Friday, May 29, 2015

خبر وتعليق: إلى متى مسلسل الأخطاء الطبية القاتلة؟!

خبر وتعليق: إلى متى مسلسل الأخطاء الطبية القاتلة؟!

الخبر: وكالات أنباء - تسبب خطأ طبي في فصل رأس مولود عن جسده أثناء إجراء عملية الولادة لوالدة الطفل في مستشفى حكومي في مدينة الخليل بفلسطين المحتلة، وقد فتحت إدارة المستشفيات في وزارة الصحة تحقيقاً لمعرفة ملابسات هذا الحادث، كما فتحت النيابة العامة تحقيقاً مماثلاً في الحادثة".

التعليق: كثيرا ما نسمع عن أخطاء طبية تؤدي إلى الموت أو إحداث عاهات تحدث في المستشفيات وذلك نتيجة الإهمال الطبي أو الجهل، ويثور الناس وتشكل لجان تحقيق تنتهي بقرارات لا تساوي الحبر الذي كُتبت فيه. وقد تزايدت هذه الحالات في فلسطين مثلها مثل غيرها من هذه البلاد، وكأنها أصبحت تشكل ظاهرة، وسمعنا عن عشرات القضايا المرفوعة ضد أطباء أو مستشفيات بدون نتيجة، والحساب والعقاب فيها بعيد فالمتهم والمحقق والقاضي واحد وهو وزارة الصحة!! ومنذ أقل من أسبوعين حدث خطأ طبي آخر أدى إلى وفاة أم وجنينها في مستشفى في نابلس أثناء عملية الولادة!! فمن السبب وما النتيجة!؟
إن الطب علم إنساني يهدف إلى تخفيف آلام البشر ومعاناتهم.. وكم سمعنا وقرأنا على مدى التاريخ عن أطباء مهرة يتعاملون بإنسانية ورحمة، خاصة في ظل الإسلام وأحكامه، قال صلى الله عليه والسلام لمن أخبره أنه طبيب: «الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق» (أبو داود)، أي: أنت ترفق بالمريض وتتلطفه، والله يبرئه ويعافيه.
ولكن مع تغلغل النظام الرأسمالي البغيض والعلمانية التي تفصل الدين عن الحياة تحول الطب شيئا فشيئا إلى تجارة وحسابات ربح، واختفت الإنسانية والرحمة تحت ضغط المنفعة والمصلحة، وأصبح الأطباء تجارا وسماسرة يتاجرون بآلام الناس وعذاباتهم، وأضحت المستشفيات شركات استثمار تجارية يدخلها ويُعالج فيها من يدفع أكثر بينما يموت الفقير وهو يبحث عن حبة دواء لا يملك ثمنها. وليت الأمر وقف عن هذا الحد، بل تعداه إلى الاستخفاف والاستهانة بأرواح الناس وحياتهم، وما ذكرناه هو مثال وغيض من فيض لما يحصل من تجاوزات وإهمال لم يتسع المقام لذكر بعض منها فهي كثيرة ومتنوعة وفظيعة. ولا نقول هنا أن هذا يدخل ضمن القضاء والقدر والخطأ غير المقصود، بل هو نتيجة أفعال بشرية يمكن تفاديها لو كان هناك عقاب وحساب! خاصة أن عددا من شهادات الطب يحصل عليها أصحابها وهم لا يستحقونها حيث اشتروها بالمال خاصة من دول أجنبية لا يهمها إلا الربح والمادة ولو على حساب البشر وأرواحهم خاصة إن كانوا مسلمين!! ولكن غاب الحاكم الراعي فغاب العدل والأمان.
ففي الإسلام أحكام شرعية لكل صغيرة وكبيرة. فلا شك أن الطبيب مسؤول عما يقع فيه من خطأ تجاه من يطببه، وهذه المسؤولية تعظم أو تقل بحسب نوع الخطأ ودرجته، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه والسلام قال: «من تطبب ولم يُعلَم منه طب قبل ذلك فهو ضامن». رواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي. والحديث يعتبر أصلاً عند أهل العلم في تضمين الجاهل إذا عالج غيره وتضرر بعلاجه. وإذا كان الجهل هو الموجب للمسؤولية كما يدل عليه ظاهر الحديث، فإنه يستوي فيه الجاهل بالكلية وهو الشخص الذي لم يتعلم الطب، والجاهل بالجزئية وهو الشخص الذي علم الطب وبرع في فرع من فروعه، ولكن يجهل الفرع الذي عالج فيه، فمثل هذا يضمن. فالطبيب الجاهل يأثم بجنايته ويضمن ما يترتب عليها. أما الخطأ فهو ما ليس للإنسان فيه قصد ومثاله: أن تزل يد الطبيب الجراح، أو أخصائي التخدير، أو الممرض، أو المصور بالأشعة والمنظار، وينشأ عن ذلك ضرر بجسم المريض فهذا النوع لا يترتب عليه تأثيم فاعله، قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾، لكن يلزم صاحبه بضمان ما نشأ عن خطئه..
لكن في ظل غياب تحكيم هذه الأحكام الشرعية بغياب الدولة التي تطبقها، وفي ظل انتشار الفساد والمحسوبيات والرِّشا اختلط الحابل بالنابل ونجح الجاني في الهروب بفعلته مرارا وتكرارا، بل وربما عوقب الضحية وأهله! وستتكرر المآسي وتتنوع بدون عقاب. فاللهَ نسأل الفرج العاجل بإذنه تعالى لينال كل ذي حق حقه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي
 11 من شـعبان 1436
الموافق 2015/05/29م

No comments:

Post a Comment