Tuesday, April 24, 2018

هل السعودة هي الحل لمشكلة البَطالة؟ ح5

هل السعودة هي الحل لمشكلة البَطالة؟ ح5

المحور الخامس: البعد العقدي والشرعي للمسألة:
إذا كانت الحكومة وشيوخها يحاولون جاهدين إلصاق أذهان المسلمين بالتراب والأسلاك الشائكة وخطوط أقلام المستعمرين، وإبعاد كل تفكير ديني في الأمر، فيجب أن لا نغفل نحن المسلمين عن البعد الديني للمسألة، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، فالرزق بيد الله عقيدةٌ إسلامية، ويجب أن لا ينسى أحد من أبناء بلاد الحرمين أن رزقه سيأخذه مهما امتلأت البلاد بغيره، وإن رزق غيره ليس له حتى لو طُرد كل الناس وبقي وحده، فالأمر خطيرٌ لأنه يمس بأساس عقدي، هذا من ناحية...
ومن ناحية أخرى، فإن كون المسلمين أمةً واحدة، وأن المؤمنين إخوة، وأن لا فرق بين مسلم ومسلم إلا بالتقوى، وأن الرابطة بين المسلمين هي العقيدة الإسلامية وليست أتربة المستعمر الذي وضع هو هذه الوطنيات لتمزيق المسلمين، هي كلها أمور ثابتة قطعيا في الشريعة الإسلامية قال تعالى: ﴿وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، وقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، ولا داعي لمزيد أدلة فكل مسلم يعرفها، وأكتفي بالتذكير بالحديث الجامع الذي يهز قلوب المؤمنين، قال رسول الله : «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا؛ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ؛ التَّقْوَى هَاهُنَا - وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه مسلم وأحمد وغيرهما...
المحور السادس: كيف تحل دولة الخلافة الراشدة هذه المشكلة:
إن دولة راشدة مخلصة، تطبق حكم الله في أدق تفاصيل حياتها فهي حتما لن تواجه مشاكل كالبطالة، والحقيقة أن لهذا الأمر أبعادا سياسية وثقافية إضافة للاقتصادية، أحاول أن أجملها معا في النقاط التالية:
إن سياسة الاقتصاد في الدولة الإسلامية هي ضمان إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد إشباعا كليا، وضمان تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع، وهذه السياسة كفيلة بالتخلص من جل مشكلة البطالة، فالدولة فيها تعتبر نفسها مسؤولة عن تأمين العمل الذي يؤمن للقادرين عليه حاجاتهم الأساسية، وأكبر قدر من الكمالية، بينما تقوم هي بالتكفل بالعاجز عن العمل، وغير المكلف به كالنساء والأطفال الذين لا معيل لهم، كما تقوم هي بتأمين حاجات المجتمع العامة كالتعليم والتطبيب والأمن، وفي هذا خلاصة مشكلة العمل في الرأسمالية، التي جعلت الناس آلات يعملون ليل نهار لتأمين هذه الاحتياجات ونرى كثيرا منهم لا يستطيع تأمينها فتأكله نيران الرأسمالية بألهبة الجوع والفقر والمرض والتشرد وغيرها... فتخيل أن الدولة ضمنت ذلك، هل يحتاج بعض الناس بعدها للعمل 16 ساعة يوميا لتأمين احتياجاتهم؟! إن البطالة هي نتيجة طبيعية لتطبيق النظام الرأسمالي الذي يرى أن حاجات الإنسان لا تنتهي وأن الموارد الموجودة لا تكفيها، فعلى الناس أن يتصارعوا عليها وبالتالي لا بد من وجود فقراء من أجل وجود أغنياء ولا بد من وجود عاطلين عن العمل من أجل وجود عاملين وهكذا، فالمشكلة الاقتصادية في الإسلام مشكلة توزيع وليست مشكلة إنتاج لأن الموارد التي أوجدها الله كافية لكل البشر لو وجد نظام يضمن حسن توزيعها بين الناس، وهذه وحدها تضمن شبه انعدام مشكلة كالبطالة في الدولة الإسلامية..
عدم التفرقة بين المسلمين أو الرعايا (كمثل مواطن وأجنبي) فبعد أن هدم الكفار دولة الخلافة العثمانية، عمدوا إلى تقسيم بلدانهم ومدوا هذا التقسيم بكل الأسباب السياسية والثقافية التي تغذيه في بلاد المسلمين ونفوسهم، وقد تجلى ذلك بشكل كبير في بلاد الحرمين الشريفين، التي أصبح المسلم فيها يسمى أجنبيا، وتأثير ذلك على العمل يتجلى في ناحيتين: أولا من ناحية أن المسلمين جميعا يجب أن يعملوا معا لتعزيز الاقتصاد وبناء الدولة لا أن توضع القوانين التي تقيدهم أو تنزع انتماءهم مثل ما يحصل مع من يسمونهم الأجانب هنا، والناحية الثانية أنك قد تجد من يحمل الجنسية السعودية الذي لا يرغب بالعمل تحت إدارة أو إجارة (الأجنبي)، وتجد العكس، نتيجة لثقافة التفرقة التي تغذيها الدولة، مما يسبب مزيدا من البطالة. وحل هذه المشكلة ميسور، فالأخوة الإسلامية مغروسة في نفوس المسلمين طبيعيا بحكم عقيدتهم، ولا تحتاج إلا إلى إعلام يعززها وتعليم ينميها وقوانين تثبّتها، فهذه الأنظمة قائمة على هذه التفرقة وزوال هذه التفرقة يعني أن تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الناس مما يؤدي ضمنا إلى تعزيز انتمائهم لها وحرصهم عليها، ما يعني نموا اقتصاديا وحدّا من البطالة..
هدم الطبقية الرأسمالية والمكانة المجتمعية: حيث كان من جراء تطبيق النظام الرأسمالي العالمي الذي لا تعدو السعودية عن كونها جزءا من منظومته، أن نشأت الطبقية في المجتمع، وهذا ناجم طبيعيا عن سوء توزيع الثروة بين الناس فنشأت الطبقات الغنية والفقيرة، والطبقة الحاكمة والمقربة والعامة ونشأ عن ذلك ثقافة طبقية في المجتمع فأصبحت بعض الأعمال تعتبر منخفضة المستوى فيعزف عنها الناس، مع أن العمل يكون محترما ما دام حلالا، وهذه المشكلة في الأساس ليست موجودة بين المسلمين فبمجرد العودة لمنهاج الإسلام الأصيل، ونزع الطبقية من المجتمع، تزول هذه الثقافة تلقائيا فلا يعود يعيب العامل عمله، ولذلك يختار العامل المجال الذي يتقنه بعيدا عن مظاهر أو (برستيج) الرأسمالية ودون خوف من أن يحتقره أو ينتقص من قدره أحد، فالناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، فإن جاء مسلم يطلب ابنة مسلم للزواج مثلا فإنه يقيّمه بناء على دينه وخلقه امتثالا لأمر رسول الله وليس بناء على الطبقية المجتمعية أو المكانة المهنية، بل إن الفقير كفء للغنية وابن العامل كفء لبنت أمير المؤمنين في شرع الله... فعندما يغرس هذا المفهوم في عقول الناس ويسود في المجتمع تزول تلقائيا النظرة الدونية لبعض الأعمال ويزول عزوف الناس عن مزاولتها مما يساهم في إنهاء البطالة..
إن الاحتكار والملكية الفكرية وما في المجتمع من مفاهيم الجشع والغش والتحاسد تحت مسميات مثل المنافسة هي مسببات مباشرة أو غير مباشرة للبطالة لأنها تجعل بعض الناس يحتكرون الأفكار أو الموارد دون غيرهم ويمنعون عنهم ما قد يعينهم في العمل، بل قد يتعمدون لهم خراب أعمالهم، وإن دولة الخلافة ستقضي على ذلك كله وتوجد بدلا منه مفاهيم الإيثار والأمانة وحب الخير للآخرين وطلب الأجر في نشر الأفكار وغيرها، مما يجعل الناس يعينون بعضهم في إيجاد الأعمال بدلا من أكل بعضهم بعضاً، وإذا كانت حالةٌ مثل (أكلونا الأجانب) هي نتيجة طبيعية للرأسمالية، فإن حالة مثل مشاركة المهاجرين للأنصار أموالهم وأعمالهم ومساكنهم وحتى أزواجهم هي نتيجةٌ طبيعية للإسلام..
إن تنوع الميول والاهتمامات والمهارات بين البشر هو آية من آيات الله سبحانه وتعالى التي تساهم في عمارة الكون، وبتنوع أعمال الناس يتحقق النمو الاقتصادي، أما إلزام فئة معينة بعمل معين أو منع فئة ما من عمل ما فإنه يحُد من الازدهار الاقتصادي ويؤثر عليه سلبا، وهو تعدٍّ على سنة الله في اختلاف القدرات البشرية التي جعلها الله مسخّرة لعمارة الأرض، وهذا التعدي على هذه الفطرة البشرية أو السنة الكونية يؤدي ولو بشكل غير مباشر إلى زيادة البطالة لأنه يؤدي إلى تعطل الأعمال، وهذا ما نشاهده بأعيننا كمثال عملي في هذه البلاد حيث زادت السعودة من نسب البطالة ولو بشكل غير مباشر، وإنك عندما تسمح لكل صاحب موهبة أو اهتمام أو ميل بممارسة عمله الذي ارتضاه لنفسه وتُهيئ له أسباب إعانته على النجاح فإنك حتما تساهم في ازدهار الاقتصاد وانحسار البطالة، فسبحان الله القائل: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: 32]
(يتبع...)
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين الشريفين
  9 من شـعبان 1439هـ   الموافق   الأربعاء, 25 نيسان/ابريل 2018مـ

No comments:

Post a Comment