Friday, July 24, 2015

خبر وتعليق: اكتشاف نسخة أصلية من القرآن لا يزيد في إعجاز القرآن

خبر وتعليق: اكتشاف نسخة أصلية من القرآن لا يزيد في إعجاز القرآن

الخبر: تناقلت وسائل الإعلام خبر اكتشاف علماء في جامعة برمنغهام في بريطانيا لمخطوطة من القرآن كتبت بالحبر وبالخط الحجازي على رقعة من جلد الماعز تعود بتاريخها إلى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام أو بعد وفاته بقليل. وقد أثار الخبر اهتمام الجالية الإسلامية المحلية وعلماء مسلمين حول العالم.

التعليق: بغض النظر عن الكيفية التي وصلت بها المخطوطة إلى جامعة برمنغهام التي تحتوي على أكثر من 200،000 مخطوطة تعود إلى ما قبل سنة 1850 فإن هذا الاكتشاف له أهمية كبرى ضمن الأوساط العلمية التي تعتمد على الطريقة العلمية في البحث والوصول إلى الحقائق، والتي باتت تقدس الطريقة العلمية، وتفضلها على غيرها من طرق الوصول إلى الحقائق وإثباتها.
ولكن هناك أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم اليوم إضافة إلى أضعاف هذا العدد من المسلمين الذين عاشوا خلال الأربعة عشر قرنا الماضية، قد آمنوا بالقرآن الكريم وصدقوا تصديقا جازما بأنه كلام الله الذي أوحى به إلى محمد عليه الصلاة والسلام دون رؤية النسخة التي جمعها أبو بكر أو الرقعة التي كتبت بأيدي كتبة الوحي في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإيمان ليس مجرد عاطفة أو شعور أو إحساس، بل هو قناعة عقلية مبنية على إعجاز القرآن المستمر على مدى هذه القرون كلها. وإعجاز القرآن مبني على حقيقة واحدة بينة وهي أن هذا الكتاب تفرد في أسلوبه وصياغته منذ أن أوحى به الله إلى نبيه، ولم يوجد خلال هذه الفترة كلها كتاب آخر على نسق القرآن أو شبهه. وهذه الحقيقة هي التي جعلها الله تعالى موضع التحدي للبشر جميعا بل وللجن أيضا. حتى إذا عجز أهل الأرض قديما وحديثا عن إنتاج ما يشبه القرآن يكون قد ثبت تفرده وبالتالي ثبت أنه من الله تعالى كما أخبر بقوله ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ وقوله تعالى ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.
والحاصل أن القرآن هو كلام عربي أي باللغة العربية مصوغ من أحرف عربية وكلمات عربية وعلى أسس وقواعد عربية وبأساليب اللغة العربية البلاغية من تحسين وجناس وطباق وتشبيه وغيرها. إلا أنه قد تمت صياغته بأسلوب كلامي جديد يختلف عن الشعر والزجل والسجع والخطابة والمقالة والخاطرة والقصة والرواية، وإن كان فيه شيء من كل هذه الأساليب. وبعد نزول القرآن على هذا الأسلوب الفريد، أصبح هذا الأسلوب في الكلام معروفا وقد درسه وبحثه وعلق عليه ملايين الناس من علماء لغة وغيرهم وألفوا حوله آلاف الكتب، إلا أنهم لم يؤلفوا أو ينتجوا كتابا واحدا ولا حتى فصلا واحدا يمكن وضعه بمقام القرآن ومنزلته من حيث الأسلوب والصياغة، مع وجود الدافع والحاجة الماسة إلى إيجاد ولو شبه واحد من أجل إبطال حجة القرآن وإعجازه عند أعدائه خاصة عند كفار قريش الذين وقفوا موقف العداء من رسالة محمد ومن القرآن الكريم. فعجز أولئك ثم عجز أعداء الإسلام على مدى التاريخ عن صياغة كتاب أو حتى فصل على نسق القرآن مع حاجتهم لذلك يثبت تفرد القرآن وبالتالي صحة ادعاء من جاء به على أنه من الله تعالى وقد جاء على وجه معجز. وهذه الظاهرة ماثلة للعيان في كل وقت وزمان، أدركها المسلمون المؤمنون بالقرآن وأدركها غير المسلمين كذلك. كما ورد عن الوليد قوله في القرآن "والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن؛ إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وأنه يعلو وما يُعلى عليه".
لذلك فإن اكتشاف المخطوطة اليوم أو اكتشاف مخطوطات أكثر لا يزيد في يقين المسلمين وإيمانهم في أن القرآن الذي كانوا يتلون منذ أكثر من 14 قرنا هو كلام الله المعجز. أما حفظ القرآن من الضياع والتحريف فقد أنبأنا الله تعالى في القرآن ذاته أن الله لا شك حافظ للقرآن بقوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. فقد حفظ الله القرآن في صدور العباد قبل أن يحفظ في الكتب والرقاع، فقد وجد في كل زمان وفي كل مكان يعيش فيه المسلمون حفظة للقرآن الذين حفظوا القرآن بالرواية والتلقين من جيل إلى جيل، حتى إنه وجد ملايين من الحفظة الذين لا يعرفون اللغة العربية مطلقا ولكنهم يحفظون القرآن عن ظهر الغيب، وما يحفظه حفاظ الهند وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وتركيا والبنغال لا يختلف مطلقا ولا بأي شكل أو لفظ أو لحن عما يحفظه حفاظ مصر وليبيا والشام والعراق والمغرب. فالله تعالى أخبر بأن القرآن لا بد محفوظ وقد حصل هذا الحفظ بالتمام والكمال، فيكون حفظه على هذا الشكل إخبار عن صحة ما ورد في القرآن غيبا فيكون زيادة في حجة إعجاز القرآن الكريم.
من هنا فإن اكتشاف علماء برمنغهام لتاريخ وصحة المخطوطة لا يزيد ولا ينقص عند المسلمين شيئا، وإن كان قد يفيد المأخوذين بالطريقة العلمية بالبحث، ويبهر الكفار زيادة على ما هم عليه من تربص بالإسلام، ويغري صدورهم أكثر.
وكلمة أخيرة نقولها للمسلمين المؤمنين بالقرآن: اعلموا أن كتاب الله هذا الذي عنه يتحدثون إنما تكمن عظمته في أمرين: الأول أنه كلام الله الخالد رب السماوات والأرض وما بينهما، والثاني أن هذا الكتاب فيه هداكم، وطريق سعادتكم، وسبيل عزتكم ومجدكم، ورفعة شأنكم وقوتكم، وصلاح أمركم، ومنارة دربكم إلى ذرى المجد. فلا تتركوه وراء ظهوركم، وتتبعوا غيره من الكتب التي ما أنزل الله بها من سلطان، واجعلوه مصدر شرائعكم ودستوركم وقوانينكم، وطريقة عيشكم، وسلوككم، لعل الله يهديكم سبله ويدخلكم جناته إنه هو العلي العظيم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد ملكاوي
 08 من شوال 1436
الموافق 2015/07/24م

No comments:

Post a Comment