Friday, November 27, 2015

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ‏(ح 181)‏

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ‏(ح 181)‏

دخول وخروج تجارة الحربي من بلاد الإسلام ‏
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, ‏المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين ‏طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في ‏زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد. ‏
أيها المؤمنون: ‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير ‏النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الحادية والثمانين بعد المائة, وعنوانها: "دخول وخروج تجارة ‏الحربي من بلاد الإسلام". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الثالثة بعد الثلاثمائة من كتاب النظام ‏الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. ‏
يقول رحمه الله: "والحاصل أن تجارة الحربي لا يصح أن تدخل بلادنا إلا بأمان لصاحبها، ويكون ‏أمانه أمانا لها؛ وإذا أراد الحربي إدخال تجارته من غير أن يدخل هو، فإنه يعطى الأمان لتجارته، ‏أو لا يعطى. لأن الأمان للمال قد ينفصل عن أمان النفس. فإذا دخل الشخص الحربي بلادنا، ‏وأعطي أمانا لنفسه، فإنه يكون أمانا له ولماله الذي معه تبعا له، ولا يكون أمانا لماله الذي لم يدخل ‏معه دار الإسلام. فإذا خرج من دار الإسلام وأبقى ماله في دار الإسلام، فإنه يبقى الأمان لماله الذي ‏في دار الإسلام، وينتهي الأمان الذي أعطي لنفسه. ‏
وعلى هذا فإنه يجوز للخليفة أن يعطي الأمان لتجارة الحربي، أي لماله، أن يدخل البلاد دونه. فإن ‏أعطي الأمان لماله، أي لتجارته، كان له أن يرسل هذه التجارة مع وكيله أو أجيره أو غير ذلك. ‏وبهذا يتبين أن مال الحربي يحتاج دخوله إلى أمان، كالحربي سواء بسواء، وعلى ذلك فالتجارة ‏الخارجية يحتاج دخولها إلى بلاد الإسلام إلى أمان، أي إذن من الدولة، فإن أعطي لها إذن، كان ‏على الدولة صيانتها كسائر أموال الرعية، وإن دخلت بغير أمان، أي بغير إذن، كانت ملكا حلالا ‏للدولة، لها أن تستولي عليها. ‏
غير أن هذا إذا كانت هذه التجارة ملكا للتجار الحربيين، أما إذا اشتراها تاجر من رعية الدولة ‏مسلما كان أو ذميا، ثم أراد أن يدخلها، فلا يحتاج إدخالها من قبله إلى أي إذن، ولكن ذلك مشروط ‏فيما إذا كانت ملكه، وكانت ملكيته لها قد تمت بإتمام صفقة البيع بجميع نواحيها. أما إذا كانت ‏ملكيته لها لم تتم، بأن كانت صفقة البيع لم تتم، بل بدئبإجرائها، كما هي الحال في التجارة الآن، لا ‏يعتبر التاجر ملزما إلا بعد تسلمه أوراق شحن البضاعة، أو كان قبض التجارة لم يتم بالرغم من ‏شرائها، فإن هذه التجارة، في مثل هذه الحالة، تعتبر تجارة لحربي، ويحتاج دخولها إلى أمان، أي ‏إذن. فإذا كان القبض يعتبر بمجرد خروجها من المصنع، أو بمجرد شحنها، كان قبضا، وتعتبر ‏تجارة مسلم أو ذمي، وإن كان القبض يعتبر عند دخولها إلى البلاد، لم يكن قبضا، وتعتبر تجارة ‏حربي. ‏
هذا بالنسبة لدخول تجارة الحربي، أو دخول التاجر الحربي. أما بالنسبة لخروج تجارة الحربي من ‏بلادنا، أي بالنسبة لشراء الحربي بضاعة من بلادنا، وإخراجها منها، فإنه ينظر: فإن كانت هذه ‏البضاعة من المواد الاستراتيجية كالسلاح، وككل ما يستعان به في الحرب على العدو، فإنه يمنع ‏من شرائه، ويمنع من إخراجه، وإذا اشتراه منع من حمله وإخراجه. أما المواد الأخرى، كالطعام، ‏والمتاع، ونحوه، فإنه يسمح للحربي الذي أعطي الأمان أن يشتريها، وأن يحملها ويخرجها من ‏بلادنا، ما لم تكن مما تحتاج إليه الرعية لقلته، فإنه حين ذلك يمنع لحاجة الرعية إليه، كما يمنع ‏التجار المسلمون والذميون من إخراج هذه المواد التجارية، لعلة حاجة الرعية إليها".‏
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:‏
إعطاء الأمان للتاجر الحربي:‏
‏1.‏ تجارة الحربي لا يصح أن تدخل بلادنا إلا بأمان لصاحبها, ويكون أمانه أمانا لها. ‏
‏2.‏ إذا أراد الحربي إدخال تجارته من غير أن يدخل هو، فإنه يعطى الأمان لتجارته، أو لا ‏يعطى. ‏
‏3.‏ الأمان للمال قد ينفصل عن أمان النفس. ‏
‏4.‏ إذا دخل الشخص الحربي بلادنا وأعطي أمانا لنفسه، فإنه يكون أمانا له ولماله الذي معه ‏تبعا له, ولا يكون أمانا لماله الذي لم يدخل معه دار الإسلام. ‏
‏5.‏ إذا خرج الشخص الحربي من دار الإسلام وأبقى ماله في دار الإسلام، فإنه يبقى الأمان ‏لماله الذي في دار الإسلام، وينتهي الأمان الذي أعطي لنفسه. ‏
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بأمان ودخول التاجر الحربي وتجارته: ‏
‏1.‏ يجوز للخليفة أن يعطي الأمان لتجارة الحربي، أي لماله أن يدخل البلاد دونه. ‏
‏2.‏ إن أعطي الأمان لماله، أي لتجارته، كان له أن يرسل هذه التجارة مع وكيله أو أجيره أو ‏غير ذلك. مال الحربي يحتاج دخوله إلى أمان، كالحربي سواء بسواء.
‏‏3.‏ التجارة الخارجية يحتاج دخولها إلى بلاد الإسلام إلى أمان، أي إذن من الدولة. ‏
‏4.‏ إن أعطي للتجارة إذن، كان على الدولة صيانتها كسائر أموال الرعية. ‏
‏5.‏ إن دخلت التجارة المملوكة للتجار الحربيين بغير أمان، أي بغير إذن، كانت ملكا حلالا ‏للدولة، لها أن تستولي عليها. ‏
‏6.‏ إذا اشترى تاجر من رعية الدولة مسلما كان أو ذميا تجارة من التجار الحربيين, ثم أراد أن ‏يدخلها فلا يحتاج إدخالها من قبله إلى أي إذن, شرط أن تكون ملكيته لها قد تمت بإتمام صفقة البيع ‏بجميع نواحيها. ‏
‏7.‏ إذا كانت ملكيته لها لم تتم، بل بدئ بإجرائها، فإن هذه التجارة تعتبر تجارة لحربي، ‏ويحتاج دخولها إلى أمان، أي إذن. ‏
‏8.‏ إذا كان القبض يعتبر بمجرد خروجها من المصنع، أو بمجرد شحنها، كان قبضا، وتعتبر ‏تجارة مسلم أو ذمي. ‏
‏9.‏ إن كان القبض يعتبر عند دخولها إلى البلاد، لم يكن قبضا، وتعتبر تجارة حربي. ‏
بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بخروج تجارة التاجر الحربي: ‏
بالنسبة لخروج تجارة الحربي من بلادنا، أي بالنسبة لشراء الحربي بضاعة من بلادنا، وإخراجها ‏منها، فإنه ينظر: ‏
‏1.‏ إن كانت البضاعة من المواد الاستراتيجية كالسلاح، وككل ما يستعان به في الحرب على ‏العدو، فإنه يمنع من شرائه، ويمنع من إخراجه، وإذا اشتراه منع من حمله وإخراجه. ‏
‏2.‏ المواد الأخرى، كالطعام، والمتاع، ونحوه، فإنه يسمح للحربي الذي أعطي الأمان أن ‏يشتريها، وأن يحملها ويخرجها من بلادنا، ما لم تكن مما تحتاج إليه الرعية لقلته. ‏
‏3.‏ إن كانت المواد مما تحتاج إليه الرعية لقلته, يمنع لحاجة الرعية إليه، كما يمنع التجار ‏المسلمون والذميون من إخراج هذه المواد التجارية، لعلة حاجة الرعية إليها. ‏
أيها المؤمنون: ‏
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين ‏وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا ‏بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على ‏منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر ‏عليه. نشكركم على حسن استماعكم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ‏
15 من صـفر 1437
الموافق 2015/11/27م

No comments:

Post a Comment