Tuesday, May 19, 2020

أسباب ارتفاع الدين الأمريكي والحديث عن الانهيار السياسي

أسباب ارتفاع الدين الأمريكي والحديث عن الانهيار السياسي

الخبر: توقع معهد التمويل الدولي أن يرتفع الدين الحكومي للولايات المتحدة من 102٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 إلى أكثر من 120٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، قبل أن يتجاوز 140٪ في عام 2025. فما هي أسباب هذا الارتفاع الكبير؟
التعليق:
 في أواخر فترة رئاسة بيل كلينتون للولايات المتحدة كان إجمالي الدين العام الأمريكي ينمو بمعدلات متناقصة، ففي عام 1995 تزايد إجمالي الدين العام الأمريكي بنسبة 6 في المائة تقريبا إلى 4.9 تريليون دولار، وبدءا من هذا العام أخذ النمو في إجمالي الدين العام في التراجع على نحو سريع حتى اقتصر على 0.4 في المائة فقط في عام 2000، أي أقل من 0.5 في المائة، وكان من الواضح أن الولايات المتحدة في سبيلها للسيطرة على النمو في دينها العام الذي مثل نحو 57 آنذاك ولكن الأمر اختلف في زمن بوش الابن مع وجود الأحداث الكبيرة مثلا أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وما تبعها من أحداث وتداعيات أدت إلى ارتفاع الدين العام، ففي عام 2001 كان إجمالي الدين العام القائم على الولايات المتحدة نحو 5.8 تريليون دولار، أي نحو 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ثم جاءت الحرب على أفغانستان حيث تزايد الدين العام بنسبة 7.4 في المائة، ثم تلاها إعلان الحرب على العراق في 2003 فتصاعد الدين العام مرة أخرى بنسبة 9.1 في المائة، وعلى مدى الفترة من 2001 حتى 2007 أخذ إجمالي الدين العام الأمريكي في التزايد على نحو واضح حتى بلغ 8.9 تريليون دولار في 2007، أو نحو 64 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ثم جاءت أزمة الرهن العقاري وما تلتها من أزمة اقتصادية حادة أخذ معدل النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي بُعداً آخر لم يبلغه من قبل، فخلال السنوات من 2008 إلى 2010 بلغ متوسط معدل النمو السنوي في الدين العام الأمريكي 15.5 في المائة، وهو بكل المقاييس معدل نمو خطير جدا. يتوقع مع نهاية 2010 أن يبلغ إجمالي الدين العام الأمريكي نحو 13.7 تريليون دولار، أي نحو 95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لتتجاوز حاجز الـ90 في المائة، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 52.4 في المائة عام 1940 إلى 121.7 في المائة عام 1946، لتأخذ النسبة في التراجع بشكل مستمر تقريبا، حتى بلغت 32.5 في المائة عام 1981، أي أن الاقتصاد الأمريكي استطاع التعامل مع هذا المستوى الضخم من الدين إلى الناتج، وعادت الأمور إلى نصابها مرة أخرى...

ارتفاع الدين العام على النحو الذي نشهده حاليا وبهذه المعدلات المرتفعة هو، كما نرى، ظاهرة ليست جديدة على الاقتصاد الأمريكي.
وهذه النقطة تجعلنا نقف مليا عند قدرة الاقتصاد الأمريكي على التعايش مع نسبة دين عالية خاصة وأن الديون الأمريكية تختلف عن غيرها من حيث إن الدين العام الأمريكي سواء الإجمالي أو المملوك بواسطة الجمهور كله مقوم بالدولار، أي بعملة تلك الدولة، وهذه هي الخاصية الأساسية التي تتمتع بها الولايات المتحدة دون غيرها من الدول. وهذا يعني ببساطة أن احتمال توقف الولايات المتحدة عن خدمة دينها العام هو صفر في المائة لأنه على أسوأ الفروض، إذا ضاقت السبل بالحكومة الأمريكية حيال خدمة دينها العام، فإنها يمكنها ببساطة أن تتحمل قدرا من معدلات التضخم المرتفع في سبيل استيفاء مدفوعات خدمة الدين العام من خلال طباعة الدولار، ومن ثم تخفيض قيمة الدولار وبالتالي تخفيض قيمة الدين العام من ناحية أخرى ليصبح الدين العام بقرار سياسي أقل من هذه الأرقام المهولة.
هذا جانب وجانب آخر يتجنب الكثيرون الحديث فيه خلال حديثهم عن فقاعة الدين الأمريكي وهو قياس حجم الدين من خلال معادلة بسيطة وهي فرق الأرقام بين ما على الولايات المتحدة من دين وما لها من ديون على دول العالم مع معرفة حجم الأصول الأمريكية والتي تقدر بأكثر من 150 تريليون، ونتيجة لمعرفة هذه الأرقام نستطيع بعدها قراءة حقيقية لهذه الأرقام معرفة حقيقة الدين مقارنة بما لها وبما تملك من أصول جبارة ليصار بعدها الحديث عن فقاعة الدين وأثره على الكيان السياسي الأمريكي. والدين العام هو مشكلة لا شك فيها ولا ينبغي التقليل من شأنها ولكن الأمر مختلف كليا مع حقيقة الدين الإيجابي والسلبي والادعاء، كمثل تاجر يملك أصولا بملايين الدولارات وأمواله بالأسواق وقد لا تجد في جيبه دولارا واحدا نتيجة وجودها في الأسواق وقد يستدين من تاجر آخر فهل يسمى هذا التاجر مديونا وهو لو باع أصلا من بعض الأصول وحده لقضى على كل ديونه وعاش برخاء كبير، فمسألة تضخيم الدين لدرجة الانهيار الأمريكي هو حديث بعيد جدا عن الواقع السياسي للولايات المتحدة وعدم معرفة لحقيقة الاقتصاد الأمريكي الذي يبلغ أكثر من عشرين تريليون دولار، ومعظم هذه الديون تدين بها الولايات المتحدة لنفسها وهي تقريبا ثلثا الدين والثلث الأخير هو للدول الأخرى منها 1.3 تريليون دولار للصين، و1.1 تريليون دولار لليابان.
ورغم حجم الديون الكبير، إلا أن موقع NPR الأمريكى اعتبر أنه لا يزال يمكن التحكم فيه.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان
  26 من رمــضان المبارك 1441هـ   الموافق   الثلاثاء, 19 أيار/مايو 2020مـ

No comments:

Post a Comment