Saturday, January 26, 2013

ما المقصود بالخلافة الراشدة: دراسة جديدة ورؤيا متميزة


ما المقصود بالخلافة الراشدة: دراسة جديدة ورؤيا متميزة

داوود العرامين /فلسطين الإثنين, 21 كانون2/يناير 2013
عند سماع عبارة (الخلافة الراشدة) ينصرف الذهن او المعنى مباشرة إلى (الخلفاء الأربعة) أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهذا الفهم غير صحيح للأسباب التالية:
1-لم يرد لها معنى شرعي –بما انها من التعاريف- بهذا الفهم الشائع لا من القراّن الكريم، ولا من السنة النبوية.
2-لا يوجد ما يخصص (الخلافة الراشدة بالخلفاء الأربعة) من الأدلة الشرعية
3- لا تدل على ذلك الحقائق التاريخية.
4-فيه ظلم للتاريخ الاسلامي الطويل الممتد تحت ظل الخلافة من (1-1342ه) فإذا كان معنى الخلافة الراشدة (الخلفاء الاربعة الاوائل) على حسب الزعم- والتي لم تدم أكثر من ثلاثين سنة-فأين البقية (1312) سنة؟ تلك التي نتغنى بها ونتفاخر بأمجادها ليل نهار أمام العالم، فمن فتح بلاد السند وأذربيجان والقفقاس والاندلس والقسطنطينية والبلقان ووصل النمسا؟ ومن خاطب السحاب وّأذل نكفور؟ ومن شجع العلم والعلماء وبنى أعظم حضارة عرفتها البشرية في مختلف النواحي حتى صارت بلاد الاسلام قبلة ومركز العلوم المختلفة؟ ومن فتح عمورية (أنقرة اليوم) ومن دحر الصليبيينن؟ ومن وقهر التتار والمغول؟ ومن أذل مملكة قشتالة وأرعب كل أوروبا؟ ومن أنقذ ملك فرنسا من أسرالالمان؟ ومن أسر في معركة واحدة عشرة اّلاف من الصليبيين وأتي بهم الى الاستانة من فينا صاغرين؟ ومن الذي فرحت لموته كل أوروبا بعد أن خاض ضدها خمسين معركة لم يهزم في واحدة منها قط؟ ، واين بطل بل وأبطال معركة بلاط الشهداء؟، ثم معركة الزلاقة في عهد المرابطين؟ ومن الذي جعل البحر المتوسط بحرا خالصا للعرب؟ ومن الذي دفَع امريكا لأول مرة ضريبة مرور إلى البحر المتوسط؟ ومن ومن ومن...ألخ
5-هذه التسمية أطلقها المؤرخون فهي مصطلح تاريخي وليس شرعيا كما يُظن.
6-لم يبق إلا معناها اللغوي فناخذ به في معنى ( الراشدين). وتفصيل ذلك كما يلي: فقد ورد في معجم لسان العرب في معنى الرُّشْد والرّشد نقيض الغي والضلال، يقال: رشِد يرْشدُ رُشْداً، ورشِد يرشُدُ رشْداً فهو راشد: نقيض الضلال، قال الشاعر:
أمرتهمُ أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرُشد إلا ضحى الغدِ
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشُدِ
وقد ورد هذا المعنى في كتاب الله الكريم في قوله تعالى: ((وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون)) الحجرات (7) أي المهتدون ((فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)) البقرة (186) وفي ((قالوا إنا سمعنا قراّنا عجبا يهدي إلى الرشد فاّمنا به )) الجن (2، 1) و ((فقالوا ربنا اّتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا)) الكهف (10) و ((وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأؤلئك تحرّوا رشدا)) الجن (14) و ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) البقرة) (256) و ((وقال الذي اّمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد)) غافر (38)، وغيرها...ومن استقراء معانيها نجد أنها جاءت بمعنى واحد هو (الهدى) وهو ضد الغي والضلال، أي نفس المعنى اللغوي. وهكذا فالراشد في القراّن الكريم هو المهتدي الذي يهتدي بالوحي لا بغيره، وها هو الرسول –عليه السلام-خير البشر، يقول الله تعالى في حقه ((قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي إنه سميع قريب)) سبأ (50) وكل رسل الله تعالى يقول عنهم ((أؤلئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)) الأنعام (90).
وبناء على ذلك فمن أراد أن يكون مهديا فعليه أن لا يتبع إلا الوحي، أما رأيه فليس بهدى ولا رشد. ولا يوجد في القراّن الكريم ما يصرف هذا المعنى إلى جيل بعينه أو فترة خاصة، ولا إلى معنى شرعي.
أما ما ورد في السنة من أحاديث في هذا الشان من مثل ما رواه أبو داود في سننة عن العرباض بن سارية والذي فيه ((صلى بنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله وإن عبد حبشي فأنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).فهذا الحديث لا يدل على حصر الخلفاء الراشدين ب (الأربعة الأوائل) وإنما بكل من اتصف بالرشد في حكمه والذي بينا معناه اّنفا، ثم إن كلمة (بعدي) مفتوحة على الزمن إلى قيام الساعة، والسنة في اللغة: الطريقة الثابتة التي لا تتغير، وسنة الرسول-عليه السلام- هي من الوحي سواء في أفعاله أو أقواله أو تقريره قال تعالى ((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)) النجم (4، 3)، فكل من سار على طريقته عليه السلام أي على الوحي كان راشدا ومهديا أيا كان زمانه، او لقبه أما ما جاء في مسند الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله ان تكون ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله ان تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة راشدة)) فهذا الحديث لا يصف الملك بأنه جبري وإنما يخبر عن الخلافة خبراً ثانياً بأنها تكون ملكاً جبرية، كقولنا: ثم كانت خلافة أبي بكر قصيرة على منهاج النبوة، فقصيرة خبر أول وعلى منهاج النبوة خبر ثانٍ. ومثل جبرية لفظ "عاضاً" قبلها فإن هذا اللفظ ليس وصفاً للملك وإنما هو خبر ثان، لكنه كلفظ يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال ملك عاض وخلافة عاض. فالحديث كله لا يخرج عن تعداد أدوار الخلافة الأربعة، الأول والرابع منها ذكرت الخلافة صراحة.
وإذا أخذنا حديث أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة ومعاذ قالا: حدثنا رسول الله فجعلا يتذاكرانه قالا: "إنه بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ثم كائن خلافة ورحمة ثم كائن ملكاً عضوداً، ثم كائن عتواً وجبرية وفساداً في الأمة يستحلون الحرير والخمور والفروج والفساد في الأمة ينصرون على ذلك ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله". قال الحافظ في المطالب العالية هذا حديث حسن.. وأيضاً فإنه قال في حديث أبي هريرة المتفق عليه: "وسيكون خلفاء فيكثرون" فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم [البخاري (3455) - الفتح 6/495، مسلم حديث رقم وهذا يشمل الخلافة العاض والخلافة الجبرية، ولو اقتصر على خلافة المنهاج لم يكثروا، فلا بد من اعتبار خلافة الملك بنوعيها خلافة حتى تتحقق الكثرة، فالعاض والجبرية كلتاهما خلافة ولكن مع بعض التجاوزات، وعندما سئل سلمان - رضي الله عنه عن الفرق بين الخليفة والملك؟ فقال سلمان - رضي الله عنه- إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك، أما الخليفة فهو الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهل بيته، والوالد على ولده، ويقضي بينهم بكتاب الله " [الطبقات الكبرى 3/306 على أن البحث يجب أن ينصب أساسا على معنى الرشد والرشاد ومدى تحققه فيمن يحكم المسلمين بغض النطر عن العصر او اللقب ومن استقراء التاريخ وجد الكثير من الحكام ممن اتصفوا بالرشد والرشاد في حكمهم على أنه مما ينبغي أن ينتبه له أن هذه الأحكام في الملك إنما هي في الجملة وإلا فقد يحصل من بعض الملوك من اتباع السنة ونشر الشريعة والجهاد في سبيل الله مثل ما يحصل في زمن الخلفاء، كما كان في عهد عمر بن عبد العزيز، والوليد وسليمان بن عبد الملك، وهارون الرشيد، والمعتصم، والمأمون، وبعض الملوك والسلاطين والولاة، مثل سيف الدولة الحمداني والسلطان محمود الغزنوي، والملك الصالح: نجم الدين أيوب، وعماد الدين زنكي ونور الدين زنكي، والسلطان صلاح الدين الأيوبي، والسلطان قطز، والسلطان سليمان القانوني، ومحمد الفاتح، ومراد الأول، والمنصور بن أبي عامر، والحاجب المنصور والصاحب بن عباد والأمير يوسف بن تاشفين، وغيرهم ممن اتصفوا بالرشد ونلاحظ أنهم جاءوا في مختلف العصور من بعده (بعد الرسول عليه السلام)، وهذا يتناسب مع حديث أبي هريرة السالف مرفوعا " وستكون خلفاء فيكثرون)) [البخاري (3455) - الفتح 6/495، مسلم حديث رقم 1842/
وهنا يثور سؤال وهو أن الخلافة العثمانية قد انتهت، وجاء بعد النبوة، فلماذا لا نقول إن الخلافة العاض تشمل الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، وما نحن فيه اليوم هو الجبرية، وبعده تأتي الخلافة على منهاج النبوة. والجواب على هذه الشبهة أن الجبرية وصف مؤنث للخلافة لا للملك. وأيضاً حرف العطف (ثم) يفيد التراخي كما في قوله تعالى: ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ))، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن هناك أموراً كثيرة تحدث بين الإحياء الأول والإماتة كأن يرزقنا ويزوجنا وينصرنا ويبتلينا وغير ذلك، وكذلك ما بين الإماتة والإحياء الثاني تحصل أمور كثيرة مثل السؤال في القبر وأكل الدود لأجسادنا وتفقؤ بطوننا ورمّ عظامنا وغير ذلك. فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم المرفوع لم يخرج عن أدوار الخلافة، بينما الموقوف على أنس ذكر الطواغيت ولم يذكر الخلافة الثانية على منهاج النبوة. فالراجح والله أعلم أن الجبرية هي الخلافة العثمانية وقد انقضت، ونحن في إمرة السفهاء ونسأل الله أن يجعلنا من العاملين لإقامة الخلافة على منهاج النبوة وأن يعيذنا من إمرة السفهاء ويعجِّل الخلافة.
وبناء على ما تقدم فمن الخطأ أن نحصر الخلافة الراشدة بالخلفاء الأربعة الأوائل، وهذا عينه ما يريده الأعداء وأشياعهم وأبواقهم من أبناء هذه الأمة المغرضين الذين يقولون بأن الخلافة فد انتهت بمقتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأن على المسلمين أن يأخذوا ما شاؤوا من أنظمة من هنا وهناك، فلا تعطوهم هذه الفرصة ليطعنوا بالخلافة التي كانت ساطعة كالشمس للدنيا لا ينكرها إلا جاهل أو منافق أو عدو حاقد.ثم إن أكثر العلماء المعتبرين القدماء والمحدثين قد ذكروا أن الخلافة هي تاج الفروض فهي الوعاء الذي يحفظ أحكام الإسلام والحارس عليها وعلى وحدة الأمة، يقول مؤرخ الحضارة الإسلامية ابن خلدونالعرب من أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والانفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، ولم يجتمع أمرهم إلا على ثنتينالنبوة والخلافة) اما النبوة فقد انتهت بموت النبي عليه السلام، فلم يبق إلا الخلافة لا يجتمع أمرهم إلا عليها) ومن أراد الاستزادة فليرجع مثلا إلى كتاب الأحكام السلطانية للماوردي وإلى مقدمة ابن خلدون فما فيهما يستحق القراءة والعلم. ولذلك كله فإنني أهيب بالخطباء والمفكرين والدارسين والباحثين والداعين إلى الله تعالى خاصة ان يعطوا الخلافة حقها من الانصاف في مختلف العصور الإسلامية وان لا يحصروها في الثلاثين سنة الأولى إلا إذا كان الأمر على سبيل الاستدلال على الأحكام الشرعية فيما يسمى ب (إجماع الصحابة) والذي هو أحد مصادر أخذ الحكم الشرعي لأنه كشف عن دليل عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أي جاء من طريق الوحي، وإن لم يذكروه صراحة فسكوتهم وعدم إنكارهم دليل على أنهم سمعوه من النبي عليه السلام، وأمثلة ذلك كثيرة في كتب الفقه.
وهناك أمر اّخر وهو أن الله تعالى يحاسب الإنسان على التقصير في أداء الفروض والواجبات الشرعية في الفترة التي عاش أو يعيش فيها الإنسان بما تتطلبه من أحكام شرعية في حق الله أولا وفي حق نفسه ثانيا وفي حق الأمة ثالثا ولا يمكن الفصل بينها فكلها من الوحي فاتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ((يا أيها الذين اّمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)).

No comments:

Post a Comment