Wednesday, October 2, 2013

الحماقة الأمريكية تتكرر في أرض الكنانة

الحماقة الأمريكية تتكرر في أرض الكنانة
الكاتب: الدكتور ياسر صابر
مقالات  - 2013/10/01م
حين بدأت ثورة الشام، لم تكن أمريكا تملك البديل لبشار كما كانت تمتلكه في أرض الكنانة  لمبارك، فكان خيار استبدال بشار بعميل آخر غير ممكن، فلم يسهل عليها سرقة الثورة كما فعلت في مصر. ورأت أمريكا أن الطريقة المثلى للتعامل مع ثورة الشام هو إطلاق يد عميلها الأسد ليفتك بأهل الشام، ظانة أن آلة القتل الوحشية التى تمدها كل دول العالم بالسلاح سوف تكون كافية لتركيع أهل الشام. ولكنها مع مرور الوقت لم تر من أهل الشام إلا كل عزيمة وإصرار لاستكمال ثورتهم، وأمام تآمر العالم كله على هذه الثورة لم يكن أمام أهل الشام إلا أن يلجئوا إلى الله.
وبالفعل عرفت الثورة طريقها إلى الله فرفعت شعار التحرر من النظام الدولي والتحرير الحقيقى وإقامة دولة الإسلام في الشام، أو بكلمات أخرى تشكلت ثورة إسلامية بما تحمله الكلمة من معانٍ. وأمام الغرور الأمريكى بدأت الشام في التفلت خطوة خطوة من السيطرة الأمريكية، ولما ظهر الدور الأمريكى في عدائه المباشر لثورة الشام، ازدادت الثورة تحدياً وإصراراً.
وأمام الوعي الذى تشكل في الشام ذهبت كل محاولات أمريكا في صنع بدائل لبشار أدراج الرياح، وتساقطت الائتلافات بعضها تلو بعض، وفشلت جميع المبادرات التى حاولت بها معالجة أخطائها.
إن الحماقة التى ارتكبتها أمريكا في الشام هو اعتقادها أن الخيار العسكري الأمني القمعي يمكن أن تعتمد عليه كما اعتمدت عليه في الستين عاماً الماضية، ولم تدرك بعد أن الأمة الآن ليست كمثلها قبل 60 عاماً، فالأمة الإسلامية قد بدأت كسر القيود في سيدي بوزيد وتخطت جبال الخوف التى صنعتها أمريكا وغيرها من الدول الاستعمارية بأيدى عملائهم، ولم تدرك أمريكا بعد أن الأمة بدأت حركتها في اتجاه واحد لا يمكن أن ترتد عنه أبداً، إلا وهي محررة تحررًا كاملا من سيطرة الكافر المستعمر.
لقد كان سلوك أمريكا في التعامل مع ثورة الشام في غاية الحماقة، والأصل أن تتعلم منه، ولكن غرورها حال دون ذلك، وها هي تكرر نفس التجربة في مصر، حيث انحازت إلى الخيار الأمني والعصى الغليظة، بدعمها للانقلابيين بعدما أعطتهم الضوء الأخضر، وها هم يراهنون الآن على أنهم بالخيار الأمني قادرون على وضع الأمور تحت السيطرة.
إن العودة للخيار الأمني هو ارتداد لأمريكا حسب مقاييسها، فقد أدركت عدم جدواه منذ أيام مبارك، ولكن المتأمل في هذه الردة لا يرى لها أي مبررات سوى التخبط السياسي الأمريكي، فبوادر فشل الانقلاب في مصر بدأت تلوح في الأفق، وأمريكا تدرك ذلك، ولكن بدل أن تعالج هذا الفشل، ها هي تعالجه بفشل آخر!
إن الأمة التي بدأت تتنفس رياح التحرر لا يمكن أن تتنازل عنها... ولو كلفها هذا آلاف الضحايا، لأن الأمة قدمت في الأعوام المائة المنصرمة ملايين الضحايا، دون أن تحصد من وراء ذلك أي شيء. والمتأمل في طبيعة الأجيال الجديدة ونفسياتهم يجد نوعية أخرى لم يعتدها مجتمعنا في سابق عهده، فجيل الأبناء الآن يختلف اختلافاً جذرياً عن جيل الآباء. فجيل الخمسينيات والستينيات استمرأ الخضوع والذل للحاكم المستبد، فقتله الخوف، بينما جيل اليوم تتفجر منه شرارات العزة والتحرر، جيل مستعد أن يقدم أغلى ما عنده... بل قدم بالفعل أغلى ما عنده في مدة زمنية قصيرة كي ينتزع كرامته ويحرر أمته من سيطرة الكافر المستعمر.
لذلك فإن دعم أمريكا للخيار الأمني في مصر لا يمكن أن يعتبر إلا حماقة تضاف إلى حماقتها في سوريا، فها هو الشارع في مصر أصبح يدرك أخطاءه التي وقع فيها والتي أدت إلى سرقة ثورة يناير، ومن يقارن مسيرات اليوم بغيرها أيام ثورة يناير يدرك الاختلاف النوعي في طبيعتها، ويمكن القول إن استمرار التعامل الأمني مع الشارع لن يجعل أمام الناس سوى خيار واحد، وهو العودة إلى الله في توجههم كله... تماماً كما حدث في سوريا، وبالتالي ستختفي من الشارع في مصر جميع الرؤى المسجونة في إطار سايكس بيكو لتعرف طريقها إلى الأممية، فتنصهر ثورة مصر مع ثورة الشام وتأخذ طريقاً واحداً لا ثاني له، وهو العمل على قلع النظام بكل ما تعنيه الكلمة وتحرير مصر من التبعية الأمريكية وإعادتها إلى أصلها جزءًا من الأمة الإسلامية قائدة لها بالإسلام.
إن الوقت ليس في صالح الانقلابيين ولا في صالح أمريكا التي تقف خلفهم، بل هو في صالح الأمة وعملها من أجل التغيير الحقيقي. ولقد تجاوز الشارع الآن مسألة عودة حاكم تم عزله، فقد أدرك كثير من الناس أن وجود حاكم قاموا بانتخابه لم يكن ليغير في الأمر شيئاً ما لم يتغير معه النظام. وها هم الآن يعملون بإصرار على تغيير هذا النظام.
إن تفكير أمريكا لم يتجاوز بعد مسألة الانقلاب للتفكير فيما بعده، ولم تكن تتخيل أنها ستجد إصراراً في الشارع على مسيرته، ولم تكن تعقل أن الدماء التي سالت سيولد معها في كل بيت ثائر جديد. إن أمريكا لا تعرف إلى الآن كيف تُسير حكومة انقلابية... كل من فيها ليس له أي وجود حقيقي في المجتمع... إن لم يكونوا بالأصل منبوذين فيه! فكل من ركبوا موجة الانقلاب قد ظنوا أنهم بركوبهم هذا سيدعمون استئصال التيار الإسلامي من مصر، الذي كان هاجسهم الكبير في جميع الاستحقاقات السياسية السابقة، ولكن غاب عن ذهنهم أنهم إن استطاعوا التضيييق على التيار الإسلامي فإنهم لن يستطيعوا محو جذوة الإسلام التي تتقد في صدور أهل الكنانة كل يوم، لأنهم لا يحركهم شيء سوى الإسلام.
وخلاصة القول: لقد شاء الله لهذه الأمة أن تتحرر... وها هو عدوها الذي جثم على صدرها لعشرات السنين يتمادى في غبائه ليدفع الأمة دفعاً نحو التغيير الحقيقي، وإن كان السبب في ذلك هو الغرور الذي وصل مبلغه في عقول ساسة أمريكا، إلا أن الوعي الكبير الذي بدأ يدب في الأمة يلعب الدور الأكبر في إفقاد أمريكا القدرة على التخطيط الناجح ونسج استراتيجيات حديثة للتعامل مع المتغيرات الجديدة.
بقلم/ الدكتور ياسر صابر مفكر سياسي إسلامي

No comments:

Post a Comment