Tuesday, March 29, 2016

جريدة الراية: إصلاحات العبادي واعتصامات الصدر سراب يحسبه الظمآن ماء...

جريدة الراية: إصلاحات العبادي واعتصامات الصدر سراب يحسبه الظمآن ماء...

2016-03-27
 قود مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، حملة كبرى، من التظاهرات الأسبوعية من أجل إبعاد الفاسدين والجهلة والفاشلين والطائفيين عن الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط، (كما يزعم ويعلن في خطابه في ساحة التحرير من خلف غرفة زجاجية مدرعة)، وأعطى بتهديد علني مدة 45 يوما للدخول إلى المنطقة الخضراء، ورد عليه حيدر العبادي رئيس الوزراء متهما إياه بأنه (يعين وزراء فاسدين ويفرضهم عليه ولا زالوا متمسكين بهم) وأنه يرفض تهديداته وتحشيداته، وهكذا توالت التهديدات بين الطرفين، ثم في جمعة تالية لم يستطع مقتدى الصدر بعد رد العبادي أن يصبر 45 يوما لكي يهجم على المنطقة الخضراء، فأعلن عن تظاهرة (مليونية) أمام أبواب القصر الجمهوري للمنطقة الخضراء، لكي يثبت للعبادي وخصومه، أنه قادر على دخول القصور وتغيير نظام الحكم والاستيلاء على السلطة بانقلاب يقوده مع تياره، فاجتمع مع عمار الحكيم لهذا الغرض ولكن الاجتماع فشل وخرج الطرفان بلا اتفاق، وقرر أن يصل بتظاهرته إلى أبواب القصر، ممهدا لها بتصريحات وتوجيهات لأنصاره، أن لا تمسوا ممتلكات الدولة ولا تخربوها ولا تسرقوا شيئا منها، وأصدر فتواه أنه (ممنوع الفرهود).
وفي خطابه الذي حمل مشروع الإصلاح، جاءت المفاجأة الكبيرة على لسانه، فقد أكد في خطابه أكثر من مرة أنه لا يوجهه للسياسيين، وإنما يوجهه للتيار الصدري وللشعب العراقي. وكان يقصد بالسياسيين المسؤولين الحكوميين. وهنا تأتي المفاجأة، فكل فقرات المشروع الذي طرحه كان يتعلق بإجراءات عامة لا يستطيع الشعب العراقي تنفيذ واحدة منها على الإطلاق، إنما هي من اختصاص السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. لقد دعا السيد الصدر مثلاً إلى تشكيل لجان متخصصة للتحقيق في صفقات السلاح ومحاسبة المتورطين في فسادها، ومحاسبتهم وإحالتهم إلى القضاء، والتدقيق في العقود الحكومية، وإحالة المتورطين في سقوط الموصل وجريمة سبايكر إلى المحاكم، ودمج قوات الحشد الشعبي في القوات الأمنية، وتشكيل مجلس إعمار وتعيين قضاة يتمتعون بالنزاهة وغير ذلك من المقترحات العامة التي لا يستطيع الشعب أن يخطو فيها خطوة واحدة، فما هي سلطة الشعب حتى يعزل ويحاكم ويدقق العقود ويصدر القرارات ويرشح القادة العسكريين ويصوت عليهم ويُقصي القضاة ويُعين غيرهم؟
ما دعوة مقتدى للتصدي للإصلاح إلا أكذوبة صدقها الكثير من أبناء البلد، ففي برنامجه الإصلاحي العديد من التناقضات والتهافت من حيث يعلم أو لا يعلم، ولعله أعد له مسبقاً من قبل أجندات طالما ارتبط بها وبمشروعها الذي أضر بالشعب العراقي. فلا يصح ولا يعقل أن يطرح مشروعاً ضد الفساد وهو وأتباعه من الوزراء والمدراء العامين والبرلمانيين جزء كبير من ذلك الفساد. فمن غير المعقول أن يضع الصدر خارطة طريق لمستقبل بلد هو جزء من خرابه ودماره. فهذا الرجل على الرغم من كونه لا يمتلك أدنى المؤهلات العلمية الحوزوية أو حتى الأكاديمية لقيادة فئة قليلة من المجتمع فضلاً عن قيادة آلاف الناس بحجة أنه الوريث الشرعي لآل الصدر. حتى أمست كلمة (آل) لا تفارق خطابه ولقاءاته لكونها السبيل الوحيد لإدامة التوجه والاستغفال في قيادة شعب كبير أحب المرجع الصدر الثاني، فالرجل أصيب بهوس الزعامة التي جاءته عن طريق الوراثة التي يعتبرها مغنماً كبيراً في تحقيق مآربه. فهو ينتقد المليشيات ويصفها بالوقحة والمجرمة وهو من يملك تلك المليشيات التي تقتل وتسفك دم أهل العراق بدم بارد، وكذلك انتقاده للحكومة العراقية وهو شريك مهم فيها وداعم حقيقي لها، بل هو من أعطى تأييده للمالكي من خلال ولايتين للحكم مارس فيهما أشد أساليب القمع والبطش والتنكيل وكان أداة أمريكية إيرانية في تحقيق مشاريعهما في العراق والمنطقة.
عندما يثور مقتدى الصدر ويقود تظاهرات لإيهام الشارع العراقي وتضليله والضحك عليه، وهو يعلم ونحن نعلم أن مظاهراته واعتصاماته ما هي إلا (زوبعة في فنجان)، أغراضها واضحة، فالسيد مقتدى دائما ما يتحفنا بقرارات ويتراجع عنها، ثم إذا كان السيد مقتدى جادا في تظاهراته واعتصاماته، لماذا لا يصدر قرارا بإقالة نوابه ووزرائه من الحكومة، إذا كان ثائرا عليها ويتهمها بالفساد والفشل وأنها سبب خراب ودمار العراق، ألم يعلم أن وزراءه هم أفسد من في الحكومة، إن اعتصامات مقتدى الصدر هي لذر الرماد في عيون الشعب، لتبرئة ذمته وساحته من أتباعه الفاسدين، ولتحقيق مكاسب ومناصب واسعة، وليس لخدمة الشعب وإنقاذه من الكارثة التي هو فيها. يتوهم من يعتقد أن الأزمة التي يمر بها البلد هي في تشكيل الحكومة الحالية، رغم الصراعات الظاهرة بين الكتل والأحزاب الحاكمة فيها، والتي قد تصل حد التصفيات الجسدية والتسقيطات السياسية وغيرها، إن الأزمة هي في نظام الحكم التحاصصي الطائفي، هنا بيت داء الحكومات المتعاقبة التي شكلها الاحتلال الأمريكي على يد المجرم بول بريمر الحاكم المدني للاحتلال سيئ الصيت، وما يشهده العراق الآن من خراب ودمار وتهجير وقتل وظهور تنظيم الدولة والميليشيات، ما هو إلا نتيجة طبيعية لنظام تحاصصي طائفي مقيت، أدخل العراق في نفق الاحتراب الطائفي السياسي، وتسلط تنظيم الدولة والمليشيات ومن وراءهم على مصير العراقيين بين قتيل ومهجر ومختطف ومعتقل، تمهيداً إلى تقسيمه إلى دويلات وطوائف وأعراق إثنية وقومية ودينية، لهذا فإن عملية تشكيل حكومة التكنوقراط التي يقاتل العبادي من أجل تشكيلها مع الفرقاء والكتل السياسية، والتي دعا إليها الصدر بتظاهراته لن يحل الأزمة ولن ينقذ العراق من التشرذم والاحتراب وتمدد تنظيم الدولة وتغول الميليشيات الطائفية.
لهذا فإن إصلاحات العبادي لا قيمة لها، وإن اعتصامات مقتدى الصدر لا قيمة لها، لأنها ترقيع فاسد لعملية سياسية فاسدة من أعلاها إلى أسفلها، وهي عبارة عن توافقات وترضيات وتبادل كراسي ومناصب بين الكتل والأحزاب الطائفية التي تدير العملية السياسية منذ بدء الاحتلال وحتى يومنا هذا، والتي بفضلها وبسببها وصل العراق إلى ما وصل إليه من خراب ودمار وتهجير وحرب طائفية قذرة. العراق لا يمكن إنقاذه بإصلاحات وترقيعات وتظاهرات مدفوعة الثمن، يقوم بها مقتدى وتياره، ومتفق عليها بين أطراف العملية السياسية، في حين تقمع مظاهرات بنفس المطالب الشرعية التي يطالب بها مقتدى الآن، انطلقت في الأنبار ونينوى وديالى وسامراء والحويجة، وكلها قمعت وقتل الناس فيها وأحرقت خيمهم من قبل المالكي، وعصابات حزب الدعوة، فلماذا لا تقمع مظاهرات الصدر ويطلق عليهم الرصاص الحي وهم على أبواب المنطقة الخضراء؟! وعليه فإن اعتصامات مقتدى وجدت لتبقى الأوضاع في فوضى وفساد بلا تغيير، ويبقى الموقف الإيراني واضحاً وهو مراقبة ودعم المظاهرات لامتصاص نقمة الشارع العراقي الذي وصل حد الانفجار بسبب سياسات الحكومات الطائفية وتمرير حكومة ترضي إيران وتتبع لأوامرها. وأما الموقف الأمريكي فقد صرح السفير الأمريكي في العراق هذا اليوم بأنه يدعم الإصلاحات ولا يتدخل في شوؤن العراق أو التظاهرات والاعتصامات، مما يدل على أن أمريكا مهتمة بالأمر وتتابعه وهو دليل تخوف أمريكي من تظاهرات الصدر لأنها تزيد من تدهور الأوضاع وتخلط الأوراق على إدارة أوباما التي تدعي أنها في معركة مع تنظيم الدولة، ولا تريد مزيدا من الفوضى في بغداد، والمدن العراقية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، بمعنى لا تريد أن تفتح جبهات أخرى لها داخل بغداد تخلق لها مزيداً من المشاكل.
ومن يتابع الاستراتيجية الأمريكية في العراق وعموم المنطقة، يرى أنها تمسك العصا من الوسط، فهي تدعم جميع الأطراف المتصارعة، وجميع الأنظمة المتخاصمة، انطلاقا من مقولة المفكر المتصهين هنري كيسنجر عراب سياستها (إن أمريكا لا تساعد فى حل مشاكل العالم ولكنها لا بد وأن تمسك بخيوط هذه المشاكل لتديرها نحو مصالحها القومية) فهي تدعم الجميع لإشعال الحرب بين الجميع، فهي تدعم تنظيم الدولة ضد المليشيات في العراق وتدعم الشيعة ضد السنة وتدعم المليشيات ضد السنة وتدعم كتلاً سياسية داخل العملية السياسية لحكومة العبادي لخلق صراعات بينهم وهكذا.
وبالتالي فإن سبب فقدان الأمن والأمان والقتل والتهجير وسوء الخدمات هي القوات الغازية المحتلة ومن جاءت بهم لحكم البلد، وإقرار الأمن وإنهاء مظاهر الفساد هو بزوالها وزوال عملائها ونظامها الفاسد من جذوره وتولي أبناء العراق المخلصين حماية البلد وأمنه ونظامه بحكم راشد مستمد من عقيدتهم؛ نظام الخلافة على منهاج النبوة، يقيم العدل وينشر الأمن ويحمل دعوة الخير إلى العالم.
بقلم: علي البدري - العراق

No comments:

Post a Comment