Monday, June 29, 2015

رأي اليوم: الدكتور ماهر الجعبري: أمريكا والحرب على المسلمين - الالتواء والاحتواء

رأي اليوم: الدكتور ماهر الجعبري: أمريكا والحرب على المسلمين - الالتواء والاحتواء

2015-06-28
الدكتور ماهر الجعبري
بيّنت الحلقتان السابقتان من هذا المقال أوجه الحرب الأمريكية ضد المسلمين وكشفت عن محور الصراع بشهادات رأس الهرم السياسي الأمريكي، ويستكمل المقال في حلقته الثالثة والأخيرة هذه بيان المحاولات الأمريكية لكسب المعركة ويستشرف مآل الصراع.
الالتفاف على مشروع الخلافة... أدوات أمريكية بعباءة عربية "وعمة" إسلامية
من الأكيد أن أمريكا لن تتخلى عن مواجهة تقدم مشروع الخلافة، وهي تستخدم أشكال الصراع المتعددة، التي تتراوح من القوة العسكرية إلى الحرب الثقافية، وهنا تجلّت محاولات حرف الأمة عن غاية الخلافة عبر تسخير الأدوات من الإعلام والعلماء والنخب السياسية، والائتلافات والأحزاب السياسية، وحتى تلك التي ترفع الإسلام شعارا بينما تحمل الديمقراطية كمفاهيم تسير سلوكها بحبسها!
وهذه كلها تتحرك عبر فضاء الأمة التي تملؤه الفضائيات، وتحاول مواجهة فكرة الخلافة في المؤتمرات والندوات والحوارات، وتحاول التصدي للرموز الحضارية لذلك المشروع مثل الراية الإسلامية السوداء واللواء الأبيض. وتحاول شرعنة وجود الدول الوطنية، وقبول تفريغ مشاعر التوحد عبر تمجيد جامعة الدول العربية، وعبر الاتحادات الإسلامية.
ومن ثم تتحرك الجامعة العربية والاتحادات الإسلامية لتحقيق مصالح الغرب في مواجهة الوحدة والخلافة، وتحتضن الائتلافات والفصائل التي تواجه المشروع وتشرعن وجودها وتفتح لها المنابر، وتصدر القرارات العربية "والإسلامية" التي تسمح لتلك الفصائل والائتلافات بالتحرك وادعاء تمثيل الثورة والقضية.
ولا يقتصر ذلك على المنظمات الإقليمية، بل يتم تحريك المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لإصدار القرارات الدولية التي تضبط إيقاع الثورة ضمن القنوات التي تريدها أمريكا حتى لا تخرج عن السيطرة، كما حصل في ليبيا وفي اليمن.
ومن ثم يُسخر الحكام جيوشهم لحراسة الحدود ومنع التحرر الحقيقي، كما حصل في الاحتشاد العسكري مع حلف الناتو لضرب العراق، وكما حصل في ما اسموه عاصفة الحزم لضرب اليمن، وكما يحصل في مشروع القوة العربية المشتركة التي يعمل السيسي على تفعيلها.
تفتيت المفتت...استباقا للتوحد والالتحام
على النقيض من مشروع الوحدة السياسية في دولة الخلافة، تسير المخططات السياسية الأمريكية على ترسيخ الفرقة، وتعزيز الطائفية، وإشعال الفتن بين المسلمين، لتضييع الجهود في غايات سياسية وضيعة، ووضع العراقيل أمام مستقبل الأمة الوحدوي. ومنها ما تخططه أمريكا للعراق من تقسيم لثلاثة كيانات طائفية، واحد للأكراد شمالا، وواحد للشيعة جنوبا، وواحد للسنة في الوسط، مع الإبقاء على بغداد ضعيفة ومنهكة. ومنها محاولة جعل ما يجري في اليمن على أنه صراع بين السنة والشيعة، وكذلك الأمر في سوريا.
ولا شك أن ترسيخ الحدود وإنشاء حدود جديدة عبر التفتيت يسهم في إشعال فتن وحروب متجددة، ويعطي لأمريكا المبرر للتدخلات السياسية عبر عقد المؤتمرات الدولية والعربية، وللتدخلات العسكرية -عندما يلزم- مباشرة أو عبر عملائها.
لا يمكن لجيش جرار أن يهزم فكرة... نصيحة لن يصغي الغرب لها ويغفل عنها المسلمون
"الحقيقة الجليَّة هي أنَّه لا يستطيع أي جيش في العالم، ولا أيَّة قوَّة عسكريَّة -مهما بلغت درجة تسليحها- أن تهزم فكرة"، هذا ما سطّره الصحفي الأمريكي شيا في مقاله المذكور أعلاه، وقال فيه "علينا أن نعرف أنَّه في الغد سيواجه الغرب القوَّة الموحَّدة لدولة الخلافة الخامسة". وأوضح شيا تصوره لسيناريو التغيير حيث "ستفقد الحكومات القوميَّة في بلاد الشَّرق الأوسط شرعيَّتها الضَّعيفة"، ويقول "ستطْلب المجالس المنتخبة لدوْلة الخلافة حديثًا - الَّتي تسيطر على معظم أنْحاء البلاد - من كل مسلم: أن يضطلِع بدوره في الجهاد ضدَّنا، عندئذ تتغيَّر أوْضاعنا من قوَّات كانت تحْظى بشرف نسبي، إلى قوَّات أسيرة شرَك كبير للغاية، ويضيق عليها هذا الشرَك يومًا بعد يوم".
من الواضح أن القراءة الواقعية للواقع الديمغرافي والفكري والحضاري للأمة الإسلامية يفضي إلى حتمية الخلافة، ومن ثم فهنالك البشرى النبوية بعد الوعد الرباني، ولذلك فإن النتيجة محسومة لدولة الخلافة. ولذلك قال شيا في رسالته لأوباما: "ولا بدَّ أن نضعَ حدًّا لهذا الصراع، وليس أمامنا إلاَّ أن ندخل في مفاوضات سلام مع الإسلام". ولكن "الكاوبوي" الأمريكي الذي تشّرب منطق العربدة منذ عقود، لن يصغي لصوت حكمة، بل ستأخذه العزة بالإثم، حتى يأخذه جيش الخلافة بالدم. كيف لا والخلافة تصنّف أمريكا على أنها من "الدول المحاربة فعلا".
وأمام هذه الحقائق، ليس أمام المسلم الواعي إلا أن ينخرط بالجهد المبارك لإعادة هذه الخلافة، فليس من عمل لها كمن ينتظرها ويفرح بعودتها، ولا شك أن فرصة المشاركة في هذا الجهد الرباني نادرة في الوجود، إذ لا يُتصور أن تكون هناك فرصة أخرى في تاريخ البشرية للعمل لإعادة الخلافة استلهاما لمراحها التي ذكرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها إذا ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت" (رواه احمد).
الثورة ضد الاستعمار محطة في العمل للخلافة
إن الخلافة هي مشروع أمة لإقامة دولة تمارس العمل السياسي والعسكري، وهي التحدي الحقيقي الذي يمكن للمسلمين مواجهة الغرب عبره، وهو القوة الفكرية والحضارية التي تحقق القوة العسكرية التي تتمكن من هزيمة الغرب، ولذلك فإنها المشروع الأقوى لدى المسلمين الذي يمكن لهم عبره التصدي للغرب الاستعماري وهزيمته.
وهو مشروع يوجب خلع النفوذ الغربي والروسي والصيني والهندي واليهودي من بلاد المسلمين، كما يوجب تطهير ثقافة المسلمين وتنظيف حضارتهم من أية عوالق رأسمالية أو علمانية أو ديمقراطية علقت بها خلال مسيرة التضليل الثقافي والتخريب السياسي التي حركها الغرب. وهذا عمل سياسي فكري شامل.
ولذلك فإن الثورة لا بد أن تكون شاملة ضد الاستعمار، ولا يمكن أن تحقق أي تحرر إذا ما وضعت في حضن الاستعمار: عبر الاستعانة بالدول الغربية أو مؤسساتها أو عملائها من حكام المسلمين، ولا يمكن للدعم العسكري أو اللوجستي الذي تقدمه بعض دول الخليج أو تركيا إلا أن يحمل في طياته فرض اتجاه يحرف الثورة عن مسارها.
ولذلك لا يمكن لمن يحمل مشروع الخلافة إلا أن يحمل معه مفهوم المفاصلة مع الغرب ومفاهيمه الفكرية ومشروعاته السياسية ومع رجالاته الذين يتحدثون بمنطقه ويدافعون عن حضارته. ولذلك كلّه كانت المداهنة مع الغرب والتماهي مع مفاهيمه وبرامجه، وكانت الاستعانة بالجهات الغربية وبالعملاء حراما إذ تقضي بتمكين المستعمرين من رقاب المسلمين.
ومن ثم فإن العمل للخلافة يقوم على الجمع بين طرفي معادلة الفكرة الظاهرة والقوة الناصرة، وهو سير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي عمل على إيجاد رأي عام على فكرة الإسلام وجمع معه أهل النصرة من أهل القوة، فكانت دولته المباركة في المدينة. وهذه الطريقة الشرعية هي أيضا حقيقة تاريخية يمكن استقراؤها في تبدّل الدول.
وفي الختام، إن العمل للخلافة ليس مجرد حالة شعورية، ولا مجرد تمسّك بغيب إيماني، بل هو حكم شرعي فرضه الإسلام الذي فرض الصلاة والصوم، وهو التنفيذ الطبيعي للأوامر القرآنية الكثيرة التي دعت المسلمين إلى الحكم بما أنزل الله، وتحكيم الشريعة، وهو أمر لا يتم إلا في دولة جامعة توحد المسلمين وتحررهم من أي نفوذ للمستعمرين، وتطبق فيهم قول الله تعالى "وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً".
ولذلك كان واجبا على المسلمين في كل بلد إسلامي أن يجمعوا بين العمل على إظهار فكرة الإسلام وإبراز مشروع الخلافة، حتى تكون رأيا عاما عند المسلمين، وبين العمل على استقطاب قادة الجيوش والجند، حتى إذا ما تحقق التحام الفكرة والقوة في بلد ما، كانت نقطة ارتكاز للخلافة، تعلن فيها وتترسّخ، ومن ثم تتمدد عبر بلاد المسلمين كبقعة زيت تنتشر في قماش نفّاذ: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ".
المصدر: رأي اليوم
11 من رمــضان 1436
الموافق 2015/06/28م

No comments:

Post a Comment