Wednesday, March 29, 2017

الميزان: ميزان الفكر والنفس والسلوك ح13

الميزان: ميزان الفكر والنفس والسلوك ح13

بسم الله الرحمن الرحيم
والميزان الأساسي للفكر {التفكير} اتخاذ قاعدة واحدة للتفكير، فينشأ لدينا مصطلح (العقلية)، وتوصف عقلية أي إنسان بوصف القاعدة أو القواعد التي يستند إليها في تفكيره، فالذي يتخذ المصلحة قاعدة وأساساً لتفكيره توسم عقليته بأنها مصلحية، ومن يتخذ الحل الوسط قاعدة وأساساً لتفكيره توسم عقليته بأنها وسطية ترقيعية، ومن يتخذ الواقع قاعدة ومصدراً لتفكيره توسم عقليته بأنها واقعية منحطة، فإن اتخذ مبدأً معيناً قاعدة لتفكيره وسم تفكيره بسمة ذلك المبدأ، فالذي يتخذ المبدأ الرأسمالي قاعدة وأساساً لتفكيره وصفت عقليته بأنها رأسمالية، ومن اتخذ المبدأ الإسلامي قاعدة وأساساً لتفكيره وصفت عقليته بأنها إسلامية، ومن اتخذ قواعد متعددة لتفكيره وصفت عقليته بالفوضوية، كالذي يستند إلى الإسلام في العبادات، ويستند إلى الرأسمالية في التعاملات وباقي الأفكار، فإن عقليته تصبح متناقضة وتوصف بأنها عقلية فوضوية, يقول الله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) فالأصل في المسلمين إذا جدّ عليهم جديدٌ من الأمنِ أو الخوف أن يردّوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو المبلغ للتشريع عن الله، أو يردّوه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أولي الأمر منهم (الحقيقيين- وليس أولياء الأمر اليوم) حتى يستنبطه الذين يعلمون من مصادره الشرعية.
والواجب على المسلمين أن يتخذوا العقيدة الإسلامية قاعدة فكرية وحيدة لتفكيرهم لتعود عقلياتهم إسلامية كما أراد الله سبحانه وتعالى، وكما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام وتابعوهم بإحسان، وذلك بأن يتخلصوا من رواسب التفكير الأخرى غير الإسلام، وأن يجعلوا العقيدة الإسلامية هي القاعدة الوحيدة والأساس الوحيد لتفكيرهم.
ويكون ذلك بأن يقيسوا كل فكر وكل رأي على العقيدة الإسلامية، ويكون القياس على العقيدة الإسلامية بتحقيق الشرطين المذكورين في أول هذا الباب، وهما:
-       إدراك مطابقة الفكرة لواقعها.
-       وبناء تلك الفكرة على العقيدة الإسلامية أو انبثاقها منها.
فإن فعلوا ذلك في كل فكر وفي كل رأي، واستبعدوا أي قاعدة فكرية أخرى، وطبقوا ذلك على كل الأفكار والآراء التي يتبنونها ويقولون بها، واتخذوا ذلك سنةً وطريقة مطردة صارت عقلياتهم إسلامية لا تشوبها شائبة، ولا يتطرق الخلل عندهم لأي فكر أو رأي، ولا يقعون في أي تناقض بين الأفكار أو الآراء.
وقد نعى القرآن الكريم على الكفار في مواضع كثيرة منه اتخاذ قواعد أخرى أساساً لتفكيرهم، فمن ذلك اتباعهم آباءهم، وقولهم بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، وقولهم إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، ونعى عليهم اتباع كبرائهم، فقال سبحانه نقلاً عن الكفار: (إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا). ونعى عليهم اتباع غيرهم في العقيدة وإنهم سيتبرأون منهم، فقال سبحانه: (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار).
ونعى عليهم اتخاذ الوسطية أساساً للتفكير، فلمّا عرض الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد آلهتهم سنة،  خاطب الله سبحانه رسوله بقوله: (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين). فليس هناك حل وسط في العقيدة ولا في الأمور التي يتوخى فيها الصواب.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن
2 من رجب 1438هـ   الموافق   الخميس, 30 آذار/مارس 2017مـ

No comments:

Post a Comment