Thursday, May 21, 2020

تأملات قرآنية ح27

تأملات قرآنية ح27

الملك يوم القيامة لله الواحد القهار
إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:
أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:
أحبتنا الكرام :
نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين». ثم أما بعد: فَتَعَالَوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية 17 من سورة. يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّـهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿١٦﴾ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّـهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾. ﴿غافر ١٧
قال نخبة من المفسرين في تفسيرهم الميسر: "يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم، لا يخفى على الله منهم ولا مِن أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء، يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: الملكُ لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله، القهَّار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته. اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر، لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته. إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب، فلا تستبطئوا ذلك اليوم؛ فإنه قريب".
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
على حين غرة منا, ودون سابق إنذار، ظهر فيروس كورونا، فيروس لا يُعرف عنه شيء، من الصين أتى قادما كما يشاع, مُنطلقا نحو كل بقاع الأرض, قبل القيام بمحاصرته بشكل محكم اجتاح العالم بطريقة هستيرية سريعة مسببا الصدمة للعالم أجمع، الخوف والألم مما سببه من خسائر في الأرواح, وقبل أن يستفيق الناس من الصدمة، انتشر دون إعطائهم وقتًا كافيًا للاستعداد له، تسلل إلينا هذا الجندي الخفي من جنود الله - جل وعلا - بسرعة مذهلة, كيف تسلل بهذه السرعة؟ لا أحد يدري. الرعب يملأ العالم من الزائر الثقيل، المحمل بالمرض والموت لكل مكان يدخله ذلك الفيروس الشبح، ماذا فعل بنا؟ لقد أثر فينا فيروس كورونا بشكل كبير, قلب موازين حياتنا رأسا على عقب, ظلاله الثقيلة غطت كل مجالات حياتنا سواء منها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والتعليمية والصحية, حتى وصل لعاداتنا اليومية, لم يترك مجالا إلا ووضع بصمته الثقيلة بداخله. أجبرنا على التغيير، نعم أجبرنا وهذه حقيقة، فرض نفسه علينا فرضا قاسيًا، وأذعنا له بكل طواعية, فلا بديل عن ذلك إلا الموت. فرض علينا طرقًا جديدةً للتواصل الإنساني بعد فرضه علينا ما سميناه بالتباعد الاجتماعي عمن حولنا, أفقدنا السلام النفسي والسكينة، وحل محله الخوف من  توقع الأسوأ، وانتظار الفرج من الله جل في علاه.
فيروس كورونا يفتك بالناس بلا رحمة, تماما كالتَّماس الكهربائي الذي إن أمسك بالإنسان قتله, أو يَكتُبَ اللهُ له النجاة حسب ما هو مُسَجَّلٌ في قدره المحتوم, فلا ضمانات بالنجاة منه لأحد مهما كانت منزلته وقدره بين الناس. لقد أتى هذا الجندي من جنود الله, حاملا معه شعار المساواة, غير مفرق بين أحد: لا بين الغني والفقير، ولا بين القوي والضعيف، ولا بين الخادم والمخدوم، ولا بين الرجل والمرأة, ولا بين الصغير والكبير, بل كل الناس متساوون, وكل الناس تحت الخطر واقعون. لا مناص لأحد. فأقوى دول العالم أمام طوفانه كأضعف دولة, جميع البشر يخشونه، لقد قلم كورونا أظافر جميع أفراد الجيوش, وهدد جميع الملوك، وأطاح بكل العروش, فلا أحد مصان، حتى أصحاب التكنولوجيا المتقدمة, والعلوم الحديثة, كلهم عجزت قدراتهم عن إيجاد الحلول، كل الناس يترقبون بخوف متسائلين عما هو قادم, فلا فرق, كلنا معرضون للخطر الداهم!! حتى الآن لا زالت الرؤيا ضبابية، الحلول غير متوافرة، هذا الفيروس المخيف أثبت أننا لا شيء أمام قدرة الله جل في علاه، أظهر لنا حقيقتنا الضعيفة، أحرجنا أمام أنفسنا. هزم العلم، وقهر العالم أجمع، وقف لنا بعصا غليظة, ضاربا بعرض الحائط كل السبل لمحاربته، أصبحت النظافة شغلنا الشاغل, فهي السبيل الوحيد المتبقي لنا للوقاية منه. حجرنا في بيوتنا، حوَّل لقاءاتنا الجميلة لمجرد لقاءات, وسلامات إلكترونيه عبر مواقع التواصل, وغرف المحادثة. أجلسنا على الإنترنت لساعات طويلة إما للعمل، أو للدراسة, أو لتبادل أطراف الحديث.
لقد قلب موازين حياتنا اليومية, ما هذا يا الله؟ أهو حُلْمٌ أم عِلمٌ؟ هل دخلنا نفق بداية النهاية؟ ما نعيشه اليوم، ليس حلمًا, بل واقعًا غريبًا مؤلماً، ملأ عقول كل الناس بالتساؤلات، أدخلهم دوامة التكهنات والاتهامات, وأيقظ نظرية المؤامرة القابعة في عقول الكثيرين منا، على اعتبار أنها السيناريو الأقرب للحقيقة. قد يحمل لنا القادم حقائق كثيرة لا نتوقعها. في حين أن الوقت الحاضر يمنحنا حقيقة وحيدة ثابتة في كل ما يحدث, ألا وهي أن الله تعالى هو وحده الشاهد الذي يعلم حقيقة ما حدث. وأيا كانت الأسباب التي تقف خلف ما حصل إلا أنه - سبحانه - أراد له أن يكون ويستمر لحكمة لا يعلمها إلا هو، فلا شيء يأتي من العبث وللعبث. من أصغر الشرر لأكبره، رغم كمية الضرر الكبيرة الواقعة على البشر, إلا أن وجوده يعني شيئًا مهمًا, ويكفي النظر فيما يحدث؛ لنرى الدروس والعبر مما يحدث حولنا. إن فيروس كورونا حول الإنسان من إنسان طاغٍ فاجرٍ سافكٍ للدماء, إلى إنسانٍ عاجزٍ, يقف بكل قوته, وأسلحته, وجبروته, عاجزًا عن فعل شيء، بل يتضرع إلى لله عز وجل أن يحميه من فيروس لا يراه، بعد أن عجز العلم حتى الآن عن محاربته، فكل الأبواب أغلقت, ولم يبق إلا باب الله سبحانه وتعالى، ورغم كل العلم الذي توصل إليه الإنسان، فلا يمكن أن يتحدى قدرة الله عز وجل في أصغر شيء يريد له أن يكون, فسبحان الله السائل, والمجيب في آن واحد: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾!!. هاهي كل العروش تتهاوى أمام فيروس صغير لا يرى بالعين، وهاهي الرؤوس تتمايل, فلا فرق بين أحد اليوم، كرونا قلب كل المقاييس، لا فرق بين عربي وعجمي, أو بين مسلم ونصراني، أو بين يهودي أو أي صاحب ديانة أخرى. لا الدين، لا الصحة، لا المال, ولا  حتى السلطة تستطيع أن تعصم الإنسان من المرض الذي قد يصل حد الموت. لا فرق اليوم بين قوة عظمى, وبلاد بلا حول لها ولا قوة، كل الأسلحة الفتاكة والجيوش القوية بلا حول ولا قوة أمام كورونا. وبالتدقيق قليلا سنرى، كيف أن كوكب الأرض اليوم يشهد تلاحمًا كبيرًا لمواجهة الفيروس لم نشهده من قبل. العالم كله يتكاتف لمواجهة الفيروس. الرعب والخوف يصيب جميع الناس، فلم ذلك التجبر الطاغي؟ والغطرسة التي ملأت الكرة الأرضية؟ الموت والظلم، وسفك الدماء في كل مكان؟ فكان لا بد من وقفة إنذار لكل ذلك من الله تعالى خالق البشر، كي يروا جزءًا صغيرًا من آياته علهم يتعظون. كورونا فتح عيوننا على عالم متوازن من خلق الله. فيروس كورونا جاء ليعلمنا الدرس الذي لا نريد استيعابه, وهو أن كل الناس رغم الفروق التي بينهم متساوون أمام عظمة الله. كلهم أبناء هذه الأرض, منها خلقوا, وعليها وجدوا, وإليها يعودون, ومنها يخرجون للبعث والنشور والحساب, ثم يكون مصيرهم إما إلى جنة عرضها السماوات والأرض, فيها النعيم المقيم, والسعادة الأبدية, وإما إلى نار تلظى, فيها العذاب الأليم, والشقاء الأبدي.
ولعل سائل يسأل: ما السبيل إلى الخلاص من هذا الكرب الذي نعيش, والمصيبة التي نحيا؟ نقول وبالله التوفيق: إذا أراد العالم كله والناس أجمعين الخلاص حقا, ما عليهم إن أرادوا أن يخرجوا من هذه المحنة, وهذا البلاء الذي أصابهم, وأرادوا الفوز بالجنة ونعيمها, والنجاة من النار وجحيمها, ما عليهم إلا أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحا من كل الذنوب والآثام التي ارتكبوها, وأن يعلنوا الصلح مع الله تعالى, فيتكاتفوا جميعًا كما تكاتفوا لمواجهة فيروس كورونا, عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى؛ لجعل كلمة الله هي العليا, وكلمة الذين كفروا السفلى, وذلك بأن يعملوا لإيصال الإسلام إلى سدة الحكم كي تصبح حياتهم كما أراد الله, تحت ظل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم, في دولة واحدة, دولة خلافة راشدة, تحكمهم بمنهج الله, ويطبق عليهم فيها شرع الله تعالى الذي هو في السماء إله وفي الأرض, إله, والذي له الخلق والأمر, وله ملك السموات والأرض, وله الحكم وإليه يرجعون.
معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:
اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وَيَقدُرُونَكَ حَقَّ قَدْرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
  27 من رمــضان المبارك 1441هـ   الموافق   الأربعاء, 20 أيار/مايو 2020مـ 

No comments:

Post a Comment