Wednesday, May 27, 2020

تأملات قرآنية (29)

تأملات قرآنية (29)

المؤمنون أشداء على الكفار رحماء بينهم
إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:
أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين». ثم أما بعد: فَتَعَالَوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية التاسعة والعشرين من سورة الفتح يقول الله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا). (الفتح ٢٩).
قال نخبة من المفسرين في تفسيرهم الميسر: يخبر تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسوله حقًا بلا شكَّ ولا ريبَ، فقال: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ). وهذا مبتدأ وخبر، وهو مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ), كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (المائدة ٥٤).
وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا برًّا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافرين، ضحوكًا بشوشًا في وجه إخوانه المؤمنين، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). (التوبة ١٢٣) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا, وشبك بين أصابعه». كلا الحديثين في الصحيح.
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
هناك حالات تقتضي من المؤمنين أن يكونوا فيها أشداء؛ فيقفوا الموقف الذي يرضاه الله جل جلاله, ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم, ومن هذه الحالات التي تتطلب الشدة:
أولا: الشدة على الكفار:
قال تعالى محددا موقف المؤمنين من الكفار: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ). وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار, والمؤمنين الأخيار, غلاظ على الكفار, متراحمون فيما بينهم, كقوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ). قال أبو السعود في تفسيره: "أي يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة, ولمن وافقهم في الدين الرحمة والرأفة". وقال المفسرون: وذلك لأن الله أمرهم بالغلظة عليهم فقال: (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً). وقد بلغ من تشديدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تمس أبدانهم, وكان الواحد منهم إذا رأى أخاه في الدين صافحه وعانقه.
ثانيا: الشدة على العصاة:
وكذلك لا توجد رافة ولا رحمة في حق العصاة كالزناة مثلا قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ). (النور ٢)
ثالثا: الشدة على الظلمة:
وأيضا فإن الحاكم الظالم الذي يحيد عن الحق, وينحرف عن منهج الله, ينبغي على المؤمنين أن يقفوا منه موقفا صلبا متشددا حتى يعود إلى الحق, ويرجع عن ظلمه, ويؤوب إلى منهج الله, وشرع الله. روى أبو داود والترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كلا والله, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يد الظالم, ولتأطرنه على الحق أطرا, ولتقصرنه على الحق قصرا, أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض». فالمسلم إذاً يتعصب للحق, ويتمسك به تمسكاً شديدًا, وهذا التمسك والتعصب يعد من الفضائل التي يحمد عليها صاحبها. وإذا كان الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر يعد في نظر الغرب إرهابا, فإنه في نظر الإسلام فريضة من فرائض الله, يعاقب الأمة الإسلامية على تركها, ويحرمها من إجابة دعواتها. روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه, ثم تدعونه فلا يستجاب لكم». نعوذ بالله من ذلك.
معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وَيَقدُرُونَكَ حَقَّ قَدْرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
   29 من رمــضان المبارك 1441هـ   الموافق   الجمعة, 22 أيار/مايو 2020مـ

No comments:

Post a Comment