Friday, October 31, 2014

خبر وتعليق: غياب المبدأ هو السبب الرئيس لما تعانيه أوكرانيا من بؤس وشقاء



خبر وتعليق: غياب المبدأ هو السبب الرئيس لما تعانيه أوكرانيا من بؤس وشقاء
(مترجم)

الخبر: نشرت صحيفة الفاينانشيال تايمز في 2014/10/26 مقالاً ذكرت فيه أن بعض المصادر تقول "بأن استطلاعات الرأي تشير إلى تحوّل أوكرانيا صوب الانحياز إلى الغرب". وذلك أن البرلمان الأوكراني الذي سيتشكل عقب الانتخابات التشريعية التي تجري في آخر يوم أحد من شهر تشرين الأول/أكتوبر سيتكون بالدرجة الأولى من ممثلي أحزاب موالية للغرب. كما تظهر النتائج الأولية لهذه الانتخابات، والتي بنيت على أساس نتائج آخر استطلاع للآراء أجري قبيل الانتخابات، أن أوكرانيا في طريقها لتأمين انفلاتها من قبضة روسيا والاستدارة نحو الاتحاد الأوروبي.

التعليق: إن الأزمة السياسية التي اندلعت في أوكرانيا مع نهاية الخريف الماضي ما زالت مستمرة. وإذا ما قمت بدراسة وتحليل الأحداث التي وقعت في هذا البلد على امتداد السنة السابقة تجد أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة يكمن في اتخاذ قرار: إما الاندماج في أوروبا أو البقاء في أحضان روسيا.
ولقد أصبحت أوكرانيا إبان هذه الأزمة موضعاً للصراع الدولي. أي ساحة صراع بين أوروبا وأميركا وروسيا.
وحدث هذا بالرغم من أن أوكرانيا كبلد يملك إمكانات كبيرة. ولو قامت بتحقيق هذه الإمكانات بالفعل على أرض الواقع لأصبحت طرفاً فاعلاً ذا شأن، لا موضوعاً وموضعاً للصراع تتقاذفه العلاقات الدولية. إذ تبلغ مساحة أوكرانيا 603549 كم²، ما يساوي مساحة أكبر بلد يقع في القارة الأوروبية كلها. كما تحتل أوكرانيا المرتبة السابعة في عدد السكان بين الدول الأوروبية (يبلغ عدد سكانها قرابة 43 مليوناً)، وتتمتع بموقع جيوسياسي متميز لوقوعها على سواحل البحر الأسود.
ويملك هذا البلد كذلك إمكانات علمية وتقنية ضخمة ورثها عن الاتحاد السوفييتي البائد، الذي كان واحداً من القادة الكبار في المعارف العلمية لعقود طويلة. بل وتحظى أوكرانيا بميزات أخرى ليس أقلّها إمكاناتها الصناعية والزراعية الهائلة، إضافة إلى قدر لا يستهان به من المصادر المعدنية.
من هذا يتبين أن في مقدور أوكرانيا، وهي تنعم بعدد السكان الكبير هذا والأراضي الخصبة والموارد الطبيعية والإمكانات العلمية والموقع الجيوسياسي المتميز، لو استغلتها، أن تكون دولة من السهل عليها تأسيس ورسم سياساتها الخاصة بها. غير أنها تفتقر إلى المبدأ الذي تستطيع النهوض على أساسه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كما أصبحت محرومة من النخب السياسية اللازمة لقيادة الأمة والنهوض بها على أساس ذلك المبدأ.
وهو الأمر الذي جعل أوكرانيا، وبالرغم من مرور ما يزيد على 20 عاماً على استقلالها، مجبرة على بناء سياساتها الخارجية (بل وحتى الداخلية في أحيان كثيرة) حسب رغبات القوى الكبرى ومصالحها. وما الأزمة الحالية، التي تعصف بالبلاد منذ 2004، إلا نتيجة لهذه السياسات.
فقد أدى عدم وجود المبدأ بالنخبة الحاكمة في البلاد طوال سِنيّ استقلال أوكرانيا إلى مواصلة محاولة إيجاد توازن بين مصالح القوى العظمى، وهو ما لا يمكن أن ينجح في كل المرات على المدى البعيد. وذلك لأنه موقف ينطوي على الكثير من المقايضات والمساومات مع إحدى هذه القوى العظمى أو تلك. وهذه سياسة لا تترك مجالاً لتأسيس بنية مناسبة لدولة، ولا لصناعة ولا لقدرات دفاعية ذاتية فيها.
وما الانتخابات الحالية وفوز الأطراف الموالية لأوروبا فيها سوى انعطافة أخرى من المنعطفات الكثيرة التي حوتها هذه الأزمة الممتدة التي سيطول أمدها أكثر فأكثر. حيث سيتواصل الصراع بين القوى العظمى على أوكرانيا الغنية بإمكاناتها المادية، فيسخن تارة ويهمد تارة أخرى، ما دام من غير المتوقع في المدى القصير ظهور نخبة سياسية معنية بجدّ ببناء اقتصاد يقوم على الاكتفاء الذاتي ورسم سياسة خارجية مستقلة للبلاد.
وختاماً نقول بأنه حتى لو أذعنت أوكرانيا وانحازت كلياً إلى هذا الطرف أو ذاك، فلن تنعم هذه البلاد يوماً بالازدهار والطمأنينة التي يطمح إليهما الأوكرانيون؛ وذلك لأن المشروع اليوروآسيوي الذي تريد روسيا إدماج أوكرانيا ضمنه ليس فكرة قائمة بذاتها. إذ إنه ليس سوى استنساخ لبعض القيم الرأسمالية الأوروبية، مع إدخال شيء من التعديلات عليه لكي ينسجم مع شعار "الديمقراطية المطلقة" الذي ترفعه روسيا.
أما بالنسبة إلى الاندماج الأوروبي أو الاندماج الأوروبي - الأطلسي الذي تصر عليه أوروبا وأميركا على التوالي، فإننا نقول أن كلا المشروعين يواجهان، كما لا يخفى على المتابع الحصيف، مشاكل خطيرة ومصاعب كبرى في أوروبا ذاتها. فالمبدأ الرأسمالي، بمنظومة القيم العلمانية الليبرالية التي يرتكز إليها، لم يتمكن، حتى في عقر داره هو، من حل مشاكل على قدر كبير من الأهمية والخطورة: مثل توحيد البلدان الأوروبية المختلفة؛ والمشكلة الديمغرافية؛ والأزمة الاقتصادية الخانقة؛ وانتشار رُهاب الإسلام؛ ورُهاب الأجانب وكرههم؛ وسقوط فكرة التعدد الثقافي للمجتمع، التي طالما تغنّت بها وروّجت لها الدول الأوروبية والغربية عموماً.
وعليه، فإن طريق الخلاص الوحيد للبشرية كلها، لا للشعب الأوكراني وحده، من أزمات القيم والأنظمة الفاسدة التي يضعها بنو البشر، هو إلقاء هذه الأنظمة والقيم وراء ظهورنا، والتحول صوب منبع الهداية الربّاني الذي أُنزل للإنسان من السماء، الذي يتمثل في دولةٍ تقوم على أساسه وتطبقه بحذافيره في كل شؤون الحياة - ألا وهي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. ولا سبيل غيرها!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فضل أمزاييف
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا
 06 من محرم 1436
الموافق 2014/10/30م

No comments:

Post a Comment