Tuesday, May 26, 2015

النظام الأسدي يتهاوى وأمريكا تستعد لأسوأ الاحتمالات

النظام الأسدي يتهاوى وأمريكا تستعد لأسوأ الاحتمالات

نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) عن رئيس هيئة الأركان المشتركة "مارتن ديمبسي"، 2015/05/06 تصريحه بأن الولايات المتحدة أعدت خطة طوارئ لإقامة منطقة عازلة في سوريا بالتعاون مع الأتراك، إلا أن وزير الدفاع الأمريكي "أشتون كارتر" قال: "إن هذه مسألة يصعب التفكير فيها"، وتتطلب "مهمة قتالية كبيرة" تقاتل خلالها القوات الأمريكية من أسماهم بالجهاديين ونظام "الأسد".
وأكد كارتر أمام أعضاء من الكونغرس الأمريكي على التحديات التي تنطوي عليها إقامة منطقة عازلة، وحذر من أن حكومات أخرى في المنطقة قد لا تكون مستعدة للمساهمة في إقامة مثل هذه المنطقة، على حد وصفه.
وقال كارتر أمام أعضاء اللجنة الفرعية لمخصصات الدفاع: إنه "سيكون علينا خوض قتال لإقامة مثل هذه المنطقة، وبعد ذلك القتال من أجل الحفاظ على مثل هذه المنطقة، ولهذا فإن هذه مسألة يصعب التفكير فيها".
عاد موضوع المنطقة العازلة ليتصدّر الحلول المعروضة في المشهد السوري، وكأن الضمير الأمريكي والغربي قد أفاق بعد غيبوبة أغشت بصره وبصيرته عن فظائع السفاح بشار، واهتدت الإدارة الأمريكية إلى ضرورة توفير ملاذ آمن للمدنيين وحمايتهم من المخاطر الدموية التي تتهدّد حياتهم، وهذا من المكر الصليبي الحاقد فأمريكا هي من أعطت بشار المهلة تلو المهلة لتقتيل أهل الشام وتشريدهم لأجل إذلالهم وإخماد ثورتهم وهي التي تسهل الإمدادات العسكرية من آليات ومرتزقة من روسيا وإيران والعراق ولبنان وغيرها من الدول الحليفة.
إن عودة الحديث عن المنطقة العازلة دليل سافر على قناعة أمريكا وحلفائها بأن بشار على وشك الانهيار والزوال وأن المسألة أصبحت محسومة تحدّدها الساعات لا الأيام، وما تنازل الإدارة الأمريكية عن إدراج بشار في مفاوضات حل الأزمة بعد أن لوّحت في أكثر من مناسبة بأن لا حل إلا بجعل بشار طرفًا فيه إلا برهان ساطع على ذلك، وقد جاءت الكثير من التصريحات من ساسة الغرب تؤكد ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد بشار؛ فقد جاء على لسان المستشرق البروفيسور إيال زيسر، الذي يعد أهم مختص بالشأن السوري في تل أبيب إن "معجزة" فقط يمكن أن تحول دون سقوط نظام الأسد في ظل التراجع الكبير الذي طرأ على أداء قوات النظام وحليفه حزب الله.
وأكد زيسر في مقال نشرته، الأحد، صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن تعاظم فرص سقوط نظام الأسد جاء بعد أن نجحت الاستراتيجية العسكرية التي اتبعتها المعارضة المسلحة في إنهاك قوات النظام واستنزاف طاقته بشكل قلص قدرته على مواصلة الصمود. وقد أكّد هذا التصور السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد حيث أبرز أن هناك معطيات عديدة حاسمة تجعل سقوط بشار لا مفر منه.
هذا على مستوى التصريحات والتحاليل السياسية، أمّا على الميدان فإن هذه النتيجة أصبحت حقيقة لا تحتاج إلى برهان؛ فلم تعد المعارك كرًّا وفرًّا، وما يخسره بشار اليوم يستردّه غدًا أو بعد غد، بل كلما سقطت منطقة إلاّ وتراجع للدفاع عمّا يليها حتى وصل اليوم حصونه الختامية، حيث انتهت المعارك إلى دمشق عقر دار بشار واضطر وعائلته إلى الاختباء في دهاليز القصر نتيجة القصف المشدّد الذي نال المباني المتاخمة لملاذه الأخير.
أمّا على مستوى الخسائر البشرية فليست متعلّقة بالأعداد الكبيرة للقتلى والجرحى فحسب وإنّما بالهزيمة النفسية التي استشرت في قوات الأسد وتقلّص عدد المقاتلين بسبب النفوق والفرار الجماعي وانحسار أعداد المتطوعين حتّى من الطائفة العلوية - أهل بشار وعشيرته - ممّا اضطر النظام إلى التجنيد القسري الذي لم تسلم منه حتى البنات اللاتي زجّ بهن في ساحات القتال للدفاع عن العرش الأسدي، ورغم الضغط الشعبي في لبنان على حزب إيران للانسحاب من هذه الحرب إلا أنه ما انفك يرسل المقاتلين خفية إلى أن اضطر إلى السفور معتبرًا أن ما يحدث في سوريا حرباً مقدسة تستوجب النفير العام، مبشرًا أتباعه بنصر مبين! ولكن السيف أصدق أنباءً من الكتب وأبلغ في التعبير من الخطب؛ فقد أتاه بأخبار هزائمه من لم يزوّد وعادت إليه أرتال قتلاه لتقطع عليه الشك باليقين ممّا أصابه بالذعر والهلع ونقل على عجل إلى المشفى صريع الهمّ والغمّ. أمّا العراق وإيران فحدّث ولا حرج فكتائبهم ما فتئت تتدفّق إلى الشام حتى إن الكثير من المعارك صار يديرها الحرس الثوري وأن ضباطاً برتب رفيعة يشرفون ميدانيًا على معارك التصدي لزحف الثوار، ووجود هؤلاء المرتزقة واستنصار بشار بحاضنته يؤكد أنه في وضع أكثر من حرج.
هذه الحالة التي انتهى إليها النظام تزداد تأزمًا بانعدام الطمأنينة والثقة وتمكن حالة الشك والريبة بين بشار والمقربين منه؛ فقد اعتقل مؤخرًا منذر الأسد ابن عمه بسبب أنباء عن محاولة انقلاب وتخابر مع رفعت الأسد الذي غادر سوريا منذ سنين، إضافةً إلى قتل فوّاز الأسد شقيق منذر ومحمد الأسد في ظروف غامضة، كما عزل العقيد حافظ مخلوف من منصبه وجرّده من كل مهامه وهو المقرّب من بشار فهو ابن خاله وشقيق رامي مخلوف رجل الأعمال الأشهر والأغنى في سوريا، ويذكر أن حافظ مخلوف من كبار المسؤولين في أمن الدولة والمكلف بأمن العاصمة دمشق ممّا اضطرّه إلى مغادرة البلاد ليلحق بآل مخلوف في بيلاروسيا أنّى هرّبت العائلة وخاصة رامي أموالًا كالماء العد. ولم يبق إلى جانب بشار من عائلته إلا القليل حتى إن أخته بشرى وأمه قد تركتا البلد كنذير لاستفحال الوضع وإيذان بسقوط حكم الطاغية.
ما كانت تعمل لأجله أمريكا وحلفاؤها في الشام هو الإثخان في القتل والتشريد وتفعيل سياسة الأرض المحروقة فتكسر شوكة الثوّار ويذعنون للحلول الاستسلامية وينصّب على الرقاب عميل جديد من معارضة الفنادق لا يخرج عن دأب سلفه، ولكن والحمد لله قد خاب فأل الكفار وأبدى رجال الشام صبرًا انكسرت أمامه أعاصير المكر والبغي وضربوا للعالم أروع الأمثلة في الثبات والشموخ متمسكين بالمنهج النبوي سائرين بثورتهم نحو مرضاة الله، كانت قوى الكفر تحلم بالالتفاف على الثورة وتحريف مسارها كما في اليمن وتونس ومصر وهي تمنّي نفسها بأن تنصّب حكومة الائتلاف وسط قبول شعبي وتصفيق دولي ولكن هيهات ففي الشام رجال وصلوا ليلهم بنهارهم ليرتقوا بوعي الناس ويسموا بتفكيرهم فلا يستغفلوا بمثل هذه الألاعيب والخزعبلات.
لقد استطاع المخلصون دكّ حصون بشار وتشتيت أجناده رغم الإمداد والدعم، ومهما تكن قوة الميليشيات الموالية للكفار فلن تستطيع الصمود طويلًا أمام ضربات الثوار، خاصة إن تيسّر وتوحّدوا على راية التوحيد، وعليه فإن هؤلاء المرتزقة لا يمكن أن تراهن عليهم أمريكا ليضمنوا لها مصالحها ويؤمّنوا لها استقرار المنطقة وعلى رأسه أمن ربيبتها دولة يهود.
من خلال ما تقدّم ندرك أن أحداث المنطقة العازلة التي تنادي بها أمريكا والتي تجدّ في تنفيذها لا علاقة لها بحماية المدنيين ولا بالأهداف الإنسانية. فمتى كانت أمريكا تفكر في الإنسانية وأيديها مخضّبة بدماء الأبرياء، وأيّما أرض نزلت بها إلا بطشت بأهلها ولم ترقب فيهم إلاًّ ولا ذمّة خاصّة إذا كانوا مسلمين، والأصل في المناطق العازلة إنشاؤها على خطوط التماس بين فئتين أو دولتين متنازعتين وتمتد مساحتها لتأخذ حيزًا من منطقتي نفوذ كلا طرفي النزاع، وحسب المعاهدات الدولية فإن إنشاء مثل هذه المناطق يحتاج إلى قرار من الأمم المتحدة وعدم اعتراض أيٍّ من طرفي النزاع ممّن ستنشأ المنطقة على أراضيه، ورغم أن فرنسا وبريطانيا تؤيدان المقترح التركي وأن روسيا حامي النظام السوري بالوكالة عن أمريكا تبدي التلكّؤ فإن السياق يستوجب الرد على هذه التساؤلات، من هما طرفا النزاع؟ ومن سيمثل الجانب السوري؟ وكيف تنشأ هذه المنطقة بعمق 40كم في الأراضي السورية فقط؟ وهذه الأسئلة كافية لتبين أن هذه الخطة ليس لها أي شرعية حتّى بقوانينهم الوضعية الوضيعة وإنما هي مكيدة جديدة للقضاء على الثورة السورية، فهذه المنطقة العازلة تريدها أمريكا منطلقًا لأعمالها الإجرامية لوأد الدولة الوليدة في الشام بعد أن يئست من إجهاضها من الرحم، وإقامة هذه المنطقة باتفاق مع تركيا وعلى حدودها إضافة إلى التصريحات التي تحث دول الجوار - وخاصة الأردن التي تعهّدت بتدريب المقاتلين - على المشاركة في إنشائها ودعمها ما يؤكد أن أمريكا تريد تحقيق أهدافها في الشام دون أن تدفع قطرة دم أمريكية، وقد تسابق الحكام العملاء لاسترضائها بالدفع بأبناء المسلمين لمحاربة مشروع خلاصهم وعزتهم.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس طارق رافع - تونس
08 من شـعبان 1436
الموافق 2015/05/26م

No comments:

Post a Comment