Saturday, November 28, 2015

الديمقراطية لعبة انتهت... تعالوا نلعب لعبة الإرهاب!

الديمقراطية لعبة انتهت... تعالوا نلعب لعبة الإرهاب!

يا إلهي كم تأكلني الحسرة وأنا أشاهد أبناء أمتي وخصوصا نخبتهم غارقين في تفاصيل مواضيع سياسية دولية أو محلية لها علاقة في السياسة من ناحية قانونية مثلا، يبذلون فيها جهودا كبيرة وهم يناقشونها فيما بينهم من خلال ندوات ينظمونها أو مقالات أو تقارير صحفية يكتبونها أو يبثونها في وسائل الإعلام المختلفة، فيملأون سماءنا بأفكار وآراء معارضة وناقدة وجريئة أحيانا لما تقوم به أنظمتهم من ممارسات متعلقة بتلك المواضيع والمفاهيم، ومبعث حسرتي أن كل هذه الجهود الرائعة لا تتناول أساس المشكلة لمعالجتها بل تذهب إلى تفاصيل التفاصيل التي لا تؤدي إلى معالجة الموضوع من أساسه. علمتني تجربتي في الحياة أن جسم الأمة يشبه إلى حد كبير جدا جسم الإنسان، فعندما يصاب الإنسان بمرض ما تكون إصابته نتيجة جرثومة هاجمت منظومة جسمه فسكنت فيه فأصابها المرض، ثم بدأت تظهر عليه أعراض ذلك المرض من ألم شديد أحيانا، وارتباك في عمل منظومة هذا الجسم مما يؤثر على دورة الحياة فيه وبالتالي على أداء وظائفه بشكل سليم فيسارع ذلك المريض إلى التحري عن طبيب بارع لمعالجته، وبراعة الطبيب تكمن في دقة تشخيصه لسبب هذه الآلام ودقة وصفه لعلاج هذا المرض. ومعلوم من الحياة بالضرورة أنك عندما تذهب إلى الطبيب فإنك تشكو إليه ما يعتريك من آلام تحسها في منظومة جسمك الصحية ولا تشكو إليه أنك مصاب بمرض كذا أو كذا، لأن ذلك هو عمل الطبيب الذي يقرر من خلال فحوصاته وتحاليله أنك مصاب بمرض كذا، وهذا المرض هو الذي ينتج عندك هذه الآلام وبناء عليه يقوم بإعطائك وصفة تتضمن نوعين من الأدوية لذات المرض، النوع الأول: دواء يسكن الآلام عندك لتستطيع ممارسة حياتك بشكل طبيعي، لكن هذا الدواء لا يقضي على وجود المرض في جسمك لأنه مصمم لتسكين الآلام فقط، والنوع الثاني: دواء معالج لأساس المرض يسمى "مضاد حيوي" من شأنه أن يقتل ذلك الفيروس أو تلك الجرثومة التي سببت ذلك المرض لديك، وبقتله للفيروس أو الجرثومة يزول المرض وأعراضه من جسمك بإذن الله، وبما أن الدواء المسكن لا يعالج المرض بل يسكن آلامه أو يخففها فإن الدواء المعالج لأساس المرض "المضاد الحيوي" لا يسكن الآلام في الحال بل يعالج أساس الألم ويقضي على أصل المرض، فما بالك إن أنت ذهبت لطبيب فأعطاك مسكنات للآلام ولم يعطِك علاجا لأصل المرض فهل تتوقع شفاء تاما من هذا المرض؟! لا بل ما بالك إن ذهبت إلى الطبيب وشخص لك المرض بشكل دقيق وقال لك إنك تعاني من كذا ولا علاج لك عندي؟!
في الأمس القريب وجدت نفسي أحضر ندوة فكرية سياسية قانونية في مجمع النقابات المهنية، ندوة نظمتها نقابة المهندسين تحت عنوان "قانون مكافحة الإرهاب" وكان المحاضرون في هذه الندوة ثلة من الكفاءات القانونية وعلى رأسهم نقيب المحامين السابق الأستاذ صالح العرموطي، إضافة إلى أحد نواب البرلمان الأردني عضو لجنة الحريات في مجلس النواب. الغريب أن مدير الندوة وضع أصل المشكلة التي انبثق عنها موضوع الندوة قائلا أن الإشكالية الأساسية في هذا الموضوع هي: تعريف الإرهاب فما هو الإرهاب؟! والعجيب أن الأستاذ نقيب المحامين السابق أعطى حلا جذريا لموضوع الندوة في جملة واحدة قائلا: يعني لو أننا طبقنا ما في كتاب الله وسنة رسولنا لما كنا نحتاج إلى هذا كله. ولكن الأغرب من ذلك الغريب أن الندوة سارت تبحث في التفاصيل القانونية والتشريعية التي انتهجها مجلس النواب الأردني في صياغته القانونية لقانون مكافحة الإرهاب وما يكتنف هذه الصياغة من عيوب قانونية ودستورية كثيرة دون تحديد واضح لتعريف مفهوم الإرهاب ودون تناول للجانب السياسي لهذا المفهوم الذي أصبح يعيش معنا صباح مساء ودونما إشارة واضحة إلى الجهة التي أنتجت هذا المفهوم من قريب أو بعيد، فسارت الندوة وكأن الجميع معترف بأننا شعوب إرهابية ولم يبق لنا إلا أن نصوغ قانون مكافحة الإرهاب صياغة أفضل مما هي عليه رحمة بالإرهاب والإرهابيينَ والأعجب من العجيب أن الأستاذ العرموطي ورغم أنه أحالنا إلى حل جذري كما أسلفت إلا أنه لم يوضح لنا كيف نأخذ بهذا الحل ونطبقه على أرض الواقع، لا بل ذهب مذهب الذاهبين في انتقاد ذلك القانون بأقسى العبارات وكأنه يعترف ضمنا هو الآخر أننا شعب إرهابي وكأن المشكلة تكمن في قانون مكافحة الإرهاب صياغة وضرورة وتطبيقا. ومع أنني أؤكد بأن لا أحد يعترف صراحة ممن تحدثوا بأننا شعب إرهابي يحتاج إلى قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن سياق الندوة كلها افترض وجوده لا بل ولادة هذا المفهوم من رحم ثقافة شعوبنا، وذهب الجميع يناقش قانون مكافحة الإرهاب دون تشخيص لواقع هذا المفهوم، فكيف لطبيب أن يعطي علاجا دون الفحص والتشخيص، إلا إذا اعتمد ذلك الطبيب في معالجته على قول المريض نفسه أو قول من يرافقه بأن المريض رجل مصاب بسرطان الثدي فراح يكتب له وصفته السحرية؟!
المشكلة يا سادة ليست في مناقشة قانون مكافحة الإرهاب في الأردن، المشكلة الحقيقية هي في مفهوم الإرهاب نفسه، فالإرهاب مصطلح سياسي حديث، صنعه الغرب وعلى رأسه أمريكا، وهيأت له الأجواء العالمية لتخوض باسمه حربا ضروسا على أمتكم الإسلامية التي أخذت تتململ في أكثر من مكان ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، فلم يكن هناك مصطلح سياسي واضح اسمه الإرهاب قبل عام 2001، فقبل عقد التسعينات كانوا يطلقون مصطلح "المتطرفين أو المتشددين أو الأصوليين" على التنظيمات والجماعات والأحزاب الإسلامية، حتى جاءت لحظة تاريخية سقطت عندها دولة الاتحاد السوفياتي 1991، عدو السياسة الخارجية الغربية والأمريكية على مر عقود من الزمن، ذلك أن سياسة أمريكا الخارجية قائمة على وجود عدو خارجي مفترض تقنع به شعبها لتستطيع تحريك قواتها المسلحة خارج الحدود ذلك لأن دستور أمريكا لا يسمح لرئيسها أن يحرك جيوشها خارج حدودها فيحتاج الساسة إلى صناعة العدو لإخافة الشعب من جهة ما ليسوقوا أبناءهم من الجنود إلى حيث تكمن مصالح أمريكا الاستعمارية. ولا أدل على ذلك من تصريح غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي حينما خاطب الأمريكيين قائلا: "سأحرمكم من شيء ستندمون عليه، ألا وهو العدو". فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي عكف دهاقنة السياسة الأمريكية على صياغة عدو بديل له، فتفتقت عبقريتهم الشيطانية عن أن الإسلام هو العدو الذي سننازله، ويا للعجب كيف أن المجاهدين الأفغان كانوا حلفاء أمريكا حتى مطلع التسعينات ضد الاتحاد السوفياتي ثم تتشقلب الأمور فيصبحوا أول الإرهابيين في حرب أمريكا على الإرهاب! إذاً تم تحديد العدو الجديد وهو الإسلام والمسلمون، وبقيت الحجة فكيف سيعلنون ذلك ويُسَوِّقُونه؟! وتشاء الأقدار أن يقوم مَنْ قام بضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك في أيلول/سبتمبر من عام 2001 حتى ثارت ثائرة أمريكا بإعلان الحرب على الإرهاب في زمن قياسي والذي هو هذه المرة تنظيم القاعدة في أفغانستان، ويا للإبداع!!! فكم يتوافق توقيت هذه الهجمات ومسرحها في عقر دار أمريكا مع رغبة أمريكا في تجسيد العدو الجديد أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي! وكم ساهم في حشد الرأي العام الأمريكي وراء رئيسه بضرورة الذهاب بعيداً لمحاربته!! وكم تتوافق هذه الأحداث مع التخطيط الاستراتيجي السابق لها بسنوات للتأكيد على هوية العدو الجديد وهو الإسلام والمسلمون. وهنا بدأت الآلة العسكرية وقبلها السياسية تشد رحالها إلى أفغانستان، تجر معها كل دول العالم وفي مقدمتهم دول العالم الإسلامي، فقد سُئل زينجو بيرجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق "كارتر"، هل هو من أنصار نظرية المؤامرة فيما يخص أحداث 11 سبتمبر؟ فأجاب قائلا: "نعم، نعم، تعودنا على أن يكون لنا عدو كل سنة"، وهذا يؤكد استراتيجية ابتكار "عدو افتراضي" كمرحلة من مراحل السياسة الأمريكية التي تتميز بالاستمرارية، بقصد السيطرة الشاملة على العالم وتكريس تفردها بزعامة العالم والشواهد والتصريحات أكثر من أن تحصى في مقال واحد.
فالمشكلة أيها السادة ليست في مناقشة قانون مكافحة الإرهاب في الأردن الذي يخضع لضغوط الغرب وليس للنظام والحكومة ومجلس النواب مصلحة على الإطلاق في تشريع مثل هذا القانون غير أنهم يسمعون الكلام جيدا فالمصلحة لصانع الإرهاب نفسه، لا بل إن انخراطنا في مناقشة صياغة هذه القوانين هي دخول إلى مسرح هذه اللعبة القذرة التي يعبث الغرب بموجبها بدماء الناس وفي مقدمتهم المسلمين، فتضيع جهودنا وتستشري خلافاتنا في تجاذب الآراء حول كيفية عقاب المجرم والإرهابي في الوقت الذي يقف المجرم فيه بين أظهرنا يشجع هذا الانشغال عن صلب الجريمة التي صنعها، لعبة الإرهاب الدموية المنتجة في مطبخ الرأسمالية الفاشلة، يلعبون بالدم حفاظا على بقائهم، فلا يهم كم يذهب ضحية لهذه اللعبة من البشر هنا أو هناك، فالمهم أن يبقوا هم على رأس العالم أسيادا له يقررون له ماذا يفعل وكيف يفكر وبماذا، فلا تنجروا لهذه اللعبة الخبيثة فتتوهموا أن مناقشة قوانين مكافحة الإرهاب هو الحل، فإن المطلوب أيها السادة أن تنشغلوا بهذه المواضيع انشغالا سلبيا غير منتج، وقد رأيتم كيف كان الحضور كله لا يتجه نحو مناقشة قانون مكافحة الإرهاب بقدر ما كان يتجه نحو الوصول إلى الحلول، فهذا الواقع السيئ مدرك جيدا فلا تثبطوا الهمم بكثرة الغوص في تفاصيل لا طائل منها، لأن الحل كامن فيما قال الأستاذ العرموطي حين قال في بداية حديثه: لو أننا طبقنا ما في كتاب الله وسنة رسولنا لما كنا بحاجة لكل هذا، وعليكم الوقوف أمام مسؤولياتكم بكل حزم فتتوجهوا نحو مشروع أمتكم الحقيقي وهو ضرورة العمل لاستلام زمام الأمور عن طريق بناء دولة لا تلعب ولا تعبث بحياة الإنسان، دولة تحق الحق وتبطل الباطل، دولة السياسة فيها رعاية شؤون الناس وليست لعبة ديمقراطية لا قيمة لها، دولة أساسها عقيدة المسلمين واسمها دولة الخلافة الإسلامية التي تنفذ وتطبق شرع الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، دولة تنطلق من صلب عقيدتها لتكون ابنها الشرعي الذي تحفظه وتحافظ عليه، وإننا لنغتنم الفرصة لدعوة كل من لا يعرف تفاصيل كيفية بناء دولة الخلافة الإسلامية لنرحب به في رحاب مشروع حزب التحرير السياسي القائم على أساس الإسلام فحسب، لبذل هذه الجهود في إعادة العز والكرامة والأمن والأمان إلى واقع أمتنا وعندها سيرحل الإرهاب وصانعوه عن بلادنا إلى غير رجعة بإذن الله.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:105]
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الرؤوف بني عطا - أبو حذيفة
15 من صـفر 1437
الموافق 2015/11/27م

No comments:

Post a Comment