Tuesday, May 26, 2015

من كامب ديفيد المصرية إلى كامب ديفيد الخليجية

من كامب ديفيد المصرية إلى كامب ديفيد الخليجية

وقعت اتفاقية كامب ديفيد المصرية، بين كيان يهود ومصر برعاية أمريكية، وكان الهدف الأساس منها هو فتح الطريق للاعتراف بدولة يهود، وقد اشتملت على عدد من البنود السرية وكان من أهم تلك البنود السرية، حسب الصحف اليهودية، عدم اشتراك مصر في أي حرب تنشب بين كيان يهود وأي دولة عربية، وتبادل المعلومات الأمنية بين مصر وكيان يهود، ومتابعة المفاوضات حول قيام تعاون عسكري، وإرسال خمسة آلاف فني ومستشار عسكري أمريكي إلى مصر للعمل بقواتها المسلحة. تتدخل أمريكا في حالة نقض مصر للاتفاقية أو لأي بند من بنودها بوصفها الطرف الضامن للاتفاقية، وبهذا ثبتت أمريكا أقدامها في أرض الكنانة وبموجب ذلك تلتزم واشنطن بحماية حكم أنور السادات.
وبعد ست وثلاثين سنة، وقع الأمريكان كامب ديفيد جديدة، ولكن هذه المرة بين أمريكا ودول الخليج، فلماذا كامب ديفيد، ولماذا تصر أمريكا على إعادتها مع حكام الخليج والسعودية؟ ولو بوجوه جديدة وسيناريو جديد، مع المحافظة على هدف الهيمنة بوصفه جوهر القضية؟
ولفهم طبيعة العلاقة بين أمريكا ودول الخليج سوف نرجع بذاكرتنا إلى الوراء لنستشف من التاريخ بداية وتطور هذه العلاقة. فقد كان الخليج مستعمرة بريطانية، حيث عقدت بريطانيا معاهدات مع مشايخ الخليج تحظر منح امتيازات لأجانب غير بريطانيين دون موافقة الحكومة البريطانية، وقد أدت هذه المعاهدات إلى عرقلة المساعي الهادفة في أعتاب الحرب العالمية الأولى للحصول على امتيازات نفطية في منطقة الشاطئ العربي للخليج.
وفي العام 1920م، طالبت الولايات المتحدة بريطانيا، في مؤتمر (سان ريمو) بضرورة مشاركتها بنفط الخليج، لكن الأخيرة رفضت ذلك رفضًا قاطعًا في ذلك الوقت، مما حدا بالرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لإرسال رسالة إلى الحكومة البريطانية يقول فيها: (إنكم تريدون ممارسة نوع من الاستعمار أصبح موضة قديمة). وفي عهد روزفلت جرى ضغط شديد على رئيس الوزراء البريطاني (ونستون تشرشل، من أجل حصول الولايات المتحدة على نصيب أكبر في نفط الخليج. وبرسالة تشرشل إلى اللورد أوليفر بروك، التي قال فيها ردًا على ضغط الولايات المتحدة: (إنني أفهمك جيدًا، ولكني أخشى أن عالم ما بعد الحرب قد ينهار إذا دخلناه ونحن في معركة مع الولايات المتحدة حول النفط).
فهذه الرسالة هي إيذان بأن الولايات المتحدة قد اخترقت الحواجز البريطانية، حول نفط الخليج، وقد بعث روزفلت بلجنة رئاسية للشرق الأوسط، زارت كلاً من السعودية والعراق وإيران والبحرين والكويت وقطر، وعند عودتها قدمت تقريرًا للرئيس روزفلت بدأ بالعبارة التالية: (إن بترول الشرق الأوسط هو أعظم كنز تركته الطبيعة للتاريخ، وإن التأثير الاقتصادي والسياسي لهذا الكنز سوف يكون فادحًا). ولما سئل وزير الخارجية جيمس بيرنز ما هي الحصة يا سيادة الرئيس التي ينبغي أن نسيطر عليها من بترول الشرق الأوسط؟ سكت روزفلت برهة ثم أجابه (لا أقل من 100%).
كتب هارولد اكس إلى روزفلت يقول: (إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول، لا يعرف أحد نظيراً لها في الدنيا، وأن السعودية هي شمس هذه المجرة، فهي أكبر بئر بترول في الشرق الأوسط، وأن الظروف فيها مناسبة، حيث فيها الملك عبد العزيز آل سعود يريد شيئين، المال وحماية العرش، وإن على الولايات المتحدة أن تقوم بتأمين ذلك). وبالفعل فقد تم ترتيب الأمر مع الملك عبد العزيز، عندما التقاه روزفلت على ظهر الطراد الأمريكي (كوين) في البحيرات الحرة وسط قناة السويس، فحصلت أمريكا على نفط السعودية بموجب اتفاق بين الملك وشركة أرامكو.
لقد وقف رئيس أكبر شركة نفط أمريكية (سكسوني فلكوم) عام 1945م ليقول بالحرف الواحد: (إن إدارة شئون البترول تختلف عن إدارة شئون أي سلعة أخرى، ذلك لأن شئون البترول في 90% منها سياسية، و10% منها بترول)، ثم زاد: (إذا كان محتمًا على الولايات المتحدة أن تدير شئون البترول في العالم، فإن عليها أن تدرك طوال الوقت بأنها مطالبة بأن تفعل ذلك حتى خارج حدود سياستها الإقليمية، وخارج حدود القانون الدولي إذا دعا الأمر ذلك).
أما الرئيس كارتر فقد أعلن أمام الكونغريس في 1980/01/23م ما عرف آنذاك بمبدأ كارتر، حيث قال: (إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز سيطرة في منطقة الخليج، سوف يعتبر في نظر الولايات المتحدة هجوماً على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل بما فيها القوة العسكرية.)
هذا السرد التاريخي كان لا بد منه لإيجاد خلفية تساعد على فهم مؤتمر كامب ديفيد بين أوباما ودول الخليج، فإن نظرة أمريكا لمنطقة الخليج، باعتبارها مجرة من البترول، وأنها لن تقبل بأقل من 100% منها، وأنه يجب وضع اليد عليها، ولو خالف ذلك القانون الدولي، وأنها تعتبر من المصالح الحيوية الأمريكية والمحافظة عليها واجبة ولو بالقوة العسكرية. هذا كله يجعل للخليج أهمية قصوى لدى أمريكا.
هذه هي الخلفية التي تحاور بها أمريكا حكام الخليج، وهي من الثوابت التي لا تقبل المساومة عليها، لذلك فهي تريد أن تضع منطقة الخليج بالكامل تحت إبطها. وبالرغم من التحالفات والقواعد العسكرية المنتشرة في كل أنحاء دول الخليج، إلا أنها - أي أمريكا - تحتاج إلى المزيد من التأمين، خاصة بعد بروز الإسلام السياسي كعنصر فاعل في التأثير على قضايا المنطقة، في ظل الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط الحبلى بالمفاجآت، ومن أجل ذلك كان مؤتمر كامب ديفيد؛ الذي وُقِّت له بعناية فائقة، حيث جاء بعد إحراز تقدم في ملف إيران النووي، الذي يصلح أن يكون فزاعة لحكام الخليج، فيقبلون على العرض الأمريكي بالحماية والوصاية. إن أمريكا كانت قد اتخذت من تنظيم القاعدة مبررًا جيدًا لاحتلال أفغانستان، ومن تنظيم الدولة حجة قوية للبقاء في العراق، والآن تريد أمريكا أن يكون نووي إيران فزاعة لتحكم قبضتها على منطقة الخليج، وذلك بدفع حكامها لطلب الحماية والرعاية والعناية الأمريكية.
ولكن هيهات هيهات، أن تستطيع أمريكا أن توفر لهم الحماية، فعندما أصابت الرصاصة الرئيس السادات، قال (موش معقول). فقد ظن الرجل أن الخبراء الذين أرسلتهم أمريكا سوف يحمونه، ويعتنون بحراسته الشخصية، ولكن هذا لم يحدث فقتل أمام الآلاف من جنوده، أمام أعين كاميرات التلفزيون، وكلها لم تغنِ عنه شيئًا. ثم جاء نظام مبارك وكان أشد النظم حرصًا على البقاء في الحكم، وأكثرها ولاء، وقد سهر على المصالح الأمريكية في المنطقة كلها وليس في مصر وحدها، ومع ذلك انتهى به المطاف إلى السجن، ولم تقدم له أمريكا شيئًا.
إن أمريكا هذه؛ دولة رأسمالية استعمارية، لا تعرف غير مصالحها، وإنها عدوة للإسلام والمسلمين، فينبغي أن يتعامل معها على هذا الأساس لا غير، ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾. وبما أن هذه الدول القطرية تعجز عن الوقوف في وجه أمريكا فرادى، كان لا بد من التفكير الجاد في الطريقة التي ندفع بها - نحن الأمة الإسلامية - عن أنفسنا هذا الشر، ونجمع بها شتات هذه الدويلات، ولا طريق غير الجهاد في سبيل الله كما قال الصديق رضي الله عنه (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا)، ومن المعلوم أن الجهاد يحتاج إلى من يقاتل من ورائه ويتقى به؛ خليفة رباني راشد، يجمع شتات هذه الدويلات ويعز الله به الإسلام والمسلمين ويحمي بيضتهم، ويذل به الكفر وأهله. اللهم اجعل ذلك قريبًا.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس/ حسب الله النور
08 من شـعبان 1436
الموافق 2015/05/26م

No comments:

Post a Comment