Saturday, January 25, 2014

مع الحديث الشريف: الضمان

مع الحديث الشريف: الضمان

نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين
روى أبو داوود في سننه قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ".
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: (لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْن).
قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه وَغَيْرُه: "وَامْتِنَاعُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاة عَلَى الْمَدْيُون الَّذِي لَمْ يَدَّعِ وَفَاءً إِمَّا لِلتَّحْذِيرِ عَنْ الدَّيْن وَالزَّجْر عَنْ الْمُمَاطَلَة وَالتَّقْصِير فِي الْأَدَاء أَوْ كَرَاهَة أَنْ يُوقَف دُعَاؤُهُ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوق النَّاس وَمَظَالِمهمْ". اِنْتَهَى
(أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِن إِلَخْ): فِي كُلّ شَيْء لِأَنِّي الْخَلِيفَة الْأَكْبَر الْمُمِدُّ لِكُلِّ مَوْجُود، فَحُكْمِي عَلَيْهِمْ أَنْفَذ مِنْ حُكْمهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ، وَذَا قَالَهُ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَة.
(فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ): مِمَّا يَفِيء اللَّه بِهِ مِنْ غَنِيمَة وَصَدَقَة ، وَذَا نَاسِخٌ لِتَرْكِهِ الصَّلَاة عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْن وَتَقَدَّمَ شَرْحه فِي كِتَاب الْفَرَائِض.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.
في هذا الحديث الشريف أحكام عديدة:-
أولها: إباحة الدَّيْن، فالرسول لم يذم المدين وإن امتنع عن الصلاة عليه.
ثانيها: تحذير للمسلمين من المماطلة في أداء الدين وحث لهم على عدم التهاون في أداء حقوق العباد بالتنصيص على الدين وبالقياس عليه باقي حقوق العباد.
ثالثها: حث للمسلمين على العفو والمسامحة للمعسر الذي لا يملك سداد ما عليه من ديون وحقوق للعباد, وذلك حين امتنع صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الميت ليستثير شفقة المسلمين على الميت الذي يُحرَم من صلاة الرسول عليه ودعائه له, ما يجعلهم يتسامحون فيما بينهم ويسقطون حقوقهم عمن مات قبل أن يتمكن من أداء ما عليه من ديون.
رابعها: حث المسلمين على التضامن والتكافل, فهو كرئيس للدولة يجب عليه أن يعقل عن المدين لكنه لم يكن يملك في بيت المال ما يسد به دين الميت، ولأن الدين من حقوق الناس التي لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة من قبل صاحب الحق (وهو هنا الدائن) فإنه أثار مشاعر المسلمين نحو أخيهم الميت الذي هو في أمَّس الحاجة لصلاة الرسول ودعائه, فإن لم يحظ الميت بمسامحة الدائن فلا أقل من أن يحمل دينه أحد المسلمين, ولقد كان له ما أراد, إذ بادر أحد المسلمين الأخيار وتكفل بأداء دين الميت حرصاً منه على أن لا يحرم ذلك الميت من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ودعائه له.
خامسها: إباحة الضمان، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قبل ضمان أبي قتادة الأنصاري وصلى على الميت, وهو إقرار من الرسول لما فعله أبو قتادة.
فما الذي فعله أبو قتادة؟
لقد ضم ذمته إلى ذمة الميت في التزام حق مالي قد وجب للدائن, وإن أبا قتادة حين ضم ذمته إلى ذمة الميت لم يطلب عوضاً.
من هذا الحديث يمكننا التعرف على الضمان الذي أقره الشرع: إنه التزام حق في الذمة دون معاوضة، وهو يشتمل على ثلاثة عناصر: الضامن والمضمون عنه والمضمون له.
والضمان يجوز فيه أن يكون المضمون له والمضمون عنه مجهولان ولا يشترط فيه معرفتهما للضامن.
هذا هو الضمان في الإسلام، وهو من المعاملات التي هي التزام من طرف واحد ولا تحتاج إلى إيجاب وقبول بل يكفي فيها التزام طرف اتجاه طرف آخر كما هو الحال في الوصية أو الهبة أو الوقف.
وهنا لا بد لنا من وقفة على معاملة مالية في النظام الرأسمالي فرضت علينا من قبل حكامنا، وهي قد تشتبه على الناس بأنها ضمان وحيث إن الضمان مباح في الإسلام فيظنون أنها مباحة في حين أنها ليست كذلك، بل هي معاملة محرمة لا يجوز التعامل بها وهذه المعاملة هي التأمين.
فالتأمين على الحياة أو على جزء من أجزاء الجسم كالعين أو الصوت أو القدم أو على الممتلكات أو على البضاعة أو على أي نوع من أنواعه المتعددة هو: عقد بين المُؤَمِّن وشركة التأمين, يطلب فيه المؤمن من شركة التأمين أن تعطيه تعهدا بأن تعوض عليه إمَّا عين ما خسره أو ثمنه إن كان المؤمَّن عليه بضاعة أو ممتلكات، أو تعوضه بمبلغ من المال إن كان المؤمَّن عليه هو الحياة أو أحد أجزاء الجسم أو ما شابه, وذلك حين حصول حادث ما يعيِّنانِهِ خلال مدة معينة مقابل مبلغ معين من المال يدفعه المُؤمِّن للشركة, فتقبل الشركة بذلك.
أي أن الشركة تتعهد بأن تعوض على المُؤَمِّنِ إمَّا عينَ ما خسره أو ثمنَه حين حصول الحادث، أو مبلغا من المال يتفقان عليه ضمن شروط معينة مقابل أن يدفع لها المؤمن مبلغاً معينا من المال خلال مدة معينة.
ومن الأمثلة على ذلك: التأمين على البضاعة ضد الحريق مثلا أو ضد الغرق أو ضد السرقة، حيث يدفع المؤمن مبلغا معينا من المال للشركة مقابل أن تتعهد الشركة بتعويضه إن تلفت البضاعة بالطريقة المنصوص عليها في عقد التأمين, حرقا أو غرقا أو سرقة أو أي طريقة أخرى.
وهذه المعاملة باطلة شرعاً للأسباب التالية:
إن هذه المعاملة عقد والعقد يجب أن يقع بين طرفين ومحله عين أو منفعة, ففي البيع مثلا محل العقد عين السلعة وفي الشركة محل العقد عين المضارب (أي بدنه), وفي الإجارة محل العقد منفعة الأجير أو منفعة العين المُؤَجَّرَة, وعقد التأمين يفتقر إلى العين أو المنفعة فهو عقد باطل شرعاً.
إن الشركة قد أعطت المؤمن تعهداً ضمن شروط مخصوصة فهو من قبيل الضمان, فلا بد أن تنطبق عليه شروط الضمان الشرعية حتى يكون الضمان شرعياً (مباحاً).
ومن الحديث عرفنا أن الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام حق المضمون له، وهو أي الضمان لا بد فيه من ضامن ومضمون عنه ومضمون له, وهو التزام لحق في الذمة من غير معاوضة.
ومن شروط صحة الضمان أن يكون في حق من الحقوق المالية الواجبة كالدين مثلاً، فهو واجب على المدين ويجوز أن يضمنه شخص ما للدائن أو في حق يؤول إلى الوجوب، كالمهر مثلا الذي هو حق للمرأة يؤول إلى الوجوب على الزوج في حال زواجه منها, فيجوز لشخص أن يضمن للمرأة مهرها إن تزوجت شخصاً يُعيِّنه لها، هذا هو الضمان الشرعي.
لكن هذه العناصر والشروط ليست متوفرة في عقد التأمين:
فمن ناحية: عقد التأمين خال من جميع عناصر الضمان، إذ ليس في ذمة المؤمن حق واجب أو يؤول إلى الوجوب لأحد، حتى تضمنه شركة التأمين، أي أنه لا يوجد مضمون عنه ولا مضمون له، فلا معنى إذن للضمان ولا حاجة شرعية للضامن.
ومن ناحية أخرى: تعهُد الشركة بضمان العين أو دفع ثمنها إذا تضررت، أو دفع المال عند حصول الحادث، هو مقابل حصولها على مبلغ معين من المال من قبل المؤمِّن لذا فهو التزام بمعاوضة، في حين أن الضمان شرعا يكون بلا معاوضة.
وعلى هذا فإن التأمين هو عقد باطل شرعاً ولا يحل التعامل به، فلا يجوز إنشاء شركات التأمين، ولا يجوز العمل فيها، ولا يجوز التعامل معها، ولا عذر لمن يتذرع بأن التأمين قانون مفروض من قبل الدولة إذ الأصل في الأعمال التقيد بالحكم الشرعي، أما القوانين الوضعية التي تُكرهنا على ما يخالف شرع ربنا فواجبنا أن نقتلعها من جذورها ونستبدلها بقوانين مستنبطة من كتاب ربنا وسنة نبينا.
فإلى العمل لإعادة أحكام الإسلام وإقامة دولته هلم بنا إخوتي المستمعين، فبها نفوز برضى الرحمن ونرتقي أعلى الجنان.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 25 من ربيع الاول 1435
الموافق 2014/01/26م

No comments:

Post a Comment