Wednesday, November 25, 2015

جريدة الراية: جرائم المستعمِر: بين الماضي والحاضر

جريدة الراية: جرائم المستعمِر: بين الماضي والحاضر

(مترجم)
عرف الاستعمار بأنه: "سياسة أو عملية السعي إلى اكتساب السيطرة السياسية الكاملة أو الجزئية على بلد آخر، باحتلاله وبسط النفوذ عليه، واستغلاله اقتصاديا". وقد تطور مفهوم الاستعمار جنبًا إلى جنب مع شقيقته خدعة "الديمقراطية". وكلا المصطلحين ملآ العالم بالجرائم والويلات. وكان أصغر تلك الجرائم وأبسطها المجزرة الوحشية التي وقعت في باريس، والتي أدت إلى أكبر عدد من القتلى في صفوف المدنيين في المدينة منذ الحرب العالمية الثانية.
لم تقع هذه المجزرة في الثالث من عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2015. وإنما في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 1961 عندما سحقت مظاهرة سلمية قام بها الجزائريون ضد احتلال الجزائر من قبل فرنسا. ففي كبرى شوارع فرنسا فتحت الشرطة النار على الحشود، ما أدى إلى سقوط أعداد من القتلى. وعلى جسر نويلي قتل المزيد والمزيد. تعرض الجزائريون للضرب المبرح أفقدهم الوعي وألقوا ليغرقوا في نهر السين على نقاط تقاطع المدينة وضواحيها، وبخاصة عند جسر سان ميشيل في وسط باريس، وبالقرب من محافظة الشرطة أيضًا، قريباً جدًا من نوتردام دي باريس، وخلال ساعات الليل استمرت الاعتقالات والضرب والتعذيب ما رفع حصيلة القتلى. ورغم أكوام الجثث التي تراكمت في الشوارع، وأخرى جرفتها الأمواج على ضفاف نهر السين خلال أسابيع تلك الحادثة، تم تدمير السجلات الرسمية والوقائع والتستر عليها حتى عام 1988، عندما قامت الحكومة الفرنسية بالاعتراف حينها بمجزرة الأربعين جزائريًا. وقد أكد المؤرخ جان لوك إينودي عام 1991 في كتابه "لا باتيل دي فرانس" بأن "ما يصل إلى 200 جزائري قد قتلوا على الأرجح". وروايته في كتابه هذا هي الأكثر مصداقية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد تم سحق المظاهرات التي قامت ضد الاحتلال الفرنسي، وقد قتل فيها 45 ألف شخص في سطيف، وقالمة، وخراطة عام 1945. أما بالنسبة للنضال من أجل التحرر ونيل الاستقلال الجزائري من المحتل الفرنسي، 1954-1962، فقد قتل حوالي مليون جزائري في مواجهة الاستهداف الوحشي العشوائي للسكان المدنيين بل إبادة قرى بأكملها. هذا غير الممارسات الإرهابية من الاغتصاب الممنهج والتعذيب وقطع الرؤوس التي ارتكبت بحق كل شيء حي وقف في وجه المحتل الفرنسي وجنوده. في الواقع، كان الفرنسيون هم من ابتكر الإرهاب وقطع الرؤوس بشكل جماعي.
بعد الثورة الفرنسية، التي شهدت ولادة ما يسمى بـ "عصر التنوير"، قاموا بتطوير وسائل دراماتيكية لقطع رؤوس الناس تدعى المقصلة، والتي تم استخدامها بين عامي 1793-1794 لقطع رؤوس 2639 شخصًا في باريس وحدها. وكان القصد من ذلك ترويع الناس وجعلوا منها شيئًا عظيمًا. لقد كرس حكام فرنسا الجدد الإرهاب كمفهوم سياسي لعصر جديد من العقلانية، وقاموا بتصديرها إلى البلاد التي ذهبوا لاستعمارها. وقد عرف ماكسمليان روبسبير الإرهاب بأنه "انبثاق الفضيلة، وهو على الأقل مبدأ بحد ذاته فوق كونه مبدأً عامًا من مبادئ الديمقراطية". فإذا كانت الديمقراطية مساوية للإرهاب في أوقات الطوارئ عند التعامل مع شعوب أوروبا ابتداءً فأي أمل تملكه شعوب المستعمرات خارج أوروبا؟
ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لتنقل فيه فرنسا عصر التنوير خاصتها إلى البلاد الأخرى. ففي عام 1830 غزت الجزائر وطبقت مبدأ الإرهاب الذي تحمله في مستعمرتها الجديدة. وقد وصف اللفتنانت كولونيل لوسيان دي مونتانا في وقت سابق كيف أن على "الحضارة الفرنسية" أن تفرض نفسها وذلك في رسالة أرسلها إلى صديق له في 15 آذار/مارس 1843جاء فيها: "هذه هي يا صديقي الطريقة التي يجب أن نجعل عليها حال الحرب ضد العرب: قتل جميع الرجال فوق سن الخامسة عشرة، وأخذ نسائهم وأطفالهم وتحميلهم على سفن بحرية ومن ثم إرسالهم إلى جزر الماركيز أو أي مكان آخر. بكلمة واحدة، إبادة كل من لا يركع تحت أقدامنا كالكلاب". ما كتبه هو حقيقةً ما جرى في الجزائر وفي أماكن أخرى من العالم، ليس من قبل الفرنسيين فحسب وإنما من الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة الأمريكية التي برعت في إيجاد شكل جديد للاستعمار سُمي بالاستعمار الجديد للمستعمرات التي لم تتمكن أوروبا من المحافظة عليها بعد خسائرها في الحرب العالمية الثانية وظهور النظام السياسي العالمي المتغير.
وسنستمر في موضوعنا هذا، ليغطي الجرائم الاستعمارية البشعة التي قامت ولا تزال تقوم بها الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى حتى وقتنا الحالي.
بقلم: د. عبد الله روبين
المصدر: جريدة الراية
13 من صـفر 1437
الموافق 2015/11/25م

No comments:

Post a Comment