Sunday, July 24, 2016

بغياب راية العقاب انتشر في السماء الغراب

بغياب راية العقاب انتشر في السماء الغراب

بعد أن كانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم في كل شيء: سياسياً وعسكرياً وعلمياً وحضارياً، أتى الاستعمار وتكالبت الدول الاستعمارية عليها وذلك من بداية القرن العشرين حتى اليوم، وقسّموا البلاد الإسلامية إلى أكثر من خمسين كياناً هزيلاً، ونصبوا على كل كيان منها ناطوراً بل عبداً ذليلاً لهم، يحمي مصالحهم وأفكارهم وينفذ مخططاتهم الخبيثة على أبناء الأمة، فرُسمت الحدود المصطنعة وجُعل علم خاص لكل دولة وذلك من باب (فرق تسد)، فقد وضعها الاستعمار لتفريق المسلمين، بحيث ينتمي ابن مصر إلى مصريته وابن فلسطين إلى فلسطينيته وابن الأردن إلى أردنيته... لننسى أننا جميعاً أمة واحدة يجمعنا دين واحد وكتاب واحد وراية واحدة وهي راية رسول الله راية العقاب التي كانت توحد جميع المسلمين تحتها، حيث كان للمسلمين عزة ما بعدها عزة، ولم يكن أي شخص في الدنيا يجرؤ على المساس بأي مسلم أينما حل أو ارتحل.
بعد أن طُبِّق الإسلام قرابة أربعة عشر قرناً من الزمان، وكانت الدولة الإسلامية هي منارة للعالم تنشر النور والعدل بين الناس وتحافظ على حياتهم وتعمل على سعادتهم في الدارين. وبعدما كانت سماء الخلافة صافية وشمسها ترسل أشعتها لتضيء للتائهين طريق النجاة، تلبدت سماؤها بالغيوم وانقشعت الشمس وراء الأفق فلا تكاد تسمع بعدها إلا بكاء المظلومين وآهات الحيارى وأنين اليتامى والجرحى والثكالى. لقد أضحت الأمة اليوم في ذيل الأمم يتحكم في شؤونها عباد المال وأصحاب المصالح الدنيوية، ينهبون خيراتها ويذبحون أبناءها ويغتصبون نساءها على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكناً.
غابت راية العقاب التي بقيت رمز المسلمين وعَلَمهم منذ زمن الرسول حتى نهاية دولة الخلافة العثمانية عام 1342هـ، 1924م. هذه الراية التي سمّاها رسولنا بالعقاب لتكون لدولة المسلمين من الصفات بين دول العالم ما للعقاب من الصفات بين غيره من جوارح الطيور لتكون دولة عزيزة منيعة مهيبة ترعب أعداءها وتفتك بمن يتجرأ على دينها. فحملها المسلمون الأوائل، ونشروا الإسلام في شتى بقاع الأرض، وحملوا هذا الدين تحت ظلها فكسروا الحواجز المادية والقيود التي تحول دون بلوغ هذا الدين للناس، فكانت الراية، راية العقاب خفاقة في سماء الدولة الإسلامية، حيثما حلّت حلّ السلام والأمن والأمان.
لم تعد لراية المسلمين العقاب قائمة، بل أصبح كل مسلم يعتز بعلم دولته الذي وضعه الاستعمار لها، وأصبحت الرابطة التي تربط المسلمين هي الرابطة الوطنية أو القومية أو المصلحية، مما زاد الفرقة والأنانية والتمزق بين أبناء الأمة الواحدة. وبتنا نسمع أنين أطفالنا وصرخات نسائنا ونرى دماء المسلمين الزكية تسال على أيدي أعدائنا، فوصفونا بالإرهابيين وأعلنوا الحرب على كل المسلمين، فسالت الدماء وعمَّ الخراب فانتشر في سماء بلاد المسلمين الغراب.
أصبح المسلمون مِزقا يطأ بلادهم كل أعداء الإسلام من الدول الكبرى وحتى الدول الصغرى...! فتطير طائرات التحالف وتصول في سماء بلاد المسلمين تلك الغربان السوداء التي تجتمع على سفك دماء أطفالنا ونسائنا ورجالنا، وتقصف أهدافها فيهلل حكام المسلمين ويفرحون بإنجازاتها لأنها ضد "الإرهابيين"!! يُساء إلى القرآن فلا يتحركون، ويساء إلى الرسول فلا تغلي الدماء في عروقهم، وتُنتهك الحرمات والمقدسات والجيوش رابضة في ثكناتها لا يحركها الحكام إلا ضد الناس، فيستأسدون على الضعفاء ويحيط بهم الجبن ويدفنون رؤوسهم في الرمال كالنعامة أمام الأعداء حتى وصلت الحال إلى ما نحن عليه اليوم.
فقر وضياع وقتل ودمار، والمسلمون ليسوا بقلة ولكنهم غثاء كغثاء السيل يدافعون عن أعلام وحدود سايكس بيكو، والمسلمون هم قلة ولكنهم كالقابض على جمر ملتهب من الفرقة والتشتت والضياع، فطوبى للغرباء والله غالب على أمره وحافظ لدينه حتى قيام الساعة. قال : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل الله به الكفر وأهله». وقال ربنا وقوله الحق ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾. ورغم اشتداد الدجى فإن خيوط الفجر تحاك من أبطال باعوا أنفسهم لله، ونساء نذرن لله ما في البطون، فلله درهم في كل مكان، ألا إن نصر الله قريب، ألا إن نصر الله قريب.
أيها المسلمون بعامة... ويا أهلَ القوة والمنعة بخاصة
إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، حكم بالإسلام في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ترفرف في سمائها راية العقاب، راية رسول الله ، بالطريقة نفسها التي بلغ الرسول رسالة الإسلام بها، بإيجاد كتلة قائمة على الإسلام وليس غير، تتفاعل مع الأمة وتطلب نصرة أهل القوة فيها، حتى ينصرها الله سبحانه وتعالى وتقيم حكم الإسلام ودولة الإسلام. هذا هو صلاح الأمر، وبهذا وحده تنهض الأمة من سقوطها، وتقوم من كبوتها، وتعود سيرتها السابقة، خلافة راشدة، تطبق الإسلام في الداخل وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فينصرها الله العزيز الحكيم ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
20 من شوال 1437هـ   الموافق   الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016مـ

No comments:

Post a Comment