Wednesday, May 29, 2019

الرسالة الرابعة والعشرون ذكرى معركة عين جالوت (2)

الرسالة الرابعة والعشرون ذكرى معركة عين جالوت (2)

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الرابعة والعشرين من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، نتابع معكم فيها الحديث عن (القسم الثاني والأخير) من "ذكرى معركة عين جالوت"".
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
ولما اشتدَّ القتال، ألقى قطز خُوذته على الأرض، وصاح بأعلى صوته: وا إسلاماه! وحمل بنفسه على التتار، فازداد نشاط جند المسلمين وهجموا على التتار في عنف، حتى إنَّ قائدهم الأعلى كتبغا خرَّ قتيلًا! وكان ذلك إيذاناً بانهيار معنوية التتار، واضطراب صفوفهم، ذلك أنَّ كتبغا كان خيرَ قوادهم الحربيين، يعتمدون على رأيه وشجاعته وتدبيره، وهو الذي احتل بلاد فارس والعراق، وكان هولاكو ملك التتار يثق به، ولا يخالفه فيما يشير به. وذهل التتار من هذا القتل الذي حلَّ بهم، وأرادت البقية الباقية من شجعانهم أن تستأنف الحرب، فجمعت صفوفها مرة أخرى، وهجمت على قوات المسلمين بشدة وعنف، حتى صار القتال أشبهَ بالزلزال، من تقارع السيوف وآلات الحرب. وهنا صاح قطز مرة أخرى أثناء القتال: وا إسلاماه! ثلاث مرات تشجيعاً لجنده، ودلالة على اشتراكه بنفسه في الحرب، كما أخذ يردد: «يا الله، انصر عبدك قطز على التتار»! وكأنَّما استجاب الله لهذا النداء، فحلَّت بالتتار هزيمة نكراء، قضت على معظم فرسانهم وشجعانهم. وعندئذٍ نزل قطز عن جواده، ومرَّغ وجهه بالأرض وقبلها، وصلى رَكعتين شكراً لله تعالى. وبلغت أنباء هذا النصر بلاد الشام بعد يومين من المعركة، فأخذ أهلها يهتفون ويرددون أناشيد الفوز والسرور، وفرَّ عملاء التتار ونوَّابهم من المدينة، بعد أن سيطروا عليها سبعة أشهر وعشرة أيام. ثمَّ ازدادت جرأة الأهالي وحماستهم، وهجموا على ممتلكات التتار، كما أنزلوا العقاب القاسي بكل من سقط في أيديهم من الخونة. وتابع السلطان قطز السير إلى دمشق، ولما وصل طبرية بعث إلى سلطان الشام يخبره بما ناله من نصر، ويحث الأهالي على التمسك بالنظام، وتجنب الفوضى. وفي شهر رمضان دخل دمشق، ونزل بقلعتها حيث استقبله الأهالي بالترحاب، وتضاعف شكر المسلمين لله تعالى على هذا النصر العظيم! وبادر قطز وهو في دمشق إلى إرسال ركن الدين بيبرس على رأس قوة لمطاردة التتار في شمال الشام، وتطهير البلاد منهم  نهائياً. وكان لهذا الزحف الإسلامي تأثير في النفوس،  وأصبح التتار في ذعر شامل، وشربوا من الكأس التي جرَّعوها لضحاياهم من قبل، فلما علموا بأنَّ القوة الإسلامية على رأسها ركن الدين بيبرس قد اقتربت من حمص، ألقوا ما معهم من متاع وأسلاب، وأطلقوا الأسرى، وطلبوا النجاة لأنفسهم، واستطاعت جيوش المسلمين أن تنزل بفلول التتار هزيمة فادحة، جعلت هولاكو صاحب خطة غزو الشام يفقد صوابه، ولا سيَّما بعد أن قتل نائبه كتبغا ورأى نهاية مجهوداته تكلل بالخزي والعار! ومما زاد في شأن وقعة عين جالوت أنها لم تكن نصرًا مادياً فحسب، بل إنقاذًا من عقدة نفسية رسخت في أذهان المسلمين عن وحشية التتار، وزحفهم الذي لا يقاوم، إذ كانت تلك أول لطمة قاتلة نزلت في الشرق بجيوش التتار، بل كانت بمثابة المعجزة التي لم ينتظر أحد حدوثها. وما كاد المسلمون يبرأون من هذا المرض النفسي العضال حتى أخذوا يحصنون أنفسهم بالتضامن ويسيرون قُدُماً في سبيل الجهاد، حتى حرروا ديارهم من التتار، واستعادوا مكانتهم بين أمم العالم أجمع. فرحم الله أياماً كان فيها المسلمون مسلمين حقاً، وعجل الله أيامًا يُعز فيها الإسلام وأهله، ويذل فيها الكفر وأهله.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.
   25 من رمــضان المبارك 1440هـ   الموافق   الخميس, 30 أيار/مايو 2019مـ

No comments:

Post a Comment