Wednesday, April 27, 2022

أوراق بحثية فكرية وسياسية

 

الورقة الأولى: سلطان الأمة المغتصب أداة النفوذ السياسي للاستعمار

 

  21 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الجمعة, 22 نيسان/ابريل 2022مـ

في هذه الأيام من شهر رمضان الفضيل، تكون الأمة الإسلامية قد سلخت مائة وعاماً واحداً وهي بعيدة عن أنظمة الإسلام وأحكامه، تطبق عليها الحضارة الغربية الضالة المضلة المضللة، فالتضليل هو أخطر الأسلحة التي تستخدمها الحضارة الغربية، فبه يصبح الحق باطلاً، والباطل حقاً، والحسن قبيحاً، والقبيح حسنا!!

مائة عام وعام تعيشها الأمة وسلطانها مغتصب، فما المقصود بأن سلطان الأمة مغتصب؟ وكيف ذلك والانتخابات تعقد في كثير من بلاد المسلمين، والملايين يخرجون في الطرقات يستقبلون حكامهم، وآخرون من الحكام يزيفون إرادة الناس فيصنعون لهم من يسمونهم بأهل الحل والعقد، وأهل الشورى والزعامات الدينية والقبلية والمذهبية وغيرها، ثم يجعلون من هذه الصناعة أداة لهم للجلوس على كراسي الحكم، فهذه الزعامات المصنوعة تدعي الوصاية على الشعب، وقيادات العسكر والجيوش يزعمون أنهم أوصياء على الشعب!

إن سلطان الأمة يعني حقها في اختيار حاكمها، وتنصيبه حاكماً عليها، فهل حقيقة أن هؤلاء الحكام اختارتهم الأمة، ونصبتهم عليها، وهي لا ترضى عنهم بديلاً، أم أنهم جلسوا على كراسي الحكم بذهب المعز وسيفه؟ وإذا كانت جماهير الأمة هي من اختارتهم، إذن لماذا تتبخر هذه الجماهير فتصبح أثراً بعد عين عند الثورات الشعبية على الحكام؟! أضف إلى ذلك أننا الآن نشهد حالة من الصراع السياسي في بلدنا هذا، أوجدت أزمة سياسية متضخمة بين طرفين متناقضين من أدوات الاستعمار، كلهم يدعي أنه صاحب السلطان!

فقيادة الجيش؛ الحكام الفعليون للبلاد الآن يدعون الوصاية على الشعب، وما تقتضيه هذه الوصاية من أنهم يتصرفون في كل حقوق الشعب، ومنها سلطانه، وبذلك فهم يغتصبون السلطان. أما القوى السياسية والمدنية التي تمثل الطرف الآخر في الصراع، فإنها بإخراجها للآلاف، أو حتى عشرات الآلاف في المظاهرات من جملة أكثر من 40 مليوناً من أهل السودان، أيضاً يدعون أنهم يمثلون الشارع؛ أي الشعب، وأنهم الأحق بحكم البلاد، وهم في ذلك كما قيادة العسكر سواء بسواء كاذبون مضللون.

وحتى نبحث عن أفق للخروج من هذه الحلقات المفرغة، وهذا التضليل الكثيف، فلنرجع إلى التاريخ لنتبين منذ متى بدأ هذا الانحراف يحفه هذا التضليل؟

فمنذ أن هدمت الخلافة في 28 رجب 1342هـ، واستباح الكافر المستعمر بلاد المسلمين غنيمة له، فقسمها على أسس وطنية، ونصب عليها حكاماً عملاء له، يطبقون حضارته، ويعيقون الأمة حتى لا ترجع سيرتها الأولى، ويمكنونه؛ أي الكافر المستعمر، من ثروات الأمة ومقدساتها، ولا شك أن الغرب الكافر، وحتى يبقى انتصاره على الأمة الإسلامية أبدياً، لا بد أن يظل مغتصباً لسلطان الأمة.

أما الأدوات التي تركز اغتصابه لسلطان الأمة، وتفشل حركة جماهيرها فهي الآتي:

أولاً: قيادات الجيوش التي يمسك بها زمام الأمور في كثير من بلاد المسلمين، والتي صنعها الكافر المستعمر على عين بصيرة، ويؤهلها للحكم من خلال ترويضها بالسير في مشاريع الخيانة، وليس أدل على ذلك من مشروع التطبيع مع كيان يهود، والذي يصر البرهان وآل دقلو على السير فيه على حساب عقيدة أهل البلاد ومشاعرهم.

ثانياً: الأوساط السياسية المرتبطة بالسفارات، والتي تجتمع حول مواثيق أو إعلانات أو غيرها من التسميات التي يكون جوهرها هو حضارة الغرب الكافر (الحريات - الديمقراطية - المواثيق الدولية - حرية المرأة وغيرها).

ثالثاً: الإعلام التابع والمضلل والذي يحدد سقف مطالب الجماهير، ويصنع القيادات ويضلل الناس.

رابعاً: الضغط الدولي باستخدام المؤسسات الدولية، وقرارات مجلس الأمن وعقوباته، وضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها مما يستخدم في ترويض الحكام وإبقاء السيطرة عليهم.

إننا، أيها السادة ما زلنا مستعمرين، وسلطاننا مغتصب، فلا تنخدعوا بدعاوى الوطنية والاستقلال والسيادة وغيرها، ولن يكون سبيل التحرر إلا باسترداد سلطان الأمة المغتصب في بلد من بلاد المسلمين ليكون نواة لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، واقتلاع جذور الاستعمار، وتطبيق الإسلام، ورد الحق إلى أهله.

فالإسلام هو الفكرة السياسية الوحيدة القادرة على جمع الناس، أما العلمانية؛ أي فصل الدين عن الحياة، ومنها فصل الدين عن السياسة، سواء أكانت هذه العلمانية في ثياب عسكرية، أو في ثياب مدنية فإنها أس الداء وكل البلاء، فهي التي قسمت الناس وفرقتهم، وتنذر بدفع البلاد إلى الهاوية، فالعلمانية تعمق جذور الاستعمار في البلاد، وأداة العلمانيين بمختلف مشاربهم هي اغتصاب سلطان الأمة. أما أحاديث العلمانيين من قيادات العسكر والقوى السياسية والمدنية عن السيادة الوطنية فإنها محض كذب، فهؤلاء جميعهم يتنافسون في خدمة المستعمر؛ حفظ مصالحه وتمكينه من ثروات الأمة، والحيلولة بينها وبين أخذها بسبب تحررها، ألا وهو الإسلام العظيم.

إن الإسلام قد جعل السلطان للأمة لأنها تختار الحاكم وتنصبه بالبيعة، فالشرع قد جعل نصب الخليفة حقاً للأمة، وجعل الخليفة يأخذ السلطان ببيعة الأمة له.

أما جعل الشرع نصب الخليفة من الأمة فواضح في أحاديث البيعة، عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ» متفق عليه، وعن جرير بن عبد الله قال: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا» متفق عليه. فالبيعة من المسلمين للخليفة وليست من الخليفة للمسلمين، فهم الذين يبايعونه، أي يقيمونه حاكماً عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من الأمة، وما صاروا خلفاء إلا بواسطة بيعة الأمة لهم.

وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخلافة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أنه سمع رسول الله r يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» أخرجه مسلم، وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر سمعت رسول الله r يقول: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم، وعن ابن عباس عن رسول الله r: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْراً فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» متفق عليه وعن أبي هريرة عن النبي r قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» متفق عليه. فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنما أخذ السلطان بهذه البيعة، إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً... فَلْيُطِعْهُ. فهو قد أخذ الخلافة بالبيعة، ووجبت طاعته لأنه خليفة قد بويع، فيكون قد أخذ السلطان من الأمة ببيعتها له ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأمة. على أن الرسول r مع كونه رسولاً فإنه أخذ البيعة على الناس وهي بيعة على الحكم والسلطان وليست بيعة على النبوة، وأخذها على النساء والرجال ولم يأخـذهـا على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، فكون المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة ويبـايعـونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة، دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء.

إننا ندعوكم أيها الإخوة بدعاية حزب التحرير، أن أقيموا الخلافة ليصل الإسلام صافياً نقياً إلى سدة الحكم، فهو وحده الذي يحرركم من سيطرة الكفار المستعمرين، وعندها يحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالمين.

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

 كلمة ألقاها المهندس باسل مصطفى عضو حزب التحرير/ ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة، بالإضافة لشباب حزب التحرير.

قدمها: المهندس باسل مصطفى

 

الورقة الثانية: حضارة الغرب الكافر.. سراب يحسبه الظمآن ماء

 

  21 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الجمعة, 22 نيسان/ابريل 2022مـ

أكثر من مائة عام عاشتها الأمة الإسلامية في ظل حضارة الغرب الكافر، نشأت من خلالها أجيال لا تتصور الحياة إلا من خلال هذه الحضارة، رغم أن هذه الأجيال ظمأى للعيش الكريم، حيث يعيش الإنسان معززاً مكرماً كما أراد له الله سبحانه وتعالى القائل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.

لكن للآلة الإعلامية الضخمة والبريق الأخاذ للحضارة الغربية مفعول السحر في أعين كثير من الناس، لذلك نجد أن طرفي الصراع في السودان؛ دعاة مدنية الدولة يطالبون بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من مفاهيم الحضارة الغربية، وفي الوقت نفسه يؤكد قادة العسكر الذين انقلبوا عليهم أنهم مع الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من أفكار الغرب! وعندما يتبنى المتناقضان الأفكار السياسية الغربية نفسها، فإن ذلك يدل على زخم هذه الأفكار التي تم ضخها للناس بكثافة عبر مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، حتى أصبحت كأنها الأمل المرتجى، والعلاج الناجع لما يعيشه الناس من أزمات. فما هو أساس هذه الأفكار الغربية؟ وما هي حقيقتها؟ وما هي الثمار المرجوة من العيش في ظلها؟

إن أساس أفكار الحضارة الغربية؛ من ديمقراطية وحريات وغيرها، هو عقيدة فصل الدين عن الحياة، الذي ينتج عنه طبيعياً فصل الدين عن الدولة، وهذه العقيدة هي العلمانية، أو ما تسمى في الفضاءات الفرانكفونية (باللائكية)، وهي في جوهرها عبارة عن رؤية معرفية تقوم على فلسفة لا تقر بصلاحية الدين للحكم ورعاية الشئون، وهذه العقيدة باطلة لأنها لم تقم على أساس يقنع العقل ويوافق الفطرة، بل نشأت كحل وسط (توافقي) كتسوية للنزاع في الغرب بين الكنيسة والمفكرين والحكام، فهي ليست عقيدة قامت البراهين العقلية على صحتها، لذلك نجد أن مهد (اللائكية) العلمانية هو فرنسا التي تبنت هذه العقيدة من خلال التصويت عليها، فقد خضعت اللائكية للتصويت في مجلس النواب بتاريخ 1905/07/03م بـ341 صوتاً للائكية، مقابل 233 صوتاً ضدها ثم خضعت للتصويت في مجلس الشيوخ بتاريخ 1905/12/06 فكانت النتيجة 181 صوتا معها مقابل 102 صوتاً ضدها لتصبح قانوناً يلزم الناس بها.

لذلك فإن جوهر هذه العلمانية أنها تجربة منحرفة ضالة، لقوم ضالين، فكيف تكون العقيدة التي نشأت ثمرة لتنازل أطراف متنازعة عقيدة صحيحة؟! إن العقيدة العلمانية عقيدة باطلة لمخالفتها للعقل، لأنها لم تحسم أمرها في وجود مدبر للكون أو عدمه! ومناقضتها للفطرة، لأن الإنسان ناقص ومحتاج لجهة كاملة، وهو الخالق، بل إن الإنسان لم يعرف عقيدة باطلة، هشة الأسس، سطحية المبررات، متهافتة البنيان الفكري كالعقيدة العلمانية.

إن الديمقراطية كنظام للحكم يمكن تعريفها بمقولة أبراهام لنكولن 1865م الشهيرة بأن الديمقراطية هي (حكم الشعب نفسه، بنفسه، لنفسه) وهي فكرة انطلقت من فرضية خيالية لمفهوم السلطة عند الغرب، فحواها أن الإنسان انتقل من الحالة الطبيعية التي كان يعيش فيها إلى حالة التمدن عبر عقد اجتماعي تنازل فيه الأفراد عن جزء من إرادتهم لتشكيل إرادة جماعية هي الإرادة العامة التي تشكل السيادة.

والديمقراطية لا تنفصل عن فكرة الحريات، حسب ما هو موروث من الفلسفة اليونانية، ففي كتاب السياسة يقول أرسطو طاليس: "مبدأ الحكومة الديمقراطية إنما هو الحرية.. لأن الحرية هي الغرض الثابت لكل ديمقراطية"، أما أركان الديمقراطية التي لا تنفصل عنها فهي أفكار: "السيادة للشعب، وفصل السلطات، والحريات، وحقوق الإنسان، والمساواة، والتعددية، والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وحكم الأغلبية مع حفظ حق الأقلية".

والديمقراطية كانت وما زالت محل انتقاد من المفكرين الغربيين أنفسهم، وهو ما قرره جاك رانسيير في كتابه "كراهية الديمقراطية" بقوله: "ليست كراهية الديمقراطية جديدة بالتأكيد إنها قديمة قدم الديمقراطية"، وقد اقترح عالم السياسة والقانون الفرنسي موريس دوفرجيه في كتابه "الأحزاب السياسية" تغيير عبارة "حكم الشعب بالشعب" إلى عبارة: "حكم الشعب بصفوة من الشعب".

وقد كان محور نقد مفكري الغرب أنفسهم للديمقراطية يتلخص في الآتي:

أولاً: طغيان الأغلبية وضياع حقوق (الأقليات).

ثانياً: خطورة توسع سلطة الرأي العام التي يتحكم فيها أصحاب المصالح، وجماعات الضغط، ما يؤثر على الانتخابات والقرارات.

ثالثاً: قانون الأوليغاركية الحديدي، حيث تحتكر السلطة والتنظيم السياسي مجموعة قليلة من الرأسماليين.

رابعاً: تحول الديمقراطية مع مرور الوقت إلى بيروقراطية معقدة لتكون السلطة بيد المتخصصين فقط.

ورغم أن هذه الانتقادات منطبقة على واقع الديمقراطية، إلا أن هؤلاء المفكرين لا يتصورون بديلاً عنها، بل ينظرون إليها بوصفها أرقى، أو أمثل، أو أفضل أنظمة الحكم، كما اعتبرها فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ" بأنها المرحلة الأخيرة في تطور البشرية الأيديولوجي.

لقد سبقنا مفكرو الغرب إلى تحرير شهادة الوفاة للديمقراطية، غير أنهم جعلوا من الواقع مصدراً للتفكير، فانحرفوا وجعلوا من الديمقراطية معياراً لأنظمة الحكم بدل أن يجعلوها هي نفسها موضعاً للتفكير، لأنهم قسموا أنظمة الحكم التي عرفتها البشرية إلى قسمين، فإما أن يسلم النظام بأهلية الشعب للحكم فيكون ديمقراطياً، أو لا يسلم بذلك فيكون إما الميرتوغراطية؛ أي حكم الكفاءات، أو الأوليغاركية وهو حكم القلة من أجل مصالحها، أو الأرستقراطية؛ أي حكم النبلاء، أو الأوتوقراطية؛ أي حكم الفرد، أو الثيوقراطية وهو حكم النخبة الدينية.

وبالنظر إلى هذه الأشكال يتم تفضيل الديمقراطية. لكن هل الديمقراطية هي حكم الشعب فعلاً؟ الإجابة قطعاً أن الشعب لا يحكم، ولا تحكم أغلبيته، بل الذين يحكمون هم الحكام الذين تختارهم صفوة من الرأسماليين أصحاب الثروات والنفوذ الذين يمتلكون الإعلام والمال.

أما ركن النظام الديمقراطي الركين فهو الحرية، وهو أيضاً كذبة أخرى تضاف إلى كذبة (حكم الشعب)، فالحرية كمصطلح سياسي غربي تعني: "تبني العلمانية والعيش وفق النمط الغربي كما حدده بارونات المال والإعلام والجنس"، أما الحرية بمعنى الانعتاق من كل القيود، وأن يفعل الإنسان ما يشاء فهذه فكرة خيالية لا وجود لها أصلاً، لأن الإنسان كائن مجتمعي يعيش في جماعة، ويستحيل عليه عقلاً أن يتحرر من قيود النظام، أو القوانين المنظمة لعيشه مع غيره، أو كما قال مونتسكيو في كتابه "روح القوانين": "الحرية هي حق فعل كل ما تسمح به القوانين"، إذاً على الإنسان أن يختار فقط بين أن يعيش عبداً لقوانين شرعتها صفوة من الرأسماليين، أو أن يكون عبداً لله ينظم حياته بقوانين من لدن اللطيف الخبير.

أما التعددية الغربية فهي تعددية داخل المبدأ الرأسمالي نفسه، لذلك حارب الأحزاب الشيوعية سابقاً، وحارب، وما زال يحارب الإسلام السياسي، ويصفه بالتطرف والراديكالية والأصولية، إن التعددية الغربية يقصد بها اختلاف الآراء والمشاريع، والأفهام الفكرية والسياسية داخل المبدأ نفسه، وهذه لا تعتبر ميزة للحضارة الغربية، بل هذه التعددية موجودة في الإسلام الذي يسمح بوجود الأحزاب على أساس عقيدة الإسلام.

والغرب كاذب في ادعائه حفظ حقوق (الأقليات)، فعلى الرغم من أنه قسم المجتمع إلى مجالين عام وخاص، حسب تقسيمات علماء السياسة والاجتماع، واعتبر أن الديمقراطية متميزة في السماح بالخصوصية والتنوع في المجال الخاص، أما المجال العام فيلزم به الجميع، وكل ذلك محض كذب، فالدول الغربية الآن تفرض قيمها ومفاهيمها في المجال الخاص، وتراقب المسلمين في كل كبيرة وصغيرة، وتحاسبهم على كل فكرة، وتمتحنهم في ثقافتها وحضارتها لتجبرهم على الذوبان في حضارتها، وقد ذكرت إذاعة البي بي سي أن 95% من الأغلبية الذين تم استطلاعهم في الامتحان الذي يعطى للمهاجرين رسبوا فيه!! وذلك أبعد ما يكون عن التعددية المدعاة. ولا شك أن الناظر في الحضارات ليجد أن مفهوم الذمة الذي يقول به الإسلام فكراً وممارسة هو أرقى وأضمن للحقوق من مفهوم (الأقليات) الغربي.

أما الانتخابات كأسلوب لاختيار الحاكم، فموجودة في كل الحضارات، ومنها الإسلام، وهو ليس ميزة للديمقراطية، بل الناظر للديمقراطية الغربية يجد أن الانتخابات تقع تحت مؤثرات كثيرة تخرجها من النزاهة، وليس أدل على ذلك مما قاله وفعله ترامب عندما أعلن فوز بايدن.

أما ثمار العيش في ظل الديمقراطية الغربية، فسوف آخذ نموذجاً لإحصائيات مأخوذة من أمريكا وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وكندا، تصف واقع هذه المجتمعات أمنياً واجتماعياً واقتصادياً:

-     يُقتل في أمريكا شخص واحد كل 17 دقيقة بالسلاح.

-     من بين كل ألف أمريكي يوجد 9 في السجون.

-     سنوياً يتعرض 100 ألف أمريكي للضرب بالرصاص، يموت منهم يومياً 89 شخصاً.

-     ينتحر يومياً 53 شخصاً.

-     قتلت الشرطة الأمريكية بدوافع عنصرية 1143 شخصاً في العام 2014 وحده.

-     في بريطانيا في العام 2016، سجل 50% من المواليد غير شرعيين.

-     83 ألف طفل لقيط سنوياً في بريطانيا بحسب الديلي تلغراف.

-     نسبة الجناية الزوجية في ألمانيا 46% للرجال، و43% للنساء.

-     سجلت ألمانيا خلال عام 2010 أكبر عدد للأطفال المولودين خارج نطاق الزواج في تاريخها، فقد كشفت مصادر مكتب الإحصاء الاتحادي في مدينة فيزبادن الألمانية أن واحداً من بين كل ثلاثة أطفال ولدوا العام الماضي لأبوين غير متزوجين. وقدر المكتب إجمالي عدد هؤلاء الأطفال بـ225 ألف طفل "DW".

-     نسبة الجناية الزوجية في فرنسا 55% للرجال، و32% للنساء. و60% من المواليد خارج إطار الزوجية.

-     هناك 19.7 حالة حمل لقاصر لكل ألف في بريطانيا بحسب الغارديان، يعني 2%.

-     في أمريكا تعرضت 20 مليون امرأة للاغتصاب والاعتداءات الجسدية.

-     تقول صحيفة (Family Relation) إن امرأة من كل امرأتين تتعرض للظلم والعدوان من زوجها.

-     في كندا تتقاضى المرأة فقط 72% من أجور الرجال حين قيامها بالعمل نفسه وامتلاكها الخبرات نفسها، وهو تقرير صادر عن منظمة أوكسفام كندا.

-     اقتصادياً بحسب أوكسفام في كانون الثاني/يناير 2019 فإن 26 شخصاً من أصحاب المليارات يملكون نصف ثروات سكان المعمورة.

-     في العام 2017م عندما كان الدين العالمي 217 تريليون دولار، كان كل إنسان على سطح الأرض رجلاً كان أم امرأة، أم طفلا، مديناً بحوالي 29 ألف دولار "سكاي نيوز عربية"، وفي العام 2021 ارتفع الدين العالمي إلى 296 تريليون دولار.

إن نظام الحكم الذي يمكنه عملياً رعاية الشئون يقوم في أصله على الإجابة عن ثلاثة أسئلة هي: بم يحكم؟ ومن يحكم؟ وكيف يحكم؟

ولقد أجاب مبدأ الإسلام عن هذه الأسئلة بإجابات مبدئية، متسقة، منطبقة على واقع الحكم، ليست بينها أجوبة وهمية، أو كاذبة، أو غير منطبقة على الواقع.

فالحكم يكون بالمبدأ الذي ارتضاه مجموع الناس، وهو في حالتنا مبدأ الإسلام.

والذي يحكم هو الذي تختاره الأمة صاحبة السلطان، وتعقد له البيعة عقداً شرعياً.

وكيف يحكم، فإنه يحكم بما أنزل الله في كتابه، وما جاء في سنة نبيه ﷺ، متبنياً أحكاماً شرعية، إما باجتهاده، إن كان الخليفة مجتهداً، أو باجتهاد غيره إن لم يكن من أهل الاجتهاد، ويجعلها دستوراً وقوانين يسير بها الحكم والسلطان، فإنه في مرحلة الرأي تتسع الدائرة حسب شكل أجهزة الدولة شرعاً، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، وفي مرحلة اتخاذ القرار فإنه أمر فردي: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾.

هذا هو نظام الحكم في الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 كلمة ألقاها الأستاذ المحامي حاتم جعفر (أبو أواب) عضو حزب التحرير / ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة بالإضافة لشباب حزب التحرير.

قدمها: الأستاذ المحامي حاتم جعفر (أبو أواب)*

 

الورقة الثالثة: الخلافة.. بوابة الخروج الآمن من النفق المظلم

 

  21 من رمــضان المبارك 1443هـ   الموافق   الجمعة, 22 نيسان/ابريل 2022مـ

رسماً للخط المستقيم أمام الخطوط المعوجة؛ أنظمة الحكم الغربية؛ من ديمقراطية رئاسية، أو برلمانية، أو إمبراطورية، أو ملكية دستورية أو غيرها، فإننا من خلال هذه الورقة نتحدث عن نظام الحكم في الإسلام الذي دلت عليه النصوص الشرعية، وعن انطباق أحكامه على واقع الحكم، بل وتميزه عن غيره من الأنظمة، ولولا عدو حاقد لئيم، ملك أمر المسلمين، فلم يأل جهداً، أو يدخر وسعاً للتضليل والتشويش على المسلمين، لولا هذا العدو ومكره الذي أفضى إلى غياب هذا النظام لأكثر من قرن، لولا ذلك لتهافت الناس من غير المسلمين في أرجاء المعمورة يطالبون بالعيش تحت ظل نظام الإسلام، وهم المظلومون والبؤساء والتعساء، وإن غداً لناظره قريب.

إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة؛ وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعا في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، على رأسها الخليفة الذي ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع، وحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد، والخليفة إنما ينصبه المسلمون لأن واقعه أنه نائب عن الأمة، لأنها صاحبة السلطان، ويكون تنصيب الخليفة بالعقد الشرعي (عقد البيعة) بين الأمة أو من يمثلها من أهل الحل والعقد، وبين الخليفة، وتنعقد بيعة الانعقاد الشرعية بالرضا والاختيار.

وإقامة الخلافة فرض على المسلمين والتقصير في القيام بهذا الفرض معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب. والأدلة على ذلك مستفيضة نأخذ منها ما ورد في الكتاب من أمر الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ أن يحكم بين الناس بما أنزل الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، وخطاب الرسول ﷺ خطاب لأمته طالما لم يرد دليل التخصيص.

وفي السنة المطهرة ما رواه مسلم عن طريق نافع قال، قال ﷺ: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

ومن ذلك أيضاً إجماع الصحابة على إقامة خليفة لرسول الله ﷺ، وخليفة من بعده لأبي بكر الصديق، ثم لعمر رضي الله عنهم أجمعين، بالإضافة إلى القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

والخلافة منصب دنيوي بشري، وهي ليست منصباً أخروياً، فالخليفة هو شخص من المسلمين، وظيفته أن يطبق الشرع على المسلمين، ويحمل الإسلام إلى العالمين، لذلك فإن الذين يتولون منصب الخلافة هم بشر وليسوا أنبياء، يجوز في حقهم ما يجوز في حق المسلمين من الخطأ والنسيان والمعصية، وفي ذلك قال رسول الله ﷺ فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ».

وفي ظل الخلافة لا توجد حصانات حتى لخليفة المسلمين، فهو يحاسب ويمثل أمام القضاء، ويعزل، وقد مثل سيدنا علي بن أبي طالب أمام القاضي شريح في القصة المشهورة، وكان لا يملك شهوداً إلا ابنيه الحسن والحسين، فحكم القاضي شريح لصالح الرجل اليهودي، وقال القاضي شريح لعلي كرم الله وجهه: "لم تجلب شهوداً مسبقاً وهذا الرجل أقسم بالله أن الدرع ملكه.. البينة على المدعي واليمين على من أنكر".

والخلافة دولة متميزة بشكلها وجهازها وأحكامها، وهي وحدها التي تشكل بوابة الخروج الآمن من نفق الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد للآتي:

أولاً: الخلافة هي الدولة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية، وتوصل الإسلام صافياً نقياً إلى سدة الحكم، بعيداً عن محاولات تطبيق بعض أحكام الإسلام في قوالب الدويلات الوطنية، والتي شكلت تجارب فاشلة، كانت حقيقتها وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم لكنهم عجزوا عن إيصال الإسلام إلى سدة الحكم.

أما الشريعة الإسلامية والتي لا تطبقها إلا الدولة التي دلت عليها النصوص الشرعية وهي دولة الخلافة، فإن هذه الشريعة هي نظام كامل للحياة؛ في الحكم والاقتصاد، والاجتماع وسياسة التعليم، والسياسة الخارجية، ولكل هذه المنظومة من الأحكام التي جاء بها الوحي العظيم، وهي من لدن حكيم خبير: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

وقد صاغ حزب التحرير باجتهاد صحيح هذه الأحكام في مشروع دستور ومنظومة تشريعية قابلة للتطبيق عند إقامة الخلافة متى يأذن الله لفجرها بالإشراق.

ثانياً: الخلافة هي دولة الرعاية، بل هي الدولة الوحيدة على مر التاريخ الإنساني التي ترعى شئون الرعية بالعدل والإحسان، وتنصر المستضعفين في أرجاء المعمورة، فالخلافة ترعى شئون رعيتها من المسلمين وغير المسلمين بلا مَن ولا أذى ولا مقابل مادي، يقول رسول الله ﷺ: «فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». والإمام الراعي هو الذي قال عنه الحسن البصري في وصيته للخليفة عمر بن عبد العزيز: (... والإمام العادل كالراعي الشفيق، والحازم الرفيق، الذي يرتاد لغنمه أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكفيها أذى الحر والقَر. والإمام العادل كالأب الحاني على ولده؛ يسعى لهم صغاراً، ويعلِّمهم كباراً، ويكسبهم في حياته، ويدخر لهم بعد وفاته. وكالأم الشفيقة، البرة الرفيقة، حملت ولدَها كُرهاً، ووضعته كُرهاً؛ تسهد إذا سهد، وتسكن إذا سكن، ترضعُه تارةً، وتُفطِمُه أخرى، تفرَحُ بعافيته، وتهتم بشكايته. والإمام العادل كوصي اليتامى، وخازن المساكين؛ يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العادل كالقلب بين الجوارح؛ تصلُحُ بصلاحه الجملة، وتفسد بفساده. والإمام العادل هو القائمُ بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله فيسمعهم، ويبصر آثار نعمة ربهم فيبصِّرهم، وينقاد إلى أوامر الله تعالى ويقودهم).

ثالثاً: لأن الخلافة هي الدولة الوحيدة التي تكرم، بأحكام الإسلام، غير المسلمين من رعايا الدولة، فلا يتعرضون لأي نوع من التمييز، ولا يجبرون على الذوبان في مجتمع المسلمين كما يفعل الغرب الكافر الدعي بالمسلمين الآن، لذلك ورد في المادة السادسة من مشروع دستور دولة الخلافة: "لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك"، لذلك كان عقد الذمة الذي يعطى لغير المسلمين من رعايا الدولة أكثر إنصافاً ورعاية من فكرة (الأقليات) الموجودة في الحضارة الغربية، لأنه وبموجب عهد الذمة، فإن أهل الذمة لهم ما لنا من الإنصاف، وعليهم ما علينا من الانتصاف، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾.

رابعاً: الخلافة بتطبيقها للأحكام الشرعية تكرم المرأة، وترتفع بها إلى مستوى العبودية لله، بعيداً عن حضارة الغرب الزائفة، التي ما زالت تبحث عن كيفية إنصاف المرأة، واتخذت من مساواتها بالرجل طريقاً لزيادة شقائها، وهي تحسب أنها تحسن صنعاً.

خامساً: الخلافة هي الدولة الوحيدة القادرة عند إقامتها على اقتلاع نفوذ الغرب الكافر من بلاد المسلمين، وإغلاق سفارات الدول الاستعمارية الطامعة في بلادنا، وكنس الوسط السياسي الديمقراطي العلماني المتخابر مع سفارات الأعداء، وإيجاد وسط سياسي على أساس الإسلام.

سادساً: الخلافة دولة عالمية بعالمية مبدأ الإسلام العظيم، تعد القوة استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، فهي دولة تسعى لحمل الإسلام إلى العالم، لذلك فهي تأخذ بكل أسباب القوة لتكون الدولة الأولى في العالم كما كانت من قبل 13 قرناً من الزمان.

سابعاً: الخلافة هي الدولة الوحيدة القادرة على تغيير الشرعة الدولية، وهدم مؤسساتها الرأسمالية الظالمة التي كانت سبباً في شقاء الإنسانية، فالدولة الإسلامية عندما كانت الدولة الأولى في العالم، جلبت الخير والطمأنينة للإنسانية جمعاء.

ثامناً: الخلافة هي الدولة التي يعول المستضعفون في أرجاء المعمورة على نصرتها، لأن نصرة المستضعفين من أحكام الفكرة التي تقوم عليها الدولة: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾.

تاسعاً: حمل رسالة الإسلام إلى العالم، وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام، وسوق الناس، ولو بالسلاسل إلى جنة عرضها السماوات والأرض بالحجة والإقناع، وما يرون من عدل الإسلام فيدخلون في دين الله أفواجاً.

عاشراً: الخلافة هي التي تجمع شعث أمة الإسلام في دولة واحدة، وأمة واحدة، تحت راية واحدة، تعز المسلمين، وتذل الكافرين.

هذه عشرة كاملة كل واحدة منها كفيلة بأن تجعل المسلمين يدفعون الغالي والنفيس من أجل إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة اليوم قبل الغد، فكيف لو أن العشرة مجتمعة، وهي غيض من فيض الحياة في طاعة الله، ومعيته، ونصره، ثم رضوان من الله أكبر.

ومن هنا ندعو جميع إخواننا السياسيين، والإعلاميين، وكل المهتمين بأمر العامة أن ضعوا أيديكم على أيدينا في حزب التحرير لنعيد صرح الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهي وعد ربنا سبحانه، وبشرى نبينا ﷺ القائل: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فهي البوابة الوحيدة للخروج الآمن من النفق المظلم الذي تعيشه أمتنا.

 كلمة ألقاها الأستاذ إبراهيم عثمان (أبو خليل) الناطق الرسمي لحزب التحرير/ ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة، بالإضافة لشباب حزب التحرير.

قدمها: الأستاذ إبراهيم عثمان (أبو خليل)

الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

No comments:

Post a Comment