Monday, May 25, 2015

أجوبة أسئلة حول:‏ رهن المبيع على ثمنه

أجوبة أسئلة حول:‏ رهن المبيع على ثمنه

(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")‏
أجوبة أسئلة حول:‏ رهن المبيع على ثمنه إلى عزالدين ابن عبد السلام
وإلى نضال نزال
الأسئلة:‏ سؤال عزالدين ابن عبد السلام:‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيخنا الكريم أتمنى أن تصلك رسالتى هذه وشخصكم الكريم بتمام الصحة ‏والعافية... أما بعد، أرجو أن يتسع صدركم لسؤالي الذي سأصوغه على الشكل الآتي، يذهب مشترٍ لبائع ليشتري ‏منه بيتاً أو قطعة أرض، ويكون البيع بالتقسيط على دفعات يتفقون عليها، فيأخذ المشتري البيت أو قطعة ‏الأرض، ولكنه لا يملكها ملكية تامة إلا عند آخر دفعة من القسط، فالمشتري يجري تقريبا كل التصرفات على ما ‏اشترى إلا البيع، فهو لا يقدر مثلا بيع ما اشترى إلا عند آخر قسط، والسؤال هنا "يتوجه الناس إلى شباب ‏الحزب يسألونهم عن هذه المعاملة لثقتهم بالشباب، فيكون جواب الشباب مختلفا بين مانع ومجيز على النحو ‏الآتي، فالمجيزون، يجيزون البيع محتجين بإدخال الرهن بالموضوع، أي أن يكون العقد عقد رهن، أو يجيزون ‏من باب "العقود المعلقة". أما المانعون فيحتجون بأن البيع بالعاجل أو الآجل يجب فيه كامل التخلية، على اعتبار ‏أن الملكية الفردية "حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعة بالشيء وأخذ ‏العوض عنه"، ولأهمية الموضوع يا شيخنا الكريم في معاملة الناس والسؤال المتكرر لنا نرفع لشخصكم الكريم ‏هذا الإشكال وبارك الله فيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‏
سؤال نضال نزال:‏
السلام عليكم، أرجو بيان حكم الشرع في المسألة التالية: هل يجوز لي شراء سيارة من شخص على أقساط ‏واشترط البائع عدم تسجيل السيارة باسمي والتنازل عنها إلا بعد تسديد آخر قسط، مع العلم أن السيارة أصبحت ‏بحوزتي وأستعملها. هل يجوز ذلك؟ بارك الله فيكم.‏

الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن سؤال الأخ عز الدين والأخ نضال، هما سؤالان متشابهان في موضوع واحد، ولذلك فالجواب لهما معاً:‏
إن هذه المسألة معروفة في الفقه بمسمى (رهن المبيع على ثمنه)، أي أن يبقى المبيع مرهوناً عند البائع إلى ‏أن يسدد المشتري الثمن. وهذه المسألة لا تظهر إذا كان البائع والمشتري كما قال رسول الله ‏‏ في الحديث الذي ‏أخرجه البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا ‏اقْتَضَى» لكنهما أحياناً يختلفان حول استلام السلعة أولاً أو دفع الثمن أولاً، وقد يعمد البائع بعد عقد البيع إلى ‏حبس البضاعة أي رهنها عنده حتى يسدد الثمن، ومن ثم تنشأ هذه المسألة، وهذه مختلف فيها بين الفقهاء، فمنهم ‏من يجيزها بشروط، ومنهم من لا يجيزها، وهناك آخرون يجيزونها في حالة ولا يجيزونها في أخرى... وغير ‏ذلك.‏
والذي أرجحه بعد دراسة هذه المسألة هو على النحو التالي:‏
أولاً: نوع المبيع:‏
‏1- أن يكون المبيع مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً... إلخ، كبيع الأرز أو بيع القطن أو بيع الأقمشة...إلخ
‏2- أن يكون المبيع غير مكيل أو موزون...إلخ، كبيع سيارة أو بيع دار أو بيع حيوان...إلخ
ثانياً: ثمن المبيع:‏
‏1- أن يكون حالاً أي نقداً كأن تشتري السلعة بعشرة آلاف نقداً تدفع حالاً.‏
‏2- أن يكون مؤجلاً لمدة كأن تشتري السلعة بعشرة آلاف تدفعها بعد سنة.‏
‏3- أن يكون جزء منه معجلاً، وجزء منه مؤجلاً، كأن تشتري السلعة فتدفع دفعة أولى خمسة آلاف، وتدفع ‏الخمسة الأخرى بعد سنة مثلاً أو تقسطها على أقساط شهرية...‏
ثالثاً: يختلف الحكم الشرعي باختلاف الأمور المذكورة أعلاه:‏
الحالة الأولى: المبيع غير مكيل وغير موزون... أي مثل بيع دار أو سيارة أو حيوان...:‏
‏1- الثمن نقداً، أي تشتري سيارة بعشرة آلاف نقداً، وأن يكون هذا مثبتاً في العقد.‏
في هذه الحالة يجوز للبائع أن يحبس البضاعة، أي أن تبقى مرهونة لديه حتى يُدفع الثمن العاجل وفق العقد. ‏والدليل على ذلك الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي وقال عنه "حديث حسن" عن أبي أمامة قَالَ: سَمِعْتُ ‏النَّبِيَّ ‏‏ يَقُولُ فِي الخُطْبَةِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ: «العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» الزعيم: الكفيل، ‏غارم: ضامن، ووجه الاستدلال في الحديث هو في قوله ‏‏ «وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» فإن المشتري إذا استلم السلعة قبل ‏أن يدفع الثمن فيكون قد اشتراها ديناً، و"الدين مقضي"، أي الأولوية لقضاء الدين ما دام الشراء كان نقداً، ‏وبعبارة أخرى أن يدفع الثمن أولاً ما دام الثمن في العقد نقداً حالا... يقول الكاساني في بدائع الصنائع تعليقاً على ‏الحديث (قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ»، وَصَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا ‏عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيًّا، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ.).‏
وعليه فيجوز للبائع أن يحبس المبيع عنده إلى أن يدفع المشتري الثمن، وبذلك فلا يكون هناك دين، وهذا ‏يوافق العقد لأن البيع لم يكن بالدين بل كان بثمن نقدي.‏
‏2- أن يكون الثمن مؤجلاً، كأن تشتري سيارة بعشرة آلاف تسددها بعد سنة، ففي هذه الحالة لا يجوز حبس ‏البضاعة إلى أن يتم تسديد الثمن لأن الثمن مؤجل حسب العقد بموافقة البائع، فلا يجوز له أن يحبس البضاعة ‏لضمان ثمنها ما دام هو قد باعها بثمن مؤجل، فأسقط حق نفسه بحبس البضاعة، ولذلك فلا يجوز له حبس ‏البضاعة بل يسلمها للمشتري.‏
‏3- أن يكون الثمن معجلاً ومؤجلاً، كأن تشتري السيارة بدفعة أولى خمسة آلاف تدفعها نقداً حالاً، والخمسة ‏آلاف الأخرى تدفعها بعد سنة مرة واحدة، أو تدفعها أقساطاً في أوقات آجلة.‏
ففي هذه الحالة يجوز للبائع حبس البضاعة إلى أن تسدد الدفعة العاجلة، وبعد ذلك فلا يجوز له حبس ‏البضاعة لاستيفاء الدفعات المؤجلة، وذلك لما ذكرناه في البندين 1-2.‏
والخلاصة أنه يجوز للبائع ارتهان البضاعة على ثمنها العاجل، أي إذا كان عقد البيع بثمن عاجل يدفع ‏حالاً، فإنه يجوز للبائع أن يحبس البضاعة عنده إلى أن يدفع المشتري الثمن العاجل وفق عقد البيع.‏
وكذلك يجوز للبائع أن يحبس البضاعة عنده إلى أن يدفع المشتري الدفعة المعجلة وفق عقد البيع.‏
ولا يقال هنا كيف يرهن المشتري بضاعته قبل قبضها، أي قبل أن يمتلكها؟ وذلك لأن الرهن لا يجوز إلا ‏في ما يجوز بيعه، وحيث إن السلعة المشتراة لا يجوز بيعها إلا بعد قبضها استناداً إلى حديث رسول الله ‏‏ الذي ‏رواه البيهقي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ‏‏ لعتاب بن أسيد: «إني قد بعثتك إلى أهل الله، وأهل مكة، ‏فانههم عن بيع ما لم يقبضوا». والحديث الذي رواه الطبراني عن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَبِيعُ ‏بُيُوعًا كَثِيرَةً، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «لَا تَبِيعَنَّ مَا لَمْ تَقْبِضْ»، فهذه الأحاديث صريحة في النهي ‏عن بيع ما لم يقبضوه، فكيف إذن يرهن المبيع قبل قبضه؟
لا يقال ذلك لأن هذين الحديثين هما بالنسبة للمبيع المكيل والموزون... أما إذا كان المبيع من غير ذلك ‏كالدار والسيارة والحيوان... فيجوز بيعه قبل قبضه استناداً إلى حديث الرسول ‏‏ الذي رواه البخاري عَنِ ابْنِ ‏عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ‏‏ فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ ‏القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ‏‏ لِعُمَرَ: «بِعْنِيهِ»، قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ ‏اللَّهِ، قَالَ: «بِعْنِيهِ» فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏، فَقَالَ النَّبِيُّ ‏‏: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ» ‏وهذا تصرف في المبيع بالهبة قبل قبضه مما يدل على تمام ملك المبيع قبل قبضه، ويدل على جواز بيعه لأنه قد ‏تم ملك البائع له.‏
وعليه فإنه يجوز رهن المبيع قبل قبضه ما دام يجوز بيعه قبل قبضه، ولكن هذا فقط في ما إذا كان المبيع ‏من غير المكيل والموزون... كالدار والسيارة والحيوان ونحو ذلك، وفي حالة انعقاد البيع بثمن عاجل، أو في ‏حالة وجود دفعة معجلة في عقد البيع، فيجوز رهن المبيع قبل قبضه إلى أن يُدفع الثمن المعجل أو الدفعة ‏المعجلة.‏
الحالة الثانية: المبيع من المكيل والموزون... كشراء كميات من الأرز، أو من القطن أو كميات من ‏الأقمشة... ففي هذه الحالة لا يجوز حبس المبيع على ثمنه مهما كان واقع الثمن: حالاً عاجلاً، أو آجلاً دفعة واحدة ‏أو تقسيطاً:‏
فإن كان الثمن آجلاً فلا يجوز له حبس البضاعة كما بيناه أعلاه.‏
وإن كان الثمن عاجلاً فلا يجوز له حبس البضاعة، أي رهنها، لأنه لا يجوز رهن المكيل والموزون قبل ‏قبضه وفق حديث الرسول ‏‏ الذي ذكرناه أعلاه. والبائع هنا في حالة البيع بالثمن العاجل بين أمرين:‏
إما أن يبيعه البضاعة بثمن عاجل ويسلمها له ويصبر عليه سواء أعطاه الثمن حالاً أو بعد حين دون أن ‏يرتهن البضاعة... وإما أن لا يبيع البضاعة، أي دون ارتهان للبضاعة بحال.‏
وعليه فإذا انعقد البيع بثمن عاجل أو آجل في حالة كون المبيع من المكيل أو الموزون، فلا يجوز للبائع أن ‏يرتهن البضاعة عنده إلى حين تسديد الثمن.‏
• وهذا ما أرجحه، والله أعلم وأحكم.‏
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك
08 من شـعبان 1436
الموافق 2015/05/24م

No comments:

Post a Comment