Wednesday, August 28, 2019

نفائس الثمرات: الزهد على درجات ثلاث

نفائس الثمرات: الزهد على درجات ثلاث
قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: الزهد في نفسه يتفاوت بحسب تفاوت قوته على درجات ثلاث:
*
الدرجة الأولى وهي السفلى: منها أن يزهد في الدنيا وهو لها مشته وقلبه إليها مائل ونفسه إليها ملتفتة، ولكنه يجاهدها ويكفها، وهذا يسمى المتزهد، وهو مبدأ الزهد في حق من يصل إلى درجة الزهد بالكسب والاجتهاد، والمتزهد يذيب أولاً نفسه ثم كيسه والزاهد أولاً يذيب كيسه ثم يذيب نفسه في الطاعات لا في الصبر على ما فارقه، والمتزهد على خطر، فإنه ربما تغلبه نفسه وتجذبه شهوته فيعود إلى الدنيا وإلى الاستراحة بها في قليل أو كثير.
*
الدرجة الثانية: الذي يترك الدنيا طوعاً لاستحقاره إياها بالإضافة إلى ما طمع فيه، كالذي يترك درهماً لأجل درهمين، فإنه لا يشق عليه ذلك وإن كان يحتاج إلى انتظار قليل، ولكن هذا الزاهد يرى لا محالة زهده ويلتفت إليه، كما يرى البائع المبيع ويلتفت إليه فيكاد يكون معجباً بنفسه وبزهده، ويظن في نفسه أنه ترك شيئاً له قدر لما هو أعظم قدراً منه، وهذا أيضاً نقصان.
*
الدرجة الثالثة وهي العليا: أن يزهد طوعاً ويزهد في زهده فلا يرى زهده، إذ لا يرى أنه ترك شيئاً، لأنه عرف أن الدنيا لا شيء فيكون كمن ترك خزفة وأخذ جوهرة، فلا يرى ذلك معاوضة، ولا يرى نفسه تاركاً شيئاً والدنيا بالإضافة إلى الله تعالى نعيم الآخرة أخس من خزفة بالإضافة إلى جوهرة، فهذا هو الكمال في الزهد. وسببه كمال المعرفة، ومثل هذا الزهد آمن من خطر الالتفات إلى الدنيا، كما أن تارك الخزفة بالجوهرة أمن من طلب الإقالة في البيع.
فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب/ الجزء الخامس
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  28 من ذي الحجة 1440هـ   الموافق   الخميس, 29 آب/أغسطس 2019مـ

No comments:

Post a Comment