Wednesday, April 25, 2018

هل السعودة هي الحل لمشكلة البَطالة؟ ح6

هل السعودة هي الحل لمشكلة البَطالة؟ ح6

 (تتمة المحور السادس: كيف تحل دولة الخلافة الراشدة هذه المشكلة)
تشجيع وإعانة الناس على مزاولة مختلف أنواع العمل وأساليب تنمية الملك، من تجارة وزراعة وصناعة وصيد وسمسرة وركاز، فهي لا تتحدث فقط عن (الوظيفة)، فمن أحيا أرضا ميتة فهي له، ومن استخرج ركازا فأربعة أخماسه له، ولا تكتفي بذلك بل تؤمن لهم ما يعينهم في أعمالهم، كالماء أو الأدوات اللازمة للزراعة أو الصناعة، بل إنها قد تهبهم أموالا من بيت المال ليستعينوا بها في أعمالهم..
توزيع الدولة على الناس حقوقهم من بيت المال مباشرة، سواء من أموال الزكاة لمستحقيها، أو من أموال الخراج والجزية والغنائم والفيء والعشور وغيرها على عامة المسلمين إذا رأى الخليفة ذلك، وهذه الأموال سيستخدمها الناس في العمل، وستساهم حتما في خفض البطالة..
استغلال ما في باطن الأرض من ثروات ومعادن في الصناعة، واستغلال المساحات الفارغة الشاسعة في الزراعة، ولا يخفى على أحد ما في هذه البلاد من ثروات ومساحات غير مستغلة، ولا يخفى على أحد ما في استغلالها من توفير فرص عمل كثيرة...
الملكيات العامة وملكيات الدولة: فأملاك الدولة يمكن أن يملّكها أو يؤجرها الخليفة للمسلمين كي يعملوا بها، وأموال الملكية العامة تمكّن الدولة الناس من استخدامها بتنظيم لا يسبب ضررا لغيرهم، فمثلا للخليفة أن يقطع أرضا زراعية لفلاحين كي يعملوا بها، وله أن يؤجر مساحة على شاطئ لمن يريد أن يقيم مصنعا، وللدولة أن تسمح باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية لتوفير خدمة اتصال مثلا، وهكذا فإن حسن استغلال الملكيات العامة وملكيات الدولة وتمكين الناس من الاستفادة منها بدلا من أن تنهبها الحكومة، كفيل أيضا بالحد من البطالة...
منع كنز المال مما يعني استخدامه عوضا عن تخبئته، ما ينتج عنه مشاريع جديدة وفرص عمل جديدة، وحدّاً من البطالة، والحقيقة أن الخوف من المستقبل هو ما يؤدي بشكل أساسي لكنز المال وتعطيله فضمان أن الدولة ترعى العاجز والمحتاج، مع قوة الإيمان بالرزق والقضاء والتوكل، كفيل بالقضاء على مشكلة الكنز برضا ورغبة من أصحاب المال، خوفا من الله وترسخا لفهم قوله سبحانه ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِـزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34]...
منع الربا، ولا يخفى على أحد ما للربا من أثر على تدمير الاقتصاد وتركز الثروة بأيدي فئة قليلة وهدم المشاريع الصغيرة بسبب عدم قدرتها على مجاراة الكبيرة ما يترتب عليه زيادة البطالة، عدا عن غضب الله على المجتمعات التي يتفشى فيها الربا وإعلانه الحرب عليها ومحق البركة من أموالها وأعمالها، في مقابل رضاه وبركته على المجتمع الذي ينبذ الربا طلبا لمرضاته سبحانه..
منع استغلال واستثمار الأموال الأجنبية والامتيازات الأجنبية في البلاد، لأن الواقع المحسوس أن هذه الاستثمارات والامتيازات تشتمل على محرمات عدة وأضرار للدولة وللمسلمين كالربا والاحتكار والتدخل في شؤون الدولة ومنع رعايا الدولة من ممارسة الكثير من الأعمال بحجة حقوق الامتياز أو حق المستثمر، ومنع ذلك يعني زيادة المشاريع المحلية وتشجيع الرعايا على العمل بدلا من تسليم البلاد للمحتكرين والمستعمرين، ما يؤدي حتما لخفض البطالة..
التصرف بالملكية مقيَّد بإذن الشارع، سواء أكان تصرفاً بالإنفاق أم بتنمية الملك، فتُمنع الشركات الرأسمالية المحرمة كشركات الأسهم، وسائر المعاملات المخالفة للشرع، ما يساهم في تقليل البطالة لأن كثيرا من المسلمين الآن يعزفون عن العمل في هذه الأعمال لمخالفتها للشرع كالبنوك أو شركات التأمين، وعندما تحل محلها شركات أو مشاريع شرعية لن يتورعوا عن العمل بها، كما أن القضاء على التصرفات الفاسدة في المال كالقمار مثلا، سيعزز تداول الأموال بين الناس ويدعم المشاريع الصغيرة...
حل مشكلة الأجور وإقبال الناس على الوظائف الإدارية وإحجامهم عن التقنية أو المهنية، فالرأسماليون يعطون العامل ما يحتاج إليه من أسباب المعيشة عند أدنى حدها، ويزيدون هذا الأجر إذا زادت تكاليف المعيشة أو بحسب النظرة المجتمعية للعمل، ولذلك ترى أجور بعض الأعمال مقارنة في مجهوداتها قليلة جدا ولذلك يحجم عنها الناس بشكل عام، أما الإسلام فجعل تقدير الأجر بحسب منفعة العمل، وهذا يعني أن الناس ستقبل على الأعمال النافعة التي تدر عليهم أجرا جيدا، مما يعني إقبالا على مهن مهجورة بسبب سوء تقدير أجرتها في الرأسمالية...
إقامة الحدود والقوانين والأحكام على الشريف كما الضعيف، مما يمنع الكبراء من أكل أموال الضعفاء وهدم أعمالهم كما يحصل اليوم مع أصحاب المنشآت الصغيرة، مما يحد من البطالة...
التحرر من التبعية السياسية والاقتصادية، فلا تعليمات ترامب، ولا شروط صندوق نقد دولي أو بنك دولي أو أمم متحدة أو دول مانحة، وإنما ما يوجبه الشرع وتقتضيه مصلحة الدولة ورعاياها، مما يساهم في زيادة الأعمال لأن الكثير من الشروط تقيدها وتقيد حركة الأموال والعمل فيها...
الاهتمام بجميع مدن ومناطق الدولة، لأنها تعتبر أن كل الأفراد رعاياها وهي مسؤولة عنهم أمام الله، فيجب أن ترعى شؤونهم أينما كانوا دون تمييز، وبذلك تقوم ببناء المستشفيات والمدارس والدوائر الحكومية اللازمة بما يضمن حسن رعاية شؤونهم وهذا بحد ذاته يوفر فرص عمل كثيرة لأهل هذه المناطق في مناطقهم دون الحاجة لترك مدنهم لعدم توافر الخدمات أو الأعمال...
سياسة إدارة المصالح في الدولة الإسلامية تقوم على البساطة في النظام والإسراع في إنجاز الأعمال والكفاية فيمن يسند إليه العمل، وهذا المبدأ البسيط في الإدارة يقضي على استعباد الرأسمالية للعمال، فالعمل الذي يحتاج أربعة أشخاص يكتفى فيه بواحد في الرأسمالية التي تقوم على مص دماء الناس لتحقيق مصلحة صاحب العمل أي التوفير عليه، أما اشتراط السرعة والكفاية فيمن يقوم بالعمل فيعني زيادة أعداد العاملين وإيجاد فرص عمل جديدة...
عمل المرأة: لا تعتبر الخلافة عمل المرأة مشكلة لذاتها، فللمرأة أن تعمل إذا أرادت ذلك وبخاصة أن هناك أعمالاً تحتاج وجود المرأة كتعليم أو تطبيب النساء، ولكن عملها ليس هدفا بذاته لتحقيق نسبة تمثيل نسائي كما يحصل اليوم، وهي غير ملزمة بالعمل، بل إن الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، ويجب على الرجل العمل والإنفاق عليها، ويجب على الدولة رعاية الأرامل أو اليتيمات أو من لا يجدن معيلا، فلا تضطر المرأة لمزاحمة الرجال على أعمالهم، ولا تشعر بالاستغناء عن الحاجة للرجل، والدولة بذلك تحل مشاكل اقتصادية واجتماعية في الوقت ذاته وبقانون واحد، وهذا الأمر بالتأكيد يخفف من نسب البطالة التي يتحدثون عنها اليوم ويوفر مزيدا من فرص العمل للذكور المكلفين به شرعا...
الجانب العقدي للمسألة: وختاما لهذا المحور لا بد لنا دائما أن نعيد الأمر لأصله، فعندما نتحدث عن دولة الإسلام، فنحن نتحدث عن تأييد رباني لا يجب إغفاله، فالله سبحانه حتما سيرزق هذه الدولة وأبناءها ويكفيهم الفقر والبطالة وغيرها، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ [المائدة: 66]، وغيرها...
ومحصلة هذا المحور أن حل مشكلة البطالة لا يكون منفصلا، بل يكون في منظومة متكاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وثقافيا وفكريا ومشاعريا وأخلاقيا، ومن العبث البحث عن حلول مشاكل فرعية لمنظومة متكاملة من الفساد والإفساد، وإن الدولة التي تطبق الإسلام شاملا كاملا في جميع أنظمتها لن تواجه أبدا مشكلة كالبطالة، وأما الدول التي ارتضت الرأسمالية عن الإسلام بديلا فلن تحل فيها مشكلة البطالة ولا غيرها من مشاكل الفقر والغلاء مهما فعلت أو زعمت أنها تفعل...
(يتبع...)
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين الشريفين
  10 من شـعبان 1439هـ   الموافق   الخميس, 26 نيسان/ابريل 2018مـ

No comments:

Post a Comment