم على ما يقترفونه من جرائم يومية وعلى نواياهم وبرامجهم التي يعلنون عزمهم تنفيذها في قابل الأيام.

وختم التعليق: حقا إن الحكام هم سند يهود وهم حماة كيانهم الخبيث وما من سبيل لتحرير فلسطين إلا ويمر عبر خلع الحكام من عروشهم أولا.

===

المسلمون دمهم واحد وعرضهم واحد

قال رسول الله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ»، وقال ﷺ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».. تكلم هنا عن كل المؤمنين باختلاف جنسياتهم وأعراقهم وألوانهم ومكان سكناهم ولم يخصص منطقة أو بلداً أو لوناً، فالمسلمون في سوريا وفلسطين وبورما وأفريقيا الوسطى وأوزبيكستان وكشمير والصين والهند دمهم واحد وعرضهم واحد، وكما انتصر المسلمون يوما لصرخة امرأة أو بكاء عجوز أو استغاثة رجل في بقاع العالم المختلفة بغض النظر عن جنسيته أو لونه أو عرقه لما كانت دولتهم واحدة وخليفتهم واحداً يرعاهم ويدافع عنهم، فسينتصرون لهؤلاء المستضعفين ويدافعون عنهم وينتقمون ممن ظلمهم، عندما تعود هذا الدولة؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قريبا بإذن الله، والتي ستطبق حديث رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُونَ تتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ».

===

المصدر:جريدة الراية

Monday, December 26, 2022

جريدة الراية: جواب سؤال: الاتفاق الإطاري في السودان

 

جريدة الراية: جواب سؤال: الاتفاق الإطاري في السودان

 

  27 من جمادى الأولى 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

السؤال: بثت عبر وسائل التلفزة والإعلام في السودان يوم 2022/12/5 مشاهد توقيع اتفاق إطاري في القصر الجمهوري بين الجيش يمثله قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي ونائبه، وبين 52 حزبا وتكتلا سياسيا يمهد الطريق لحكومة انتقالية لمدة عامين نحو الانتخابات العامة، وذلك برعاية دولية وخاصة من قبل أمريكا وبريطانيا وممثل الأمم المتحدة الذي عمِل عمَل المخرج لهذا الاتفاق بصورته التي وقع عليها. ومع ذلك، فإن هناك معارضة لهذا الاتفاق وخرجت مظاهرات يومي 8 و2022/12/9 ضد الاتفاق. فماذا يعني هذا الاتفاق؟ ومن المستفيد منه؟ وماذا عن المعارضة للاتفاق؟ وهل متوقع له الدوام؟

الجواب: لكي نتبين الإجابة على هذه التساؤلات نستعرض الأمور التالية:

أولاً: من نصوص الاتفاق:

1- نص الاتفاق في الجزء الأول منه على أن "السودان دولة متعددة الثقافات والإثنيات والأديان" علما أن أهل السودان بنسبة أكثر من 96% يعتنقون الدين الإسلامي، وبالتالي يكون دينهم واحداً وثقافتهم واحدة مهما تعددت قبائلهم. فالاتفاق تحايل وخداع لإبعاد الإسلام عن الحياة وعن وجوب تطبيقه في الحكم والاقتصاد والتعليم والنظام الاجتماعي ونظام العقوبات والسياسة الداخلية والخارجية والحربية والصناعية وكافة أمور الحياة للأفراد والمجتمع. ولهذا ورد في الاتفاق أن: "السودان دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية برلمانية، السيادة فيها للشعب وهو مصدر السلطات" وذلك كله مخالف للإسلام حيث يجعل السودان دولة مدنية، أي دولة علمانية تفصل الدين عن الحياة، وديمقراطية تجعل حق التشريع للبشر، فلا تجعل السيادة للشرع ومصدره القرآن والسنة، وتجعل الدولة فيدرالية وهو نظام حكم مخالف للإسلام ويجعل الدولة قابلة للتجزئة، ويجعل أقاليمها قابلة للانفصال كما حدث في جنوب السودان! ويبدو أن هذا الاتفاق مقصود منه إبعاد أي أثر للإسلام في السودان فقد ورد فيه: "لا تفرض الدولة دينا على أي شخص وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشؤون الدينية وشؤون المعتقد والضمير. وتكفل الحريات والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان الدولية خاصة مواثيق حقوق النساء"، أي هذه القوى التي صاغت الاتفاق تعمدت إبعاد الإسلام عن المسلمين في هذا البلد المسلم.

2- ونص الاتفاق في الجزء الثاني منه على: "تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة.. وللدولة رئيس بمهام شرفية.. ثم مستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الاتفاق إضافة إلى مجلس تشريعي وآخر للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء ويضم قادة الأجهزة النظامية وحركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا". وينص على أن: "ينأى الجيش عن السياسة وعن ممارسة الأنشطة الاقتصادية والتجارية الاستثمارية، وأن تدمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش وفقا للترتيبات التي يتم الاتفاق عليها لاحقا في مفوضية الدمج والتسريح ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري يقود إلى جيش مهني وقومي واحد". وينص على: "تنفيذ اتفاق سلام جوبا.. واستكمال السلام مع الحركات المسلحة غير الموقعة". وينص على "إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، تحت إشراف مفوضية صناعة الدستور للحوار والاتفاق على الأسس والقضايا الدستورية وبمشاركة كل أقاليم السودان". وينص على: "تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهرا تبدأ من تاريخ تعيين رئيس الوزراء".

ثانياً: المواقف المحلية:

1- لقد أشار قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان خلال التوقيع على مراسم الاتفاق إلى ذلك بقوله "إننا ملتزمون بخروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية بصورة نهائية وإجراء الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية وتنفيذ القضايا المطروحة في الاتفاق الإطاري.. إن البلاد تمر بظروف استثنائية. لقد كنا في حالة من التنافر بين القوى السياسية والعسكرية. وهذا أثر سلبا على البلاد. نسعى لتحويل الجيش إلى مؤسسة دستورية بعيدة عن أي تحيز لحزب أو جماعة أو أيديولوجية"، وقال نائبه محمد حمدان دقلو "إن توقيع اتفاق الإطار السياسي يمثل بداية مرحلة جديدة ورائعة في تاريخ الدولة السودانية. توقيع الاتفاق يؤمل به إنهاء الأزمة السياسية الحالية والاستعداد لمرحلة انتقالية جديدة يتم خلالها تفادي الأخطاء التي رافقت الفترة السابقة. إنه منذ بداية الفترة الانتقالية في آب/أغسطس 2019 كانت هناك خلافات بين مكونات الانتقال وممارسات سياسية خاطئة أدت إلى ما حدث في 25 تشرين أول/أكتوبر. وهو أيضا خطأ سياسي فتح الباب أمام عودة قوى الثورة المضادة.. لذلك يجب أن تكون أولويات الحكومة القادمة هي تنفيذ اتفاقية جوبا، واستكمال السلام مع الحركات غير الموقعة والعمل على عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم الأصلية ومعالجة مشاكل الأرض وقضايا الرُحّل" (وكالة سونا الرسمية، 2022/12/5)، فهذا الاتفاق ينقذ القيادة العسكرية برئاسة البرهان ونائبه ومن معهما من ورطتهم إذ بات الناس يرفضون حكمهم فلا يوجد لهم سند داخلي، ويؤمِّن للقيادة العسكرية حصانة وحماية لهم من الملاحقة القضائية على ما ارتكبوه من جرائم ويفلتون من العقاب، وقد عجزوا عن إدارة شؤون البلاد وفشلوا في حل مشاكلها وكل ما قاموا فيه أنهم حافظوا على النفوذ الأمريكي بعد سقوط قرينهم في العمالة عمر البشير. علما أن الطرف الآخر مما يسمى بقوى الحرية والتغيير والأحزاب التي شكلت الحكومة، هم أيضا فشلوا في إدارة شؤون البلاد ومعالجة مشاكلها وتأمين أدنى مقومات الحياة للناس، وكل ما قاموا فيه هو المحافظة على النفوذ الإنجليزي في البلاد.. والوقوف في وجه تغيير النظام جذرياً.

2- هناك معارضة لهذا الاتفاق، وقد خرجت مظاهرات يومي 8 و2022/12/9 رفضا له. فمنها قوى غير صادقة في المعارضة، كما هي غير مخلصة أصلا للأمة ولأهل السودان، كحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وأحزاب سياسية مؤتلفة مع قوى الحرية والتغيير التي تتبع المستعمر البريطاني. فقد وضعت بريطانيا لها خط رجعة وقوى تعمل كمعارضة موازية، فإذا فشل الاتفاق تتحرك هذه القوى كمكونات معارضة وتغطي على عمالتها لتعمل على قيادة الناس الذين لم يستطيعوا أن يتخلصوا من تسلط العملاء أمريكان أو إنجليز، فإذا تخلصوا من أحدهم وقعوا في حبال الآخر، وهكذا دواليك، فالأمر مستمر على هذا الشكل منذ إعطاء البلد استقلاله الشكلي وخروج المستعمر عسكريا واستمراره بالأشكال السياسية والفكرية والاقتصادية وغيرها.

3- يتراءى هذا الاتفاق للبعض كأنه يحل أزمة الحكم المستعصية في البلاد، وهي الخلاف بين الجيش والمكونات السياسية، لتسليم القوى السياسية السلطة وإبعاد الجيش عن الحكم والسياسة. وما هو إلا خلاف بين العملاء على الكراسي، ولا يحل مشاكل السودان الاقتصادية بالدرجة الأولى التي يعاني منها والتي ثار من أجلها. ولا يحل مشكلة الحكم لأنه صراع بين العملاء الأدوات لحساب الدول الكبرى المتصارعة على السودان. ولا يمكن أن يحل هذه المشاكل وغيرها لأنه استند على أساس فاسد باطل، ألا وهو فصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، ولأنه حل ترضية مؤقت بين الجيش وقوى سياسية معينة غير مخلصة تتبع قوى أجنبية، ولأن اتفاقا سابقا وقع بين الطرفين على مرحلة انتقالية ومن ثم سقط بانقلاب 25 تشرين أول/أكتوبر، ولأن المسألة ليست تشكيل حكومة مدنية أو عدم تشكيلها فذلك لا يقدم شيئا.. فلا توجد ضمانة لتحققه، لأن كل فريق يتربص بالآخر وهو مأمور من الدول الكبرى المتصارعة.

ثالثاً: المواقف الدولية:

1- امتدحت أمريكا الاتفاق فقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على تويتر يوم 2022/12/6: "توقيع اتفاق إطار سياسي مبدئي في السودان خطوة مهمة نحو تشكيل حكومة مدنية وتحديد الترتيبات الدستورية لتوجيه السودان خلال فترة انتقالية تتوج بالانتخابات". وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها الإلكتروني يوم 2022/12/7 بيانا ذكرت فيه أنها "تدعم الأطراف المدنية السودانية والجيش لإجراء حوارات شاملة حول القضايا العالقة قبل إبرام اتفاق نهائي ونقل السلطة إلى حكومة انتقالية بقيادة مدنية"، وحذرت من فرض عقوبات على أي شخص يقوض الاتفاق فقالت: "قررت الوزارة اليوم توسيع سياسة تقييد منح التأشيرات ضد المسؤولين السودانيين الحاليين أو السابقين أو غيرهم من الأفراد الذين يعتقد أنهم مسؤولون أو متواطؤون في تقويض التحول الديمقراطي في السودان من خلال قمع حقوق الإنسان والحريات الأساسية". فهذا الاتفاق خطوة مهمة لأمريكا ليحفظ لها نفوذها في السودان فيحول دون سقوط سلطة العسكر الموالية لها بقيادة عملائها عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد دقلو وأمثالهما. وخاصة أنهما قاما بانقلاب ضد الحكومة المدنية قبل سنة ونيف يوم 2021/10/25 وأوقفا سير المرحلة الانتقالية التي وقعت بين الطرفين في اتفاق وقع يوم 2019/8/21، وكان ينص على ترؤس العسكر المجلس السيادي لمدة 21 شهرا ومن ثم يترأسه المدنيون 18 شهرا وقد مدد ليصبح 53 شهرا بعد اتفاق جوبا يوم 2020/10/3، فجاء انقلاب 25 تشرين أول/أكتوبر عام 2021 ليفوت الفرصة على عملاء الإنجليز ويمنعهم من ترؤس المجلس السيادي.. فهذا الاتفاق الأخير ينقذ عملاء أمريكا من السقوط والملاحقة القضائية وبالتالي يحفظ لأمريكا نفوذها في السودان، ويحول دون هيمنة عملاء الإنجليز على كل شيء حيث يسيطرون على الوسط السياسي.

2- أعلنت بريطانيا على لسان وزيرتها لشؤون أفريقيا والتنمية الدولية آندرو ميتشل ترحيبها بالاتفاق قائلة: "ترحب المجموعة الرباعية ودول الترويكا بهذه الخطوة المهمة نحو الاتفاق بقيادة مدنية في السودان. تتطلع المملكة المتحدة إلى العمل بشكل وثيق مع مثل هذه الحكومة بمجرد تشكيلها. نحث جميع الجهات الفاعلة على التوحد بشكل عاجل من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي" (السودان اليوم 2022/12/6) وحذر سفير بريطانيا بمجلس الأمن جيمس كاريوكي من "تبعات وخيمة لتأخير الوصول لاتفاق نهائي بالسودان" وعبر عن "دعم بريطانيا للحكومة المدنية المقبلة بقيادة المدنيين من خلال التنسيق مع الشركاء الدوليين" وأشار إلى "الوضع الهش في عدد من أنحاء السودان، لا سيما إقليم النيل الأزرق وولاية غرب كردفان" (أخبار السودان 2022/12/6). فبريطانيا تتدخل كأمريكا في السودان بشكل مباشر، وتعلن تأييدها للاتفاق حيث كانت من المشرفين على صياغته وإخراجه بجانب أمريكا بواسطة مبعوث الأمم المتحدة وتعلن تأييدها لحكومة المدنيين القادمة التي من المنتظر أن تتشكل غالبيتها من عملائها، وتكون قد حافظت على نفوذها في الوسط السياسي تمهيدا لاستلام الحكم ومحاولة زعزعة نفوذ الجيش في الحكم والسياسة.

رابعاً: والخلاصة هي أنه بتدبر هذه الأحداث الجارية في السودان يتبين أن الصراع الدولي فيه لم يتغير، بل هو صراع ليس في الخفاء بل في العلن بين أمريكا المتحكمة في البرهان ونائبه ومجموعته من جانب، وبين الحرية والتغيير والأحزاب المؤتلفة معها من عملاء بريطانيا وأتباعها من جانب آخر، ولأن أيا من الطرفين، أمريكا أو بريطانيا، لم يتمكن حتى الآن من بسط نفوذه في المكون العسكري والمكون المدني معاً لذلك عمدت أمريكا وبريطانيا إلى الاتفاق كما حدث منذ بداية تغيير البشير إلى أن تصاعد اختلافهم في 25 تشرين الأول/أكتوبر ثم عادوا للتوافق الآن! وهو توافق مؤقت إلى أن يتمكن أحد الطرفين من الاستحواذ بالنفوذ كاملاً عسكرياً ومدنياً.. ولقد سبق أن أشرنا إلى ذلك منذ بداية حكم البرهان وإلى حدوث (الانقلاب) حيث سبق أن نبهنا إلى ذلك في الإصدارين:

1- قلنا في جواب سابق صادر في 2019/9/23 أي منذ نحو بداية اشتراك الطرفين في الحكم وقد جاء فيه حول اتفاق المكون العسكري مع المكون المدني لتقاسم السلطة التالي: (أما المتوقع فإن أمريكا وبريطانيا لن تتعايشا معاً بهدوء، فمصالحهما مختلفة وأدواتهما المحلية تبع لهما، ولذلك فسيعمل كل من الطرفين لإجهاض تحركات الآخر! ومن متابعة الأحداث الجارية وتدبُّر متعلقاتها وتمحيص التصريحات خارجياً ومحلياً، وخاصة المسئولين الأمريكان والأوروبيين... فإنه يمكن ترجيح الوسائل التي سيستعملها كل من الطرفين لمضايقة خصمه والتمكن منه ثم إقصائه عن الحكم...) وقد ذكرناها هناك. وهذا ما حدث بالفعل...

ثم قلنا في جواب لاحق في 2021/10/25: (... وبما آلت إليه الأوضاع في السودان والمسارات الخبيثة التي دفع بها عملاء أمريكا والمسارات الخبيثة الأخرى التي حاول أن يسلكها عملاء الإنجليز والأوروبيين، وكلها فيها ما فيها من إراقة الدماء والظلم والجوع والأزمات فإن الأهل في السودان يجب عليهم أن يتبينوا أمرهم فيديروا ظهورهم لكل هؤلاء الحكام الفاشلين عملاء أمريكا والإنجليز والأوروبيين الذين يضعون دماء الشعب السوداني ومقدراته في خدمة هذه الدول الكافرة، فيحسموا أمرهم ويوحدوا صفهم ضد كل هؤلاء العملاء..)

2- أما عن التساؤلات هل هذا الاتفاق سيدوم ويطبق؟ فهذا أمر مشكوك فيه. وهل سينقذ البلاد؟ فذلك مستبعد، لأنه مبني على باطل، ولأنه مستخرج من قوى استعمارية متصارعة توافقت مؤقتا، ولأنه موقع بين أطراف عميلة لا يهمها إلا الكراسي والمناصب والحفاظ على مكتسباتها المالية وكسب المزيد من المال، فلا يهمها أمر البلاد والعباد ولا نهضتها وتحررها من ربقة الاستعمار ومن قبضة المستعمرين، ولا هي تعرف أصلا طريقا للنهضة، ولأنها تعمل لجهات استعمارية تعمل على إحكام نفوذها في البلاد فكريا وسياسياً، ولأن هذه الجهات الاستعمارية وخاصة أمريكا وبريطانيا متصارعة على بسط النفوذ في السودان. فالتدخل الأجنبي ظاهر للجميع حيث كان الأجانب موجودين عند توقيعه في القصر الجمهوري، بل الذي صاغ الاتفاق هو أجنبي، وهو مبعوث الأمم المتحدة بإشراف مباشر من الأمريكان والإنجليز طرفي الصراع الدولي في السودان باسم الرباعية وباسم الترويكا. فالرباعية هي أمريكا ومعها عميلتها السعودية، وبريطانيا ومعها عميلتها الإمارات، فأمريكا تستخدم عميلتها السعودية للتأثير على الأطراف المحلية ودفع الرشى، وكذلك بريطانيا تستخدم الإمارات لمثل ذلك لحسابها. والترويكا هي أمريكا وبريطانيا ومعهما النرويج كطرف أوروبي لا تأثير له إلا عند اللزوم وإجراء محادثات سرية كثيرا ما تجري هناك في عاصمتها أوسلو المشهورة بطبخ الاتفاقات السرية قبل الإخراج. فأمريكا تهدد من يفشل الاتفاق بالعقوبات، وبريطانيا تحذر من النتائج الوخيمة إذا فشل الاتفاق...

3- أما مبعوث الأمم المتحدة الألماني فولكر بيرتس الذي يراضي الطرفين المتصارعين الأمريكي والبريطاني، فهو يحذر من فشل الاتفاق، فقال في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي: "مع اقتراب السودان من التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي، فإن أولئك الذين لا يرون دعما لمصالحهم من خلال تسوية سياسية قد يصعدون محاولات تقويض العملية السياسية الجارية" (الراكوبة السودانية 2022/12/8). فهو اتفاق مؤقت بين الطرفين، ربما يكون بمثابة استراحة محارب، ومن ثم يستأنف الصراع حتى يتمكن طرف من الانتصار على الآخر. وإذا انتصر طرف على الآخر فلن يستسلم هذا الطرف فإنه سيختلق مشاكل في البلاد في شرقها وفي غربها وفي شمالها وفي جنوبها وفي قلبها في العاصمة، لأن لديه أدواته العملاء. فإن لم تُطهَّر منهم البلاد فلن تهدأ الأوضاع ولن يرى الناس بصيص أمل ولن يذوقوا الحياة الكريمة الطيبة، وسيخسرون سعادة الدارين، بل الواجب على كل صادق مخلص أن يغذ السير جاداً مجتهداً مع العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشر بها رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» أخرجه أحمد، والطيالسي. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

السابع عشر من جمادى الأولى 1444هـ

2022/12/11م

المصدر: جريدة الراية

جريدة الراية: جواب سؤال: أهداف القمم الصينية مع الدول العربية

 

جريدة الراية: جواب سؤال: أهداف القمم الصينية مع الدول العربية

 

  27 من جمادى الأولى 1444هـ   الموافق   الأربعاء, 21 كانون الأول/ديسمبر 2022مـ

السؤال: نشرت الجزيرة على موقعها في 2022/12/9: (انعقدت في العاصمة السعودية الرياض الجمعة أعمال القمة 43 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي والقمة الخليجية الصينية والقمة العربية الصينية بحضور عدد من القادة العرب والرئيس الصيني شي جين بينغ)، فما هي أهداف عقد هذه القمم الصينية مع السعودية ودول الخليج والدول العربية في الرياض؟ وهل هي طريقة الصين وهي تنادي بتعدد الأقطاب الدولية لتوسيع نفوذها السياسي وإثبات نفسها كقطب دولي كبير في مقابل الطريقة العنيفة التي تطالب بها روسيا بالنفوذ وتعدد الأقطاب؟ وهل يلقى ذلك استجابة في المنطقة العربية عند الحكام؟ وما هي ردة فعل أمريكا؟

الجواب: لكي تتضح الإجابة على هذه التساؤلات نستعرض الأمور التالية:

1- قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة السعودية والاجتماع مع ملكها وولي عهده ابن سلمان في 2022/12/8، وتم استقباله بحفاوة ووقع الجانبان اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة ومنها اتفاقات بقيمة 30 مليار دولار في مجالات الطاقة والبنية التحتية في محاولة للتوفيق بين مشاريع الصين في إطار استراتيجية "الحزام والطريق" وبين مشاريع ابن سلمان فيما يسمى رؤية 2030 والتي يأخذ "الترفيه" عنوانها العريض، وكذلك الحديث عن مركز كبير للصناعات الصينية في السعودية للتسويق في المنطقة. ثم في اليوم الثاني عقدت في الرياض قمة صينية مع دول الخليج تلتها قمة مع الدول العربية في اليوم نفسه حضرها الكثير من "زعماء" العرب في مشهد قالت عنه وزارة الخارجية الصينية (النشاط الدبلوماسي الأوسع نطاقا بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية. بي بي سي، 2022/12/8)، وقد أكدت القمتان على تعزيز الشراكة والتعاون الاقتصادي بين البلدان العربية والصين، وأكد البيان الختامي على أمور عامة مثل احترام النظام الدولي القائم واحترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة ومبدأ حسن الجوار وكذلك مركزية القضية الفلسطينية وجهود منع انتشار الأسلحة النووية، وقد انتقدت الصين إيران في البيان الختامي للقمة الصينية الخليجية وطالبتها باحترام جيرانها (وأصدرت دول الخليج والصين، أمس، بياناً مشتركاً في ختام القمة الخليجية الصينية المنعقدة في الرياض، "تضمن دعم مبادرة ومساعي دولة الإمارات للتوصل إلى حل تفاوضي وسلمي لقضية الجزر الثلاث"، التي تعتبرها إيران جزءاً من أراضيها، فضلاً عن دعوة إيران إلى "الانخراط بشكل جدي في المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني". الميادين، 2022/12/10) وتم استدعاء سفير الصين في طهران للاحتجاج على هذا الموقف الصيني.

2- تصنف الاستراتيجية الأمريكية الجديدة الصين باعتبارها الخطر الأكبر على الهيمنة الأمريكية على العالم، وأنها تمتلك القدرات لبناء نفوذ فعلي حول العالم، فالصين دولة ذات اقتصاد هو الثاني في العالم بعد أمريكا، وهي ثاني دولة أيضاً في الإنفاق العسكري، لذلك فإن أمريكا تراقب أعمال الصين وتبني خططاً لإيقاف صعودها، بل وتتهيأ للحرب معها كما أظهرت تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن بخصوص أزمة تايوان الأخيرة، وقد علقت أمريكا على زيارة الرئيس الصيني هذه بالقول: (قال البيت الأبيض، يوم الأربعاء، إنه "ليس مندهشا" من قيام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة المملكة العربية السعودية لأن بكين "تعمل على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط". وذكر جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي: "نحن ندرك التأثير الذي تحاول الصين أن تعمقه في جميع أنحاء العالم"، وقال "جولة الرئيس الصيني ليست مفاجئة، وبالتأكيد ليست مفاجأة أنه اختار الذهاب إلى الشرق الأوسط". سي إن إن عربية، 2022/12/8).

3- وفي المقابل تحاول الصين إظهار عدم معارضتها للنظام الدولي الأمريكي، فهي تدعو لما تدعو له أمريكا وقد ظهر ذلك في زيارة الرئيس الصيني هذه حين جرى تأكيد البيان الختامي للقمة على صيانة النظام الدولي القائم على القانون الدولي ومنع الانتشار النووي ومكافحة الإرهاب، بل إن البيان الختامي للقمة الصينية العربية في الرياض تضمن انتقادات مبطنة لروسيا حين جرى التأكيد على احترام سيادة الدول والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها واحترام مبدأ حسن الجوار، في إشارة للحرب الروسية على أوكرانيا، بل إن انتقاد الصين في البيان الختامي لإيران ودعوتها لحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون دول الخليج يعتبر من زاوية أخرى تماهياً مع الدول الغربية وأمريكا التي طالما وجهت تلك الانتقادات لإيران. وباستدعاء إيران للسفير الصيني للاحتجاج يظهر أن مقولة تشكيل "معسكر دولي جديد" متمثل بروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية تثبت مرة أخرى أنها مقولة خيالية لا واقع لها.

4- وأما العلاقات العربية مع الصين فلا تتضمن هذه القمم في السعودية أي تغيير فيها من الناحية الدولية. صحيح أن السعودية قد استقبلت الرئيس الصيني بحفاوة لم يتمتع بها الرئيس الأمريكي بايدن أثناء زيارته لها في تموز 2022، لكن ذلك يدل على علاقة بمشاركة السعودية للجمهوريين في مناكفاتهم للديمقراطيين والرئيس بايدن، هذا فضلاً عن قلة الاحترام التي أظهرها الرئيس بايدن لولي عهد السعودية ابن سلمان. ثم إن الدول العربية قد وقعت اتفاقيات شراكة استراتيجية مع كل من الهند وألمانيا دون أن يعني ذلك أي ولاء أو تغيير في التبعية السياسية.

5- وإذا كانت الصين تعاني مشاكل سياسية كبيرة في محيطها القريب، مع تايوان التي تعتبرها جزءاً منها ولا تستطيع حتى اللحظة ضمها إليها، ومع فيتنام القريبة، ثم مشاكل الجزر مع دول عدة، وأن علاقاتها القريبة من الولاء تكاد تقتصر على كوريا الشمالية، فإن الصين بالتأكيد لا تطمح ولا تخطط لإيجاد ولاء سياسي لها في المنطقة العربية خاصة وأنها تعلم شدة ارتباط الحكام بأمريكا وبريطانيا، ولكل ذلك فإن زيارة الرئيس الصيني هذه وعقد هذه القمم وعقد اتفاقيات اقتصادية مهما بلغت قيمتها ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالتبعية السياسية، وهي من باب العلاقات الاقتصادية المفتوحة بين الدول، ولا يجب النظر إليها إلا من زاويتها الاقتصادية، وما يمكن أن تتضمنه من دلالات سياسية لا علاقة له بالمنطقة أو التبعية السياسية لحكامها. فمثلاً انتقاد الصين لإيران يعتبر تماهياً مع الموقف الغربي وإثباتاً بأن الصين لا تغرد خارج السرب العالمي المنتقد لإيران، ولا يتبعه أي تدخل سياسي صيني مع دول الخليج ضد إيران. وكذلك فإن تضمين البيان الختامي لانتقادات مبطنة لروسيا مثل احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة واحترام حسن الجوار يعتبر دلالة ضمن دلالات آخذة في التصاعد بأن الصين لا تتحالف مع روسيا في حربها على أوكرانيا وأنها تنتهج نهجاً دبلوماسياً سلمياً في علاقاتها بالعالم.

6- إن الصين تتقارب مع منطقة الخليج اقتصادياً لأنها تتخوف وبقوة من أن تقطع أمريكا وأوروبا سلاسل الصناعة الصينية خاصة سلاسل التصدير للأسواق الغربية، فما يجري تداوله اليوم بخصوص الخطأ الاستراتيجي في الاعتماد الكبير على موارد الطاقة الروسية في أوروبا هو عين ما هو قادم من الاعتماد الكبير في الغرب على سلاسل التصنيع الصينية، وقد بدت مؤشرات قوية لذلك، فقالت وزيرة الخارجية الألمانية بربوك: (لقد أظهرت تجربة ألمانيا مع روسيا "أننا لم نعد نسمح لأنفسنا بأن نصبح معتمدين وجودياً على أية دولة لا تشاركنا قيمنا. إن الاعتماد الاقتصادي الكامل على أساس مبدأ الأمل يتركنا منفتحين على الابتزاز السياسي". الميادين، 2022/11/2)، وكتب المستشار الألماني شولتز عشية مغادرته بكين مقالاً في صحيفة "فرانكفورتر تزايتونغ"، قال فيه (إن على ألمانيا أن تغير "مقاربتها" للصين التي "تتجه إلى مقاربة سياسية ماركسية لينينية". وأكمل يقول إنه على الشركات الألمانية أن تتخذ خطوات "لتقليل اعتمادها الخطير" على سلسلة التوريد الصينية، الشرق الأوسط، 2022/11/4). وفي هذا الإطار ومن أجل محاولة منع ذلك فإن الصين تقوم بأعمال وقائية لمنع سلاسل توريدها للغرب من التعرض لما تعرضت له سلاسل روسيا خاصة في موضوع الطاقة، والظاهر حتى الآن من أعمال الصين الوقائية الأعمال التالية:

أ- فصل نفسها عن روسيا: فإذا كانت الصين قد أملت بأن ينجح رئيس روسيا بوتين بفرض أمر واقع في أوكرانيا وما يتبعه من دور عالمي أكبر لروسيا فكان موقف الصين غامضاً في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا فإن الدعم الأمريكي والأوروبي الكبير للغاية لأوكرانيا أعطاها قوة للصمود، فعندها أخذت الصين تبتعد عن روسيا وزادت انتقاداتها المبطنة لروسيا، وقد لوحظ ذلك بعد المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني (تشرين أول 2022) وسيطرة الرئيس شي جين بينغ على مقاليد الأمور بشكل تام وإبعاد خصومه عن المكتب السياسي للحزب، ومن ثم زادت الصين في الابتعاد عن روسيا المتهورة. والصين لا يمكنها تحمل أن تقطع أمريكا والدول الأوروبية سلاسل الصناعة الصينية كما قطعت سلاسل الطاقة الروسية، وهذا أخذته الصين في الحسبان.

ب- التماهي مع المواقف الغربية: صارت الصين تعلن التزامها وتقيدها بالنظام الدولي (الأمريكي) وتنتقد ما ينتقده الغرب كتدخل إيران في شؤون دول الخليج، وبهذا فإن الصين تريد أن تقول للغرب بأنها واحدة من دول العالم "المتحضر" الذي يرفض السياسات الهمجية لبعض الدول، وربما نشهد في الأيام القادمة زيادة في هذه المواقف الصينية، ومنها الابتعاد عن أي تصعيد عسكري مع تايوان ومطالبة أمريكا بتخفيف تصعيدها، وكذلك المساعدة في حلحلة الأزمة النووية حول كوريا الشمالية، وكل ذلك بهدف وقف السياسة الأمريكية وكذلك الأوروبية لقطع سلاسل التوريد الصناعي من الصين.

ج- زيادة الاهتمام بالبدائل الاقتصادية: وتنظر الصين لأسواق البلدان العربية باعتبارها بديلاً وإن كان لا يزال غير مهم للأسواق الغربية، بمعنى أنه في حالة قطع (أو تخفيف) سلاسل التوريد الصينية مع أمريكا وأوروبا فإن الأسواق العربية يمكن أن تشكل نوعاً من البديل وإن كان لا يزال هامشياً قياساً بالأسواق الأمريكية والغربية، وإذا قرن هذا بأسواق أفريقيا وأمريكا اللاتينية فإن الاقتصاد الصيني يكون قد أوجد متنفساً في حال الاختناق بفعل التوجهات الجديدة في أمريكا وأوروبا لتقليل اعتمادها على الصين.

7- أما من الناحية الاقتصادية للدول العربية، فيمكن النظر لهذه القمم سواء الخليجية أو العربية، على النحو التالي:

أ- بعد عقود من فشل الحكم الشامل في البلدان العربية فقد أصبحت هذه البلدان كالغابات الجافة التي تنتظر من يشعل فيها عود الثقاب، فبعض هذه البلدان تدفع ما يزيد عن نصف الضرائب المحصلة كفوائد لقروضها الربوية، وأخذت عملاتها بالانهيار الكبير وارتفعت الأسعار بشكل حاد نتيجة سياساتها الاقتصادية الفاشلة وعمق تبعيتها للغرب ما يهدد باشتعال الاحتجاجات، وتعاني كل البلدان العربية تقريباً باستثناء دول الخليج من مشاكل اقتصادية حادة. وهذا الواقع يجعل هؤلاء الحكام ينظرون للصين باعتبارها منقذاً اقتصادياً محتملاً، فمنها يمكن أخذ المزيد من القروض وتجنب بعض الشروط القاسية لصندوق النقد الدولي، ويمكن للصين عبر مشاريعها الخارجية الكبيرة أن تقيم استثمارات ضخمة في هذه البلدان وتكون فيها الفائدة والمنافع للحكام وأعوانهم بسبب الفساد الحكومي المستشري في أروقة الحكام.

ب- وأما من ناحية أمريكا فإن مشاكلها الاقتصادية جعلتها تعتمد على عملائها بشكل أكبر كعقود السلاح الخيالية التي وقعتها إدارة ترامب مع السعودية، بل وتضغط على عملاء غيرها لمصلحة فائدتها الاقتصادية كما كان من ضغط عملاء أمريكا على قطر عميلة الإنجليز حتى صارت أموال قطر المستثمرة في أمريكا تشكل لحكامها طوق النجاة للبقاء في الحكم، بل إن الرئيس الأمريكي ترامب قد طالب الحكام في المنطقة بالدفع لقاء الحماية الأمريكية لهم. ولأن هؤلاء الحكام يعانون من مشاكل كبيرة فإن أمريكا إما أنها تدفعهم أو لا تمانع في توجههم الاقتصادي نحو الصين، وربما تخطط أمريكا اليوم أن ترهق الاقتصاد الصيني بالمساعدات الاقتصادية المقدمة لعملاء أمريكا في المنطقة كجزء من سياستها لوقف صعود الصين، بمعنى أن التعاون والشراكات الاقتصادية الصينية العربية لا تشكل بحال تهديداً لولاء هؤلاء الحكام.

8- وبكل هذا تتضح الأهداف الصينية من هذه القمم، فهي أهداف اقتصادية بالدرجة الأولى، والصين لا تنافس أمريكا وأوروبا النفوذ السياسي في المنطقة العربية، فقدراتها وإرادتها أضعف من ذلك، بل إنها لا تستطيع حسم النفوذ السياسي لصالحها في محيطها القريب شرقي آسيا. فالصين تريد عبر هذه القمم واتفاقيات الشراكة الاقتصادية التي توقعها أن يبقى شريان المنطقة العربية يردف اقتصادها سواء موارد الطاقة من الخليج أو أسواق البلدان العربية لصناعاتها، وهي تستغل هذه وغيرها من المناسبات لتقول بأنها جزء من العالم المتحضر، وتقول أيضاً بأنها ليست جزءاً من معسكر الدول التي يسميها الغرب بـ"الدول المارقة" ككوريا الشمالية وإيران ولا تريد أن تصيبها العزلة الدولية التي تلتف اليوم حول عنق روسيا تريد خنقها، وتريد الصين أيضاً أن تكون لها علاقات اقتصادية راسخة مع المنطقة العربية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتكون بمجموعها بديلاً عن الأسواق الغربية، هذا إذا ما اشتد الضغط الغربي على الصين وقطعت الدول الغربية سلاسل التوريد الصناعي معها، فالصين تحاول تلافي ذلك أو التخفيف منه عبر سياسة ملاينة الغرب وعبر سياسة آخذة في التشكل هي الابتعاد عن روسيا.

9- وإن مما تجب الإشارة إليه أن "زعماء العرب" لم يخطر ببالهم أثناء هذه القمم إثارة أعمال الصين الوحشية ضد المسلمين في إقليم شينجيانغ "تركستان الشرقية" وذلك في أحاديثهم "الودية" مع الرئيس الصيني، فلم يجر بحثها وكأنها غير موجودة! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شدة تخاذل حكام العرب هؤلاء وشدة ضعفهم وأن أمر المسلمين لا يعنيهم، وأن القضية المركزية لكل هؤلاء الحكام هي الحفاظ على الكرسي في ظل حالة العداء الهائجة من شعوبهم ضدهم، وفي ظل فشل شامل لكل سياساتهم وعجزهم عن التعامل مع أي قضية تمس حياة الناس. وإنما ركز الحديث على العلاقات الاقتصادية والتجارة الدولية وكأن جرائم الصين ضد المسلمين الإيغور في عالم آخر!

10- إن حكام العرب اليوم، بل وحكام المسلمين، هم في أسوأ حالة لهم منذ هدم الخلافة، وهي حالة تنذرهم بقرب الفناء، فحجم الخراب الذي صنعته أيديهم بالتنسيق مع أمريكا وأوروبا، وحتى مع الصين، هو أمر هائل لدرجة أنهم يتخبطون في معالجته وهم بعيدون عن تحقيق أي نجاح يبرر لهم الاستمرار في الحكم، ودرجة الفشل هي التي تفرق بين حاكم وآخر.. هذا فوق غضب الله تعالى عليهم، فقد تركوا إسلامهم خلف ظهورهم، وحاربوا العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض، واتبعوا أمر كل طاغية كافر مستعمر كأنما أصابتهم غاشية ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُون﴾.

في الثاني والعشرين من جمادى الأولى 1444هـ

2022/12/16م

المصدر: جريدة الراية