Monday, April 25, 2016

نحن الرجال وهم أشباه رجال رويبضات

نحن الرجال وهم أشباه رجال رويبضات

في الآونة الأخيرة التي تمر بها أمة الإسلام، يقف المرء متسائلًا - وحق له أن يتساءل: هل خلع رداء العزة واستبدال رداء الذل والمهانة به هو ديدن من يتاجر بالأمة ومقدراتها وخيراتها؟ هل خلت الأمة من الأعزاء الأتقياء، حتى ينطق السفهاء عنهم؟ والسؤال الأخير، الذي يترك في النفس غصة، هل بقي من الزمان بقدر ما قد أدبر منه؟
حتى يُجاب على هذه الأسئلة، يجب أن نعود إلى الزمان الماضي، حتى نأخذ العبر منه. حيث إن الأمة كان الخير، وما زال فيها، وكان هناك من ينصح من أجل أمته ومستقبلها، وليس هذا فحسب، بل ويقف أمام الظلم وأعوانه ليصحح الوضع.
اقتطع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جبل الملح لوائل في اليمن، حيث جاء في الحديث الشريف، عن أبيض بن حمال: أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم استقطعه الملح، فقطع له، فلما أن ولى قال رجل من المجلس: "أتدري ما أقطعت له؟ إنما أقطعته الماء العد"، قال: «فانتزعه منه»، قال: وسأله عما يحمى من الأراك، فقال: «ما لم تنله خفاف الإبل» رواه الترمذي وأبو داود. فها هم الصحابة رضوان الله عليهم، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وأخبروه بالواقع، ولم ينتفض الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقول أن أمره لا اعتراض عليه، ولا نصح فيه، بل سمع منهم، وعلم أنه لا يستقيم الأمر بهذه القسمة، وأن للأمة حقاً فيه، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أنه أقطعه المعدن العد الذي لا ينقطع، فانتزعه منه. ويجب أن ننتبه هنا في هذا الحديث، أن الصحابة لم يعترضوا على حكم شرعي، فما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم بغير ما أنزل الله، بل نبهوه إلى أن الواقع مختلف عما يظنه.
أما في هذ الزمان، فالقول للحاكم، لا يُراجع فيه، ولا يحاسب عليه، ولو خالف الشرع، ومن يقف على أمره يعد خارجًا عن سيادته، وانقلابًا، كما حصل في تونس ومصر، أو حتى في بلاد الحجاز.
وها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض سواد العراق، يثبت إبداعاته في تحقيق مصالح العباد وكفالة وحماية كل ما هو ضروري لاستمرار حياتهم واستقامتها، ولدفع ما يفسد عليهم حياتهم. وعالمنا الإسلامي بصورة خاصة وسوء التوزيع واقتصار عوائد هذه الثروات على مجموعة ضيقة وعلى أشخاص محدودين يجعلنا نقول ما أشبه اليوم بالأمس! ما أحوجنا لعمر بن الخطاب! فهو رجل المناسبة، وما أحوجنا إلى الاجتهاد والإبداع من حكامنا، والابتعاد عن المحاكاة والنقل من غير المؤهلين الذين أضرونا وأضاعونا، ففقدنا الاتجاه والمكان والرؤيا!
وهذه الأمثلة وغيرها أمثلة مضيئة تبقى إلى يوم القيامة نبراسًا لنا في الخير والبركة.
إن هؤلاء الرجال من الصحابة باقتدائنا بهم نهتدي، فيجب أن نسير على خطاهم من أجل أن نحافظ على خيرات أمتنا ومقدراتنا، وهؤلاء بعيدون كل البعد عن الذل والخيانة لأمتهم ودينهم الحنيف.
فهل خلت الأمة ممن يتكلم عنها وعن مصالحها، حتى يتحدث عنها الخونة لها؟
الجواب على هذا ليس بالأمر الصعب، فها هو سفير المسلمين ربعي بن عامر، عندما طلب رستم من سعد رضي الله عنه أن يبعث إليه رجلاً من رجاله، اختار له سعد رضي الله عنه أسدًا من أسوده، وهو ربعي بن عامر رضي الله عنه، وقبل قدوم ربعي رضي الله عنه لجأ رستم إلى طريقة الإغراء، فزين له مجالسه بالنمارق، وأظهر اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة، بيد أنهم فوجئوا برجل قصير القامة، عليه ثياب صفيقة، وأسلحة متواضعة، وفرس صغير، ولم يزل ربعي رضي الله عنه راكبـًا فرسه حتى داست على الديباج والحرير، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها، وأقبل على رستم فقالوا له: "ضع سلاحك"، فقال: "إني لم آتيكم، وإنما دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت"، فقال رستم: "ائذنوا له"، فأقبل رضي الله عنه يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق أكثرها، فقال له رستم: "ما الذي جاء بكم"؟، فقال، ويا نِعْمَ ما قال: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله"، فقال رستم "وما موعود الله"؟، قال: "الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى"، قال رستم: "قد سمعت مقالتك، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا"؟، قال: "نعم كم أحب إليكم؟ يومـًا أو يومين؟"، قال: "لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا"، فقال: "ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل"، قال رستم: "أسيدهم أنت"؟، قال: "لا، ولكنْ المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم"، فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: "هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟" فقالوا: "معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب! أما ترى من ثيابه"؟، فقال: "ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل، ويصونون الأحساب".
وتلك قصة الفتى الذي دخل على خامس الخلفاء الراشدين، حيث دخل على عمر بن عبد العزيز وفد الحجاز وقدمهم غلام صغير لا تزيد سنه عن عشر سنوات، تضايق الخليفة، فقال: "أيها الغلام اجلس ليقم من هو أكبر منك سناً"، فقال هذا الغلام: "أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بالكلام في هذا المجلس".
وتلك قصة الغلام الذي تقدم وفدًا دخل على عبد الملك بن مروان، فقال لحاجبه: "ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان؟" فقال هذا الغلام: "أصلح الله الأمير إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك لكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم ومعكم فضول أموال، فإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لله فتصدقوا بها على عباده وإن كانت لنا فعلام تحجزوها عنا؟" فقال: "والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً."
وهذه القصص وغيرها تدل على أن الأمر ليس بالعمر أو الشكل، بل بحسن التصرف والتدبير.
وهنا نتكلم عن خير ثورة، وخير أجناد الأرض، ثورة الشام وأهلها، يمثلهم أشباه رجال، لا يتكلمون إلا بما أُذن لهم، ولا يتصرفون إلا بما سُمح لهم!
إن هذه الأمة، ومنها أهلنا في الشام، يستحقون الرجال الرجال يتكلمون عنهم ويدافعون عن حقوقهم، ويدبرون أمورهم. إن هذا الأمة بحمد الله وعونه قد أنجبت الرجال، ونما الغرس الذي غرسه الله تعالى فيها، فقد خرج من بين أظهرهم من يدافع عن الإسلام ويحمي بيضته، ويقف للكافر المستعمر على كل صغيرة وكبيرة، ولا يترك شاردة ولا واردة إلا له فيها مقال وكلام مما سنّ الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجاء في القرآن. إن هذه الأمة الكريمة لا يتصرف في أمرها سوى من كان مخلصًا لها ولدينها الذي ارتضاه ربها لها، ولا يتحكم بمقدراتها رويبضات عملاء للغرب الكافر. علينا أن نعلم، أن الأمة فيها من المخلصين الكثير، ومنهم شباب حزب التحرير، وهم جزء لا يتجزأ من المسلمين، يعملون لرفعة الأمة، ولعزة الإسلام.
فيا أيتها الأمة الكريمة! إن حزب التحرير وشبابه قد خبرتموهم، وهم منكم وأنتم منهم، وعلمتم أنهم لا يرجون سوى مرضاة الله ثم مصلحتكم، فسلموا أمركم لهم، حتى يعيدوا حقوقكم ويحفظوا دينكم، فالأمر جد لا هزل، وقد ضاق عليكم وعلينا، فسلموهم أمركم حتى يأخذوا بأيديكم إلى بر الأمان، ففيه نجاتكم وخلاصكم من الرويبضات. هلموا لإعادة الأمور إلى نصابها، وأصحابها، واعملوا معنا إلى عزكم ورفعتكم، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح - أمريكا
18 من رجب 1437هـ   الموافق   الإثنين, 25 نيسان/ابريل 2016مـ

No comments:

Post a Comment