Wednesday, May 29, 2019

الرسالة الثالثة والعشرون: ذكرى معركة عين جالوت (1)

الرسالة الثالثة والعشرون: ذكرى معركة عين جالوت (1)

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.
مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة الثالثة والعشرين من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، وهي بعنوان: "ذكرى معركة عين جالوت" (القسم الأول).
إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:
معركة عين جالوت من المعارك التي حدثت في شهر رمضان وتحديداً في يوم الجمعة الخامس عشر من رمضان سنة 658هـ وقد شاءت الأقدار أن تجعل معركة تحرير بلاد المسلمين من خطر التتار على أرض فلسطين التي سبق أن خلَّد على ترابها السلطان صلاح الدين الأيوبي انتصاراته الرائعة على الصليبيين. وذلك أن قطز سلطان مصر استمرَّ على خطته التي تستهدف المبادرة بالهجوم على التتار الذين عاثوا في أرض الشام خراباً وتدميراً، فأمر قائده الباسل ركن الدين بيبرس أن يتابع إغاراته الجريئة على قوات التتار المبعثرة في سائر أنحاء البلاد، وأن يتصدى لطلائعهم التي دأبت على إثارة الفزع والرعب في نفوس الأهالي، وأثبت بيبرس مهارة فائقة في مناوشة التتار، حتى اختبر قوتهم، ومواضع تجمعاتهم، وصار على علم بكل تحركاتهم! وبعث بيبرس بتقاريره إلى قطز الذي تابع السير حتى انضم إلى بيبرس عند عين جالوت بين بيسان وجنين بفلسطين. ونظَّم قطز القوات المصرية الشامية عند هذا الموقع الجديد، وجعلها على أهبة الاستعداد لقتال التتار، ثمَّ أمر بعقد مؤتمر حربي، حضره رؤساء الفرق الحربية، لرسم خطة المعركة، فحضَّهم على القتال، وذكَّرهم بما أوقعه التتار بالمسلمين من القتل والسبي والحريق، وخوَّفهم من وقوع مثل ذلك، وحثَّهم على استنقاذ الشام من التتار، ونصرة الإسلام والمسلمين، وحذَّرهم عقوبة الله. وقد كان خطاب قطز مؤثِّراً حتى إنَّ الأمراء ورؤساء الفرق الحربية أجهشوا بالبكاء، وأقسموا أغلظ الأيمان على التضحية والجهاد.
واستعدَّ كتبغا نائب هولاكو في الشام، عندما بلغه زحف القوات المصرية الشامية، فأصدر أمره بجمع جند التتار المتفرقين في سائر أنحاء البلاد، وتنظيم صفوفهم عند عين جالوت.
وفي يوم الجمعة، الخامس عشر من رمضان سنة ستمائة وثمان وخمسين هجرية، التقت مقدمة قوات المسلمين بطلائع التتار، وأنزلت بهم هزيمة فادحة! وفي صبيحة اليوم التالي استطاع التتار أن يعيدوا تنظيم صفوفهم، واحتلوا المنطقة الجبلية من مسرح القتال، ليسيطروا على الميدان، حتى صار منظرهم يبعث على الرهبة في النفوس، ولا سيَّما أنهم كانوا متحفزين للانتقام، والدخول في معركة حاسمة. وزاد في خطورة الموقف الذعر الذي ساد أهل القرى المجاورة، والضوضاء التي امتلأ بها وادي عين جالوت. قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الإمامُ جُنَّة يُتَّقى به ويُقاتلُ من وَرَائِه». فعندما اصطدم العسكران، أظهر السلطان قطز مهارة وشجاعة نادرة في القتال. وَرَفَعَ روح الجند المعنوية، فاشترك بنفسه في المعركة، وحدث أنَّ جواده أصيب بسهم أرداه. فنزل قطز من على جواده، وصار يحارب على قدميه. ورآه أحد الأمراء الأبطال، فترجَّل عن جواده وقدَّمه له، فامتنع قطز من ركوبه وقال له: «ما كنت لأمنع المسلمين من الانتفاع بك في هذا الوقت!» وظلَّ قطز يحارب على قدميه، حتى جاءه أتباعه بجواد آخر!
اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.
  24 من رمــضان المبارك 1440هـ   الموافق   الأربعاء, 29 أيار/مايو 2019مـ

No comments:

Post a Comment