ليس في الإسلام حرية ولا استعباد بل عبودية
لله وتحرير!
الكاتب: هشام عبد العاطي
مقالات - 2013/09/28م
يخطئ كثير من أبناء الأمة عندما يستخدمون
كلمات لها مدلولٌ بعيدٌ كل البعد عن دينهم، بل تحرم الدعاية له أو أخذه أو تطبيقه،
وذلك مثل كلمة الحرية، التي هي مصطلح سياسي له معنىً معين؛ وهو الانعتاق من
العبودية لله عز وجل أو من سلطان الدين وسيادته على الفرد، إلى اتباع الهوى
والرضوخ له، وهذا المعنى أطّر له الغرب الرأسمالي الذي فصل الدين عن الحياة، وأتى
بفكرة الحريات للإنسان وجعلها تدور في أربع: حرية العقيدة وحرية الرأي والحرية
الشخصية وحرية التملك.
وعندما نتفكر في هذه الحريات نجدها لا تليق
بالإنسان كإنسان والذي هو كائن مفكر، يحتاج إلى ضوابط ونظام صحيح يعيش عليه، ولكن
الغرب روّج لفكرة الحرية واعتبرها مكسبا للإنسان، وهذا أمر مجرد من الفكر الصحيح
العميق الذي يجب على الإنسان أن يرتقي إليه.
فالفكر أنواع، منه الراقي ومنه المنحط، أما
الحرية فهي تقوم على الفكر المنحط ابتداءً لأنها تترك للإنسان الاختيار بناء على
الهوى والكيف، وكما يقال ( على كيفك!)، وليس بناء على الصواب أو الحق.
وكان من الالتباس الذي وقع فيه كثير من
أبناء المسلمين قولهم إن الإسلام دين الحرية، والإسلام يراعي حقوق الإنسان، وهم لم
يتفكروا ولو للحظة هل يطابق مدلول اللفظ حقيقة الإسلام؟ فالإسلام براء من فكرة
الحرية بمعناها الغربي، فلا حريةَ في الإسلام بهذا المفهوم، بل الكل عباد لله ويجب
أن يخضعوا وينصاعوا لأمره سبحانه.
ولننظر إلى كلٍّ من الحريات الأربع وإلى
الحرية نفسها، فهل الدعوة إلى الحرية إلا دعوة لمعصية الله عز وجل؟ وإنكار أننا
عباد لله وأنه سيحاسبنا على أعمالنا إن خيرا فخير وإن شرا فشر؟
ومن أين أتى دعاةُ الحرية بالقول إن هذه
الحريات الأربع التي جعلوها من حقوق الإنسان هي من الإسلام؟! ألا تعني حرية
العقيدة أن الإنسان حر في أن يختار أي دين وأن الأديان كلها سواء وليس فيها حق أو
باطل؟ فهل هذا من الإسلام؟ ولماذا بُعث حبيبنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟
أوَليس لإدخال الناس في دين الإسلام ولتعبيد الناس كلهم لله عز وجل؟ صحيح أن
الدخول في الإسلام لا يكون بالإكراه بل بالاقتناع والاختيار دون الإجبار، بدليل
الآية (لا إكراه في الدين)، ولكن الله عز وجل توعَّد من لا يدخل في الإسلام
بالعذاب الأليم يوم القيامة، فليس للإنسان الحرية أن يؤمن أو لا يؤمن في نهاية
الأمر، بل هو مكلف بالإيمان وبالتكاليف الشرعية، فلا حرية عقيدة ولا حرية شخصية في
الإسلام، بل جعل الشرع حُكما خاصا للمرتد الذي يفارق الإسلام سافراً مصرحاً بذلك.
وللأسف فإن الحرية هي التي تحكم الآن! وكما
نشرت صحيفة اليوم السابع في 12/9/2013 فإن الارتداد عن الإسلام ليس جريمة بل لا
يستحيي أصحابه، فقد ذكرت الصحيفة: (قال أيمن رمزى أحد اللادينين في مصر
لـ"اليوم السابع" إن مجموعة من اللادينين المصريين، الذين تركوا الديانة
الإسلامية والمسيحية يطالبون رئيس الجمهورية ولجنة صياغة الدستور الجديد، بأن
يرُاع وجودهم وطلباتهم واحتياجاتهم في الدستور كمصريين ابتعدوا عن الأديان المعترف
بها، وأن ينص الدستور على الدولة المدنية، مشيرا إلى أنهم قاموا بوضع مواد بصياغات
قانونية من خبراء دستوريين وفق مواثيق الأمم المتحدة، وسوف يرسلونها إلى رئيس
الجمهورية المستشار عدلي منصور ولجنة تعديل الدستور ووزارة العدل). وجاء نص الخطاب
الذى سيوجه إلى رئيس الجمهورية خلال أيام كالتالي: "نحن مجموعة من المواطنين
المصريين، اجتمعنا على حب هذا الوطن وعشق ترابه، هدفنا الأول والأخير تأكيد الهوية
المصرية، بعيدًا عن ادعاء أن هويتنا مسيحية أو عربية أو إسلامية، نريد العيش في ظل
دولة علمانية، ليست دينية أو عسكرية، نريد دولة ترسخ قيم الحرية والعدالة
والمساواة، وتحاسب الفرد وفق عمله وإنتاجه وإبداعه، في ظل قانون سيادى قوي، يحفظ
الحقوق ويحرس الواجبات، وليس وفق توجهات الفرد ونزعته الدينية).
والذي يقال في حرية العقيدة يقال في الحرية
الشخصية كما بينا، والتي تعني من حق الإنسان أن يلبس ما يشاء كالبكيني للنساء على
شواطئ البحار أو حتى المعاشرة المحرمة (الزنا)، والتي تحافظ عليها القوانين في مصر
حاليا، وهذا في عهد الدكتور مرسي وعهد طنطاوي ومن سبق ولحق، وكشرب الخمور التي هي
أيضاً مباحة في مصر، فكل الأنظمة كانت ومازالت تحافظ وترعى هذه الحريات الغربية
التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلا يمكن أن يقول مسلم يعلم ما هو دينه إن الحرية
الشخصية من الإسلام أو إن حرية الرأي منه كذلك، فيدعو إلى الضلالة أو إلى أفكار
كفر على هذا الأساس، كما يصرح بذلك مجموعة من الإعلاميين والسياسيين، حيث نطق
أحدهم بكلمة الكفر فقال: (من أراد أن يقلد النبي يروح لجبلاية القرود)، وقال مخرج
سينمائي بكل تحدٍ: (نحن سنقاتل من أجل المشاهد الإباحية في الأفلام بالسلاح)، وكمن
قال: (لن يكون بعد 30/6 ملتحٍ ولا محجبة) ... نعم هذه كلها حرية رأي...، ولكنها
كلمات كفر يمنعها الإسلام بل يعاقب عليها بالقانون الشرعي.
وكذلك ليس للمسلم أن يقول بحرية التملك،
فيستحل الربا والرشوة والقمار والرهان وما شابهها من المعاملات الباطلة والتي يصر
عليها الغرب الكافر الذي يؤمن بالحرية ويدعو لها... ونحن منها براء.
إذن فالإسلام ليس دين الحريات بل دين
العبودية، وبالتحديد العبودية لله عز وجل...، والحقيقة تقول أننا جميعا قبل سنوات
معدودة لم يكن أحد منا موجودًا، ولكن خلقنا الله عز وجل من العدم لنعبده دون سواه.
إن هذه المصطلحات التي يروج لها بين
المسلمين في هذا العصر يجب أن نأخذ منها ما يجوز لنا أخذه دون سواها، وقد اتضح لنا
أن الحرية - أو الحريات كما يجب أن تسمى كي لا يلتبس الأمر على المسلمين - هي
مصطلح غربي بمعناها المتداول، وهو ما يطلق عليها الليبرالية في الغرب، وترجم اللفظ
إلى "الحرية" بالعربية لتسهيل ترويجه بين الناس، فكان الالتباس والخطأ
الشنيع، الذي جعل الكثير من أبناء الأمة يتشدقون بالحرية ويسمون حتى أحزابا بها!
مع أن الليبرالية هي مصطلح كفر لا علاقة للإسلام به، وكلمة الحرية في العربية هي
ضد الاسترقاق أي تعني الحرّ الذي ليس بعبد مسترق، وهذا المعنى ليس فيه مشكلة، فهو
موجود في الإسلام، بل ارتبطت به أحكام شرعة كثيرة، ولكن تحول اللفظ إلى مصطلح
بمعنى آخر، لذلك لا يجوز استخدامه بهذا المعنى، وإنما يوضع له لفظ آخر، وهو
"الحريات" لإزالة الشبهة عند الناس، وذلك كما نهى الشرع المؤمنين من
استخدام كلمة "راعنا"، فهي مصطلح عند اليهود بمعنى سيء، مع أن معناها في
العربية معنى لائق، ولكنها عند يهود كلمة غير لائقة لذلك نهينا عنها.
ولكن طالما أن مصطلح الحرية ليس من الإسلام
فما هي الكلمة أو المصطلح المناسب لما نراه من منع لأبسط الحقوق والواجبات
الشرعية؟ مثل طلب الرعاية والعيش الكريم من الحاكم، أو الشكوى من ظلم الحاكم أو
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ إن الكلمة المناسبة لا تعدو ما نعلمه من المقولة
الشهيرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، حينما قال عندما ظلم ابن واليه على
مصر القبطيَ: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً؟"،
فالكلمة المناسبة لما نراه من ظلم الآن، أو في العهود السابقة والتي بعدها إلى عهد
الفريق السيسي حاليًا، هي كلمة "الاستعباد"، هذا الاستعباد الذي وصل إلى
حد القتل والتشريد والمداهمات ورفض الشكوى، وكذلك التشريعات والقوانين الظالمة
التي تجعل الحياة جحيمًا كما نرى الآن: ظلم في كل مناحي الحياة، وذلك لأن أبرز
أشكال الاستعباد هي التي تتحكم فينا؛ ألا وهو أن يشرع لنا أشخاصٌ نظامَ حياتنا من
عند أنفسهم، فنعبدهم من دون الله! أو يسيطر على حياتنا عدو من غيرنا كالمستعمر
الأمريكي فيشرع لنا،... فهذا الاستعباد بهذا المفهوم حرام كما أن الحرية بمفهومها
الغربي حرام!
ولكن كما أن للحرية الحرام مخرج منها بما
جعله الله سبحانه لنا من عبادته وحده دون سواه، فالمخرج من الاستعباد كذلك لا يكون
إلا بالتحرير، ولا تحرير حقيقيًا يمكن أن نسميه تحريرا إلا بالإسلام، وهذا هو الذي
عبر عنه ربعي بن عامر رضي الله عنه رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس، وهو
يسأله: «ما الذي جاء بكم؟» فيقول: «إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد
إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى
عدل الإسلام». والله المستعان.
No comments:
Post a Comment